للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مختارات من الجرائد
فصل الدين عن السياسية [١]
من جملة بنود بروغرام الوزارة البلجيكية الجديدة مساعدة المبشرين للدين
المسيحي على تنصير أهل الكونغو الوطنيين.
وهذا البروغرام قد قُرئ في المجلس النيابي وجرى قبوله مع أن أكبر حزب
في بلجيكا هو حزب الاشتراكيين إذا قيس بكل من سائر الأحزاب السياسية في هذه
البلاد، ومعلوم أن حزب الاشتراكيين غير متدين لكنه لم يعترض.
ونحن لا يسوءنا أصلاً أن يتنصر أهالي الكونغو ويتخلصوا من الفتيشية ولا
نخشى أن النزر من المسلمين العرب الذين في تلك البلاد يتحولون عن الإسلام،
كما أننا نعتقد أن مرمى الحكومة البلجيكية في مشروع الدعاية المسيحية هو
الفتيشيون الذين هم الأكثرية في الكونغو، لذلك فكلامنا ليس من باب الاعتراض
على مشروع التنصير الذي قرَّرت الحكومة البلجيكية معاضدته، ولكن مقصودنا من
هذا الخبر شيء آخر، وهو أن الحكومات المتشبعة بروح المدنية لا تعادي الدين
كما يقول بعض الملحدين، بل هي تعاونه وتتزلف بنشره إلى شعوبها.
وعلى كل الأحوال فدولة بلجيكا دولة مدنية تامة الإرادة.
وعلى كل الأحوال أمة بلجيكا أمة متمدينة راقية لا تنحط عن أمة أخرى
أوربية في سلم الاجتماع ولا في درجات الثقافة.
وهي مع ذلك تجعل من أركان بروغرامها نشر الدين المسيحي في مستعمرة
الكونغو التي هي من أعظم مستعمرات أوربة في أفريقية وأغناها.
إذن المدنية تجتمع مع الدين
إذن الحكومة تتصل بالكنيسة.
إذن اللادينية ليست شرطًا من شروط الحضارة الأوربية.
إذن بلجيكا أمة مسيحية، لا تزال مسيحية وحكومتها تتقرب إليها بإعلان نشر
الدين المسيحي.
إذن هذه الدعاية الدينية لن تضير رقي بلجيكا شيئًا.
إذن الحكومات الشرقية التي تزعم أنها إنما تقطع صلتها بالدين الإسلامي
اقتداء بحكومات أوربة التي بزعمها قطعت صلتها بالدين المسيحي إنما هي حكومات
تضلل أفكار السُّذَّج من رعيتها وتموه عليهم وتقصد حربًا وتوري بغيرها.
إذن هذه الحكومة كاذبة فيما تزعم، وإذن ناشرو دعايتها في مصر والبلاد
العربية كاذبون أيضًا.
إذن على الأمة المصرية وعلى الأمة العربية جمعاء أن يتنبهوا للحقائق.
بروكسل ١٦ ديسمبر (ش)
(المنار)
من الجلي الواضح أن الكاتب يعني أن الحكومة التركية كانت تقصد حرب
الدين الإسلامي وتدعي أنها إنما تتبع مدنية أوربة الراقية، وقد برح الخفاء وظهر
غرضها لكل أحد.
***
الإسلام في أميركا
قسيس مسيحي يسلم
نشرت إحدى المجلات الأمريكية بحثًا ممتعًا لراهب جزويتي تناول فيه مسألة
سرعة انتشار الدين الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومما جاء فيه:
لقد أخذ الإسلام ينتشر بسرعة مدهشة في جميع أنحاء الديار الأمريكية،
ويبذل ناشروه جهدًا عظيمًا في هذا السبيل حتى عم القرى والمدن الأمريكية، وكلما
حل بجهة اتخذ له مقامًا فيها بشكل محفل أو لجنة أو جمعية يرأسها أناس من
المسلمين.
وفي أميركا خمسة مراكز إسلامية عالية: أهمها مركز نيويورك وأعضاؤه
١٣٥ شخصًا ثم مركز ديترويت ثم مركز أنديانانوس وأعضاؤه ٣٦ شخصًا. وإمام
المسجد مسلم من إفريقيا، وفي سنت لويس ٧٥ مسلمًا، ويرجع الفضل في ذلك كله
إلى قسيس مسيحي أسلم، وقام بمهمة التبليغ بالإسلام بين عامة الشعب وقد كلل
جهاده بالنجاح.
وهناك أيضًا سبعين عضوًا من عِلْيَة الأميركيين يقومون بوظيفة تبليغ الدين
الإسلامي ونشره في الأرجاء الأميركية، ولقد صار مركز المسلمين الأميركيين في
بلدة (ووتوكارو) وفيها مسجد شامخ.
وقد كثرت المساجد في أميركا، والصلاة تقام فيها في كل أوقاتها بانتظام
مستمر، وقد أثرت وأثمرت تعاليم الدين الإسلامي في قلوب الكثير من أبناء أميركا.
... ... ... ... ... ... ... ... ... الجامعة العربية
***
النصب الصهيوني
جامع عمر وهيكل سليمان
في العام الماضي نشرت جريدة الحرية التي تصدر في ديترويت من الولايات
المتحدة الأمريكية ما يأتي:
هل الصهيونية يهودية محضة أم هي أحدث الزحافات التي أخترعتها لندن
لتدويخ العالم أجمع؛ ولإنهاء أجل التمدن الحالي بالمعامع الكبرى الآتي وقوعها في
الشرق الأدنى، وستشعلها شرارة الصهيونية حول القبر المقدس وجامع عمر
ورجمة حجارة يحجها اليهود ويبكون مجد الهيكل الزائل منذ زوال الدولة اليهودية
على أيام الرومانيين أو بعد المسيح بنحو ستين سنة.
***
شيء عن الصهيونية وحكاية الهيكل
تذيع أخبار البروبغندا اليهودية أن الصهيونيين ساعون في الاستعداد لإقامة
هيكل سليمان مكانه القديم وعلى أنقاض أقدس جامع لدى العالم الإسلامي بعد مكة
والمدينة، وقد توسعت البروبغندا المذكورة فقالت: إن اليهود قد أتموا معدات
الهيكل لكنهم لم يجمعوها بعد، ولكنها معدة من حجارة ورخام وحديد وهلم جرَّا
وموزعة على مراكز الجمعيات اليهودية في أقطار أوربا وأميركا، وقد اصطنعوها
على طريقة منظمة كما تصنع أجزاء سيارة فورد في معامل عديدة، ثم متى حان
تركيبها معًا تجمع في المكان المعد لتأليفها وتركيبها وبقليل من الوقت تخرج من
المعمل معدة للاستعمال، وهكذا قضية الهيكل السليماني في أخبار الجرائد
الأميركية، وقد شفعه مذيعوه بالإشارة إلى ما دون ذلك من أهوال الحروب؛ لأن
العالم الإسلامي بأجمعه يقاوم بالقوة اعتداء كهذا على مقام ديني له أمجد أثر في
تاريخ التمدن الإسلامي بعد المقامات النبوية في مكة والمدينة ويعترف مخترعو
هذه الدعوة اليهودية أن مجرد ترويجها خطر على سلام فلسطين فكيف بهم إذا
حاولوا تنفيذها.
ويقولون - وليسوا بمكترثين لوخامة العاقبة -: إن أكبر المعامع في تاريخ
العالم ستجيء في فلسطين، ولكنهم يعتقدون أن مسيحهم المنتظر سيظهر على
الأرض وينصر الدولة اليهودية الجديدة ويُرجع إليها عز داود ومجد سليمان ويكون
الهيكل الجديد قصر الملك اليهودي ومقام النبي أو المخلص مسيّا الآتي، وتشف
البروبغندا التي يذيعونها بهذا الصدد عن كون الجامعات اليهودية قد أعدت مسيّا مع
معدات الهيكل وأخذت تمهد للهجوم بخيلها ورَجْلها ومالها وآمالها على جامع عمر
فتهدمه وعلى كنيسة القيامة فتكمل ما فعلته بها الزلازل، ثم بعد أن تكتسح المحمدية
والمسيحية من أرض الفلسطينيين تعيد إلى العالم اليهودي دولته وتجمع أشتاته من
أطراف الدنيا، وإذا لم تستطع الصهيونية تحقيق كل هاتيك الأوهام والأحلام تعود
قانعة بما تستطيعه من جمع أموال التبرعات اليهودية في الولايات المتحدة وسائر
بلدان العالم.
(المنار)
لا شك عندنا أن كلا من اليهود والإنكليز يكيد للآخر ليستعمله في الوصول
إلى غرضه المنافي لغرض الآخر، ولا شك عندنا في أن الفتنة المنتظرة هي من
أعظم فتن الأرض أو أعظمها على الإطلاق، وهي محاولة إعادة ملك اليهود المعبر
عنها في الأحاديث بفتنة المسيح الدجال.