في منتصف شهر شعبان الماضي، توفيت إلى رحمة - الله تعالى - فاطمة بنت الأستاذ الإمام الكبرى، زوج محمد بك يوسف بمرض مفاجئ قضى عليها بعد أسبوع من نزوله بها، وكانت قد رأت نفسها في النوم مع والدها في روضة، فَعُبْرت الرؤيا في المرض بأنه مرض الموت، فأوصت بأن لا تُنعى، وأن تشيع جنازتها على السُّنة، فلا يمشي أمامها قراء ولا منشدون، ولا حملة الرياحين ونحوهم، وأن لا تكفن بحرير، وأوصت بأن يوقف عشرة فدادين من أطيانها على الأعمال الخيرية، وخصت بعض ذوي القربى ومن كان يواسيهم والدها بشىء من الريع، وقد شُيعت جنازتها كما أوصت. ولعلها أول امرأة في مصر أوصت بمثل هذا في عصر يحكم النساء فيه على الرجال حتى العلماء بالمحافظة على هذه البدع الذميمة! فهكذا تكون بنات العلماء العاملين. هذه هي العبرة التي لأجلها ذكر المنار وفاة امرأة فضلت الرجال باتباع الدين حية وميتة، وأذكر من فضلها - رحمها الله - أنها لم تخرج في جنازة والدها ولم تكن تتردد لزيارة قبره، ولكنها قبيل أسبوع المرض زارت القبر، وعادت تقول: إن في جانب قبر والدي مكانًا آخر لا بد أن أدفن فيه، وقد كان ذلك. كان الأستاذ الإمام - رحمه الله تعالى - أول رجل معروف ترك بدع الجنائز والمآتم جهرًا عندما مات والداه وبعض ولده، حتى إنه لم يكن يحتفل الاحتفال الذين يسمونه (الميتم) تحريفًا عن المأتم، ويتوهم الجاهلون من قول الجرائد: إن مأتم فلان سيكون ثلاثة أيام عملاً بالسنة - أن الاحتفال المعتاد هنا مسنون، وأن النبي والصحابة كانوا يجتمعون كل ليلة من الثلاث في دار الميت أو عند بيته حيث تعد لهم المقاعد ويهيأ لهم الخدم فيخوضون في شجون الحديث والقرآن يتلى. حاش لله، ما جاءت السنة بمثل هذا، وإنما مضت السنة بأن المصاب لا يعزى بعد ثلاث؛ لأن التعزية بعدها تذكير بالمصيبة، ثم إن كثيرًا من الكبراء أصحاب العزائم قد تركوا بدع الجنائز، وناهيك برياض باشا؛ فإنه عندما توفيت زوجه لم يشيع جنازتها بالأناشيد أمامها ولا بالفراشين المؤتزرين بالحرير الحاملين للرياحين في شبه المباخر من الفضة كما يفعل الأغنياء تقليدًا لمباخر النصارى، وفعل مثل ذلك كثيرون من العلماء والوجهاء، فلا عذر بعد هذا لمن يعتذر عن عدم ترك هذه البدع بالمحافظة على التقاليد والعادات.