للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


آثار علمية أدبية

(المقتبس)
أنشأ صديقنا محمد أفندي كرد علي الدمشقي في القاهرة مجلة أدبية علمية
اجتماعية شهرية سماها (المقتبس) وقد أصدر الجزء الأول منها في شوال وهو
لشهر المحرم من العام القابل أصدره قبل وقته تعجيلاً للفائدة. اعتاد المصريون على
كثرة رؤية الصحف الجديدة وعلى سرعة فقدها فقلَّت ثقتهم بالجديد وإن كان مفيدًا
لعدم ثقتهم به وبدوامه، ولسبب آخر هو عدم ثقتهم بثبات صاحب الصحيفة على
الخطة التي يختطها لنفسه في ابتداء عمله. فمن النصيحة لقراء المنار أن نعرف
إليهم المقتبس (الكاتب) أولاً والمقتبس (المجلة) ثانيًا ليشترك من يشترك عن
بينة.
محمد أفندي كرد علي من شبان دمشق الذين حسنت تربيتهم، وعني
بتعليمهم، وقد اشتغل زمنًا بتحرير جريدة (الشام) وله مقالات كثيرة في مجلة
المقتطف، ويعرف التركية والفرنسية معرفة جيدة ويحسن الترجمة عنهما وعبارته
من أحسن عبارات كتاب هذا العصر وأسلمها من الخطأ والعسلطة والمعاظلة. وهو
حسن الاختيار فيما يقتبس من الكتب العربية والأوربية وحسن القصد فيه. وما
حمله على إنشاء هذه المجلة إلا ولوعه بنشر العلم والأدب الذي يراه نافعًا فالكتابة
إنشاء، وترجمة هي منتهى لذته لا يكره فيها إلا الخوض في السياسة، وكل ما
يختلف الناس فيه من المذاهب والمشارب، فأنشأ مجلة المقتبس ليمتع عقله بلذته.
ويفيد قراء العربية بحسب استطاعته، ودعوة أصدقائه من الكتاب إلى مساعدته،
وهو غني عن الكسب بقلمه وقد وطن نفسه على الخسارة المالية سنتين أو ثلاثًا ولكن
محبي العلم والأدب في مصر وغيرها لا يرضون له الخسارة في خدمتهم إن
شاء الله تعالى.
مباحث المجلة تدخل في عشرة أبواب:
(١) صدور المشارقة والمغاربة -وهو لتراجم الرجال الذين ينتفع بسيرتهم.
(٢) المقالات.
(٣) التربية والتعليم.
(٤) الصحف المنسية -ينشر فيه ما طوي ذكره من منثور العربية ومنظومها في الجد والهزل.
(٥) تدبير الصحة.
(٦) تدبير المنزل.
(٧) المطبوعات والمخطوطات، ويدخل فيه تقريظ الكتب المنشورة بالطبع
والتعريف بالكتب المخزونة في المكاتب.
(٨) مقالات المجلات، يذكر فيه أهم ما في المجلات العربية والإفرنجية من
المقالات والآراء.
(٩) سير العلم يدخل فيه ما يقتبس من المجلات الغربية.
(١٠) نفاضة الجراب، وهو في الشجون والأفاكيه.
جاء في الجزء الأول ترجمة وجيزة لابن حزم ومقالة في الأمية والكتاتيب
وأخرى في سيئات القرن الماضي ملخصة من مجلة فرنسية، ومقالة في تعليم
اللغات وهي مترجمة أيضًا وبعض مقاطيع من شعر حافظ وعبد الرحمن شهبندر
والرافعي متفرقة ونبذة في التمثيل في الإسلام، ونبذة في التناسل الغريب يريد كثرة
النسل ونبذة في العمل والعملة، وشيء من نصائح ابن حزم وشيء من نكات
الوهراني وشيء في وصف الجرائد لعبد الله باشا فكري، ونبذة في أوقات الطعام
ونبذة في استعمال السكر وأخرى في حياة الفقير ورابعة في دواء الأرق، وكلام من
كتاب مداواة النفوس لابن حزم وعن منشآت الوهراني وعن كتاب فرنسي اسمه
نصائح للعملة وعن قصة (في وادي الهموم) ، كل شيء مما تقدم في الباب اللائق
به عند الكاتب وفي باب سير العلم نحو ٢٠ نبذة وجيزة. وغير ذلك
وقد انتقدنا عليه أمورًا لا يسلم من مثلها المبتدئ بالعمل منها أنه كتب عن ابن
حزم في ثلاثة أبواب وتكلم عن الوهراني في غير ما وضع. ترجم ابن حزم في
الباب الأول ثم ذكر شيئًا من نصائحه في باب الصحف المنسية ثم ذكر الكتاب الذي
اقتبس منه النصائح في باب المطبوعات وكان يحسن أن يذكر في باب واحد من هذا
الجزء وكذلك يقال في تكرار ذكر الوهراني والكلام في العملة. ومنها أن ما ذكره
من النصائح لم يعد من الصحف المنسية وقد طبع الكتاب قبل وجود المجلة. فإن
أراد بالصحف المنسية ما أهمل الناس العمل به فالباب واسع يدخل فيه كثير من المجلدات العظيمة في التفسير والحديث والرقائق وغير ذلك فالانتقاد على الباب
نفسه أولى.
ومنها أنه لم يحسن ذكر منشآت الوهراني والتشويق إليها والتصريح بتعمد
كتمان مكانها لأن هذا يغري أهل الولوع بأمثال هذه المسائل إلى البحث عنها ومن
بحث عن الموجود ظفر به غالبًا. ومنه أن بعض المباحث لم توضع في الأبواب التي
هي أليق بها فقد أدخل في باب التربية والتعليم الكلام في العملة والصناع وأخرج منه
بحث تعليم اللغات. وذكر شيئًا من مقاطيع الشعر في باب المقالات دون باب
الصحف المنسية. ومنها أن المنقول في بعض المواضع لم يتميز بنسبته إلى
الكتب والعلماء تميزًا ظاهرًا يعرف أوله وآخره بلا اشتباه كما يرى المدقق في
ترجمة ابن حزم وما نقل منها عن الذخيرة لابن بسام. ومنها الاختصار المخل في بعض المباحث كمبحث (الأمية والكتاتيب) فالظاهر أنه يريد الكلام على
الأمية في الإسلام وكيف انتقلت العرب بعده منها إلى التعلم حتى إنشاء الكتاتيب
قديمًا وحديثًا ولكنه جعل نحو ربع ما كتبه في معنى لفظ الأمي وفي تفسير ما ورد
في أهل الكتاب من قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكِتَابَ إِلا أَمَانِي} (البقرة: ٧٨) (وقد ذكر في المقتبس لفظ يقرءون بدل يعلمون سهوًا فليصحح)
وكان المناسب أن يذكر تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً
مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (الجمعة: ٢) فقد فسر
الكتاب هنا بالكتابة وهما مصدران لكتب. ثم ذكر شأن الكتابة في الجاهلية وذكر أممًا
أخرى بالإيجاز ولم يذكر عن الإسلام بعد ذلك إلا سطرًا ونصف سطر وقال بعد
ذلك (هذه زبدة ما يقال في معنى الأمية في الإسلام) إلخ والسبب في هذا الاختصار
المخل رغبة الكاتب في إيداع الجزء مباحث كثيرة، وأمثال هذه الأمور التي انتقدناها
مما يسهل تلافيها لا سيما بعد التنبيه إليها ومنها ما تبع فيه اصطلاح
مجلات أوربا وإن لم يكن عندنا مألوفًا.
وجملة القول: إن (المقتبس) مجلة نافعة حسنة العبارة وصاحبها كما قيل له
في كل جو متنفس، ومن كل نار مقتبس، وهي مرجوة الثبات والدوام، مرجو لها
التقدم إلى الأمام، وصفحات الجزء منها ٥٦ وقيمة الاشتراك فيها خمسون قرشًا
صحيحًا في مصر وثلاثة عشر فرنكًا في سائر الأقطار.
***
(كشف الخبايا - والمسلمون والقبط)
ظهرت جريدة أسبوعية بهذا الاسم لعبد الحميد أفندي فريد الذي كان قبطيًّا
فأسلم تاركًا خدمة الكنيسة القبطية التي كان واعظًا فيها وخدمة مدرسة القبط في
ملوي وكان ناظرًا لها تاركًا هذا وهو مورد معاشه لأنه اعتقد بعد طول البحث بحقية
الدين الإسلامي فلقي من القبط مناهضة شديدة ومناصبة قوية كما هي عادتهم، حتى
أنهم هددوه واتهموه بما يحكم فيه القضاء حكمه المهين لو ثبت فلم تثبت التهمة،
ولكنه هو ثبت في الفتنة، وأنشأ هذه الجريدة يبين فيها الآيات والدلائل التي أخرجته
من دين وهدته إلى آخر، ويذكر فيها بعض ما لقي من القوم الذين فارقهم، وما هم
عليه مما نفره منهم، فينتقد جميع ما يراه منتقدًا من هذه الطائفة، وقد صدر العدد
الأول من الجريدة في ١٤ شوال الماضي وفيه شيء كثير من ذلك.
لو أن القوم عذروا الرجل فيما ظهر له أنه الحق ولم يفتنوه ليكتم اعتقاده
وينافق بإظهار خلافه لما تصدى للاشتغال (بكشف الخبايا) وقد يقرأ قارئوهم هذه
الكلمات التي كتبتها فيفهم منها أنني أنتصر له وأحمد عمله؛ لأنه صار مسلمًا، فأنا
أتعصب له تعصبًا جنسيًّا كما يعهد منهم وممن اتخذ الدين جنسية من المسلمين وغير
المسلمين. ولكن من يقرأ المنار يعلم أنني أدعو دائمًا؛ لأن يكون الدين كله لله لا
للعصبية الجنسية. وقد قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - " ليس منا من دعا
إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية "
رواه أبو داود عن جبير بن مطعم أدعو إلى هذا لاعتقادي أن الناس إذا تركوا
العصبية الجنسية فإنهم يعذرون كل معتقد في اعتقاده ولا يفتنونه فيه، وإنما يدعو
الداعي إلى اعتقاده بالبرهان الذي يستند إليه فيه كما أمر الله تعالى بقوله {ادْعُ إِلَى
سَبِيلِ رَبِّك بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ
بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: ١٢٥) ومن كان على بينة من
اعتقاده فهو يعتمد في نشره على بيانه للناس كما قال تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ
الرُّشْدُ مِنَ الغَيّ} (البقرة: ٢٥٦) وسنة الله في الخلق تقضي باختيار
الأمثل، وترجيح الأفضل، متى وجدت الحرية، وزال الاضطهاد والفتنة.
رأيت في جريدة (كشف الخبايا) كلمة لعلي لو لم أرها لم أكتب ما كتبت،
رأيت فيها الرجل يقول القوم فيما حكاه أن أحدهم قال له - وهو أقرب الناس إليه
وأعز الأصدقاء له -: (يا ليتك كفرت بالله وصرت وثنيًّا أو طبيعيًّا، فكان ذلك
أولى وأحسن من دين محمد..) ويا ليته حذف ما حذفت من قوله فلم يكتبه كله.
ولا شك عندي بأن قائل هذه الكلمة لا حظ له من الدين إلا العصبية الجنسية السوءى،
وبغض المسلمين؛ لأن كل متدين، بل كل إنسان يرى أن أقرب الناس إليه فيما هو
عليه من كان مشاركًا له فيه على نسبة ما به الاشتراك فأقرب الناس من الكتابي من
كان يؤمن بالله وبالرسل والكتب، ثم من كان يؤمن بالله دون الرسل، ثم من كان
له دين ما ولو وثنيًّا وأبعدهم عنه من لا يشاركه في شيء من ذلك فكيف يكون قائل
تلك الكلمة مسيحيًّا يدين بما أمر المسيح من محبة الأعداء ثم يقول ما قال في دين ونبي
جاء في كتابه {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} (المائدة: ٨٢) .
ليس الذنب في هذه العصبية الجنسية الجاهلية خاصًّا بالقبط، بل هي عامة
بعموم الجهل في البلاد فغوغاء المسلمين وكثير ممن يعدون من نبهائهم يأتون
بالأعمال المتكررة في الحفاوة بمن يسلم من النصارى فيحفظون قلوبهم ويحركون
أضغانهم وذلك ضار بمصالحهم الدنيوية التي تتوقف على البر والمجاملة، وحسن
المعاملة لا على ترك الإيذاء فقط وليست من الدين في شيء، بل هم مخالفة له؛
لأنه ينهى عن الإيذاء ويأمر بالعدل والإحسان {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ
فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} (الممتحنة: ٨) ومن الدلائل على أن عمل هؤلاء الذين يفرحون ويطربون بمن
يسلم من النصارى من عصبية الجاهلية لا من الغيرة الإسلامية أن أكثرهم يجهلون
عقائد الدين، وآدابه وأحكامه ولا يكادون يعملون بما يعلمون منها.
المسلمون والنصارى في هذه العصبية الجاهلية سواء، والعارفون بمضارها
من الفريقين قلما ينهون عنها، وقد علمت مما قص علي من الوقائع في ذلك أن
الفرق بين المسلمين والقبط فيها من وجه واحد، وهو أن علماء المسلمين وكبراءهم
من الحكام وغيرهم قلما يوجد فيهم من يميل إلى ما تفعله العامة، أو يساعدهم عليه
وأن القبط يعملون ما يعملون بتواطئ بين كبرائهم من رجال الدين، ورجال
الحكومة وغيرهم، والسبب الطبيعي في ذلك أن ما يفعله المسلمون لا يحتاج إلى
رأي، ولا تدبير، ولا مساعد، ولا نصير؛ لأنه عبارة عما يسميه فاعلوه من العامة
(هيصة) يجتمع فريق من الغوغاء يحتفلون بالمسلم الجديد بالصياح في الشوارع
بالدعاء للإسلام والتعريض بالكفار. وقلما يتنصر مسلم وإن وقع ذلك لا يبالون به
ولا يجتهدون في إرجاع المتنصر عما ذهب إليه. وأما القبط فإن جل فعلهم في منع
من يريد الإسلام من الدخول فيه بالترغيب والترهيب ثم الإيذاء، ولا يخلو ذلك من
خطر على فاعله، فالترهيب مع اتقاء الخطر لا يكون إلا من كبراء الأمة رأيًا
ونفوذًا. إن تواطؤ كبراء القبط على ما يتعلق بشرفهم آية بينة على حياتهم القومية،
وقوة رابطتهم الجنسية، وهم يفضلون المسلمين بهذا، ولكن توجيه هذه القوة إلى
مقاومة من يدخل في الإسلام، والكيد له، والحيلولة بينه وبين زوجه وولده مما لا
تقل فائدته، ولا تؤمن غائلته، فلو تساهلوا فيه وتركوا من يسلم وشأنه لكان خيرًا لهم
وإن كان يعسر عليهم ما دام المسلمون مصرين على تلك المظاهرات الصبيانية. فأنا
أدعو الفريقين إلى ترك الدين لله وجعل الرابطة الملية حاديًا يحدو بالأمة إلى
الاعتزاز بالعلم والعمل ولا عزة بمن يتوجه إلى غير دينه مقتنعًا معتقدًا ثم يترك ذلك
خوفًا ويعيش منافقًا.
ثم إنني أنصح لعبد الحميد أفندي فريد المسلم الجديد بأن يجعل عنايته في طلب
فضائل الإسلام والاجتهاد في التحقق بها حتى لا يكتب ولا يأتي ما لا يبيحه له فقد
رأيت فيما كتبه تحت عنوان عن أبواب الكنيسة السرية وأمورها الخفية إسناد حب
الباطل واتباع الفساد إلى بلعام بعد جعله نبيًّا والمسلمون لا يعترفون بنبوة بلعام حتى
على ما ذكر في التفسير من كونه هو المراد بقوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ
آيَاتِنَا} (الأعراف: ١٧٥) كما يعلم من مراجعة كتب التفسير. وأنصح له أن لا
يكتب ما يكون سببًا للعداوة والبغضاء فإن كان للقبط سيئات خفية فالشرع الإسلامي
لا يأذن بفضيحة الناس وإظهار سيئاتهم لما في ذلك من إعلان القبيح وغير لك من
المضار وإن كان فيها ما يضر المسلمين جهلهم به، فالتحذير منه مما لا تعسر مع
الأدب والاحتراس وما ذكره في الأبواب السرية ليس من النصيحة للمسلمين في
شيء. الجريدة تطلب من صاحبها في ملوي وقيمة الاشتراك فيها ٤٠ قرشًا في
مصر ويقبل من طلاب العلم كافة ومن خدمة الجوامع نصف القيمة.
***
(كتاب الخير والشر - أو قصة كاترينا)
لإسكندر ديماس الشهير بتأليف القصص الخيالية قصة سماها (كاترينا بلوم)
نقلها إلى العربية كل من محمد أفندي وجيه رئيس كتاب المجلس البلدي في
المنصورة وحسين أفندي الجمل وكيل البريد في المطرية مطرية الدقهلية نقلاها
بالتعاون والاشتراك وطبعاها على نفقتهما فكانت صفحاتها ٢٤٠ وهي بشكل كتاب
الإسلام والنصرانية وجعلا ثمنها ستة قروش صحيحة لمن يطلبها بالبريد.
سمّيا القصة كتاب الخير والشر؛ لأن كاترينا التي هي موضوع القصة خيرة
فاضلة ربيت تربية فطرية بعيدة عن منازع الشر، وكان لخالها الذي رباها ولد عني
به كما عني بها فكانا متشاكلين فتحابا ورغبا كما رغب مربيهما أن يكونا زوجين
وكان هناك رجل شرير يكيد لهما، ويحاول إفساد ذات بينهما وإيقاعهما في الهلاك
فكان عاقبة أمره خسرًا وانتصر الخير على الشر. على أن اسم (كتاب الخير والشر)
أكبر من هذه القصة؛ إذ ليس موضوعها بيان أنواع الخير وطرقها والهداية إليها،
وبيان أنواع الشر وطرقها وكيفية اجتنابها، وأكبر ما في القصة من العبرة بيان
مضرة جهل المرأة، وتعصبها وتحكيم هواها في أمر تزويج ولدها؛ فقد كان جهل
أم برنار وتعصبها وتحكيم هواها في منعه من التزوج ببنت عمه البروتساتانتية أضر
من كيد ذلك الشرير له ولخطيبته، ولولاها لما كان لذاك الكيد أثر يذكر، فهذا دليل
على أن المحب الجاهل كثيرًا ما يكون أضر من العدوّ عاقلاً أو غير عاقل. ومن
قرأ وصف تلك المرأة رأى أنه ينطبق على أكثر نساء هذا العصر في هذه البلاد
وأمثالها.
وأما عبارة الترجمة فهي تفضل أكثر ما نرى من عبارات مترجمي القصص
وتتحامى كثيرًا من الأغلاط المشهورة فيها وفي الجرائد، وقد طلب المعربان في
مقدمتهما للقصة غض الطرف عن السهو والزلل وعدَّا ذلك من نظر التنشيط دون
التثبيط، وليس الأمر كذلك، فإن التنبيه على ذلك هو الذي ينشط الكاتب ويزعج إلى
الاحتراس من مثله، وهو لا يمنع من رواج العمل لا سيما في القصص؛ لأن أكثر
قرائها أو جميعهم يبتغون بها التسلية.