للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مدرسة محمد علي الصناعية

دعا صاحب الدولة رياض باشا العظماء والوجهاء في مصر إلى داره للمذاكرة
في وسائل إنجاح مشروع المدرسة الصناعية، فتكلم الوزير في فائدة الصناعة،
وشدة حاجة القطر إليها، وشكا من قبض الأكف وغل الأيدي وطلب من حاضري
المجلس إبداء رأيهم، فتلاه صاحب الفضيلة مفتي الديار المصرية في القول، وكان
مما قاله: إنه يجب أن يكون رجال الدين من الدعاة إلى الاكتتاب والعاملين في ترويج
المشروع؛ لأن المدرسة تنفع في الدين، كما تنفع في الدنيا؛ فإن أكثر الفقراء
والمساكين محرومون من العلم والعمل والدين، وإذا لم يكن للفقير دين ولا عمل فهو
شر محض على قومه وعلى الناس الذين يعيش معهم، وضرر هؤلاء يكون على
أشده في البلاد التي تقطعت فيها الروابط الاجتماعية، فأمسى كل واحد من الغوغاء
يرى نفسه كونًا مستقلاً لا يوقر من هو أكبر منه، ولا يستحيي منه، ولا ممن هو
في طبقته، فالمدرسة تعلمهم دينهم وتشغلهم بالعمل عن الوقوع في مزالق الزلل، ثم
أقر الحاضرون على تأليف لجان تسعى في الاكتتاب، وابتدأ بعض الحاضرين في
ذلك بأنفسهم.
علم الناس أن نحو ثلثي ما اكتتب به إلى الآن هو من الأجانب، ونحو الثلث
من المصريين الذين يُراد إنشاء المدرسة لهم، والأجانب في البلاد يعدون بالألوف
والمصريون يعدون بالملايين؛ ولكن الأجانب يعرفون قيمة الأعمال الاجتماعية
وأكثر المصريين يجهلون، ومن يعرف منهم قيمة العمل، فهو إما فقير الأب والجد
فهو على بخل موروث، ودناءة تربى عليها، فلم يقو ما أوتيه من علم على
استئصالها؛ لأن تأثير التربية غالب دائمًا على تأثير التعليم، وأكثر الأغنياء سفهاء
الأحلام غارقون في غمرة من الأوهام، يبذلون المال الكثير لنيل لقب كبير والتزلف
إلى الأمير.
نعم إن أصحاب البيوت القديمة والأسر الكريمة لم يفتقروا جميعًا، ولم يعمهم
الجهل، ولم يدمرهم فساد التربية، وفي البلاد فئة قليلة من العصاميين الأخيار،
فهؤلاء وهؤلاء محل الرجاء؛ ولكنهم بالنسبة إلى المجموع قليل عددهم، ولا
يقدرون على القيام بالمشروعات اللازمة لحياة البلاد إلا بمساعدة الآخرين لهم، فأين
أهل الدعوى، أي محبو الشهرة، فهذا اليوم فيه صبغ الدعاوي يحول.