للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: صالح مخلص رضا


المطبوعات الجديدة [*]

(كتاب البنين)
كتبت في الجزء الماضي مقالاً على هذا الكتاب وكنت عازمًا على تتبعه وبيان
فوائده وانتقاده ولكن منعتني كثرة الشغل عن إنجاز ما وعدت به وأرى أن مطالعته
مفيدةٌ جدًّا للذين يفكرون في شئون الأمة الاجتماعية وكذلك لآباء وأبناء البيوت
(العائلات) ولي كلمة في التعريب أقولها وهي:
إن هذه الكتب وما يماثلها مما ينقل إلى لغتنا العربية عن اللغات الأوربية التي
هي نتيجة تربية حكيمة وإعمال روية - والتي إنما تظهر في الأمة بطور
مخصوص من أطوار حياتها الاجتماعية - هذه الكتب هي ولا شك مما يساعد على
رقي مثلنا بعض الشيء ولكننا لا نزال بحاجة شديدة إلى نقل الكتب الصناعية
ووسائلها من كيماوية وطبيعية وما لدينا من الوسائل للوصول إلى الثمرة المطلوبة
لجعل الأمة غنية بنفسها عن غيرها مثل كتاب النقش في الحجر والدروس الأولية
في الفلسفة الطبيعية لا يصلح بأن يكون مجموعة تُجعل منوالاً تنسج عليه الأمة
ثوب حياتها المادية لتنضم بين برديه وتصبح أمة حية عالمة عاملة غنية بمعارفها
وصناعتها.
نعم إن ما يكتبه ويعربه الدكتور محمد عبد الحميد طبيب مستشفى قليوب من
الكتب الطبية وكتاب الكيمياء الحديثة الذي ألفه خان بهادر الشيخ عبد القادر بن
محمد المكي وكتاب روح الاجتماع وما يماثل ذلك ربما ألفت مجموعة تصلح لأن
تكون برنامجًا للمدارس العربية وتكون بها حجة الذين يطلبون من الحكومة المصرية
تعليم جميع العلوم بلغة الأمة - ناهضة، ومن لنا بتأليف جمعية علمية تبحث في
هذه المؤلفات وتبين ما يلزم من الزيادة عليها للإيفاء بالغرض المطلوب؟
وما دمنا نقرأ مثل كتاب التربية الاستقلالية أو كتاب البنين وكل ما نستفيده
منها هو الإعجاب بآراء المؤلف والثناء على همته ولغة المعرب فما نحن إلا
نظريون. ولم يرجع بنا القهقرى في علم دارَ سَنَاه وانتشر بيننا قديمًا وحديثًا إلا
الاشتغال بالنظريات عن العمليات. هذا كتاب سر تقدم الإنكليز نشر باللغة العربية من
سنين عديدة فهل غير شيئًا من طرق التربية في مدينة أو قرية أو بيت (عائلة) في
بلادنا وهو الكتاب الذي حرك العالم وزلزل أركان التربية في فرنسة فأنشأها خلقًا
جديدًا؟ فهل يكون حظنا من كتاب البنين كحظنا من الكتب السابقة أم أن حوادث
الدهر ومزعجات الأيام أهابت بنا إلى النهوض من هذه الهوة التي نحن بها
متدهورون؟
ثم هل نبقى معتمدين على غيرنا في جميع حاجياتنا أم يلجئنا حب البقاء إلى
التماس أسبابه بانتهاج منهج الغربيين في الصناعة والزراعة؟
هذا ما أريد أن يتفكر فيه المتفكرون ويكتب فيه الكاتبون ويعرِّب له الكتب
الذين يهمهم أمر بقاء أمتهم وحياتها.
هذا وإن ثمن كتاب البنين عشرة قروش غير أجرة البريد وهي ١١ مليمًا في
مصر و٢٢ مليمًا في الخارج ويطلب من مكتبة المنار بشارع عبد العزيز بمصر.
(رباعيات الخيام)
عمر الخيام أشهر من نار على علم وهو من نوابغ شعراء الفرس وقد ترجم
علماء أوربة وأمريكة شعره وعنوا به عناية كبرى، فحمل حب ضم التالد إلى
الطريف وديع أفندي البستاني معرب (معنى الحياة) و (السعادة والسلام) على
نقل هذه الرباعيات إلى العربية، فبحث ونقب عن هذه التراجم والشروح واختار
منها ترجمة (فتزجرلد) الإنكليزية وعربها ونظمها سباعيات بعد أن قابلها
بترجمات (هوينفلد) ونيقولاس وغارنر ومكارثي، وكتب لها مقدمة ضافية ذكر
فيها خلاصة ما وقف عليه مما كتب الغربيون في عمر الخيام واهتمامهم بآثاره،
وهذه المقدمة بديعة نفيسة جدًّا.
وعمر الخيام شاعر مفكر ينظم ما يمر في مخيلته من نتائج تأملاته فيصيب
الحقيقة تارة ويخطئها تارة أخرى فهو يحاكي أبا العتاهية في تزهده وحكمه وأبا
نواس في خمرياته ومسلم بن الوليد في غزلياته والمَعرِّي في حكمته وما ينسب
إليه من المجازفات، وإليك طائفة من هذه الرباعيات أو السباعيات من هذه الأنواع
قال في الفاتحة: من النشيد الأول:
ربّ رحماك ما كسبت ثوابًا ... لا ولا كنت مستحقًّا عقابا
إنما قلت ما رأيت صوابا ...
ووجودي عليّ كان مصابًا ... وعزائي الجميل كان الحبابا
وكفاني التوحيد ذخرًا فإني ... لم أُعدِّد في ديني الأربابا
وقال من النشيد الأول أيضًا:
وربيع الحياة عهد الصباء ... وحياتي كهذه الصهباء
مرها الحلو فهي طبي ودائي ...
وببلخ أو نيسبور سأقضي ... فدعوني بعض اللبان أقضي
ودعوني أُسقى المدام دعوني ... قبلما يدهم المشيب الشبابا
وقال من النشيد الأول أيضًا:
وأجبني ووافني الاعتزال ... وابتعاد عن محض قيل وقال
رُبَّ قفر من المظالم خال ...
ليس فيه عبد ولا سلطان ... هو عندي المكان نعم المكان
رُبَّ كهف تئويه نفس أبي ... فاق قصرًا أطالت ذراه السحابا
وقال منه أيضًا:
يا فؤادي حذارِ حتى النسيما ... إن هذا المنثور كان نظيما
فوق غصن واليوم غشى الأديما ...
كم ورود لثامها الأكمام ... كخدود لها الحياء لثام
راودَتْها ريح الشمال وغاثت ... بلثام وقبَّلتها اغتصابا
وقال منه أيضًا:
هات لي الجام يا نديمي مترع ... أسلُ عما مضى وما يتوقع
حسْبُ قلبي ما سمته وتقطع ...
واسقني اليوم مذهب الحسرات ... لا تكلني لحلم يوم آت
فغدًا ربما غدوت طريد الأَمْـ ... س أطوي الأدهار والأحقابا
وقال منه أيضا:
ولأهل اليقين والإيمان ... ولأهل الشكوك في الأديان
ولأهل الدنيا وأهل الجنان ...
سيقول الصوت الرهيب ضلالاً ... قد ضللتم وكنتم جُهَّالا
لا هنا أنتم كسبتم ثوابًا ... لا ولن تكسبوا هناك الثوابا
وقال منه أيضًا:
واضطرارًا قد جئت هذي الديارا ... وسأضطر للرحيل اضطرارا
واختياري إن استطعت اختيارا ...
إن أُسرّي عن الفؤاد الهموما ... في حياة ملأى أسًى وغموما
فأدرها سلافة واسقنيها ... نعمة فالوجود كان مصابا
وقال منه أيضًا:
زحل كان موطئي إذ رحلت ... بخيالي وفي السِّماك حللت
وصعابًا من مشكلات حللت ...
واجتليت الغوامض المبهمات ... ولقيت الحقائق السافرات
غير أن الآجال والموت فيها ... ذاك سرّ لم أنضِ عنه نقابا
وقال من النشيد الثاني:
قلت للنفس: أين ذاك القضاء ... أين ذاك الجحيم أين السماء
قالت النفس: يا فتى لا مِراء ...
فيّ فيّ الأسرار والأقدار ... فيّ فيّ الجنات فيّ النار
ذا سؤالي وذا جوابك يا نَفْـ ... س وكنت الحيران فيه سؤالا
وقال منه أيضًا:
يعلم الله أنني سِكّير ... ونظيري بين العباد كثير
وهو أمر سهل عليه يسير ...
يعلم الله يعلم الله فعلاً ... رب رحماك ليس علمك جهلا
فَزِقاقي مملوءة ودناني ... وأنا أدمن الخمور امتثالا
وقال منه أيضًا:
إيه سفر الحياة آن اختنامك ... إيه خيّام قد تداعت خيامك
وتدانت من حدّها أيامك ...
وليالي الربيع كُن قِصارا ... وهزار الشباب غنى وطارا
يا هزار الشباب لو كنت أدري ... منك هذا لسمتك الأغلالا
هذا وإن لغة الكتاب ونظمه من أحسن الكتب المعرَّبة وقد طبع في مصر طبعًا
متقنًا نظيفًا على ورق جيد وصفحاته ١٤٢ وهو يباع بمكتبة المنار بشارع عبد
العزيز بعشرة قروش صحيحة خلا أجرة البريد.
(كتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية)
لدعاة النصرانية في البلاد الإسلامية طرق في بث دعوتهم وإلفات الناس إلى
سَوْم بضاعتهم، كانت إلى سنة ١٩١١ خطة شغب وعداء أكثر مما هي خطة جدل
وإقناع يظهر هذا في جرائدهم وكتبهم ولاسيما في البلاد التي قوي فيها النفوذ
الأجنبي وكان موقف المسلمين أمام هذا التهجم والشغب والشذوذ والتطرف
والمغالطة يختلف باختلاف البلاد ودرجة نفوذ أولئك الدعاة وتأثيرهم في العامة أو
الخاصة.
فبيْنا الشيخ رحمة الله الهندي يجادل القوم في الهند بالتي هي أقوم ويدحض
سفسطتهم بالأدلة العقلية والنقلية إذا بالمسلمين في البلاد المصرية والشامية يهزأون
من تلك المجالدة ويضحكون زاعمين أن المسلم لا يمكن أن يكون نصرانيًّا، وينقلون
كلمة عن حكيم الشرق السيد جمال الدين الأفغاني: (إن المسلم هو نصراني وزيادة؛
لأن أركان دين النصرانية: الإيمان بالله والملائكة والوحي والدار الآخرة إلخ،
ولكن المسلم يؤمن بهذه الأشياء على وجه أكمل؛ فالمسلم موحد لله والنصراني مثلث
له، والمسلم منزه للأنبياء والنصراني مخطِّئٌ لهم، والمسلم معتقد بجزاء ينال
الإنسان في الدار الآخرة من حيث هو إنسان والنصراني يقول: إنه في الآخرة
يكون (كملائكة الله الذين في السماوات) أي أن الإنسان يكون مَلَكًا وتفنى
جسمانيته في روحانيته إلخ. فالدين الإٍسلامي مطابق للعقل والفطرة، والدين
المسيحي على العكس من ذلك؟ تلك حجتهم على سكوتهم وعن تقصيرهم في
الدعوة إلى دينهم والذود عنه.
ولم يفكر مسلم في هذه البلاد أن من خدمة الإٍسلام أن يدعو أحد إليه أو أن
يدافع عنه غافلين عن قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا
وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: ١٠٨) إلخ.
غلط دعاة النصرانية بحسبانهم المسلمين على وثنية فوضى وظنوا أن من
السهل عليهم دعوتهم إلى وثنية منظمة منمقة يجللها ثوب الخلاص من خطيئة لم
يقترفوها ويزينها حلي مصالحة الله لهم عن خصومة لم يأتوها - على قاعدة: الآباء
تأكل الحصرم ويضرس البنون - ويقابل هذا عند المسلمين ويدحضه قوله تعالى:
{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الأنعام: ١٦٤) - غلطوا فأوغلوا بسيرهم
وأوضعوا خلال المسلمين يبغونهم الفتنة وفيهم سماعون لهم وقوم آخرون شغلتهم
أموالهم وأهلوهم.
ولما عقد مؤتمر القاهرة سنة ١٩١١ (لدعاة النصرانية) بحث في طرق إمالة
المسلمين عن دينهم على اختلاف طبقاتهم وخط للدعاة خططًا جديدة - يعلمها من
يراجع مقالات (الغارة على العالم الإسلامي) التي تنشر في المنار تباعًا -
للوصول إلى قلب المسلم.
كل ذلك يجري من دعاة النصرانية ومثل النبهاني وعبد العزيز شاويش
يسودان الصحائف بشتم المسلمين المصلحين تارة وبشتم النصارى تارة أخرى ولهما
في بعض البلاد الإٍسلامية أمثال وأنصار من المعممين الذين كان يخاف على الإسلام
منهم الأستاذ الإمام، ولكن بعض شبان سورية الغيورين المفكرين أهدى إدارة المنار
في هذه الآونة كتابًا سماه (العقائد الوثنية في الديانة النصرانية) ألفه لرد أباطيل
دعاة النصرانية وجعله تقدمة (إلى صليبي القرن العشرين المبشرين) ؟
ألف محمد طاهر أفندي التنير كتابه هذا من كتب علماء أوربة وقابل فيه بين
نصوص ديانات الوثنيين ونصوص ديانة النصارى المشابه بعضها بعضًا وعزا في
الهامش كل نقل إلى محله وذكر في أول الكتاب أسماء الكتب التي نقل عنها لتكون
الأدلة ملزمة والحجة ناصعة، ونحن نذكر مجمل مواضيعه:
١- عقيدة التثليث عند الوثنيين وعند النصارى.
٢- تقديم أحد الآلهة فداء عن الخطيئة عند الوثنيين وعند النصارى.
٣- الظلمة التي حدثت عند موت أحد المخلصين عند الوثنيين والظلمة التي
حدثت عند موت يسوع عند النصارى.
٤- ولادة أحد آلهة الوثنيين من عذراء وولادة يسوع من عذراء كذلك.
٥- النجوم التي ظهرت عند ولادة أحد آلهة الوثنيين والنجم الذي ظهر عند
ولادة يسوع.
٦- الجنود السماوية التي ظهرت تسبح الله عند ولادة أحد آلهة الوثنيين
والجنود السماوية التي ظهرت تسبح الله كذلك عند ولادة عيسى.
٧- الاستدلال على الطفل الإلهي عند الوثنيين وعند النصارى.
٨- محل ولادة أحد الآلهة عند الوثنيين ومثله عند النصارى إلخ ثم مقابلة بين
النصوص عند الفريقين، والكتاب يطلب من مكتبة المنار بمصر وثمنه خمسة
قروش وتبلغ صفحاته ١٧٦ ويكاد يكون أنفع كتاب في بابه وقد التزم مؤلفه النزاهة
في القول والمجادلة بالتي أحسن.