للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


حركة الإصلاح في جاوة

سيدي الإمام، الداعي إلى سبيل السلام، بعد التحية والسلام: قد وصلنا
العدد التاسع من المنار المنير، وكله فوائد تهش لها أفئدة المؤمنين ? وحجة قاطعة
لألسنة الجامدين، وقد انتعش بها قوم أحبوا الهدى، وغص بها آخرون أخلدوا إلى
زينة الحياة الدنيا، ولقد أحسنتم كل الإحسان فيما انتقدتم به رسالتي الفاضل السيد
عثمان، ونحن نوافقكم عليه حرفيًّا، وإنه لكما ذكرتم حري بأن تحسنوا به الظن؛
لأنه قد بلغ من الكبر عتيًّا، وله خدم مشهورة ومآثر حسنة، وإن كانت له هفوات
معدودة.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعد معائبه
وإنني أكاد أجزم أنه سيرجع إلى الصواب، ويضيف بذلك لنفسه منقبة - إن
شاء الله - إن لم يكن أدركه الخرف؛ لأنه في العقد التاسع من العمر، نسأل الله أن
يوفقنا وإياه وإياكم لرضاه، آمين.
وكيف لا أرجو له الرجوع إلى هدي الكتاب، ونبذ تقديم آراء الرجال عليه،
وجده الأدنى السيد عقيل بن عمر كان من المجتهدين الذين لا يحتقبون الناس دينهم،
فلقد عطل ابن سعود دروس المقلدين من الحرم الشريف لما استولى على مكة
المكرمة، ولكنه لم يتعرض لحلقة السيد عقيل المذكور، بل كان علماء نجد
يجتمعون فيها، كما أنه منع جميع المفتين بمكة عن الإفتاء، ولكنه لم يمنع السيد
عقيل؛ لأنه كان يفتي بما يظهر له من محكم الكتاب وصحيح السنة.
وها هي فتاوى السيد عقيل وكتبه موجودة، وهو شيخ مشايخ العلويين في
علوم الشريعة والطريقة، وطريقتهم الأخذ بالكتاب والسنة، ومن أحق الناس
بسلوك طريق السيد عقيل حفيده السيد عثمان بن عبد الله بن عقيل.
ولقد ظهرت بشائر نفع دعوة المنار ودعائه، ومن يدعو إلى ما يدعو إليه بهذه
الجهات، فصار الناس يتأففون من حالتهم الحاضرة، ويثنون مما أصابهم من الجهل،
وابتدؤوا في تأليف جمعيات، وجمع نقود لفتح مدارس إسلامية تعلم النابتة اللغة
العربية والعلوم الدينية وطرفًا مما ينفعهم في أمورهم الدنيوية، وبالفعل قد فتحت
مدرسة في بتاوي، وأخرى في فاليمباغ وثالثة في سورابايا، ورابعة في قرسي
أستاذها الشاب الغيور الفاضل السيد محمد بن هاشم بن طاهر سبط الفاضل السيد
عثمان، وقد جعلوا لتلك المدارس نظامًا وترتيبًا نؤمل مع الزمن أن يكون مرقاة إلى
بلوغ الكمال، وقد امتحن منذ شهرين تلاميذ مدرسة قرسي للسنة الأولى، فنجحوا
نجاحًا يكاد يعد من المعجزات بفضل اجتهاد وذكاء أستاذها وجميل صبره، فلا أعد
مبالغًا إن قلت: إنها أفضل مدرسة في هذه الجهات، وإن ستين في المائة من
تلاميذها أعلم من آبائهم ولمَّا يمض عليهم بها ١٨ شهرًا، وإن الهمة مبذولة من
رجال النهضة في هذه البلدان في طلب مدرسين من الخارج؛ ليستفيدوا من تجاربهم
ومعرفتهم بالنظام والترتيب.
نعم.. قد صنف حضرة السيد عثمان رسالة سماها جمع النفائس، ونشرها
وصدر لكم منها مع هذا نسخة لا عذر لكم عن تصفحها، وهي أقل من ١٢ صفحة
وأراها (وربما أكون مخطئًا) ستعرقل هذه النهضة الشريفة، إن لم تقض عليها في
بعض البلدان؛ لما لصاحبها من الصيت والجاه، وإنني لا أشك في حسن نيته،
ولكني أقول: إنه أراد أن ينفع فضر، فعسى أن تلاحظوا ما كتبه، وتنشروا رأيكم
فيه؛ لتشدوا من همة الدعاة، وتكسروا شرة الجامدين، وتقووا هذه النهضة قبل أن
يجهز عليها أصحاب العمائم، وهي في سن الطفولية. أدامكم الله نفعًا للعباد،
وشجى في حلوق أهل الفساد.
آمين آمين لا أرضى بواحدة ... حتى أضيف إليها ألف آمينا

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... س. م. م
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... بتاوي (جاوة)
(المنار)
نثني على القائمين بنشر التعليم أطيب الثناء، ونحثهم على المضي في عملهم
بدون مبالاة بأرباب النزعات والأهواء، وسنذكر رأينا في رسالة (جمع النفائس)
في الجزء الثاني عشر إن شاء الله تعالى.