للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خطاب السلطان في افتتاح مجلس المبعوثان

أيها الأعيان والنواب:
بسبب الصعاب التي قامت في وجه إنفاذ الدستور الذي وضعته موضع
الإجراء عند ارتقائي العرش أوقف هذا القانون يومئذ الاضطرار الذي أشار إليه
كبار الحكومة. وأُجِّلَ إنفاذ القانون وأرجئ عقد المجلس إلى وقت يصل فيه الشعب
إلى الدرجة المرومة من التقدم بواسطة نشر التعليم العام، وقفت عنايتي على إيجاد
الرقي في جميع أنحاء بلادي، وبفضل نشر التعليم العام ارتقت درجة إفهام جميع
طبقات شعبنا وبناءً على الرغبة التي أعلنت ولأن هذه الرغبة تضمن في الحاضر
والمستقبل خير بلادنا لم نتردد - رغم الذين كانوا على رأي مخالف - في إعلان
الدستور ثانية، وأمرنا بإجراء انتخابات جديدة. ودعونا مجلس المبعوثان للاجتماع،
وعلى أثر تغيير طريقة الحكم الإداري أسندنا منصب الصدارة العظمى إلى كامل
باشا.
وبينا كان مجلس النظار المؤلف تحت رياسته عاكفًا على تنظيم الحكومة
الدستورية خرج أمير بلغاريا ووالي الرومللي الشرقية عن حدود الأمانة لسلطنتنا
لسبب ما وأعلن استقلال بلغاريا وعلى أثر هذا العمل أخذت النمسا وهنغاريا أيضًا
بضم البوسنة والهرسك اللتين سلم إليها احتلالهما وقتيًّا بمعاهدة برلين. فأبلغت
إقرارها إلى الباب العالي وإلى الدول. فهذان الحادثان العظيمان اللذان يخترقان
حرمة المعاهدات ويمسان الصلات، سَبَّبَا لنا أسفًا عظيمًا.
وعلى أثر اختراق حرمة المعاهدات سلمنا مجلس نظارنا مهمة عمل الواجب
للدفاع عن حقوق حكومتنا. وإنا نود في كل حال معاونة مجلس المبعوثان. وبما أن
صلاتنا مع جميع الدول حسنة ووثيقة. فلنا الأمل أنه مع معاونة الدول صديقاتنا
تحل المسائل السياسية.
وإنا نود من صميم الفؤاد تنظيم المالية، وتسوية موازنة الميزانية، ومواصلة
تحسين حالة سلطنتنا وزيادة عدد المدارس لزيادة نشر التعليم العام، وإبلاغ جيشنا
وبَحْرِّيتنا درجة الكمال. وكذلك تنظيم الدوائر المختلفة التي وضعت مشروعات
قوانين شتّى ستعرض على مجلس المبعوثان ومجلس الأعيان لإقرارها.
وعلى أمل أن مبعوثاننا سيبذلون كل جهدهم في هذه السبيل نعلن اليوم إذًا فتح
مجلس المبعوثان.
ومنتهى متمنانا سعادة الأمة ونجاحها وأقصى رغبتنا وآكدها وعزيمتنا الثابتة
التي لا تتغير أن تكون إدارة البلاد مطابقة للدستور.
نسأل الله أن يحصر مجلس المبعوثان كل قواه في خدمة البلاد وخيرها.

(المنار)
بعد أن تلا رئيس كتاب المابين هذا الخطاب نطق السلطان بهذه الجملة بصوت
خافت (إنني كثير السرور برؤيتكم مجتمعين أمامي هنا، وأسأل الله أن يكلل أعمالنا
بالنجاح والتوفيق) ولقد كان للخطبة وقع سيئ في الآستانة وانتقدتها الصحف ثمة
انتقادًا شديدًا.