خطة المنار في التأليف بين المسلمين يعلم جميع قراء المنار والمطلعين، وكذا الواقفون على النهضة الإصلاحية التي قام بها منشئه على أساس الوحدة الإسلامية منذ ثلاثين سنة أو أكثر أنه كان من سيرته في مجاهدة البدع والخرافات التمثيل لها بما فشا منها بين أهل المذاهب المنسوبة إلى السنة دون ذكر أهل مذاهب الشيعة وغيرهم؛ لئلا يتهمه المتعصبون من هؤلاء بالتعصب، وإن كان يصرح دائمًا ببناء دعايته على أساس نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح وعدم التقيد فيها بمذهب من المذاهب، بل مع تصريحه بما يعتقده من أن التعصب لأي مذهب منها مناف للوحدة الإسلامية ومخالف لنصوص القرآن. وقد اشتهرت قاعدته الذهبية التي دعا إليها علماء المذاهب كلها، وهي نتعاون فيما نتفق عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما تختلف فيه، وندعو علماء كل طائفة وأهل كل مذهب لمقاومة البدع الفاشية فيهم؛ لتكون دعوتهم أقرب إلى القبول. وقد وافقنا على دعوتنا هذه كثيرون من أهل السنة المستقلين والمقلدين للمذاهب ولكننا لم نر أحدًا من علماء الشيعة نصرنا عليها بالكتابة، وإنما استحسنها بعض المنصفين فيما شافهونا به (كالسيد الشهيرستاني النجفي والسيد عبد الحسين العاملي والمرحوم الشيخ محي الدين عسيران) على أننا لم نسلم من شر متعصبيهم، فقد نشرنا مرة رسالة في أول المجلد ١٦ من المنار (سنة ١٣٢٦) لصديقنا العلامة المرحوم الشيخ محمد كامل الرافعي من بغداد كتبها في أثناء سياحته يذكر فيها قيام علماء الشيعة بدعوة الأعراب إلى التشيع، واستعانتهم على ذلك بإحلال متعة النكاح لمشايخ قبائلهم الذين يرغبون في الاستمتاع بكثير من النساء في كل وقت. ولما نشرنا تلك الرسالة في المنار علقنا عليها تعليقًا رجونا أن يحول دون تعصب الشيعة واحتمائهم علينا ورمينا بضد ما نقوم به من التأليف والتوحيد، فقلنا: إن تعليم الإعراب الجاهلين مذهب الشيعة في العبادات والحلال والحرام خير من بقائهم على جهلهم المعهود، وحصرنا توجيه انتقاد الكاتب في وجهته السياسية، وهي ما كان يشوب تلك الدعاية من التنفير من الدولة العثمانية والتحبيب في الدولة الإيرانية إلخ ولم ننشر اسم الكاتب يومئذ لئلا توذيه الحكومة الحميدية لما هو معلوم من حالها. نشرنا هذا في المنار فلم نجد أحدًا منهم هاجه واحتمى عليه إلا هذا المتعصب الجامد على الرفض [١] الشيخ محسن الأمين العاملي على خلاف ما نَقَلَ لنا بعض الناس عنه من إظهار الإنصاف في مجالسه مع علماء السنة من باب التقية، فألف رسالة سماها (الحصون المنيعة، في الرد على ما أورده صاحب المنار في حق الشيعة) لم يكن في تأليفها محسنًا في الرد، ولا أمينًا في النقل، ولكنها فرصة اغتنمها لبث أمرين (أحدهما) فيما ارتأيت في ذلك التاريخ صَدّ نابتة الشيعة في جبل عامل وغيره عن المنار؛ إذ كانت قد أثرت فيهم خطته الإصلاحية ودعوته إلى الاستقلال في فهم الدين من الكتاب والسنة وترك التقليد وعصبية المذاهب فيه، والشيعة أشد الفرق في ذلك حتى الذين يسمونهم المجتهدين منهم، ويفتخرون على أهل السنة بأنهم هم الذين يأخذون بالاجتهاد الذي أقفل بابه أهل السنة، ومن المعلوم ببداهة العقل أن الاجتهاد الحقيقي الذي هو الاستقلال بأخذ الدين من ينابيعه ينافي التمذهب بمذهب معين. (الأمر الثاني) بث مذهب الشيعة بين أهل السنة وترجيحه على مذهب السنة، وجعل مسألة متعة النكاح حجة على هذا الترجيح، فأطال فيها بغير طائل. أرسلت إليَّ هذه الرسالة عقب صدورها فلم أشأ أن أرد على أباطيلها لسببين (أحدهما) مخالفة ذلك لخطتي في التأليف بين فرق المسلمين؛ لأن المجادلات في الانتصار للمذاهب تذكي نار التعصب والشقاق بين أهلها (وثانيهما) أن صاحبها لا يستحق أن يرد على مثله؛ لأنه لا يطلب الحق في المناظرة كما هو شأن المقلدين، ولا سيما المتعصبين الغلاة مثله، فمناظرتهم تضر ضررًا لا يقابله منفعة استبانة الحق لهم فيرجى رجوعهم إليه. وكيف يرد مثلنا من المستقلين ودعاة التأليف على من يستدل على صحة المتعة بقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (النساء: ٢٤) فيزعم أن لفظ الأجور لا يصح أن يكون بمعنى المهور؛ لأنه لم يرد في لغة القرآن بهذا المعنى وإنما سماها القرآن الصدقات (بضم الدال) وزعمه هذا يدل على أحد أمرين: إما الجهل بالقرآن ولغته، وإما تعمد تحريفه وقد يجتمعان، فقد قال الله تعالى في سورة الممتحنة في المؤمنات اللواتي يتركن أزواجهن المشركين ويهاجرن إلى المدينة {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (الممتحنة: ١٠) وقال تعالى بعد ذكر حل طعام أهل الكتاب من سورة المائدة: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} (المائدة: ٥) . وإنني لما حررت الدلائل في مسائل متعة النكاح في تفسير سورة النساء من جزء التفسير الخامس وتعرضت لخلاف الشيعة فيها قلت في آخر البحث ما نصه (وهو قد كتب بعد تأليف تلك الرسالة) . (ولا سعة في هذا التفسير لهذه المباحث بل أخشى أن أكون خرجت بهذا البحث عن منهاجي فيه وهو الإعراض عن مسائل الخلاف التي لا علاقة لها بفهم القرآن والاهتداء به، وعن الترجيح بين المذاهب الذي هو مثار تفرق المسلمين وتعاديهم، على أنني أبرأ إلى الله من التعصب والتحيز إلى غير ما يظهر لي أنه الحق والله عليم بذات الصدور - إلى أن قلت: (فإن اطلعنا بعد ذلك على روايات أخرى للشيعة بأسانيدها فربما نكتب في ذلك مقالاً تمحص فيه ما ورد من الطريقين ونحكم فيه بما نعتقد من قواعد التعارض والترجيح وننشر ذلك في المنار) اهـ. وقد أرسل علامة الشام المستقل الشيخ جمال الدين القاسمي (رحمه الله تعالى) رسالة العاملي في أثناء نشرها إلى علامة العراق المستقل السيد محمود شكري الألوسي (رحمه الله تعالى) وسأله عن رأيه فيها فأجابه برسالة تتضمن الرد الشديد عليها وتجهيل مؤلفها، وقد اطلعنا على هذا الرد، ولم نشأ أن ننشره لما تقدم بيانه. ولكن العاملي الرافضي المتعصب عاد في هذه الأيام إلى ما هو شر مما كتبه في تلك الرسالة؛ لأن حرية الطعن والتفريق في ظل الحكومة الفرنسية أوسع مما كان في عهد دستور الدولة العثمانية، فألف كتابًا كبيرًا استغرق خمسمائة صفحة في هذا الموضوع جعل عنوانه الرد على الوهابية، ودس فيه ما يبغي من الدعاية الرافضية، وإثبات الخرافات القبورية، والطعن في صاحب المنار لا فيما نشره مما يخالف مذهبه وتقاليده فقط، بل طعن في شخصه ونقل ما كتبه شاب إيراني فرمسوبي متعصب للدولة الإيرانية ولمذهبها لأنه مذهبها! ! في بعض الجرائد من الطعن الشخصي فيه والافتراء عليه بضد الواقع، ولا سيما في مسألة الشريف حسين وأولاده والاتحاديين فقد زعم أننا كنا نمدح الشريف في وقت عزه وملكه وزهدناه بعد فقده، وهذا كذب وبهتان كما يعلم جميع المطلعين على المنار كزعمه أن فيصلا هو الذي عين صاحب المنار رئيسًا للمؤتمر السوري العام في دمشق وكل الناس يعلمون كالشيخ العاملي أن المؤتمر انتخب صاحب المنار لرياسته انتخابًا، وأنه ما كان لفيصل أن يعينه تعيينًا. طالبني بعض أهل السنة بالرد على هذا الكتاب وقد تصفحت أهم مسائل أبوابه في زهاء ثلاث ساعات فرأيت فيها من الكذب في النقل أو الاقتصار منه على ما يوافق هواه ومن الدعاوي الباطلة والكلم المحرف عن مواضعه وتأويل النصوص القطعية ما يبخل الحريص على وقته أن يقرأه كله فكيف يضيعه في الرد على كل ما فيه من الباطل؟ ولكن في نشر هذا الكتاب ضررًا عظيمًا وإفسادًا كبيرًا لعقائد المسلمين كافة وعقائد أهل السنة خاصة؛ لما فيه من الشبهات الكثيرة الصادرة في صور الأدلة على عبادة موتى الصالحين بالدعاء وغيره وتحريف نصوص القرآن الصريحة في منع ذلك كقوله تعالى: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (الجن: ١٨) وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأعراف: ١٩٤) وقوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (الإسراء: ٥٧) أي أولئك الذين يدعونهم من دون الله توسلاً بهم إليه هم يبتغون الوسيلة والقربى إلى الله {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} (الإسراء: ٥٧) أي يبتغي ذلك أقربهم إلى الله كالمسيح عليه السلام والملائكة فكيف من دونهم؟ كما أنه يرد بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك؛ لأنها من رواية أهل السنة، أو يحرفها بالتأويل. وما أضعف المسلمين في دينهم ودنياهم شيء كما أضعفهم وأفسدهم الاتكال على الميتين في قضاء حاجاتهم ومصالحهم ودفع الأذى عنهم، فهذا مما يضر أهل السنة والشيعة، ولا سيما في هذا العصر، وهو يوهم الفريقين أنه من الإسلام وأنه لم يخالف فيه أحد منهم إلا الوهابية، مع أنه لم يقل به أحد من أئمتهم لا أئمة أهل البيت كالصادق والباقر ولا أئمة الأمصار الآخرين كالأربعة رضوان الله عليهم أجمعين، بل النصوص عن أئمة أهل البيت عليهم السلام موافقة للأحاديث الصحيحة من منع هذه البدع الخرافية كما يعلم من المناظرة بين العالمين الشيعي والسلفي المستقل التي نشرناها في المجلد الثامن والعشرين من المنار. ومثال ما يضر أهل السنة وحدهم ما صوَّره الرافضي المتعصب في رسالته وكتابه لهم من أن أصول الدين والفقه عند الشيعة وأهل السنة واحدة، وإنما الفرق الوحيد بينهما مسألة حب آل بيت الرسول عليه وعليهم السلام وموالاتهم والاحتجاج بما رواه أئمتهم عنه وما اجتهدوا فيه وهو ما نبينه فيما يلي مع الإشارة إلى دسيسته فيه. *** الفرق بين السني والشيعي يزعم الشيخ العاملي في الفرق بين السني والشيعي أن أصول أهل السنة والشيعة في العقائد والأحكام واحدة وأن الخلاف بينهما هو كالخلاف بين فقهاء السنة، وإنما يمتاز الشيعة بأنهم هم الذين (يوالون ويتتبعون أهل البيت الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرًا، الذين دخلوا مدينة العلم النبوي من بابها وتمسكوا بالثقلين كما أمرهم نبيهم) وهو يكرر هذا القول الذي نقلناه من آخر كتابه الجديد وقد قال بعده: (وهم مسلمون يقرون الله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة ويلتزمون بجميع ما جاء به من عند ربه مما اتفق عليه جميع المسلمين [٢] ويرجعون فيما اختلفوا فيه إلى أقوال الأئمة الذين إن لم يكونوا فوق الأئمة الأربعة وفوق ابن عبد الوهاب في العلم فليسوا دونهم) وقد ذكر في مقدماته فصولاً في أصول الدين التي هي دلائل الأحكام يوهم قارئها من غير علماء السنة أنها اتفاقية، وفيها ما سنشير إليه من الدسائس. وقد سبق له تفصيل للتفرقة بين الطائفتين في رسالته (الحصون المنيعة) ذكر فيها أن المسلمين كانوا في أول الإسلام (فرقة واحدة حتى قتل الخليفة الثالث وبويع الخليفة الرابع فلم يجد أعداؤه وسيلة إلى هدم خلافته والقدح فيه أقوى من نسبة قتل الخليفة الثالث إليه، فسعوا في ذلك جهدهم حتى تمكنوا من إقناع جم غفير من المسلمين بذلك وتهيأ لهم بما دبروه من الحيلة أن يقسموا المسلمين فرقتين فسميت إحداهما علوية والأخرى عثمانية، ونالوا بذلك ما أملوه من الملك وقهر علي بن أبي طالب وأولاده الذين هم أعدى أعدائهم ويخافون منازعتهم في الملك ولهم عندهم ثارات بدر وغيرها، ولم يكتفوا بهذا حتى أمروا بِسَبِّ علي بن أبي طالب على جميع منابر الإسلام) (ص٩ و١٠) . وبعد إطالته في وصف هذه العداوة مدة ملك بني أمية وجملة من ملك بني العباس الذين قال فيهم: (إنهم لم يكونوا أقل تشددًا في قهر العلويين وإيذاء من ينسب إليهم من الأمويين حتى قل المنتسبون إلى أهل البيت بالنسبة إلى غيرهم وتستروا واختفوا خوفًا على دمائهم وكثر المائلون إلى الأمويين والعباسيين والمتقربون منهم رغبًا أو رهبًا) وذكر أن أهل البيت كانوا يخفون علومهم ثم أظهروها في آخر مدة ملك بني أمية وأول ملك بني العباس لقلة الضغط، فظهر مذهب أهل البيت في عهد الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق الذي نسب إليه مذهب الشيعة في الفروع. قال: (ثم صار المنتسبون إلى أهل البيت عليهم السلام يعرفون بالشيعة وغيرهم بالسنة ونسخ اسم العلوية والعثمانية) (ص١٢) . أقول: إن هذا التفصيل هو غير الحق وغير ما يعتقده الشيعة من أصل نحلتهم أيضًا، وهو صريح في أن أعداء أهل البيت النبوي الذين كانوا يسمون العثمانية هم الذين صاروا يسمون أهل السنة، فالشيخ محسن العاملي هذا وأمثاله يطعنون في أهل السنة بمثل هذا القول الباطل فإن جميع أهل السنة يقولون بأن عليًّا رضي الله عنه هو الإمام الحق بعد عثمان وأن معاوية كان باغيًا عليه، ويخدعون به مسلمي هذا العصر بجذبهم إلى التشيع لعلمهم بأنهم يحبون أهل البيت جميعهم الحب الصحيح المعتدل وبعضهم يغلو فيهم كلهم كما يغلو الشيعة في بعضهم، فهم يجذبونهم إلى المذهب بهذه الدعوى الباطلة، كما دافع هو والشاب الإيراني عمن انتقد عليهم بث نزغة التشيع من الحضارمة وجعلهم من الروافض مثله على تصريحنا في المنار بأنهم لا يدعون إلى مذهب الإمامية ولا الزيدية بل يقولون: إنهم شافعية سنية وإنما يدعون إلى الغلو في تعظيم العلويين والخرافات بما أدى إلى النفور منهم ومقاومة الجماهير لهم، ولا سيما جمعية الإرشاد، ونحن إنما انتقدناهم غيرة عليهم وعلى الدين الصحيح. ثم ذكر هذا الداعية عقب ما تقدم أصول فقه أهل السنة والشيعة إجمالاً، ومنه انفراد الشيعة بأقوال أهل البيت وما استقل العقل بحسنه أو قبحه، وذكر بعد ذلك كثيرًا من علمائهم ومصنفاتهم بما لا يخلو من بحث ونظر، وهو قد وضح أصول الأحكام الدينية ومآخذ الأدلة في كتابه الجديد فنشير إلى بعض الدسائس في كلامه لا للرد عليه، فإن مثله لا يُنَاظَر، ولكن ليعرف أهل السنة دسائسه ولا يَغْتَرُّ غير الواقف على أصول الدين منهم بكلامه الموهم. (١) قال في ص ٨٢ (الكتاب كلام الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم وهو قطعي السند؛ لاتفاق المسلمين كافة على أن ما بين الدفتين مُنَزَّل منه تعالى) ، ونقول: لكن رافضة الشيعة يزعمون أن ما بين الدفتين ليس كل كلام الله تعالى، بل حذف منه الصحابة بعض الآيات وسورة الولاية أي ولاية علي عليه السلام، ويزعمون أن عليًّا كتبه من نسخة كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم خصَّه بها وأمره أن يكتبه منها، وهو المعصوم دون سائر الصحابة من الخطأ فلم يقبلوها منه، وينقلون عن أئمة أهل البيت أكاذيب في القرآن وتحريف الصحابة رضي الله عنه له لعلها مما قال العاملي: إنهم كانوا يكتمونه عن الناس ويخصون به الثقات من محبيهم، ولبعض علماء القرن الماضي منهم كتاب سماه (فصل الخطاب، في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) ينقل عن كتبهم وأئمتهم الأباطيل في ذلك ويقولون: إن القائم المنتظر وهو عندهم محمد المهدي بن الحسن العسكري المختبئ منذ ألف سنة ونيف في السرداب من بلدة سامرا (سُرَّ مَن رأى) سيظهر القرآن الصحيح التام. وقد ذكر في الكلام على السنة والأخبار النبوية أن البابية يحتجون على ضلالتهم بخبر المهدي يأتي بأمر جديد وقرآن جديد، ونقول: إن هذا الخبر لا وجود له في كتب الأحاديث المروية عند أهل السنة والجماعة فلا بد أن يكون من أخبارهم هم، وهو إنما يخطئ البابية في الاستدلال به على أن المهدي هو زعيمهم الباب، لا في رواية الخبر نفسه؛ لأنه ذكر ذلك في سياق استدلال كل طائفة من الأخبار كالآيات على نِحْلَتِهَا لاحتمال الألفاظ لذلك بالتأويل الذي هم فرسان ميدانه. (٢) إنه عرَّف السنة بقوله: (السنة قول المعصوم أو فعله أو تقريره) ويتوهم من لا يعرف عقائدهم أن هذا التعريف موافق لما عليه علماء أصول الفقه من أهل السنة أنها أقوال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، بناء على اعتقادهم أنه هو المعصوم في هذه الأمة؛ إذ لا عصمة عند أهل السنة لأحد من البشر إلا الأنبياء عليهم السلام، ولكن الشيعة يقولون بعصمة أئمة أهل البيت، ويقولون بأن العصر لا يخلو من معصوم كما صرَّح العاملي به في تعريف الإجماع من كتابه هذا. وليعلم القراء أن السنة المُرَادة بقول العلماء (أهل السنة والجماعة) في مقابلة أهل البدع كالروافض والجهمية هي السيرة العملية التي كان عليها المسلمون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وصدر الإسلام قبل ظهور البدع، ومن ذلك قول علي كرم الله وجهه لابن عباس رضي الله عنهم حين أرسله لمُحَاجَّة الخوارج: (احملهم على السنة، فإن القرآن ذو وجوه) يعني أنهم يتأولونه بغير المراد منه، وأما السنة بمعنى السيرة العملية فلا يمكن تأويلها، ولكن الشيعة لا يحتجون بها. (٣) من أصول الدين المهمة عندهم مسألة الإمامة العظمى ويزعمون أن ثبوتها بالنص كما صرَّح به هو وغيره وأن النبي صلى الله عليه وسلم نص في يوم (غدير خم) على إمامة علي عليه السلام، ووصى له بها، وأن جمهور الصحابة عصوا نبيهم وخالفوا عن أمره حبًّا في الرياسة فجعلوها باختيار أهل الحل والعقد، ولما كان الزعيمان الأكبران الأعظمان في الصحابة أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما) هما اللذين استأثرا بهذا الأمر كانا أعدى أعدائهم، وكان من شعارهم لعنهما ويلقبون الأول بالعجل والثاني بالسامري، بل صرَّح بعض علمائهم بأنهما قد ارتدا عن الإسلام هما وجمهور الصحابة الذين وافقوهم، وزعموا أن عليًّا كرَّم الله وجه لم يبايعهما إلا تقية وحاشا بطل الإسلام أشجع الشجعان وأزهد الزهاد من هذا النفاق المسمى بالتقية، وأنت ترى هذا الرافضي وأمثاله من غلاة الشيعة لا يطلقون الترضي عن الصحابة بل يقيدونه بمثل قوله في أول كتابه (وصلى الله على سيدنا محمد وآله وخيار أصحابه وسلم) ويعني بخيار أصحابه شيعة علي كسلمان الفارسي وعمار والمقداد رضي الله عنهم أجمعين. وليعلم القارئ أنه كان من الصحابة والتابعين من يرون أن عليا كرم الله وجهه أحق بالإمامة العظمى من غيره ولكنهم لم يكونوا يعتقدون أن ولاية غير الأولى والأحق غير جائزة ولا أن الشيخين العظيمين وركني الإسلام الركينين قد ارتدا عن الإسلام أو ضلا عن صراطه المستقيم، وكذلك أكثر من كانوا يفضلون عليًّا على غيره من علماء القرون الأولى ويطلق هو وغيره عليهم لقب الشيعة. ومن المعلوم لجمهور [٣] المتعلمين في هذا الزمان أن للبشر من جميع الأمم نظريتين في الولاية العامة والملك (أحدهما) أن الحق فيها لاختيار الأمة الذي يعبر عنه في عرف هذا العصر بالديمقراطية، وهي المرجحة عند جميع أمم المدنية، وقد سبقهم إليها المسلمون بإرشاد القرآن في قوله عز وجل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: ٣٨) وإنما خالف فيها الشيعة ذاهبين إلى النظرية الثانية، وهي أن الحق فيها لشرفاء الأمة ذوي الأنساب والأحساب ولكنهم يزعمون أنهم يتمسكون فيها بنص نبوي بل بزعم المجازفون منهم أنها كانت منصوصة في القرآن فأسقط جمهور الصحابة ذلك النص كما تقدم. وبناءً على هذه النظرية يقاوم الروافض الإمام عبد العزيز بن سعود ملك الحجاز ونجد تعصبًا لمذهبهم على مذهب أهل السنة الذي يقيمه ابن سعود إقامة لم يسبق لها نظير بعد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، ولكن العاملي يطعن فيه وفي قومه ملقبًا إياهم بالوهابية ومدعيًّا أنهم مخالفون لجميع المسلمين الذي لا فرق بين سنيهم وشيعيهم بزعمه إلا حب آل بيت الرسول وولايتهم والاهتداء بعلمهم، ومراده بذلك التوسل للطعن في عقائد سلف الأمة وهديهم، وفي مذهب إمام أئمتها وأستاذ أعظم حفاظها أحمد بن حنبل رضي الله عنه فهو يقول (مثلاً) : إن الوهابية يكفرون تارك الصلاة ويرد عليهم، وهذا مذهب الإمام أحمد كما هو مشهور ومنصوص في كتب الفقه من قبل وجود الوهابية، وقد ظهر لجميع العالم بطلان استدلاله على جواز منع إيران للحج بأن فيه خطرًا على حياتهم وحريتهم من ملك الحجاز. ألا تراه على افترائه الكذب في طعنه بالوهابيين راضيًا بأعمال الشريف حسين وأولاده ومدافعًا عنهم، فالشريف عبد الله بن حسين الذي اقتطع بخداع أخيه الشريف علي أهم منطقة حربية غنية من أرض الحجاز وجعلها تحت سلطة الإنكليز، وهو يجبر أهل البلاد التي تولى إمارتها على إقرار المعاهدة المخزية التي عقدها معهم، وكذلك السيد تاج الدين الحسني رئيس حكومة سورية الحاضر هما أفضل وأحق بنسبهما بالحكم من جميع الوطنيين الذين اشتهروا بخدمة أمتهم ووطنهم وجاهدوا في سبيلها بأموالهم وأنفسهم. نكتفي الآن بهذا التنبيه العام للمسلمين في مقابلة الدعاية الخرافية التي نشط لبثها فيهم الملا محسن العاملي، ونقفي عليها بالرسالة الوجيزة التي كتبها علامة العراق المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي إلى علامة الشام المرحوم الشيخ جمال الدين القاسمي مع حذف بعض العبارات القاسية التي فيها، ننشرها الآن للضرورة التي أشرنا إليها، وليعلم بعض ما عندنا أولئك الذين يتوخون الاعتدال في الدعاية الشيعية والرد على مخالفيها كزميلنا الفاضل (صاحب مجلة العرفان المفيدة في بث العلم والأدب الذي عرض بالانتقاد علينا مرارًا ويطلب من علماء الشيعة المنصفين أن يبينوا لنا ما يرونه فيها وفيما كتبناه من خطأ بالدليل والبرهان لنعترف لهم به {وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (الأحزاب: ٤) . *** رد السيد الآلوسي على حصون العاملي الرافضي صورة الكتاب الذي أرسله علامة العراق السيد محمود شكري الآلوسي إلى علامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي في الرد على صاحب رسالة (الحصون المنيعة فيما أورده صاحب المنار في الشيعة) وشنعهم القبيحة (والعناوين للمنار) .
بسم الله الرحمن الرحيم إلى حضرة العالم الأوحد، والعلم المفرد، فخر هذا الزمان، والمشار إليه بالبنان، الأخ الأكمل، والخل المفضل، جمال الدنيا والدين، وبهجة الإسلام والمسلمين، جناب السيد جمال الدين أفندي القاسمي كان الله تعالى له، وأناله من الدين ما أمله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فلم أزل أتشرف بألطافكم العلية، وتتوارد على المخلص نعمكم السنية، فأتضرع إلى الله تعالى وأسأله أن يجزيكم عني خير الجزاء. قبل هذا وصل إلي كتاب (النصائح الكافية) فرأيت مصنفه ممن اتبع هواه، ولم يراقب مولاه، وفي هذه الأيام وردني كتاب (الحصون المنيعة) فلما طالعته وجدته أيضًا كتابًا دل دلالة صريحة على أن مصنفه من المتعصبين في الرفض، المغالين في البغضاء للسنة النبوية، ورأيت الإعراض عن كلا الكتابين هو الحزم، فإنا لو رمينا ... وأظن أن المقالة التي في (المنار) حررها الشيخ كامل أفندي الرافعي فقد مر عند ذلك التاريخ على العراق واجتمعنا به وسررنا بملاقاته حيث كان سلفي العقيدة منور الفكر، فكتب ما كتب عما رأى من أحوال رافضة العراق، ومن العجب أن الرافضي ادعى أن فرقته أطوع الناس للحكومة مع أن سيفها لم يزل على رقابهم، ولم يمض يوم من الأيام إلا والحرب معهم قائمة على سيفها، فكم ألجئوا الحكومة إلى خسائر أموال ونفوس، وجميع القبائل الذين ترفضوا هم أعدى الناس لدولة الإسلام، وفي هذا الأسبوع ورد تلغراف يخبر عن هجوم جمع منهم على شطرة المنتفق وقتلهم جمعًا من الضباط وعددًا كثيرًا من الأفراد، وحروبهم في العمارة شهيرة، وكذلك قبائل الديوانية والنجف والسماوة وكربلاء لم يزالوا قائمين على ساق الحرب مع الحكومة، واختلال العراق دائمًا إنما هو من الإرفاض، فقد تهرى أديمهم من سم ضلالهم، ولم يزالوا يفرحون بنكبات المسلمين حتى إنهم اتخذوا يوم انتصار الروس على المسلمين عيدًا سعيدًا، وأهل إيران زيَّنوا بلادهم يومئذ فرحًا وسرورًا [٤] ولو بسطنا القول في هذا الباب وذكرنا حروبهم ومخازيهم لاستوجب إفراد مجلد كبير، والمنكر لذلك كالمنكر للشمس رأد الضحى. *** بغض الروافض لبعض أهل البيت وأعجب من ذلك دعوى الرافضي حب أهل البيت والعمل بعلومهم والأخذ بالكتاب والسنة. إن الروافض كاليهود يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض؛ وذلك لأن العترة بإجماع أهل اللغة تقال لأقارب الرجل وهم ينكرون نسب بعض العترة كرقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعدون بعضهم داخلاً فيها كالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أولاده وكالزبير ابن صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبغضون كثيرًا من أولاد فاطمة رضي الله عنهما بل يسبونهم كزيد بن علي بن الحسين وقد كان في العلم والزهد على جانب عظيم، وكذا يحيى ابنه فإنهم أيضًا يبغضونه، وكذا إبراهيم وجعفر ابنا موسى الكاظم رضي الله عنهم، وقد لقبوا الثاني بالكذاب مع أنه كان من أكابر الأولياء، وعنه أخذ أبو يزيد البسطامي، ولقبوه بالكذاب أيضًا جعفر بن علي أخا الإمام الحسن العسكري ويعتقدون أن الحسن بن الحسن المثنى وابنه عبد الله المحض وابنه محمد الملقب بالنفس الزكية ارتدوا - حاشاهم - عن دين الإسلام. وهكذا اعتقدوا في إبراهيم بن عبد الله وزكريا بن محمد الباقر ومحمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن ومحمد بن القاسم بن الحسن ويحيى بن عمر الذي كان من أحفاد زيد بن علي بن الحسين، وكذلك في جماعة حسنيين وحسينيين كانوا قائلين بإمامة زيد بن علي بن الحسين، إلى غير ذلك مما لا يسعه المقام. وهم حصروا حبهم بعدد منهم قليل، كل فرقة منهم تخص عددًا وتلعن الباقين، هذا حبهم لأهل البيت والمودة في القربى المسئول عنها، على أن الحب ليس عبارة عن لطم الخدود وشق الجيوب وهتك سادة الأمة في كل عام. وما أحسن ما قال الأخرس في ذلك: هتكوا الحسين بكل عام مرة ... وتمثلوا بعداوة وتصوروا ويلاه من تلك الفضيحة إنها ... تطوى وفي أيدي الروافض تنشر {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران: ٣١) وأين أهل الابتداع من الاتباع. *** زعم الرافضة تحريف القرآن ادعوا أنهم أخذوا دينهم من الكتاب والسنة وأقوال العترة، كذبوا والله في ذلك فإن الكتاب الكريم مُحَرَّفٌ بزعمهم قد أسقطوا منه نحو ثلثه كما صرَّحت بذلك كتبهم فلا يعبئون به ولا يعرجون عليه ولا يقيمون له وزنًا، وإنه مخلوق لا ينزهونه، هذا شأن الكتاب لديهم، وأما السنة فعندهم أن الصحابة ارتدوا جميعًا عن دين الإسلام إلا سلمان وعددًا يسيرًا معه لا يبلغون العشرة بسبب عدم قيامهم بنص الغدير على زعمهم. *** الكتب المعتدة عند الشيعة الإمامية وأما العترة فاعلم أن الروافض زعموا أن أصح كتبهم أربعة: الكافي، وفقه من لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار، وقالوا: إن العمل بما في الكتب الأربعة من الأخبار واجب، وكذا بما رواه الإمامي ودَوَّنَه أصحاب الأخبار منهم، نص عليه المرتضى وأبو جعفر الطوسي وفخر الدين الملقب عندهم بالمحقق المحلي، وهو باطل؛ لأنها أخبار آحاد وأصحها الكافي، ومنهم من قال: أصحها فقه من لا يحضره الفقيه، وقال بعض المتأخرين منهم الناقد لكلام المتقدمين: أحسن ما جمع من الأصول كتاب الكافي للكليني والتهذيب والاستبصار. وكتاب من لا يحضره الفقيه حسن، وقد طالعت في بعضها وما زعموه من الصحة باطل من وجوه؛ لأن من أسانيدها من هو من المُجَسِّمة كالهشامين وشيطان الطاق المُعَبَّر عنه لديهم بمؤمنه، وأمثال هؤلاء ممن اعترف الرافضة أنفسهم باتصافهم بما ذكرنا. ومنهم من أثبت الجهل لله في الأزل كزرارة بن أعين والأحولين وسليمان الجعفري ومحمد بن مسلم وغيرهم (ومنهم) فاسد المذهب كابن مهران وابن بكير وجماعة أخرى (ومنهم) الوُضَّاع كجعفر القزاز وابن عياش (ومنهم) الكذاب كمحمد بن عيسى (ومنهم) الضعفاء وهم كثيرون (ومنهم) المجاهيل وهم أكثر كابن عمار وابن سكره (ومنهم) المستور حاله كالبلقسي وقاسم الخراز وابن فرقد وغيرهم، وهؤلاء رواة أصح كتبهم. وقد اعترف الطوسي بنفي وجوب العمل بكثير من أحاديثهم التي صرحوا بصحتها، والكليني يروي عن ابن عياش وهو كذاب. والطوسي يروي عمن يدعي الرواية عن إمام مع أن غيره يكذبه كابن مسكان فإنه يدعي الرواية عن الصادق وقد كذَّبه غيره، ويروي عن ابن المعلم وهو يروي عن ابن مابويه الكذوب صاحب الرقعة المزورة ويروي عن المرتضى أيضًا، وقد طلبا العلم معًا وقرآ على شيخهما محمد بن النعمان وهو أكذب من مسيلمة، وقد جوَّز الكذب لنصرة المذهب، والكلام على أكاذيبهم وفاسد رواياتهم يطول والمقصود تكذيب قول رافضي: إنهم تلقوا علوم العترة. *** تعبد الإمامية بالرقاع الصادرة عن المهدي المنتظر نعم إنهم أخذوا غالب مذهبهم كما اعترفوا من الرقاع المزورة التي لا يشك عاقل أنها افتراء على الله، والعجب من الروافض أنهم سموا صاحب الرقاع بالصدوق وهو الكذوب لأنه عن الدين المبين بمعزل. كان يزعم أنه يكتب مسألة في رقعة فيضعها في ثقب شجرة ليلاً فيكتب الجواب عنها المهدي صاحب الزمان بزعمهم، فهذه الرقاع عند الرافضة من أقوى دلائلهم، وأوثق حججهم، فتبًّا ........................................... واعلم أن الرقاع كثيرة منها رقعة علي بن الحسين بن موسى بن مابويه القمي فإنه كان يظهر رقعة بخط الصاحب في جواب سؤاله، ويزعم أنه كاتب أبا القاسم ابن أبي الحسين بن روح أحد السفرة على يد علي بن جعفر بن الأسود أن يوصل له رقعته إلى الصاحب فأوصلها إليه فزعم أبو القاسم أنه أوصل رقعته إلى الصاحب (أي المهدي) وأرسل إليه رقعة زعم أنها جواب صاحب الأمر له. ومنها رقاع محمد بن عبد الله بن جعفر بن حسين بن جامع بن مالك الحريري أبو جعفر القمي كاتب صاحب الأمر سأله مسائل في أبواب الشريعة قال: قال لنا أحمد بن الحسين وقفت على هذه المسائل من أصلها والتوقيعات بين السطور، ذكر تلك الأجوبة محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الغيبة وكتاب الاحتجاج. والتوقيعات خطوط الأئمة بزعمهم في جواب مسائل الشيعة، وقد رجَّحوا التوقيع على المروي بالإسناد الصحيح لدى التعارض، قال ابن مابويه في الفقه بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة في (باب الرجل يوصي إلى الرجلين) هذا التوقيع عندي بخط محمد بن الحسن بن علي، وفي الكافي للكليني رواية بخلاف ذلك التوقيع عن الصادق، ثم قال: لا أفتي بهذا الحديث بل أفتي بما عندي من خط الحسن بن علي. (ومنها) رقاع أبي العباس جعفر بن عبد الله بن جعفر الحميري القمي (ومنها) رقاع أخيه الحسين ورقاع أخيه أحمد. فهؤلاء كلهم كانوا يزعمون أنهم يكاتبون صاحب الأمر (المهدي المنتظر) ويسألونه مسائل في أحكام الشرع، وأنه يكتب جواب أسئلتهم كما ذكره النجاشي وغيره من علمائهم وأبو العباس هذا قد جمع كتابًا في الأخبار المروية عنه وسماه (قرب الإسناد إلى صاحب الأمر) . و (منها) رقاع علي بن سليمان بن الحسين بن الجهم بن بكير بن أعين أبو الحسن الرازي فإنه كان يدعي المكاتبة أيضًا ويظهر الرقاع قال النجاشي: كان له اتصال بصاحب الأمر وخرجت له التوقيعات. هذه نبذة مما بنوا عليه أحكامهم ودانوا به وهو نغبة من دأماء [٥] وقد تبين بها حال دعوى الرافضي في تلقي دينهم عن العترة، والعبد كتب عليهم عدة ردود قبل نحو عشرين سنة، وشكوا عَلَيَّ إلى شاه العجم ناصر الدين (وهو خاذله) وكتب علي إلى السلطان المخلوع فصادرت الحكومة ما وجدوه من كتبي المطبوعة في الهند وهذا الرافضي له علم بما جرى فلا لوم عليه إن نبذني بما نبذني. *** طعن الشيخ محسن في الوهابية كل أحد يعلم أنه لا حقيقة له عندهم بل دل على جهله، على أن زخرفة القبور حرام لدى كافة المسلمين وهم أول من ابتدع ذلك وسرى إلى غيرهم، والرافضة يصرحون في كتبهم - وقد رأيته بعيني - أن زيارة قبور الأئمة أفضل من سبعين حجة، ولذلك تراهم يطوفون عليها، ويطلبون جميع حوائجهم منها، وبنوا عليها القباب من الذهب وعلقوا عليها كل ما يُسْتَطْرَفُ ويفدون عليها كل ليلة ما يكفي لتنوير مدينة عظيمة {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} (الكهف: ١٠٤) . *** ندب الحسين وسب الصحابة واجتماع رجالهم في النجف وغيره للطم الخدود، وقراءة الحمص المكذوبة وأكل النذور وإضلالهم لجهلة الأعراب أيضًا لهذه العلة ودينهم الذي يدينون به سب الصحابة وتكفيرهم، وإضلالهم الأعراب بذلك، وإلا فَهُمْ أجهل الناس بكل علم، وكم بحثت مع من ادعى منهم الاجتهاد فألقمتهم (ولله الحمد) بحجر السكوت، واعترفوا بجهلهم لدى خاصتهم، وهؤلاء الدجالون أضر على المسلمين من جميع المخالفين، فإن اليهود والنصارى وعباد الأوثان لا يتمكنون من إغواء أحد من الأعراب، ولا يمكنهم التقرب إليهم، ولا تسمع منهم كلمة لديهم، فالأعراب آمنون من شر هؤلاء. أما هؤلاء الدجالون، والضالون المضلون، فقد تزَّيْوا بزي المسلمين وشاركونا في كثير من الشعائر، فربما نفقت خزعبلاتهم على عوام الأعراب لنيل شهواتهم، والتوصل إلى مقاصدهم من: جمع النذور، وأخذ الخمس، وأجرة قصص التعازي ونحو ذلك، مع حثهم ووعظهم على عدم طاعة الحكومة ولا إعانتها في شيء، حتى حصل مقصودهم وأصبح العراق نيرانًا تتسعر، فكم أسالوا دماء المسلمين وأضروا الحكومة ضررًا عظيمًا والحكومة لم تنتبه لذلك إلا بعد أن اتسع الخرق على الراقع. والرافضي يقول: إن العراق كان ولم يزل دار الروافض، مع أني أعلم أن أقوامًا من القبائل كانوا على مذهب أهل السنة وفي هذا العصر ترفضوا منهم قبائل زبيد وهم عمدة قبائل الطرق قوة وشجاعة وكثرة عدد، وهكذا قسم عظيم من شمر وقسم من بني تميم فضلا عن العصور التي لم أدركها. ومن العجب من هذا الرافضي أنه عَدَّ فرقته من المتبعين، وجعل أهل السنة كالوهابية وأضرابهم من المبتدعين، مع أن الروافض يبيحون شتم جمهور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يحكمون بارتدادهم إلا عددًا يسيرًا، ويفضلون الأئمة الاثني عشر على أولي العزم من المرسلين، ويقولون: إن الأئمة يوحى إليهم، ويقولون: إن موتهم باختيارهم، ويقولون بالرجعة أي بأن الأئمة سيرجعون إلى الدنيا وينتصفون من أعدائهم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومَن والاهما ويصلبونهم ويقتلونهم، وإن إمام الوقت هو محمد المهدي الذي غاب في سرداب (سُرَّ مَن رَأَى) وإنه حي يُرْزَق ويزعمون أنه إذا ذكر في مجلس حضر فيقومون له، واعتقدوا بتحريف القرآن ونقصانه وأن الله لا يُرَى في الآخرة، وأنكروا كثيرًا من ضروريات الدين. ومع ذلك يقولون: إنهم على حق، وغيرهم المتبعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم المحافظون على ما جاء به المهدي ودين الحق هم المبتدعون، وما أحسن ما قال فيه القائل [٦] . ليس التقى هذي التقية إنما ... هذا النفاق وما سواه المنكر وما تكلم به في المتعة يكفي لإثبات ضلالهم، وعندهم متعة أخرى يسمونها المتعة (الدورية) [٧] ويروون في فضلها ما يروون، وهي أن يتمتع جماعة بامرأة واحدة، فنقول لهم من الصبح إلى الضحى في متعة هذا، ومن الضحى إلى الظهر في متعة هذا، ومن الظهر إلى العصر في متعة هذا، ومن العصر إلى المغرب في متعة هذا، ومن المغرب إلى العشاء في متعة هذا، ومن العشاء إلى نصف الليل في متعة هذا، ومن نصف الليل إلى الصبح في متعة هذا. فلا بدع ممن جوَّز مثل هذا النكاح أن يتكلم بما تكلم به ويسميه (الحصون المنيعة) وينبز أهل الإيمان والتوحيد بما ينبزهم به {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (آل عمران: ١٨٦) . وقد ردوا على الرافضة قولهم بالمتعة في كتب مفردة وقد ردها عليهم الجد في تفسيره، والردود العامة عليهم لا تُحْصَى فالعلامة محمد أمين السويدي رد عليهم بأربع مجلدات (سماه الصارم الجديد) والصواقع بتقديم القاف لأحد علماء الهند مجلد ضخم رد عليهم أيضًا، والتحفة، وللجد ثلاثة ردود مختصرة، والفقير رد عليهم بنحو ألف ورقة فاغتصبته الحكومة وذلك بثلاثة مصنفات أحدها المسمى بصب العذاب على من سب الأصحاب. يوم المولد سنة ١٣٢٨. ... ... ... ... ... ... ... ... عبد الله محمود شكري ((يتبع بمقال تالٍ))