جاءتنا هذه الرسالة من الأستاذ صاحب الإمضاء (مهاراج) إمام سمبس جزيرة من برنيو (جاوه) يحذر فيها المسلمين في جاوه وغيرها مما يسعى إليه بعض زعماء الشيعة و (شوكت علي) و (محمد علي) زعيمي السياسة الهندية من إقناع المسلمين بترك الحج وهدم هذا الركن الإسلامي العظيم ويبين لهم أن استحلال الدعوة وإجابتها كفر وردة عن الإسلام قال أثابه الله تعالى. (بسم الله الرحمن الرحيم) حضرة أستاذنا العلامة المصلح الكبير السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار الإسلامي نفعني الله والمسلمين بعلومه وبمناره. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد فقد كتبت مقالة باللغة الملاوية أنشرها في جرائد جاوية (ملاوية) وهى كما يأتي: (قد علم كل مسلم أن الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة؛ فيجب مرة واحدة في العمر على كل مسلم عاقل، بالغ، حر استطاع إليه سبيلاً، لقوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران: ٩٧) قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره: يعني بذلك جل ثناؤه وفرض واجب على من استطاع من أهل التكليف السبيل إلي حج بيته الحرام الحج إليه. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله عز وجل {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران: ٩٧) وما السبيل التي يجب مع استطاعتها فرض الحج. فقال بعضهم هي الزاد والراحلة. ذكر من قال ذلك حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا محمد بن بكر قال أخبرنا ابن جريج قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من استطاع إليه سبيلا) الزاد والراحلة، عن الحارث عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ملك زادًا وراحلة تبلغه إلى بيت الله فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا) وذلك أن الله عز وجل يقول في كتابه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران: ٩٧) الآية [١] . وفي رواية عن الحارث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من ملك زادًا وراحلة فلم يحج مات يهوديًّا أو نصرانيًّا) وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال بقول ابن الزبير وعطاء: إن ذلك على قدر الطاقة؛ لأن السبيل في كلام العرب: الطريق فمن كان واجداً طريقاً إلى الحج لا مانع له منه من زمانه أو عجز أو عدو أو قلة ماء في طريقه أو زاد أو ضعف عن المشي فعليه فرض الحج لا يجزيه إلا أداؤه فان لم يكن واجدًا سبيلاً أعني بذلك فإن لم يكن مطيقًا الحج بتعذر بعض هذه المعاني التي وصفناها عليه فهو ممن لا يجد إليه طريقاً ولا يستطيعه لأن الاستطاعة إلى ذلك هو القدرة عليه ومن كان عاجزًا عنه ببعض الأسباب التي ذكرناها، أو بغير ذلك فهو غير مطيق ولا يستطيع إليه السبيل. وإنما قلنا: هذه المقالة أولى بالصحة مما خالفها؛ لأن الله عز وجل لم يخصص إذ ألزم الناس فرض الحج بعض مستطيعي السبيل إليه بسقوط فرض ذلك عنه. فذلك على كل مستطيع إليه سبيلاً بعموم الآية؛ فأما الأخبار التي رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك بأنه الزاد والراحلة فإنها أخبار في أسانيدها نظر لا يجوز الاحتجاج بمثلها في الدين اهـ باختصار. لو قال قائل: هل توجد الآن طريق إلى الحج أم لا؟ وهل فيها أمان أم لا؟ لقلنا: نعم بناء على أخبار من سافروا في العام الماضي عام ١٣٤٤ من الحجاج الجاويين وغيرهم إلى الحجاز (مكة والمدينة) لأداء فريضة الحج إلي بيت الله الحرام وزيارة قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في المدينة المنورة فإنهم وجدوا طريقًا إلي الحج وزيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يروا فيها إلا ما يسر خاطرهم، ويقر أعينهم فقد أدوا ما عليهم من فريضة الحج بالتمام كما أمر الله تعالى به رسوله وزاروا قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد فعلوا ما شاءوا من العبادات فلم يحصل لهم من أذى لا في أبدانهم، ولا أموالهم ولا، ولا ...، كما أن أمثال هذه الأخبار سمعنا بها من الجرائد والمجلات الجاوية والملاوية والعربية. ولذلك تعجبت مما ذكره الأستاذ صاحب المنار في كتابه إلى من قوله وهذا نصه: وسمعت أمس من داعية التشيع في جاوه أنه جاءه مكتوبات منها أو من سنغافورة تخبره بأنه تألف مؤتمر من أربعين جمعية من الجمعيات الإسلامية وقرروا الدعوة إلى ترك الحج ما دام ابن السعود ملكًا في الحجاز - إنني لم أصدقه في قوله كما أنني لا أجزم بأن الخبر ليس له أصل ألبتة اهـ إلخ. وقد أخبرت الأستاذ المصلح الغيور بأن هذا الخبر غير صحيح فإننا لم نسمع بهذا المؤتمر أصلاً [٢] ، بل إننا سمعنا من جزائر جاوه وسومطرا وبورنيو من كل بلد أن من أرادوا السفر إلى الحجاز هذا العام لأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة وزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة المنورة كثيرون جدًّا أكثر من العام الماضي. ومع ذلك أقول لو وجد أحد مسلم أو غير مسلم أو مؤتمر مهما كانت صفته يدعو إلى ترك الحج لكون ابن مسعود ملكًا في الحجاز فإني أنصح لكل مسلم أن لا يسمع قوله ولا يلتفت إليه فإنه شيطان أو دجال فليس هو مؤمنًا حقًّا، وهل يجوز في دين الإسلام أن يترك الحج الذي هو ركن من أركان الإسلام الاجتماعي العام؛ لأن ابن السعود ملك في الحجاز؟ ومن تجرأ على استحلال أو تجويز ترك فريضة الحج لأن ابن السعود ملك في الحجاز فهو مرتد عن الإسلام بل قال الأستاذ السيد صاحب المنار: بل قال بعض أهل السنة: إن ترك الحج كفر مطلقًا لظاهر آية آل عمران اهـ. ذلك بأن ابن السعود ليس مانعًا لمن أراد أن يؤدي هذه الفريضة ويقوم بما عليه من المناسك وغيرها من أنواع العبادات. ولكنه ليس قاصرًا على ذلك فقط، بل آمن طرق الحجاز حتى يسهل على الحجاج أداء فريضة الحج والسفر إلى زيارة قبر النبي وقبور أصحابه عليه وعليهم الصلاة والسلام. وكانت هذه الطرق قبل أن صار ابن السعود فيها ملكًا في الحجاز قلما سمعنا فيها إلا النهب والاعتداء على الحجاج وغيرهم من سالكيها. كيف لا وإن جلالة الملك المعظم عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل ملك الحجاز وسلطان نجد هو مسلم مؤمن شديد التمسك بالدين الإسلامي، وكذا أهل بلده الذين لقبوا بالوهابيين فإنهم مسلمون من أهل السنة والجماعة وإنهم في فروع الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - فلا يجوز لأحد أن يطعن في دينهم وإن كانوا مخالفين لمألوفات الناس من بناء القبور وتجصيصها واتخاذ السرج عليها وطلب الحاجات من أهلها. فهؤلاء الوهابيون يهدمون القباب على القبور لما رواه مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفا إلا سويته) وقال الإمام الشافعي في كتابه (الأم) إن ولاة مكة كانوا يهدمون ما بني في مقبرتها من القبور ولا يعترض عليهم الفقهاء. ونقله عنه النووي في شرح مسلم عند شرح ما ورد في هذا المعنى من الأحاديث. أيها الإخوان المسلمون اتفقوا ولا تتفرقوا ولا يعاد بعضكم بعضًا، وإن كنا مختلفين في المذاهب كشافعي وحنفي ومالكي وحنبلي وذلك لاختلاف الأفهام في مسألة من المسائل الدينية أو غير الدينية. وربما يكون ذلك الاختلاف في شيء من تلك المسائل مما لم يرد فيه نص من كتاب أو سنة بل هو مما هو مجال لاجتهاد المجتهدين. وليتذكر المسلمون ضرر التنازع كما قال تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: ٤٦) . هذا وإنه يجب على المسلمين أن يشكروا جلالة الملك عبد العزيز ملك الحجاز وسلطان نجد على ما فعله من الخيرات للحجاز والحجازيين ونشر الأمن في جميع بقاعه وقد جاء في الخبر النبوي (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه. ... ... ... ... ... سمبس في ١٦ جمادى الأولى سنة ١٣٤٥ ... ... ... ... ... ... ... ... ٢٢ نوفمبر ١٩٢٦ ... ... ... ... ... ... محمد بسيوني عمران