للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أنباء العالم الإسلامي

(الحجاز ونجد)
هما خير الأقطار الإسلامية في هذا العصر أمانًا في الأنفس والآفاق، وعدلاً في
الأحكام، وطاعةً للإمام، وقد شرعت حكومة الحجاز السعودية في رصف الحجارة في
المسعى بين الصفا والمروة لمنع الغبار، وتسهيل فريضة السعي على الحجاج، وهو
عمل قد فضلت به هذه الحكومة جميع ما قبلها من حكومات الإسلام، وشرعت أيضًا
في نشر التعليم، فناطت إدارة المعارف العامة بصديقنا الأستاذ الشيخ محمد كامل
قصاب الشهير، فأنشأ المعهد السعودي العلمي الجامع للتعليم الديني والدنيوي
وبعض اللغات الأجنبية، وناط إدارته بصديقنا الأستاذ الشيخ محمد بهجت البيطار
فأحسن الاختيار، وأنشأ مدارس جديدة، وسنبين تفصيل ذلك في باب التربية
والتعليم من جزء آخر، وإدارة الصحة هنالك مجدة في عملها.
وقد انتشر صيت الإمام السعودي في بلاد الغرب، وزار ثغر جدة بعض
الأوربيين والأميركانيين، فأثنوا عليه وعلى إدارته وأحكامه الإسلامية ثناءً لم يكن
يتصوره أحد، حتى شبهه كاتب ألماني يراسل كثيرًا من صحف بلاده بالبرنس
بسمارك أعظم ساسة أوربة في عصره، مع الشهادة بالنقل عن جميع قناصل الدول
بصراحته وصدقه، وأثنى عليه وعلى حكمه الإسلامي المستر كراين سفير الولايات
المتحدة في الصين من قبل، فقال: (لو رجع النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى
الدنيا لما رأى دينه الذي جاء به من النور والهدى إلا في بلاده نجد) . وقد نشر
ثناؤهما في أشهر الجرائد المصرية.
***
(اليمن)
يسوءنا من أخبارها رسوخ أقدام الدولة الإيطالية فيها يومًا بعد يوم، بإقدام رجلها
الطماع الطماح الضاري باستعمار البلاد العربية السنيور موسوليني
الجريء، وما تلا تدخل هذه الدولة من استعداد الإمام يحيى للحرب والكفاح، ولا
مجال للحرب هنالك إلا قتال جيرانه من العرب والمسلمين، ويقال: إن موعد
زحف جيوشه على جاره السيد الإدريسي شهر شوال الآتي. أعاذ الله العرب
والمسلمين من هذه الفتنة التي أجمعوا على كراهتها، والخوف من سوء عاقبتها،
ولا نزال نستبعد على حكمة الإمام يحيى إيقاد نارها؛ لما نعهد من بصيرته وأخلاقه،
وقد شرحنا ذلك في الجزء الماضي من المنار.
***
(مصر)
يعمل برلمانها عمله بهدوء واتفاق، وتسير حكومتها سيرها في إدارة البلاد،
مؤيدة بتضامن الأحزاب، وهي تتمتع فيها باستقلال إداري تام، ولكنه مقيد
بالامتيازات الأجنبية، والمراقبة البريطانية، وقد رزئت البلاد بعسرة مالية، كانت
عثرة في سبيل الغلو الفاحش في الإسراف والزينة، وانتشر وباء الإلحاد، وفساد
الأخلاق، وتهتك النساء، وفشو المسكرات والمخدرات، فهو يفتك بالأرواح
والأجساد، ويجرف ثروة البلاد، وقد أبت النيابة محاكمة داعية هذا الإلحاد
ولوازمه القاتلة الدكتور طه حسين، وأبت وزارة المعارف إخراجه من مدرسة
الجامعة، فنابتة الجامعة المصرية الجديدة خطر عظيم على مصر.
***
(العراق)
تسير حكومته كما تحب الدولة البريطانية وترضى في الظاهر، والشعب
مضطرب الباطن، وأداء فريضة الحج ممنوع إرضاءً للملك فيصل وأخيه، وتغليبًا
لأهواء متعصبي الشيعة، وقد حدثت في بغداد ثورة مدرسية فصحفية أيدها أحرار
البلاد بسبب اضطهاد وزير المعارف الشيعي لأستاذ سوري ألف كتابًا في التاريخ
يفضل به خلافة معاوية على خلافة أمير المؤمنين علي المرتضى كرم الله وجهه،
وذكر رأيه هذا في المدرسة للطلبة، فهاجت التلاميذ من الشيعة؛ فعزله الوزير،
وعزل سائر المدرسين السوريين، وأخرجتهم الحكومة من البلاد العراقية، وعزلت
بعض المدرسين البغداديين أيضًا، وطردت بعض الطلبة المتظاهرين لحرية العلم
على الوزارة طردًا، هكذا بلغتنا الحادثة ولم نر الكتاب المذكور.
***
(سورية)
تنتظر البلاد السورية ما عسى أن يكون من دراسة المندوب السامي الأخير
(موسيو بونسو) لأحوالها، وسماعه لآراء كبرائها وأحزابها، وزعماء الثورة
ينتظرون مع الأمة آخر أمل لهم في وحدة البلاد وحريتها واستقلالها؛ فلذلك هدأت
الثورة , ولكن لم تنطفئ جذوتها.
***
(فلسطين)
أسوأ ما يسوء من حوادثها تخاذل المسلمين بعد اتحاد كان مثار الإعجاب،
ومضيّ المستعمرين في عملهم بمنتهى النجاح، ودخول الصهيونيين لمأربهم الأسمى
من كل باب، وقيام الأمير عبد الله (الحسين علي) بخدمته لمستعمليه على شرق
الأردن بمنتهى الاجتهاد، فقد قضى على استقلالها، وجعلها ملحقة بفلسطين في
انتدابها، واقتطع بالتواطؤ مع أخيه (علي) الذي كان مملَّكًا في جدة قطعة من أثمن
أرض الحجاز المقدسة، فألصقها بها، ومكن بها الأجانب مقاتلها، بل مقاتل الحجاز
أيضًا، وألقى الشقاق بين أعرابها وبين جيرانهم من أهل نجد والحجاز إلخ " وكل
الصيد في جوف الفرا ".
***
(جاوه)
مسلمو جاوه يسيرون في نشر العلم والإصلاح في بلادهم سيرًا حسنًا , ولم
تؤثر في بلادهم دعاية الرفض والشقاق شيئًا، ولكن حدث في بلادهم ثورة بلشفية لم
تكن منتظرة منهم؛ لأن هداية الإسلام أقوى من نزعات التفرنج فيهم، وقد نكلت
حكومتهم الهولندية بكثير من رجال الثورة والمتهمين بها، فنحن ننصح لرجال الدين
أن يبينوا للشعب ما بين البلشفية والإسلام من الخلاف والتباين، وننصح للحكومة
الهولندية أن تكف من غلواء دعاة النصرانية في هذه البلاد , فإنه لا شيء يبغضها إلى
المسلمين ويعدهم لقبول الثورات البلشفية , وغيرها من الفتن إلا الطعن في دينهم ,
واضطهادهم فيه.
وليعلم أحرار هذه الأمة أن نقل شعب مسلم من أفق التوحيد إلى حظيرة
التثليث غاية لا تدرك، وأكبر ما فعله دعاة النصرانية في البلاد الإسلامية تشكيك
بعض المسلمين في دينهم , وفي كل دين بالأولى، ومتى ضاع دين المسلم صار
قابلاً لجميع الآراء والأفكار العصرية، التي هي أشد خطرًا على الدول الاستعمارية
بما حدث في الشرق من اليقظة العامة والجرأة التامة.
***
(الهند)
كان مسلمو الهند في السنين التي تلت الحرب أحسن حالاً مما كانوا قبلها في
اتفاقهم مع الوثنيين من أهل وطنهم على الحكومة الإنكليزية، كما كانوا أحسن حالاً
في شؤونهم الإسلامية الخاصة بهم، فساء الحالان كلاهما في هذا العام، واشتد الشقاق
والخصام، ومما ينتقد على أهل الهند في مسألتهم الوطنية أن أكبر مثار للشقاق بين
المسلمين والهندوس هو إصرار المسلمين على ذبح البقر على مرأى من الهندوس
وأكلها، ومرور هؤلاء بمعازفهم على مساجد أولئك للتهويش عليهم في أثناء
صلواتهم، ولو ترك كل من الفريقين ما يسوء الآخر من هذين الأمرين لم يكن آثمًا
في حكم دينه، والأولى بالإثم من يعمل عملاً مباحًا في الدين وهو يعلم أنه يفضي إلى
شقاق وقتال تسفك فيه الدماء , إن الله تعالى أحل للمسلمين أكل البقر , ولم يفرضه
عليهم، وإن أكثر المسلمين الذين عرفنا بلادهم لا يأكلون لحم البقر , ولا يحرمونه.
وأما الشقاق بين المسلمين أنفسهم , فقد بدأ بإثارته غلاة التعصب من الشيعة ,
واستخدموا جمعية خدام الحرمين في (لكهنو) ، ولكن تأثير هؤلاء بدعاية ملكي
مكة الشريف حسين وولده الشريف علي كان ككيد الشيطان ضعيفًا، فنفخ في ناره
الزعيمان السياسيان شوكت علي ومحمد علي بتحولهما عن سياستهما السابقة في
تأييد ابن السعود إلى سياسة الإسراف والإفراط في عداوته؛ لأنه لم ينفذ لهما رأيهما
في جعل حكومة الحجاز جمهورية بالشكل الذي يقترحانه، وهو ما لا يوافقهما عليه
العالم الإسلامي , وإنما يوافقهم عليه الشيعة وبعض المقلدين لهما من عوام الهنود،
وسنبين ذلك بالتفصيل في رحلتنا الحجازية إن شاء الله تعالى.
ونقول هنا: إنه لا يوجد شيء أضر على الأمم والشعوب من الخلاف
والشقاق، فإن فرضنا أن رأي الزعيمين الكبيرين حسن في نفسه، فإن مساوي
الوسيلة التي يتوسلان بها إليه تزيد على حسنه أضعافًا كثيرة، وهذه المساوي دينية
وسياسية، من أقبحها تجديد النزاع والتباغض بين أهل السنة والشيعة بعد أن خبت
نارهما بسعي العقلاء المصلحين، بدعوة حكيم الإسلام السيد جمال الدين الأفغاني
ومريديه من الفريقين - ولعلنا أشدهم اجتهادًا في ذلك - ومنها الدعوة إلى ترك أداء
فريضة الحج ما دام ابن سعود مستوليًا على الحجاز، ومن استحل هذا يرتد عن
الإسلام بإجماع أهل السنة والشيعة , وقد كان من مفاسد هذا الشقاق سعي بعض
الهنود لدى الدولة البريطانية بقتال ابن السعود في حرم الله ورسوله , وإخراجها إياه
منه.
وزعيم هذه الجناية على الإسلام والمسلمين زعيم الشيعة محمد علي راجا
محمود آباد - فهل يجهل أجهل مسلم في الدنيا أن خصوم ابن السعود أعدى أعداء
الإسلام؟ ؟