للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مذكرات مؤتمر الخلافة الإسلامية [*]

باقي محضر الجلسة الرابعة
(تابع لما نشر في الجزء الماضي)
وبعد الفراغ من تلاوة تقرير اللجنة قام حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ
محمد الأحمدي الظواهري وألقى الخطبة الآتية:
أبدأ حديثي باسم الله الرحمن الرحيم، وأقول: إني أشكر اللجنة جزيل
الشكر على ما أراه من غيرتها الدينية وحرصها على اتخاذها كل الوسائل التي
توصل إلى إيجاد حالة تسر المسلمين، ولا يرضون عنها بديلاً وهي إعادة مجد
الإسلام كما كان، وأن نعمل لنحفظ ذلك التراث العظيم.
ذلك الدين الذي يجب أن نفديه بأرواحنا، وأموالنا، وأن نعمل كما عمل
آباؤنا، وأن نلاقي على الأقل بعض ما لاقوه، أشكرهم شكرًا جزيلاً؛ لأني أرى ذلك
ظاهرًا في كل سطر من كلامهم، وأوافقهم كل الموافقة على ما قالوه من أن الهيئة
التي تملك البيعة لا بد أن يكون ممثلاً فيها كل الأقطار تمثيلاً يمنع الفتن التي عانى
الإسلام منها كثيرًا.
كفى ما لاقى المسلمون من المصائب والأحزان من جراء الخلاف على
الخلافة في هذه السنين الطوال، من عهد عمر رضي الله عنه إلى الآن، ذلك
الخلاف الذي كان هو المهلكة العظمى، والعامل الذي حفر القبر الذي كاد معاذ الله
يُدفن فيه الإسلام لولا أن الله يحفظ دينه، أقول بملء الارتياح كما قلت سابقًا: إن
هذه المسألة العظمى التي تتوقف عليها حياة الإسلام لا بد أن تجري على الوجه الذي
يمنع الفتن بين المسلمين في جميع الأقطار، ولا يوجد بينهم الحرب الداخلية عملاً
بأوامر الله تعالى، وما تقتضيه نظم العقل ونظم السياسة ونظم الاجتماع، فبكل
قلبي أوافقكم على أنه لا بد من هذا التمثيل. واسمحوا لي أن أقول دون أن أمس أية
عاطفة: إنه لا بد أن يكون هذا التمثيل معبرًا عن الرأي العام في كل قطر حتى
يكون المسلمون راضين وحتى نأمن شر الانقسام.
نحن لا نريد أن نعيد المهازل التي جرت في بعض البلدان كما جرت في
سالف الأزمان، نريد أن نعمل للإسلام عملاً جديًّا يرأب الصدع، فإن لم نعمل فلا
نهدم هذا هو ما ندين الله عليه وما نفديه بأرواحنا وما نشكر اللجنة عليه، وذلك ما
نريده من غير جدل ولا مناقشة بملء الصراحة وبدون أخذ ورد فيه؛ إلا أني أستسمح اللجنة في شيء آخر: أريد أن أًلاحظ على المادة الأولى ملاحظتين:
الأولى: أن اللجنة تعرضت لأمر البيعة، وأن هذا المؤتمر لم يشترك فيه
كثير من الأمم الإسلامية. وقالت: لم يوجد إلى الآن هيئة من أهل الحل والعقد تملك
حق البيعة، وأنا أقول: إن برنامج المؤتمر ليس فيه أمر البيعة، ولكني أشكرها؛
لأنها ذهبت في البحث إلى الصميم، وأوافقها فيه كل الموافقة.
الثانية: إن البت في أن الخلافة المستجمعة لشروطها المقررة في كتب
الشريعة لا يمكن تحقيقها بالنسبة للحالة التي عليها المسلمون الآن، نحتاج لأخذ آراء
الكثير من أمراء البلاد والسياسيين فيها وأهل الحل والعقد.
وقد قلنا في التقرير العلمي: إن أهل الحل والعقد هم الذين يطاعون في الناس
من العلماء والأمراء والأعيان، ومهمة اللجنة في هذا كانت صعبة وشاقة جدًّا.
وليعذرني المؤتمر في أن أقول: إنه لا يجوز لنا أن نقول: إن العالم
الإسلامي أصبح شراذم وجماعات، وفي الصف الثاني وأن نفت في عضد المسلمين،
أرى من العسير عليّ وعلى إخواني - والأسف ملء قلبي والحزن يشملني - أن
نعلن أننا اجتمعنا لنقول: إن المسلمين قد فقدوا كل حول وكل قوة. ولنقول: إن
المسلمين أصبحوا متفرقين في الأرض طوائف يستحيل اجتماعها على كلمة واحدة،
يعز عليَّ جدًّا أن نقول هذا ونقرره، وأن يكون هذا نتيجة مؤتمرنا.
وإذا كنا لسنا أهلاً لأن نبتّ في مسألة الخلافة؛ فكيف نكون أهلاً لأن نبت في
أن المسلمين قد فقدوا كل حول وقوة.
إننا كدينيين واجبنا [١] أن نقوي روح الإسلام في الناس، يعز علي جدًّا أن
نقول ذلك؛ لأن هذا شيء لا يجوز للديني أن يقوله، فيثبط عزائم المسلمين في بقاع
الأرض؛ إن الله يبعث من العدم قوة ومن التفرق جمعًا.
(فقال حضرة صاحب العزة وحيد بك الأيوبي: الإسلام الذي فيه أئمة أمثال
فضيلتكم لا يضعف إن شاء الله) .
وعاد فضيلة الأستاذ الشيخ الأحمدي فقال: كيف نقول هذه الكلمة التي سيكون
لها أثر فعال في المسلمين، وهي قضاء عليهم ثم نحاول أن نحيهم من جديد بلجان
وفي كم قرن يمكن ذلك.
أنتم ترون أن تعاليم الإسلام تؤخذ من كل جانب [٢] ، فإلى أن تعمل اللجان
يكون قد ضاع كل شيء، فأناشدكم الله أن تتدبروا فيما قالته اللجنة وليست المسألة
مسألة أخذ وردّ بين عضوين أو أكثر، المسألة أكبر من ذلك وأكبر من مؤتمرنا
وجيلنا، وهي الحد الفاصل بين الحرب المعنوية القائمة بين تعاليم شتى وبين تعاليم
الإسلام.
هذا الجاوي، وهذا الهندي، وهذا البولوني إنما يعيش في شعاع من الأمل فلا
يجوز لنا أن نقطع هذا الشعاع. (وهنا صفق الحاضرون تصفيقًا حادًّا) .
إني لقد أخذتني عبرة، وما كنت [٣] ولا كانت حياتي؛ إذا كان من عملنا أن
أقوم كأن أرثي الإسلام، وأن أستنهض رجال الإسلام، وأنتم أكثر غيرة مني.
فرجائي أن يقرر المؤتمر أن الخلافة الشرعية ممكنة، وأن بيعة الخلافة يجب
أن تكون من هيئات ممثلة لشعوب المسلمين على وجه يمنع الفتن، ويظهر [٤]
الوحدة كما هو الغرض الأسمى من الخلافة، وألا تكون على الوجوه التي تثير الفتن
بأن تجتمع جماعة هنا، وجماعة هناك لمبايعة زيد وعمرو.
إن الخلافة ممكنة ولكن وسائلها لم تعد للآن، ومن أهم وسائلها أن يدعى
الناس جميعًا (؟) ليمثلوا طبقاتهم ليمكنهم أن يبتوا في هذا الأمر وفي هذا الواجب
المقدس.
نحن ندعو المسلمين جميعًا إلى ألا يهملوا الأخذ بالواجب المقدس، وعلى
الشعوب أن تستحث أممهم [٥] لعقد اجتماع جامع يمكنه أن يبت في مسألة الخلافة،
وإلا فلو طال الزمن لماتت الخلافة، وأصبحنا كإبل بلا راعٍ.
نرجو أن نلم شعثنا ونوحد وجهتنا، فعلى المسلمين جميعًا أن يعملوا لإيجاد
هذه الهيئة الجامعة.
لعلي بهذا أكون قد وفقت بين مطالب الإسلام وما قررته اللجنة.
قولوا: إن الأمر ممكن، وحضوا المسلمين على أن يعملوا ليل نهار لتحقيقه
وإلا كنا آثمين، ولتكن مأمورية (؟) هذا المؤتمر توجيه رسالة إلى العالم الإسلامي
بما قلته.
فاللازم أن يكون في صيغة القرار المذكور في المادة الأولى من التقرير إمكان
إيجاد الخلافة المستجمعة للشروط الشرعية بدل عدم إمكانها إذ ما المانع من أن يتاح
للأمم الإسلامية الاتفاق والاتحاد فيما بينها وتتعرف ما سببته هذه الفرقة فتتكاتف
جميعًا وتضع يدها في يد من تجعله خليفة لعموم (؟) المسلمين عملاً بأوامر الدين
الحنيف، لا شك أن هذا ممكن ولا استحالة فيه أصلاً متى عالج المسلمون ذلك،
وقاموا متساندين وأوجدوا كل الوسائل التي تؤدي إلى هذه الغاية الشريفة أهـ.
وعلى أثر فراغه من خطبته قال حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عطاء الله
الخطيب مقرر اللجنة:
أشكر فضيلتكم شكرًا جزيلاً باسم اللجنة، وأشكركم على ما أبديتموه من
الحماسة، وأعرض على حضرات الحاضرين أن اللجنة في قرارها لم تكن مخالفة
للرأي الحسن الذي أبديتموه، والاختلاف بين رأيكم وما تريده اللجنة اختلاف لفظي
فقط وإلا فالمعنى واحد؛ إذ كيف يمكننا أن نقول: إنه ليس في المسلمين اليوم من
يستحق أن يكون بهذه الصفة، وقد كان هذا مثار بحث في اللجنة، غير أن أفكارنا
لم تتسع لمعرفة الموجودين، ويؤيد قولي هذا انعقاد المؤتمرات في بلاد العالم وهذا
ليس اعترافًا بعدم الوجود.
وقال حضرة صاحب الفضيلة الشيخ محمد حبيب العبيدي: الخلاف بينكما
لفظي فقط. ويجب السعي على جميع المسلمين فلا تفتروا ساعة من نهار عن القيام
بهذا الواجب. وإنكم لتعلمون أن الخلافة واجبة في الإسلام وإهمال الواجب إثم
فيجب على المسلمين أن يتخلصوا من هذا الإثم. وأن الخلافة فرض كفاية.
وقال حضرة صاحب الفضيلة الشيخ إسماعيل الخطيب: إذا كان الخلاف
لفظيًّا، فأرى وجوب حذف العبارة التي تجعل اليأس في قلوب المسلمين وتوهم أننا
نحفر حفرة في الإسلام.
وهذه العبارة هي من قوله: ظهر جليًّا مما تقدم إلى قوله كما أنه لم يشترك في
هذا المؤتمر كثير من الأمم الإسلامية التي دعيت للاشتراك (؟) .
فوافق المؤتمر على ما ذكر.
وقال حضرة صاحب الفضيلة الشيخ حسن أبي السعود: أرى أن ينشر تقرير
اللجنة في الصحف محذوفًا منه الجملة المذكورة.
فوافق المؤتمر على ذلك.
ثم قال حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عطاء الله الخطيب مقرر اللجنة: هل
لأحد من حضراتكم بعد ذلك سؤال يتعلق بتقرير اللجنة؟
فلم يسأله أحد شيئًا.
فقال قبل أن أرجع إلى مكاني: أشكر حضرات الأعضاء على حسن ظنهم
باللجنة.
وقال حضرة صاحب الفضيلة الشيخ إبراهيم الجبالي: أتقدم لحضرات
الأعضاء بالشكر الجزيل على هذه الغيرة الدينية، وأبدي سروري بهذه العاطفة التي
تجلت أخيرًا وكانت كامنة من قبل، وهي أننا مسلمون، اجتمعنا من مشارق
الأرض ومغاربها لإعزاز وطن عام لنا هو الإسلام، اجتمعنا لأجل إحياء هذا
الوطن العام؛ فوسيلتنا واحدة وغايتنا واحدة وكأن غمامة كانت بين نفس هذا وذاك
فزالت، وأشكر الله أن تجلت النفسية للجميع، وأصبحنا كلنا متفاهمين على غاية
واحدة وغرض واحد.
لقد أبان فضيلة الأستاذ الشيخ الأحمدي أجلى بيان، وأبدى من الغيرة الدينية ما
نعهده فيه من قبل، وكأنما كان يحدث بما في النفوس وبما انطوت عليه القلوب مما
دل على أن الغاية واحدة، وأن الكل ينشدون الحق، وناشدوه لا بد أن يتلاقوا، هذه
حالة أُبدي اغتباطي بها.
وعلى ذلك تحددت مهمتنا ووصلنا إلى نتيجة، وكأننا كنا نتألم لتفرق وحدتنا،
وأن كل شعب منعزل عن أخيه لا يشعر بما يشعر به. وأنَّ الواجب أن تتضام تلك
الشعوب وتتساند حتى لا يكون كل شعب بمعزل عن الآخر، بل يكون الجميع كتلة
واحدة في الظاهر، كما هم -ولله الحمد- في الباطن، ويكون ما يرجوه المؤتمر من
تشخيص الداء ووصف الدواء قد تحقق، والأمر من الخطورة (؟) بحيث لا يكفي
فيه مؤتمر واحد، فليكن هذا نواة لما بعده، ولتكن مهمتنا قد انتهت الآن.
نقول: الخلافة واجبة وهي ممكنة في كل وقت ولم نصل بعد لتحقيق طرق
إيجادها، ولا أوصلنا البحث عمن يتصف بها اتصافًا تامًّا ولم يجتمع فيما بيننا من
يأخذون على عهدتهم تحقيقها، ولكن هذا إذا قيل الآن فلا يقبل من المسلمين أن
يسكتوا عليه.
فيا أيها المسلمون في كل إقليم جدّوا في البحث عمن تتحقق فيه وأنقذوا دينكم
وأجمعوا أمركم، ويد الله مع الجماعة.
ثم رفعت الجلسة للاستراحة وصلاة المغرب إذ كانت الساعة السابعة مساءً،
ثم عادت إلى الانعقاد إذ كانت الساعة الثامنة مساءً.
فاستأذن حضرة صاحب الفضيلة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري، وقال:
بناءً على ما تقدم أعرض على هيئة المؤتمر صيغة قراريصدره المؤتمر معدلاً
لتقرير اللجنة، اشتركت في وضعها مع حضرات أصحاب الفضيلة الأساتذة الشيخ
أحمد هارون والسيد محمد الببلاوي والشيخ حسن أبي السعود والشيخ محمد عبد
اللطيف الفحام والشيخ خليل خالدي والشيخ إبراهيم الجبالي وهي:
(قرر المؤتمر، أن إيجاد الخلافة الإسلامية الشرعية ممكن فيجب على
المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تهيئة أسبابها ووسائلها، وإعداد ما يلزمها
من عدة) .
ويرى المؤتمر، أنه يجب أن يراعي في تحقيقها الوجه الذي لا يفرق جماعة
لا المسلمين ولا يثير الخلاف بينهم، ولذلك يقرر أنه لابد لذلك من تمثيل جميع
الشعوب الإسلامية تمثيلاً تامًّا في اجتماع يحضره مندوبو الأقطار الإسلامية في أي
قطر يختاره المسلمون للاجتماع ليتشاوروا فيما يجب عمله لإيجاد الخلافة المستجمعة
للشروط الشرعية. ويرى أن هذا المؤتمر لم تمثل فيه جميع الشعوب الإسلامية
تمثيلاً تامًّا، وهو يوجه نداءه إلى جميع المسلمين في سائر أقطار الأرض، ألا
يهملوا أمر الخلافة التي هي روح الإسلام ومظهره، وأن يعملوا جميعًا لتحقيقها
على الوجه المذكور أداءً لهذا الواجب وخروجًا من الإثم بتركه أهـ.
فقال حضرة الأستاذ الثعالبي أفندي: نحن جميعًا الممثلين للشعوب الإسلامية
هنا لا نرى قطرًا أولى وأحق بعقد ذلك الاجتماع من القطر المصري فقد رأينا هنا
من الحرية في الرأي وسعة الصدر ونزاهة المقصد، ما لا يمكن أن يكون في قطر
آخر خصوصًا موقع مصر الجغرافي ومنزلتها العلمية والدينية فإن ذلك يجعلها من
العالم الإسلامي بمنزلة القلب.
فقال حضرة صاحب الفضيلة الشيخ إبراهيم الجبالي: أقترح أن تحذف جملة
(في أي قطر يختاره المسلمون للاجتماع) وتبقى الصيغة كما هي.
فقال حضرة الأستاذ الثعالبي أفندي: نحن لا نتركها مبهمة مطلقًا، بل يجب
أن ينص على تعيين المكان الذي يعقد فيه الاجتماع وهو القطر المصري، ولا
تترك ذلك لاختيار آخر بعد أن رأينا هذه النزاهة وهذه الحرية في الرأي.
وعند ذلك قام جميع الوافدين من الشعوب الإسلامية وقالوا: نحن نوافق الأستاذ
الثعالبي أفندي على كل ما قال، ونؤيده في أن مكان الاجتماع يكون في القطر
المصري للأسباب التي ذكرها.
فقال فضيلة الأستاذ الشيخ الظواهري: أرجو أنه إذا كان لا بد من تعيين
مصر مكانًا للاجتماع المقبل فليكن ذلك بعد وصول حضرات مندوبي الشعوب إلى
أقطارهم واستفتائهم فيما يختارونه من ذلك وليتفضلوا بمكانتنا بعد وقوفهم على رغبة
شعوبهم في مكان الاجتماع.
فقال حضرة الأستاذ الثعالبي أفندي: ليس هناك من حاجة مطلقًا إلى استفتاء
الشعوب بعد أن حضرنا هنا نمثلهم فكلمتنا تعبر عن رأيهم.
فقال حضرة الأستاذ وحيد الأيوبي بك: إن حضرات الوافدين ضيوفكم وهم
يطلبون أن يكون اجتماعهم عندكم فلماذا لا توافقونهم.
فقال حضرة صاحب الفضيلة الشيخ إبراهيم الجبالي: أقترح بقاء صيغة
الاقتراح الذي تلاه فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الأحمدي الظواهري، وأن يثبت فيها
أن الاجتماع يكون في القطر الذي يختاره مندوبو الشعوب الإسلامية فيها أن
الاجتماع يكون في القطر الذي يختاره مندوبو الشعوب الإسلامية، ويذكر بجوار
ذلك أن حضرات الوافدين من الشعوب الإسلامية طلبوا أن يعين مكان الاجتماع وأن
يكون بمصر القاهرة.
فوافق المؤتمر على ذلك ما عدا حضرة صاحب الفضيلة الشيخ محمد بخيت،
ثم اقترح حضرة جمال الحسيني بك صيغة الاحتجاج الذي وافق عليه المؤتمر
بمناسبة حوادث دمشق.
فوافق المؤتمر على أن يكون الاحتجاج بالصيغة الآتية:
(تلقى مؤتمر الخلافة الإسلامي العام المنعقد في عاصمة الديار المصرية
برقيات عن الفظائع المريعة التي ارتكبت في مدينة دمشق عاصمة الخلفاء الأمويين
من إحراق وتهديم لمساجد الله وغيرها بالقنابل وجميع آلات التدمير والإهلاك
وتقتيل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال والعجزة، فقرر الاحتجاج
على ذلك لدى عصبة الأمم وحكومة الجمهورية الفرنسية، والرأي العام، وأن
يطلب باسم الإنسانية عامة إنصاف سوريا المفتجعة التي تستصرخ العالم الإنساني
أجمع) .
ثم قال حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبد المجيد اللبان: إني أحترم فيكم
أصالة الرأي، وأقدر لكم قوة الإرادة وأشكر أمما أنابتكم لتمثيلها، إنكم مرآة أرتنا
صور شعوب نحترمها، ونعتبر أننا معها أعضاء جسم واحد إذا اشتكى بعضه
تداعى إليه سائره.
نقدر لكم ما تجشمتم من المشاق وما قمتم به من الأعمال الجليلة، ونسأل الله
أن يجزيكم خيرًا.
إن مؤتمرنا هذا ليس كسائر المؤتمرات؛ بل له منزلة فوقها.
ليس كمؤتمر جغرافي ولا كمؤتمر زراعي، بل هو أول مؤتمر ديني عقد في
أكبر عاصمة إسلامية شرقية؛ فله من الاعتبار ما ليس لغيره، وإنه لتستفيد منه
الأمم الإسلامية، وتعتبر أنه ألف من نخبة علماء الأمصار الذين لهم في إصلاح
شؤونها رأي سديد؛ اجتمعنا وقررنا ما قررنا فهل لي أن أقول لحضراتكم: إن
وظيفتنا وإن كانت هي النظر في أمر الخلافة، فهل لنا أن نفكر في شؤون المسلمين
عامة. هل لنا أن نقول لحضراتكم يلزمنا نحن العلماء والمفكرين أن ننظر فيما
يصلح حال المسلمين في سائر أقطار الأرض يقول الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (الحج: ٢٧-٢٨) فسن الله تعالى لنا بذلك ثمرة الاجتماعات.
وهذا الاجتماع يصح أن نتعرف منه شؤوننا، يصح أن يبث كل منا لإخوانه
ما عليه أمته حتى نعرف الداء ونصف الدواء، ويكون هذا المؤتمر هو النواة التي
تثمر الخير إن شاء الله تعالى. إن الإسلام دين العزة ودين القوة ودين السعادة تمسك
به آباؤنا فعزوا وسادوا وقوي بأسهم وأهملناه فأُهْمِلنا.
هل ترون حضراتكم أن تكون حالنا متأخرة وقد كان آباؤنا في الدرجة الأولى
من التقدم؟ !
ليس لنا من الشؤون الاقتصادية ما ينهض بنا، ليس لدينا من الأخلاق ما يوجب
تقدمنا.
تأخرنا وتقدمت الأمم، فأقترح على حضراتكم أن تدوم الصلة بيننا وألا يكون
هذا المؤتمر آخر مؤتمر عقد للنظر في أمر إسلامي، انتهينا من أمر إبداء رأينا في
شأن الخلافة فعلينا أن نعقد المؤتمر تلو المؤتمر للنظر في الشؤون الأخرى.
ثم أذن حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الرئيس في تلاوة اقتراح من
حضرة الأستاذ وحيد الأيوبي بك تضمن طلب حل المؤتمر حيث أن مهمته قد انتهت
فتلاه محمد قدري أفندي نائب السكرتير العام.
فوافق عليه المؤتمر.
ثم قال حضرة الأستاذ عبد العزيز الثعالبي أفندي: الآن يجب علينا أن نشكر
حضرات علماء مصر على العمل العظيم الذي قاموا به، ونشكر سكرتارية المؤتمر
على ما بذلته من مجهود وما قامت به من عمل، ونشكر الحكومة المصرية على
سعة صدرها للسماح لنا بهذا الاجتماع، ونشكر جلالة ملك مصر المعظم على هذه
الحرية التي تجلت لنا في أكبر مظاهرها.
ثم نادى بحياة جلالة الملك فردد الحاضرون نداءه.
ثم أعلن حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الرئيس حل المؤتمر شاكرًا
لحضرات الأعضاء تفضلهم بالحضور إلى القاهرة وما أبدوه من الغيرة الدينية
والاهتمام بشؤون المسلمين وما أتوا به من عمل في المؤتمر وداعيًا الله سبحانه
وتعالى أن يوفق المسلمين لما فيه الخير.
وانقضت الجلسة الساعة التاسعة والثلث مساءً.
نائب السكرتير العام ... ... ... ... ... رئيس المؤتمر
إمضاء (محمد قدري) ... ... ... ختم (محمد أبو الفضل)
***
قرار
المؤتمر الإسلامي العام للخلافة بمصر
في ٧ ذي القعدة الحرام سنة ١٣٤٤هجرية - (١٩ مايو ١٩٢٦ ميلادية)
قرر المؤتمر الإسلامي العام للخلافة بمصر في جلسته المنعقدة في يوم
الأربعاء ٧ ذي القعدة الحرام سنة ١٣٤٤هجرية (١٩ مايو سنة ١٩٢٦ميلادية) أن إيجاد الخلافة الإسلامية الشرعية ممكن، فيجب على المسلمين في مشارق
الأرض ومغاربها تهيئة أسبابها ووسائلها وأعداد ما يلزمها من عدة. ويرى المؤتمر
أنه يجب أن يراعى في تحقيقها الوجه الذي لا يفرق جماعة المسلمين، ولا يثير
الخلاف بينهم. ولذلك يقرر أنه لا بد لذلك من تمثيل، جميع الشعوب
الإسلامية تمثيلاً تامًّا في اجتماع يكون بالقاهرة، ويحضره مندوبو الأقطار الإسلامية
ليتشاوروا فيما يجب عمله لإيجاد الخلافة المستجمعة للشروط الشرعية، ويرى أن
هذا المؤتمر لم تمثل فيه جميع الشعوب الإسلامية تمثيلاً تاماً. وهو يوجه نداءه
إلى جميع المسلمين في سائر أقطار الأرض ألا يهملوا أمر الخلافة
التي هي روح الإسلام ومظهره وأن يعملوا جميعًا لتحقيقها على الوجه المذكور أداء
لهذا الواجب وخروجًا من الإثم بتركه.
٨ ذي القعدة الحرام سنة ١٣٤٤هـ ... ... شيخ الجامع الأزهر
٢٠ مايو سنة ١٩٢٦ م ... ... ... ... ورئيس المؤتمر
... ... ... ... ... ... ... ... محمد أبو الفضل