بعد عودته من أوربة إلى بيروت أيام النفي بعد الثورة العرابية
من مصر ٢٤ ربيع الآخر سنة ١٣٠٠ إلى بيروت مولاي الأفضل، ووالدي الأكمل، أحسن الله معاده؛ بعد تقبيل الأيدي الكريمة , قد ورد الكتاب الكريم على طول تشوقنا إليه، فتلوناه ووعيناه في الفؤاد، وحمدنا الله تعالى على أن شرفتم تلك الديار سالمين، مبالغًا في إكرامكم والاحتفال بكم من كرام أعيانها المسلمين، وأماجد نبهائها المؤمنين، جزاهم الله عن كل مصري يعرف مقداركم خير الجزاء. ولهم منا معشر أتباعك ومريديك بما تقبلوك به من كريم الاحتفال، وعظيم الإجلال ألسنة مرطبة بالثناء عليهم، وضمائر مطوية على مزيد احترامهم وفائق تعظيمهم. صحتي البدنية معتدلة , أما فكري فقد تولاه الضعف من يوم أن صدع الفؤاد بالبعاد، وتمثلت فيه بعد تلك الحقائق التي كنت تجلو مطالعها معان، نعرفها أوهامًا يضيق بها الصدر ولا ينطلق بردها اللسان؛ مخافة فوات مرغوب، أو لحاق مكروه مما تعلمون. توجهت إلى البيك صاحب تاريخ العرب وسألته إعارته فأجاب بأن محمود سامي أخذه منه وسافر , ولم يرده إليه، ثم هو يسلم عليكم أطيب السلام ويقول: إنه مستعد لخدمة جنابكم في أي شيء تريدون حسيًّا كان أو معنويًّا. وسأتحرى هذا الكتاب في كتب سامي عند بيعها فإذا وجدته فيها؛ اشتريته، وأرسلته في الحال إلى حضرتكم أو أحضرته معي إن وافق ذلك استجماعي لوسائل السفر. الحال العمومية على ما تركتها، غير أن الناس أخذوا في نسيان ما فات من الحوادث وأهوالها، وقلَّت قالتهم فيها، وخفت شماتة الشامتين منهم، وأصبح المادحون للإنكليز من القادحين فيهم وبالعكس، والكثير يتوقع انقلابًا أصليًّا , والله أعلم بما يكون. رفعت تحيتكم لجميع من ذكرتم في الكتاب تصريحًا وتلويحًا، فتقبلوها بمزيد المسرة والانشراح. يسلم على جنابكم الصادق في صداقته ومودته حسين أفندي وهو في غاية من الصحة والعافية وقد عاد من الريف فرارًا من شروره، آسفًا على ما وقع لجنابكم أكثر من أسفه على نفسه. الشيخ محمد خليل والشيخ عامر إسماعيل والشيخ حمادة الخولي والسيد عثمان شعيب والشيخ حسن الطويل ووالدي عبد الله وأخواي شناوي وفتح الله (هو المرحوم أحمد فتحي باشا) وكثير غيرهم يقبلون يديكم، ويسلمون عليكم، ويقدمون مزيد تشكرهم لحضرات أولئك الكرام الأماجد الذين أحسنوا وفادتكم وأكرموا مثواكم، زادهم الله كرمًا وكمالاً. مولاي: ذكرت لحضرتك أن الضعف ألم بفكري فبالله إلا ما قويته بتواصل المراسلة غير تارك فيها ما عودتنا على سماعه من النصائح والحكم التي نهتدي بها إلى سواء السبيل، ونتمكن بها من السير في العالم المصري الذي اختبرت حقائقه، وعرفت خلائقه، وما يناسبها من ضروب المعاملة , وفقنا الله لمتابعتك، ولا أطال على بلادك مدة غيبتك، إنك إمامها وإن اقتدت بغيرك، ومحبها الصادق وإن لم تعرف بقدرك، والسلام. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ولدكم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... سعد زغلول ((يتبع بمقال تالٍ))