للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أعظم معركة بحرية
بين أعظم أساطيل العالم

نشرت الحكومة الإنكليزية في٣ يونيو١٩١٦ بلاغًا رسميًّا في مصر هذا نصه:
كما نشر في المقطم وغيره:
أعلنت وزارة البحرية البريطانية أنه بعد ظهر يوم الأربعاء في ٣١ مايو
حاول الأسطول الألماني الأكبر أن يخترق نطاق الحصر البحري الذي ضربناه على
ألمانيا فجاء من جهة بحر كاتغات قاصدًا دخول البحر الشمال، وكان هذا الأسطول
مؤلفًا من أساطيل الدردنوطات والطرادات الكبرى والطرادات والمدمرات ... إلخ.
فانبرى له أسطول من الطرادات البريطانية الكبرى تعززه الطرادات
والمدمرات واحتدم القتال بين الفريقين وأسفرت المعركة عن خسارة عظيمة من
الجانبين.
وبعد مدة وجيزة وصل أسطول الدردنوطات البريطانية إلى مكان المعركة
فكف العدو عن القتال وعادت بوارجه قاصدة الموانئ الألمانية.
وقد أُغرقت البوارج الألمانية التالية وهي:
بارجة دردنوط من طرز (كيزر) نسفت نسفًا، وبارجة أخرى من الطرز
عينه أُغرقت بنار المدافع.
أما الطرادات الألمانية الثلاثة الكبرى التي قاتلت في المعركة - وبينها الطراد
العظيم لنزوف، والطراد العظيم درفلنجر على ما يظن - فقد نُسف واحد منها
وعُطل الثاني، ووقف عن الحركة، ورُئِيَ الثالث مصابًا بعطل كبير.
ورُئِيَ طراد ألماني من الطرادات الخفيفة وهو يغرق، ومما يجدر ذكره أن
الألمان اعترفوا بضياع ثلاثة من طراداتهم الخفيفة، وهي فرونلوب وفسبادن
وبومون، وغرقت ست مدمرات ألمانية، ونطحت غواصة ألمانية فأغرقت.
هذه الخسارة التي أرسل القائد العام للأسطول البريطاني خبرها كما رُئِيَتْ
ولكن ثلاث بوارج ألمانية من البوارج الكبرى أصيبت بعطب كبير، والمرجح أن
العدو أصيب بخسارة أخرى لم يستطع أسطولنا رؤيتها بسبب صعوبة الرؤية من
جراء الأحوال الجوية.
والظاهر أن المعركة دارت في آخر الأمر والبوارج الألمانية تجدّ في السير،
وقد ساقها البريطانيون أمامهم من السكو إلى مصب نهر الألب.
أما خسارة الأسطول البريطاني فهي من الطرادات الكبرى (كوين ماري)
و (أندفيتجابل) و (أنفنسبل) ، والطراد (واريور) و (وسبرهوك)
و (أردنت) وثلاث مدمرات أخرى ضاعت، ولم يغرق للبريطانيين شيء من
بوارج الدردنوط ولا من الطرادات الخفيفة.
وقد وقع عبء القتال قبل وصول الأسطول البريطاني الأكبر على قسم من
أسطول الطرادات الكبرى البريطانية، فقاتل هذا القسم أسطول العدو الأكبر
وأصيب بالخسارة المتقدمة، وهو يقاتل أسطولاً يفوقه كثيرًا في قوة البوارج
وعددها اهـ.
وقد شرح كل من المقطم والأهرام هذا البلاغ شرحًا، صرحا فيه بأن
الطرادات الكبرى التي غرقت من نوع الدردنوط أيضًا، وقد آثرنا شرح الأهرام
للخسائر، وهذا نصه:
***
خسائر الألمان
جاء في البلاغ البريطاني أن الألمان فقدوا بارجتين من طراز (كيزر) [١]
إحداهما نسفت نسفًا، والأخرى أغرت بنار المدافع. ومحمول كل بارجة من هذه
البوارج ٢٤٧٠٠ طن، وهي من بوارج الدردنوط الألمانية وسلاحها ١٠ مدافع
قطر ١٢ بوصة، و١٤ مدفعًا قطر ٦ بوصات، و١٢مدفعًا ثقل ٢٤ رطلاً و٤
ثقل ٢٤ رطلاً، وهي لمقاومة الطيارات، وفيها ٥ أنابيب، للطوربيد (الواحدة
٢٠ بوصة) مغمورة بالمياه ٤ منها في جانبها، وواحدة في المؤخرة.
وقد بنيت بوارج الدردنوط الألمانية التي من طراز (كيزر) (لقب
الإمبراطور) سنة ١٩١٢- ١٩١٣ وعددها خمس، وهي (كيزر) و (فردريك
درجروس) و (كيزرين) و (برنس رجنب لويتبولد) و (كوينج ألبرت) ، فإذا
كانت اثنتان قد دمرتا على ما جاء في البلاغ يكون الباقي عند الألمان من هذا
الطراز ثلاث.
وليس عند الألمان أكبر من هذه البوارج سوى ثلاث، محمول الواحدة منها
٢٨ ألف طن، وهي (أرزتس فردريك الثالث) ، وأرزاتس ورث و (T) وأربع
محمول الواحدة ٢٥ ألف طن، وهي (أرزاتس براندنبرج) و (كوينج)
و (جروس كورفرست) و (مرجراف) .
وأما الطرادات الألمانية التي يقول البلاغ إن منها لنزوف ودرفلنجر، فهي من
طرادات القتال الكبرى، وليس لدى ألمانية منها سوى ثلاثة وهي (درفلنجر)
و (لنزوف) و (أرزاتس هرثا) ، ومحمولها ٢٨ ألف طن وسلاحها ٨ مدافع قطر
١٢ بوصة و١٢ مدفعًا قطر ٦ بوصات، و١٢ مدفع ثقل ٢٤ رطلاً و٥ أنابيب للطوربيد (٢٢بوصة) مغمورة بالمياه أربعة منها في الجوانب وواحدة في
المؤخرة.
أما الطرادات الثلاث التي يعترف الألمان بضياعها فهي.
١- بومرن ومحمولها ١٢٢٠٠ طن، وسلاحها ٤ مدافع قطر ١١ بوصة و١٤
مدفعًا قطر٦,٧ بوصة و ٢٠ مدفعا ثقل ٢٤ رطلا و٤ ثقل رطل واحد (أي ثقل
مقذوفها) وأربع مدافع رشاشة و٦ أنابيب للطوربيد مغمورة بالمياه، في جوانبها
وفي المقدمة والمؤخرة. وللألمان من هذا الطراز أربع بوارج أخرى، وهي
(دتشلند) و (هنوفر) و (شلسويج هولستين) و (شلسين) .
٢- فرونلوب وهو طراز صغير محموله ٢٧١٥ طنا وسلاحه ١٠ مدافع ٤
بوصات و١٠ مدافع ثقل رطل، و٤ مدافع رشاشة، وأنبوبان للطوربيد مغموران
تحت الماء
٣- (وستفالن) وهي دردنوط كبيرة ومن طراز (نساو) ومحمولها ١٨٠٠
طن وسلاحها ١٢ مدفعًا قطر ١١ بوصة و١٢ قطر ٦ بوصات و١٦ ثقل ٢٤ رطلاً
و٦ أنابيب للطوربيد في المقدمة والمؤخرة والجانبين مغمورة تحت الماء.
ولألمانيا من هذه الطراز أربع بوارج فقط وهي (وستفالن. ونساو. وبوزن
ورينلاند) .
وخسر الألمان عدا ما تقدم ست مدمرات لم تُذكر أسماؤها، هذه خسارة
الأسطول الألماني ولا نستطيع تقدير خسارة الأنفس لعدم التحقق من عدد البوارج
والطرادات التي أغرقت تماما بمن فيها، على أنا إذا سلمنا بأنه لم يغرق سوى
بومرن وفرونلوب ووستفالن، وهي الثلاث التي اعترف الألمان أنفسهم
بضياعها فلا تقلّ خسارتهم في الرجال عن ألف رجل في وستفالن و٨٠٠ في بومرن
و٢٥٠ في فروتلوب (أي ٢٠٥٠) .
***
خسارة البريطانيين
أما خسارة الاسطول البريطاني، فإذا بحثنا فيها فإنما نذكر أمورا صحيحة
إعتمادا على البلاغ الذي لدينا، فلا وجه للحدس والتخمين وللظن والشك، وهذا
بيان الخسائر على ما جاء في البلاغ. وقد ذكرنا سلاحها منذ يومين فلا نعود إلى
ذكره اليوم.
محمولها ... ... ... ... ... سرعتها ... ... عدد
طن ... ... ... ... ... ... عقدة ... ... رجالها
كوين ماري ... ٢٨٠٠٠ ... ... ... ٢٨ ... ... ١٠٠٠
أنديقا تجبل ... ١٨٧٥٠ ... ... ... ٢٥ ... ٧٩٠
انفنسيل ... ١٧٢٥٠ ... ... ٢٦ ... ... ٧٨٠
دفنس ... ١٤٦٠٠ ... ... ٢٣.٥ ... ... ٨٥٠
بلاك برنس ... ١٣٥٥٠ ... ... ٣٢.٦٥ ... ... ٧٠٤
وريور ... ١٣٥٥٠ ... ... ٢٢,٩ ... ... ٧٠٤
ــ
... ... ... ... ... ... ٤٨٢٨ ...
والبارجة كوين ماري هي من أحدث الدردنوطات الكبرى، ولا يوجد أكبر منها
في الأسطول البريطاني من حيث المحمول سوى ثلاث قطع، وهي البارجة (ثيجر)
ومحمولها ٢٨ ألف طن والبارجة (وورسبيت) والبارجة (فليانت) والبارجة
(كوين إليزابث) ومحمول كل منها ٢٧٥٠٠ طن على أن (كوين ماري) تمتاز عن
الثلاث بوارج الأخيرة بسرعتها، فهي تجتاز ٢٨ عقدة في الساعة بينما (كوين
إليزابث) و (وورسبيت) و (فليانت) سرعة الواحدة منها لا تزيد على ٢٥ عقدة
مثل (كوين ماري) وقد كانت البارجة (كوين ماري) من فرقة الطرادات الكبرى
في الأسطول الأكبر.
ويظهر أن عبء القتال في هذه المعركة، وقع على الأسطول البريطاني الذي
كان في البحر الأبيض المتوسط وهو الآن في البحر الشمالي فإن الطرادات
(انديفاتجبل) و (انفنسبل) و (دفنس) و (بلاك برنس) و (ووريور) جميعها
كانت من هذا الأسطول، ولضباط هذه البوارج أصدقاء عديدون في الإسكندرية
وبورسعيد والسويس وغيرها من موانئ البحر المتوسط، سيحزنون لِما أصابهم،
ويأسفون أشد الأسف لفقدهم.
وقد ظل (بلاك برنس) مدة طويلة في مياه البحر الأحمر وخليج السويس
بعد شبوب هذه الحرب وأسر جملة بواخر من بواخر الأعداء في أوائلها.
أما المدمرات الإنكليزية التي غرقت وهي (فرتشون) و (سباروهوك)
و (أردنت) و (تيبراري) ، فهذه جميعها من المدمرات الأوقيانوسية، وقد بنيت
عام ١٩١٣ وطول الواحدة منها ٢٦٠ قدما، ومحمولها ٩٣٥ طنا، وسرعتها ٣.٧
عقدة في الساعة وسلاحها ٣ مدافع قطر ٤ بوصات وأنبوبان للطوربيد، وعدد
رجال الواحدة منها مئة رجل.
ولعل الثلاث المدمرات الأخرى التي ضاعت، ولم يذكر اسمها في البلاغ من
نوعها أيضًا فتكون خسارة البريطانيين من الرجال في المدمرات نحو ٧٠٠ اهـ
شرح الأهرام.
(المنار)
ظاهر البلاغ الرسمي أن خسارة الأسطول الإنكليزي أكبر من خسارة
الأسطول الألماني. وقد ورد في البرقيات أن الألمان تبجَّحوا وافتخروا بهذه المعركة،
وخطب قيصرهم خطبة قال فيها: الآن ألقينا الرعب في أعماق قلوب أعدائنا. ثم
وردت برقيات أخرى بأن خسارة الألمان كانت أعظم مما ورد في البلاغ الإنكليزي،
وفي بلاغاتهم الرسمية.
وقد قال ناظر البحرية البريطانية: إنه جازم بأن خسارة العدو لم تكن أقل من
خسارتهم، وإن لم يسهل بيان ذلك بالتفصيل. وصرح هو وغيره بما لا مراء فيه
وهو أن الأسطول البريطاني لا يزال صاحب السلطان الأعلى على البحار.
***
المنار
الدعوة إلى انتقاده
جرت عادتنا بأن ندعو قراء المنار في أول كل سنة إلى انتقاد ما يرونه
منتقدًا فيه بالشروط التي كررنا بيانها، ونعني بقراء المنار هنا كل من اطلع
عليه وقرأ شيئًا فيه، لا المشتركين خاصة، ونعِد بأن ننشر كل ما يكتب إلينا
في ذلك بشروطه، وأهم الشروط أن ينتقد القارئ للكلام ما يراه خطأ، ويبين
ذلك بالدليل من غير استطراد ولا تطويل.
***
حجم المنار في هذه السنة
ذكرنا في الجزء الماضي بأن قلة الورق اضطرتنا إلى أن نجعل كل
جزء من أجزاء هذه السنة ثمانية كراريس (ملازم) وأننا إذا ظفرنا في أثناء
السنة بورق كافٍ نجعل السنة اثني عشر شهرًا، فيكون حجم مجلد هذه
السنة من سني الحرب كمجلد التي قبلها.
***
مباحث هذا الجزء
ضاق هذا الجزء عما وعدنا به فيما قبله، من كتابة مقالة في حال
المسلمين الاجتماعية، وحال أغنيائهم وسائر أصنافهم في التعاون على
الأعمال النافعة، وسننشر المقالة - إن شاء الله - في الجزأين الثاني
والثالث.