للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


هدايا وتقاريظ

(الحسبة في الإسلام أو وظيفة الحكومة الإسلامية)
كان شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى مجدد علم الدين،
ومحيي السُّنة في أول القرن الثامن للهجرة الشريفة، وكان قد بعد عهد المسلمين
بأخذ أحكام دينهم من الكتاب والسنة، كما كان سلفهم في القرون الثلاثة، فأراد
الرجوع بهم إلى ذلك فألَّف في أهم المسائل كتبًا ورسائل يستمد فيها من ذلك الينبوع
الأعظم، ويذكر أحيانًا خلاف الأئمة المشهورين، ومن أعظم تصانيفه فائدة رسالة
الحسبة، أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي رسالة تبلغ زهاء ١٠٠
صفحة، وقد طُبعت في مطبعة المؤيد على أجود ورق، فينبغي أن يطَّلع على هذه
الرسالة كل مسلم؛ لأن ركن الحسبة هو الركن الذي يحفظ سائر الأركان الإسلامية،
وإهمال الأمر والنهي هو الذي أضاع الدين، ولو أقيم لقام عليه بناؤه إلى يوم الدين.
***
(معارج الوصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول)
وهذه الرسالة للإمام ابن تيمية أيضًا، وهي من أحسن ما كتبه، ومن أحسن ما
خدم به الإسلام، وقد تعرض فيها للرد على الذين حكَّموا أهواءهم في الدين من
الفلاسفة وبعض المتصوفة وغيرهم من الفرق الذين لم يرضهم أخذ الدين ببساطته
التي كان عليها في عهد السلف الصالح رضي الله عنهم، كما أقام الحجة على من لم
يرض الإسلام دينًا بالمرة، فنحث كل مسلم قارئ على مطالعتها.
***
(المظالم المشتركة)
طُبعت رسالة المعارج المنوَّه بها آنفًا في مطبعة المؤيد، وطُبع معها في الذيل
رسالة المظالم المشتركة، أي: التي تُطلب من الشركاء، وقد بين حكمها وكيفية
مراعاة العدل فيها بالنسبة للطالب والمطلوب، ولا يستغني المتدين المبتلى بهذه
المظالم من الاطلاع على هذه الرسالة، والمشتغلون بالعلم الإسلامي أحوج الناس
إلى الوقوف عليها، جزى الله مؤلف هذه الرسائل وناشرها خيرًا.
***
(كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة ومعرفة جيد الأعراض من رديها
وغشوش المدلسين فيها)
من يطلع على اسم الكتاب أو يسمع به، يظن قبل العلم بمؤلفه أنه من وضع
المتأخرين؛ لأن جهل الأكثرين منا بتاريخ سلفنا يوهمهم أنه لم يكن للتجارة عند
السلف من الشأن ما يحملهم على التأليف فيها؛ ولكن الكتاب من تأليف الشيخ أبي
الفضل جعفر بن علي الدمشقي من علماء القرون المتوسطة، وقد وجد في أحد نسخ
الكتاب أنه تم في سنة ٥٧٠، والظاهر أن هذا تاريخ تأليفه لا نسخه، وفي الكتاب
فوائد اقتصادية نافعة، ويُعْرَف منه تاريخ التجارة وحالها في تلك الأيام، فنحث
القراء على مطالعته.
***
(السياسة الشرعية في حقوق الراعي وسعادة الرعية)
كتاب وجيز ألفه بالتركية العلامة الشهير جمال الدين أفندي قاضي مصر
السابق تغمده الله برحمته، ونشره بالعربية بإذن الورثة الأديب الملقب بأصمعي،
والكتاب مشتمل على مسائل نافعة، ومباحث مفيدة في مشروعية السياسة، وأداء
الأمانة، واختيار العمال، والاستشارة، والقضاء، والإمارات والمصالح المرسلة،
ويتلو هذا فصل في الحقوق العمومية، يتكلم فيه عن الحبس والعقوبات والعمل
بالقرائن وبالفراسة، وأقسام المتهمين وعن الرشوة والسعاية، ويتكلم في فصل آخر
عن شروط الإمامة، وفي فصل آخر عن المشورة وتنظيمات أوربا، وفي فصل
آخر عن العدل والظلم، وفي فصل آخر عن الولايات والوزارات والحرب، وفي
فصل آخر عن الفضائل والرذائل، وفي فصل آخر عن تأثير الدين في الأخلاق،
ويلي ذلك فصول في الوعظ، وفي الإنسان، وفي السياسة، وفي طبائع البشر،
وفي أسباب ضعف الحكومات الإسلامية وانحطاطها، وفي الخلفاء الأمويين
والعباسيين والفاطميين، وفصل فيما أنتج اختلاف العلماء على الأمة وعدم
اجتماعهم على مصلحتها وما فيه نجاحها.
ومما نذكره مع الشكر لله تعالى، ثم للمؤلف أن في الكتاب اقتباسًا كثيرًا من
مجلتنا المنار، لا سيما في هذه الفصول الأخيرة؛ فإن معظمها مأخوذ بحذافيره من
مجلد السنة الأولى، وحسبنا حجة على المقلدين والموسوسين أن مثل هذا العالم
الكبير موافق لنا في رأينا، لا سيما في العلماء واختلافهم وعدم تكاتفهم على ما ينفع
الملة والدين، والكتاب مطبوع طبعًا متقنًا في مطبة دار الترقي العامرة، وثمنه
خمسة قروش أميرية، وهو ثمن بخس، ويباع في مكتبة الترقي ومكتبة الشعب في
شارع محمد علي وغيرهما.
***
(فصل الخطاب في المرأة والحجاب)
مصنف جديد ظهر في هذه الأيام لحضرة الفاضل محمد طلعت بك حرب،
وضعه للرد على كتاب (المرأة الجديدة) كما ألَّف كتاب (تربية المرأة والحجاب)
للرد على كتاب (تحرير المرأة) ، وقد سلك في هذا المصنف مسلك الإلزام،
فعرَّب بعض ما كان كتبه الفاضل قاسم بك أمين في المدافعة عن الحجاب ردًّا على
الدوق داركور الفرنسوي، واحتج من جهة الدين برسالة الاحتجاب التي ألفها قاضي
مصر السابق، ثم بجملة من شرح نهج البلاغة لصاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ
محمد عبده مفتي الديار المصرية، ثم بنبذ من ثلاثة أجزاء من المنار.
وبعد أن ذكر حكم المنار بغلو قاسم بك أمين في مسألة الحجاب واعتذاره عنه
بأنه إفراط في مقابلة التفريط في التشدد بالحجاب، حتى جعل مانعًا من العلم، وأن
غرضه الرجوع إلى الاعتدال وقوله - أي المنار -: فإذا انتهت هذه المناقشات
بانصراف همة الأمة إلى تربية وتعليم مع بقاء الحجاب نتقدم إلى الأمام، قال:
(هذا ما قاله حضرة صاحب المنار، وهو أحسن اعتذار يقدم من صديق لصديقه بما
ربما لم يكن في الحسبان، أو يخطر له على بال، فما داعية التحير والاختباط إذن
والمسألة بسيطة قد حلها أئمة الدين، والمغترفون من بحرهم - حتى الذين يقدِّس
رأيهم محرر المرأة - أعظم حل وأسهله) .
ثم أورد من مؤلف قاسم بك في الرد على الدوق داركور نبذًا في فضائل
الحجاب ومحاسنه وضرر التبرج والتهتك لم يأت بمثلها أحد ممن رد على كتابيه،
وفيها من التأثير في التنفير عما عليه نساء الإفرنج، والترغيب في الصيانة والعفاف
المقرونين بالحجاب، ما لم يوجد ما يقاربه في كلام مناقشيه، فدلنا هذا على أن
قاسمًا من أعلم الناس بمنافع الحجاب الشرعي، وبمضار الغلو فيه، وأنه يخاطب
كل قوم غلوا في طرف بالمبالغة في الطرف الآخر، فلما رأى الإفرنج يذمون
الإسلام والمسلمين لأجل الحجاب ألف كتابًا في منافعه بلغتهم ألقمهم فيه الحجر، ولم
يشرح فيه ما يعتقده من مبالغة المسلمين فيه، وجعلهم الجهل ضربة لازب على
النساء لأجله؛ ولكنه بيَّن هذا وبالغ فيه، بل تغالى للمسلمين ولم يذكر لهم شيئًا من
منافع الحجاب التي يعلمها ليرجعهم إلى الحد الوسط وهو الحجاب الشرعي الذي
يقطع السبيل على الفساق الذين يجنون على العفة في الخلوات، ويهتكون حرمة
الصيانة من وراء الأستار، ولا يقطع على النساء طريق التربية والتعليم اللذين
يصلن بهما إلى الكمال الممكن لهن، والاستقلال في شؤون الحياة، وبهذا تبين أن
اعتذارنا، بل بياننا قد أصاب كبد الحقيقة.
والقول الفصل: إنه يجب العناية بتربية النساء وتعليمهن، وإننا في التربية
النفسية أحوج، وإن أفضل سجايا النفس - لا سيما في النساء - العفة والصيانة،
وإنه لا يتم ذلك إلا بالتربية الدينية، وإن التربية قوامها وملاكها القدوة بالمعاشرة،
فإذا كان من يُراد تربيته يعاشر فاسدي الآداب والأخلاق يتربى على مثل ما هم عليه،
وإن أكثر بلادنا مبتلون بهذا الفساد نساءً ورجالاً، والنتيجة الصحيحة أنه يجب
حجب البنات اللائي يُراد تربيتهن عن النساء بقدر الإمكان، فما بالك بالرجال،
ومتى عمت التربية الصحيحة، أو غُلِّبت يكون لها حكم آخر، فليعمل لكل وقت ما
يصلح له العاملون {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} (الصف: ٣) .
***
(رحلة الصيف)
تشرف بالسفر مع حاشية الجناب العالي الخديوي إلى أوروبا في العام الماضي
صديقنا الأديب الفاضل عزتلو لبيب بك البتنوني، وقد زار كثيرًا من العواصم
الشهيرة، وطاف كثيرًا من المعاهد، وشاهد أبدع المشاهد، وكتب فيما رآه واختبره
بنفسه رحلة مطولة أودعها من فنون الفوائد وصنوف الاعتبارات ولطائف الفكاهات
ما تصبو إليه كل نفس، ويود الاطلاع عليه السياسي والاجتماعي والعالم والأديب
والمؤرخ، وطبعها طبعًا متقنًا على ورق جيد، وأهدى نسخها إلى فقراء المسلمين
بتقديمها إلى الجمعية الخيرية الإسلامية، فنحث أهل الفضل على مطالعتها لما فيها
من الفوائد التي يحن إليها كل ذي فضل، ونحث أهل الغيرة الإسلامية على اقتنائها
لما في ذلك من المساعدة على البر والإحسان، وهي تُباع في مكتبة الجمعية في قبة
الغوري، وفي جميع المكاتب الشهيرة، وسنتحف القراء ببعض فوائدها في جزء
آخر.