للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: رفيق بك العظم


كتاب الدروس الحكمية للناشئة الإسلامية

ألَّفه حديثًا؛ لتربية أفكار النشء الإسلامي على مبادئ الدين من طريق العلم
والعقل، ومبادئ العمل من طريق الدين، صديقُنا الكاتب الفاضل رفيق بك العظْم
ناظر المدرسة العثمانية، وإننا ننقل دَرْسًا مُخْتَصَرًا مِن دروسه نموذجًا للقرَّاء، وهو:
(الدرس السابع: معرفة الدِّين واجبة)
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: ١٠٨)
إذا كان الدين ضروريًّا لازمًا للاجتماع، فمعرفة الدِّين أيضًا لازمة لكل فرد
من أفراد أهله، بلا استثناء، ولا يكفي في هذه المعرفة كون المسلم مثلاً يعرف
الأركان الخمسة للإسلام، بل يلزمه أن يكون على بصيرة من دينه وعلم، ولو
إجمالي بشرائعه وسياسته، فإذا سمع قارئًا يقرأ، أو قرأ هو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (النساء: ٥٩) -
يتدبر معنى هذه الآية؛ لقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ
وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (ص: ٢٩) .
ويكون على علم، ولو إجمالي من فوائد هذه الطاعة، وأنه يترتب عليها
مصلحة المؤمنين، وترتبط بها سعادة المسلمين؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يأمر
عباده إلا بالخير، والرسول كذلك لايأمر إلا بخير أيضًا، فوجبت الطاعة لهما فيما
يأمران به، وينهيان عنه؛ لأنه خير ومصلحة للمؤمنين، وكذلك وليّ الأمر، إنما
وجبت له الطاعة من حيث وجبت لله وللرسول؛ لكونه منفِّذًا لأوامر الله والرسول،
وهي خير كما تقدم، فالطاعة له خير أيضًا. ولا جرم أن العلم بالشيء - من حيث
إنه خير - يوجب الرغبة فيه، والميل إليه، فعلم المسلمين بهذه الطاعة أنها خير
يوجب تأصل الشعور في نفس كل فرد منهم بأن هذه الطاعة واجبة لله في جميع ما
شرع من الأحكام للمسلمين، فوجب معها العمل بكل ما أمرهم به من التمسك بالعقائد
والمحافظة على الدين، والذود على حياض الشريعة، والقيام في وجه العدو،
والاتحاد على كلمة الإسلام، وغير ذلك من المصالح المتوقفة على الطاعة التي لا
سبيل إلى أدائها إلا بالعلم بها، وما لا سبيل إلى أداء الواجب إلا به فهو واجب،
فالطاعة واجبة، والعلم بها واجب أيضًا، وهكذا الحال في سائر ما جاء به الدين؛
لأن التوحيد الذي هو أول ركن من أركان الدين إنما دعانا الله إليه من طريق العلم،
فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} (محمد: ١٩) فما بالكم ببقية فروع الدين
وأصوله؛ لهذا كان العلم بالدين واجبًا على جميع المسلمين، وبمعرفة هذا الواجب
عمل الصحابة الكرام بسائر ما جاء به القرآن، وأمر به نبيُّنا - عليه الصلاة
والسلام - فمن لم يكن منهم على علم تفصيلي بأمر الدِّين كفاه العلم الإجمالي، فدعا
إلى الله على بصيرة، وعمل بعلم، وبهذا وَصَفَ الله المؤمنين، وإليه أرشدهم في
قرآنه العظيم، فقال تعالى - مخاطبًا لنبيه -عليه الصلاة والسلام -: {قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: ١٠٨) وبهذا أَلَّفَ
الصحابةُ الكرام قلوبَ الأمم على الإسلام، وعَمَّموا الدين واللغة والسياسة بين الأنام؛
فملأوا الأمصار علمًا، وضربوا دون الجهالة سدًّا؛ فأخذوا بنواصي الأمم،
وانقادت لهم الشعوب، وانحطت دون هممهم الهمم، وأخضعوا قياصرة الروم
وأكاسرة العجم، ومرت على ما أسَّسوه من قواعد العمل بالعلم أعوام وأيام، أتى
بعدها خَلْف انقلب إلى الشهوات، وقنع بآثار المجد، وخَلْف آخر أحرجه مرض
القلوب؛ فلجأ إلى الحشو في الدين، والإكثار من القول على غير يقين؛ ففرقوا
وحدة الأفكار، وشتتوا أجزاء الأمة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ألا بئس ما
كانوا يصنعون! اهـ.