للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقريظ المطبوعات الجديدة

(نور الإسلام)
(مجلة دينية علمية أخلاقية تاريخية حكيمة. تصدرها مشيخة الأزهر
الشريف أول كل شهر عربي [١] مدير إدارة المجلة عبد العزيز (بك) محمد من
أعضاء مجلس الأزهر الأعلى. رئيس التحرير السيد محمد الخضر حسين من
علماء الأزهر.
قيمة الاشتراك السنوي داخل القطر المصري ٤٠ قرشًا، لطلبة المعاهد
والمدارس ٢٠، خارج القطر المصري ٥٠) .
هذا تعريف إدارة المجلة بها، ولقد كان وجود مجلة لمعهد الجامع الأزهر
أُمنية قديمة لنا ولكثير من مفكري المسلمين ومحبي الإصلاح ونشر الإسلام والدفاع
عنه. وقد بيَّن رئيس التحرير هذا في فاتحة العدد الأول وذكر سبب حصول هذه
الأمنية وأصحاب الفضل فيه وبيان الخطة التي رسمتها المجلة لنفسها، وإننا ننشر
ذلك لما لنا من العناية الخاصة والاهتمام بأمر هذه المجلة بعد أن سلخنا ثلث قرن في
الاشتغال بنشر مجلة المنار والقيام فيها بأهم فروض الكفاية التي اشتدت الحاجة إليها
في هذا العصر الذي فشا فيه الإلحاد، ونشر شبهاته والدعوة إليه في جميع البلاد،
ونشط دعاة النصرانية في محاولة تنصير المسلمين في جميع الأقطار بمساعدة دولهم
وأغنيائهم، وقد دخلنا في سن الشيخوخة ولم نوفَّق لتربية أحد نرجو أن يقوم بعدنا
بإصدار المنار، كما أننا لم نجد مجلة إسلامية تقوم بما يقوم به، وهكذا كل عمل
يقوم به الأفراد يزول بزوالهم في الغالب؛ لهذا نسر ونهتم بإنشاء المعهد الإسلامي
الأكبر لمجلة إسلامية يُرجى دوامها بدوامه إن شاء الله تعالى، ولهذا نطيل في
تقريظها ما لم نطله في تقريظ مجلة أخرى وما لم تطله الصحف الأخرى بتقريظها،
وهذا نص ما جاء في فاتحتها:
(أحسَّ الناس شدة الحاجة إلى هذه الصحيفة ووثقوا بأن سيكون لها في إنارة
السبيل والذب عن حوزة الدين موقف خطير، وهذا الإحساس الشريف هو الذي
بعث حضرة صاحب العزة عبد العزيز محمد بك مدير هذه المجلة أن اقترح على
المجلس الأعلى للمعاهد الدينية في جلسته المنعقدة في ٣ جمادى الثانية (؟) سنة
١٣٤٥ الموافق ٨ ديسمبر سنة ١٩٢٦ أن يدرج في ميزانية المعاهد مبلغًا يقوم
بإنشاء مجلة إسلامية، فعهد إليه المجلس بوضع تقرير في مشروع هذه المجلة على
أن يعرضه عليه في جلسته المقبلة. وفي يوم ٨ محرم (؟) سنة ١٣٤٦ - الموافق
٢٧ يوليو سنة ١٩٢٧ عرض حضرته هذا التقرير في المجلس فكان من المجلس
أن قرر تأليف لجنة من حضرات أصحاب الفضيلة الأساتذة: المدير العام للمعاهد
الدينية المرحوم الشيخ أحمد هارون. وشيخ معهد الإسكندرية لذلك العهد الشيخ
محمد عبد اللطيف الفحام وكيل الجامع الأزهر، وشيخ معهد طنطا المرحوم الشيخ
عبد الغني محمود، وعهد إليها ببحث ما احتواه التقرير من الاقتراحات، فنظرت
اللجنة في التقرير وقدمت نتيجة بحثها إلى المجلس. وحينما أخذ ينظر في ميزانية
سنة ١٩٢٩ أدرج فيها مبلغًا للإنفاق على المجلة. إذ وثق بأنها عمل صالح وفاتحة
نهضة مباركة.
ولما أسندت مشيخة الأزهر إلى حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ
محمد الأحمدي الظواهري، كان من أول ما توجهت إليه عنايته مشروع هذه المجلة،
فأخذ يدبره بجد وحكمة، حتى لانت صعابه، وتهيأت بتأييد الله أسبابه.
وفضل هذا المشروع الإسلامي الجليل عائد في الحقيقة إلى حضرة صاحب
الجلالة مولانا ملك مصر المعظم أحمد فؤاد الأول حرسه الله؛ فإن جلالته سار على
سنن أسلافه الأماجد، فأقبل يرفع صروح العلم ويحوط العلماء بالرعاية حتى نال
الأزهر الشريف وعلماؤه من هذه الرعاية أوفر نصيب.
فإقبال جلالته على هذا المعهد الإسلامي بعناية ضافية قد وطد في نفوس رجال
العلم الأمل في أن تكون دعوتهم إلى سبيل الخير ناجحة، وجعل الأزهر بمكان
القادر على أن يصرع كل ضلالة وينهض بكل صالحة.
خرجت هذه المجلة وهي تحمل سريرة طيبة، لا تنوي أن تهاجم دينًا بالطعن،
ولا أن تتعرض لرجال الأديان بمكروه من القول؛ إذ لا يعزب عنها ما يحدث عن
مثل هذا القصد من الفتن وبواعث التفرقة بين سكان الوطن الواحد وهم في حاجة
إلى السكينة والتعاون على المصالح فردية كانت أم اجتماعية.
خرجت هذه المجلة بعد أن رسمت لنفسها خطة لا تمس السياسة في شأن،
وقصارى مجهودها أن تعمل على نشر آداب الإسلام وإظهار حقائقه نقية من كل
لبس، وتكشف عما ألصق بالدين من بدع ومحدثات، وتنبه على ما دس في السنة
من أحاديث موضوعة، وتدفع الشبهة التي يحوم بها مرضى القلوب على أصل من
أصول الشريعة، وتعنى بعد هذا بسير العظماء من رجال الإسلام، وإن في سيرهم
لتذكرة لقوم يفقهون، ويضاف إلى هذا ما تدعو فائدته إلى نشره من المباحث القيِّمة
علمية كانت أو أدبية. وسترى هذه المقاصد إن شاء الله مودعة في الأبواب
المفصلة على ما يأتي: التفسير. السنة. السيرة النبوية. أصول الدين. دفع الشبه.
أصول الفقه. الفتاوى والأحكام. العلوم والآداب. آراء الباحثين. التاريخ. السير
والتراجم. أنباء العالم الإسلامي. الطرف والمُلَح.
تتناول المجلة من مباحث هذه العلوم والفنون ما يدعو الحال إلى نشره، ولا
تحكي رأيًا خارجًا عن نهج الصواب إلا أن تقرنه بما يكشف عن كنهه، وسنتحرى
بتوفيق الله تعالى الطريقة التي تتجلى بها سماحة الدين في بهاء طلعتها وصفاء
ديباجتها، ونُراعي في تحريرها الأساليب التي تألفها أذواق القراء، ويجتلون فيها
صور المعاني ماثلة أمامهم لا لبس فيها ولا التواء.
تناقش المجلة الأشخاص أو الجماعات الذين يقولون في الدين غير الحق،
مقتدية في مناقشتها بأدب قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: ١٢٥) وإذا كان هذا أدبها مع قوم هم
عن الحق غافلون فأحرى بها أن تأخذ به في مناقشة آراء العلماء إذا رأت في
بعضها انحرافًا عما تقتضيه نصوص الشريعة أو أصولها الثابتة الواضحة. نذكر
هذا ليلحظه الذين يرغبون في مراسلة المجلة ببعض منشآتهم الموافقة لمنهجها.
ومن أجل أن يكون جهاد هذه المجلة متصلاً بالحركة الفكرية في البلاد
الأوروبية أنشئ في إدارة المجلة قسم لترجمة ما يجيء في الصحف الأجنبية من
مباحث علمية أو مقالات يُتحدَّث فيها عن الإسلام، غير أننا لا نضع أمام القراء
مقالة في الإسلام صدرت من غير منصف إلا أن نصلها بما يستبين بها خطأ كاتبها
ناقلاً كان أو مدعيًا.
هذا غرض المجلة وهو بلا ريب غرض نبيل، وهذه خطتها وهي كما عرفت
خطة من يمشي على سواء السبيل، وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل) .
اهـ.
(المنار)
علمنا من هذا البيان المنقول من المجلة أنها مجلة رسمية تابعة لمشيخة
الأزهر، فهي المسئولة عنها، ويعد كل ما ينشر فيها من أقلام محرريها ومديرها
صادرًا عن المشيخة نفسها، وتعد هي مقرة له ومعترفة به، وكذا ما ينشر فيها من
الرسائل المنشأة لغيرهم أو المترجمة إذا سكتت المجلة عليه ولم تتعقبه بنقد ولا
تصحيح، وهذه مزية لها تجعل تبعتها على المشيخة عظيمة، وتكون ثقة الناس
بصحة ما فيها بقدر ثقتهم بالمشيخة في جملتها، كأنه فتاوى صادرة عنها.
وقد كان من موانع إنشاء المشيخة لمجلة إسلامية علمية في السنين الخالية ما
كان من البُعد الشاسع بين تعليم الأزهر الديني واللغوي الإنشائي وما تجدد من حاج
العصر، فقلما كان يوجد في الأزهر مَن يستطيع أن يكتب في بيان عقائد الدين وآدابه
وحكمة تشريعه والدفاع عنه ما تقبله عقول غير طلاب الأزهر وترجى استفادتهم
منه، وكان أول من أرشدهم وأرشد غيرهم في هذا القطر إلى الإنشاء العصري في
أساليبه وموضوعاته السيد جمال الدين الأفغاني، ولكنهم ناوؤوه وناوؤوا تلاميذه
ومريديه، وكانوا يعدون الاعتراف بحاجتهم إلى أي علم من العلوم - غير ما
يتداولونه بينهم - أو إلى أي إصلاح لمنهاج التعليم، إقرارًا بنقص الأزهر ونقص
أهله، ووضعًا من عظمة قدره وشهرته!
لهذا أعد أول مأثرة للمشيخة الحاضرة ولفضيلة رئيسها الشيخ محمد الأحمدي
في هذا الطور الجديد أنه ناط الأعمال الرئيسية في المجلة الأزهرية برجال من غير
خريجي الأزهر، وهي إدارة المجلة ورياسة تحريرها وكتابة أهم مباحثها وأعلاها
وأشدها توقفًا على فنون اللغة وعلوم الشرع وهي مباحث التفسير والحديث؛ فالمدير
العام للمجلة والمقترح لها وهو صاحب العزة عبد العزيز بك محمد من خريجي
مدرسة الحقوق وقضاة المحاكم الأهلية، وقد جعل عضوًا في مجلس الأزهر الأعلى
هو وآخرون من أمثاله من قبل الحكومة بناءً على نظرية حاجة الأزهر إلى رجال
من غير أهله لإصلاح شأنه وتنفيذ قانونه، وهو كفء لهذا وذاك، ورئيس التحرير
صاحب الفضيلة الشيخ محمد الخضر حسين من علماء تونس وأدبائها وقد أُعطي
لقب عالم في الأزهر بامتحان خاص وصفة استثنائية وجعله الشيخ محمد مصطفى
المراغي شيخ الأزهر السابق مدرسًا في قسم التخصص من الأزهر بعناية خاصة
استثنائية أيضًا، وهو كفؤ لهذا وذاك، ولكنني عجبت له كيف لم يذكر اسم الشيخ
محمد مصطفى المراغي في الخلاصة التاريخية التي كتبها لهذه المجلة في فاتحة
العدد الأول؛ مع علمه بأنه هو الذي وضع مشروع المجلة في قانون الأزهر الجديد
وفي ميزانية هذه السنة وخصص لها هذا المبلغ العظيم (ستة آلاف جنيه) وأنه هو
الذي بذل جهده لإقرار الحكومة هذه الميزانية، فله الفضل الأول في تنفيذ هذا
المشروع كما أن له الفضل عليه نفسه، وإن لم يكن من أعضاء جمعيته أو حزبه،
ويجب أن يكون الدين والتاريخ فوق الأحزاب والجمعيات {وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ
أَشْيَاءَهُمْ} (الأعراف: ٨٥) .
وأما كاتب التفسير والحديث في المجلة الأستاذ الشيخ حسن منصور فهو من
خريجي مدرسة دار العلوم الأميرية؛ ولكنه كان يحضر دروس التفسير معنا على
الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى، وهذا مرجح له على غيره ممن لم يحضر تلك
الدروس العالية من علماء الأزهر وفيهم من كان يحضرها. ثم إن من المحررين
الموظفين للمجلة صاحبي الفضيلة الشيخ يوسف الدجوي والشيخ إبراهيم الجبالي
وكلاهما من هيئة كبار علماء الأزهر.
إنني أستقبل هذه المجلة بالترحيب والترجيب والتحبيب ولا أرى أن أذكر الآن
رأيي في تحريرها ومسلكها في موضوعاتها، وقد كنت كتبته قبل صدورها في
تقرير قدمته إلى الأستاذ المراغي بطلبه، وإنما أقترح على المشيخة الجليلة
اقتراحين، وأذكرها برأيي في أمرين، أراهما من الواجب عليَّ الآن.
(الاقتراح الأول) أن لا يذكر في المجلة حديث نبوي إلا مقرونًا بتخريجه
وبيان درجته من الصحة وما يقابلها، وأن يتولى ذلك مَن يعنون بعلم الحديث في
الأزهر. وقد رأيت المدير الفاضل يعنى بهذا ولكنه لا يستقصيه، وقد أورد في
ترجمته للفصل العاشر من السيرة النبوية التي كتبها بالفرنسية المرحوم (اتيين
دنييه) الفرنسي المهتدي وسليمان بن إبراهيم الجزائري - هذه العبارة: (وقد
حصل في فرنسة وفي بلاد أخرى من أوربة وإفريقيَّة وآسية دخول أشخاص في
الإسلام فرادى وربما كان ذلك مصداقًا لهذا الحديث النبوي الذي معناه) قد يؤيد الله
هذا الدين بالغرباء منه " وقد وضع المدير لهذا الحديث حاشية هذا نصها: لا يعرف
حديث بهذا المعنى بل الإسلام صلة ولُحمة بين جميع المسلمين مهما اختلفت
أجناسهم وتباعدت أوطانهم {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: ١٠) اهـ.
ولكن الحديث مروي في الصحيحين كليهما وفي غيرهما. ولفظه فيهما: (إن الله
يؤيد الدين بالرجل الفاجر) وفي الطبراني: (إن الله ليؤيد الإسلام برجال ما هم من
أهله) .
(الاقتراح الثاني) أن ترغّب أصحاب العلم والرأي والقلم من أهل الأزهر
في التحرير في المجلة بتعيين مكافأة مالية لمَن يجيد كتابة موضوع تتجوده المشيخة،
فإن هذا أمر معهود في المجلات الغنية التي يصدرها الأفراد، فأحرى بمجلة غنية
لمصلحة كبيرة خُصص لها ألوف الجنيهات من الأوقاف أن تفعل ذلك.
وأما الرأي الذي أذكِّرها به فهو أن تنصلها من السياسة أن تمسها في أي شأن
من شؤونها هو تضييق على نفسها وحرمان لمحرريها من حرية خدمة الإسلام
والدفاع عنه بالسكوت عن أمور كثيرة يجب بيانها غير سياسة الحكومة الداخلية
والخارجية وأحزاب الأمة كالسياسة العامة والدفاع عما يصيب مسلمي مصر
وغيرهم من رزاياها ومصابها، فالإسلام دين سياسة وسيادة وتشريع يشمل جميع
شؤون البشر فلماذا يحظر رجال الدين على أنفسهم بعض ما يجب عليهم بيانه منها
مما لا يوجد في الكتب المدونة لأنه مما تجدد في هذا العصر؟ ! وإذا لم يوجد في
المجلة إلا ما هو في الكتب استغني بالكتب عنها؟
ومثل هذا قولها: إنها (لا تنوي أن تهاجم دينًا بالطعن، ولا أن تتعرض لرجال
الأديان بمكروه من القول) أنا لا أرضى لمجلة علمائنا أن تطعن في الأديان بالبذاء
والسفاهة كطعن المبشرين في بعض مجلاتهم وكتبهم على الإسلام ولكنها لن تستطيع
أن تقوم بالواجب من الرد على دعاة النصرانية المهاجمين للإسلام في مصر
وغيرها مع تجنب كل ما يكرهونه من قول، والله تعالى يقول: {وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم
مِّنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ} (التوبة: ١٢) الآية، فإذا
كان العلماء لا يستطيعون القتال بالسلاح فهم يستطيعون الجهاد بالقلم واللسان،
ومجادلتهم بالتي هي أحسن وإن كرهوها، وأما تعليله لذلك فهو غير مسلَّم من
وجهين:
(أحدهما) أن هذا الذي تخشاه من الفتن والتفرقة في الوطن غير مخشي
في مصر التي اعتادت الحرية وسماع المناقشات الخارجة عن قانون الأدب فكيف
يخشى ذلك من مجلة تلتزم فيها أكمل الأدب؟ ! .
(ثانيهما) أن هذه المجلة تجب أن تكون للإسلام ولجميع الأوطان الإسلامية
لا لمصر وحدها.