كتاب ظهر حديثًا في هذه البلاد، مؤلفه نعوم بك شقير رئيس قلم وكالة حكومة السودان في مصر. كتاب كبير يدخل في ثلاثة أجزاء تزيد صفحاتها على مائة وألف بقطع المنار وحروفه هذه , وفيه كثير من الصور والرسوم. كتاب لم ينقله مؤلفه نقلاً من الكتب ولم يسلك فيه طريق القصص والفكاهة , بل سلك فيه مسلك المؤرخ المطلع المختبر الراوي الممحص , ووضعه على طريقة التواريخ الأوربية الحديثة , فهو حسن الترتيب والتبويب حسن النقل والاختيار حسن التأليف والاستدلال حسن الاستنباط والاستنتاج كأحسن ما ألف الإفرنج في التاريخ. اعتمد في التاريخ القديم على ما كتب أشهر مؤرخي العرب وغيرهم من الأمم مع مراجعة معاجم العلم الأوربية , وفي الجديد على الكتب الحديثة للإفرنج والمصريين والسودانيين والسوريين , وعلى الروايات القولية عن الرجال الذين لقيهم في مصر والسودان من العلماء والحكام , وعلى المشاهدة والاختبار والكتابات الرسمية. وقد سهل له ذلك استخدام الإنكليز إياه في قلم المخابرات , ومرافقته حملة اللورد ولسلي في السودان , وتقلبه في هذه الأعمال , ولابد أن تكون هذه الصفة الرسمية التي مكنته من معرفة أخبار فتنة السودان الأخيرة , وحقائق أخبار الفتح المصري الإنجليزي له بعد الحكم بانفصاله من المملكة المصرية - قد حكمت عليه بأن يكتم بعض الحقائق ويكتفي منها بالرسمي , وهذا كل ما نظنه أو نتوهمه من النقص في هذا الكتاب , والكمال لكتاب الله وحده. بدأ الجزء الأول وهو في جغرافية السودان بجغرافيته الطبيعية , وفيها الكلام على حدوده ونيله وأراضيه ومعادنه وهوائه ونباته وحيوانه وسكانه. وثنى بالجغرافية الإدارية , وجعل الباب الثالث في حضارة السودان: لغات أهله وأديانهم ومعارفهم وزراعتهم وصنائعهم وتجارتهم وحكومتهم، والباب الرابع في عاداتهم وخرافاتهم وأخلاقهم. والجزء الثاني في تاريخ السودان القديم وفيه خمسة أبواب. وأما الجزء الثالث فهو في تاريخه الحديث وصفحاته سبع مائة ونيف , وفيه خمسة أبواب: الأول في تاريخ الفتح المصري وفيه ٤ فصول، الثاني في تاريخ الثورة المهدية وفيه ٢٣ فصلاً، الثالث في خلافة التعايشي وفيه ١٠ فصول، الرابع في استرجاع السودان وفيه ٨ فصول، الخامس في السودان المصري الإنكليزي , وله ملحق في تاريخ السودان وجغرافيته، تتبعه خريطة السودان والحبشة ومصر وسوريا وجنوب آسيا الصغرى وبلاد العرب. وقد جعل للكتاب كله فهرسًا عامًّا مرتبًا على حروف المعجم على الطريقة الحديثة يذكر فيها البلاد والمواقع والأشخاص وغير ذلك. وعبارة الكتاب في غاية السلاسة والانسجام ويقل فيها الخطأ جدًّا لا كما تراه في أكثر ما يكتب المعاصرن. وثمن الكتاب ستون قرشًا صحيحًا , وأجرة البريد خمسة قروش. فنحث القارئين على قراءته والكاتبين على احتذاء مثاله. * * * تنوير الأذهان في علم حياة الحيوان والإنسان وتفاوت الأمم في المدنية والعمران يؤلف هذا الكتاب الذي يدل اسمه على فضله الدكتور بشاره زلزل ويصدره بالطبع أجزاء صغيرة , وقد صدر الجزء الأول منه في ٦٤ صفحة , وفيه من المباحث المفيدة ما يدل على قيمة ما وراءه , وقد صدره بجملة يقدمه فيها إلى السلطان عبد الحميد نصر الله دولته , ويتلو ذلك صورة اللورد كرومر - فهو كالجامع بين الضب والنون - ففاتحته فمقدمته التي يبين فيها أقسام العلم الطبيعي , ومعنى تسمية علم المولدات الطبيعية بالتاريخ الطبيعي , ومنشأ هذا العلم وترقيه , وقصور الشرقيين فيه , وفيها بحث في الترجمة والنقل أنحى فيه على مترجمي هذا العصر , ووصف من قصورهم , وعاب عليهم نقل الألفاظ الإفرنجية التي لها مرادف في العربية , وذكر أن منها ما هو عربي الأصل كالصندل يكتبونه سانتال , والقلقطار الذي يكتبونه كوالتار , قال: وبعضهم لا يفهمون للحرَّاقة معنى إلا إذا كتبت كراكة , وإنما هي عربية الأصل أخذها الإفرنج عن العرب ولكنهم أبدلوا الحاء كافًا لأن لفظ الحاء غير مألوف عندهم؛ أي: ليس في لغتهم. ثم عاب على فريق من المتأدبين إيثار نقل الألفاظ المصطلح عليها عند الإفرنج على علاتها , وزعمهم أن تعريبها يخرجها عن الدلالة العلمية الموضوعة لها , وذكر تخبطهم في طريقتهم هذه مع بعض الأمثلة فيها. ومن رأيه أن التعريب ينبغي أن يخص بالكلمات التي لا يوجد في الألفاظ العربية ما يدل عليها بوجه كأسماء العلماء , وبعض الحيوانات الغريبة التي اكتشفت حديثًا ووضعت لها أسماء جديدة , ووعد بأنه سيجري في كتابه هذا على أسلوب جديد , وهو البحث عن الكلمات العربية للتعبير عن المصطلحات العلمية وتحاشي النقل (إلا حيث اقتضى التعريب) قال: (وأزيد على ذلك أنني أهملت بعض الكلمات المترجمة مما درج عليه الجمهور بتحديه بعض الذين استعملوها جزافًا لخروجها عن حقيقة المعنى الموضوعة له كالزلال يريدون به بياض البيض , وإنما الزلال الماء البارد. والأح في لغة العرب بياض البيض الذي يؤكل فهو أصح دلالة على ما يسميه الإفرنج بالألبومن. وقد سمى القدماء إحدى رطوبات العين بالبيضية بالنسبة إلى بياض البيض , والمحدثون يسمونها بالزجاجية، كما سموا الرطوبة الثانية من رطوبات العين بالجلدية بالنسبة إلى الجلد وهو الجمد، ويسمونها أيضًا بردة , أما المحدثون فإنهم ترجموا اللفظ الإفرنجي فقالوا: (البلورية) إلخ ما أورده. فأنت ترى أن هذا المؤلف يخدم العلم واللغة معًا. وسيكون الكتاب مجلدين كل مجلد اثنا عشر جزءًا كل جزء كهذا الجزء , وهو يطبع في مطبعة الجامعة طبعًا نظيفًا على ورق جيد , والمباحث العلمية توضح بالرسوم والصور , فنثني على همة المؤلف وفضله , ونحث محبي العلم على الاشتراك في الكتاب وعلى من أراده أن يكتب إليه في الإسكندرية. * * * تولستوي والحرب الروسية اليابانية هي مقالات للفيلسوف المتدين تولستوي الروسي شنع فيها على الحرب الحاضرة أقبح تشنيع , وأيد رأيه بالحجج العقلية والدينية , ووصف غش الحكومات لرعاياها وسوقها إياهم إلى ذبح بعضهم بعضًا بغير سبب صحيح ولا فائدة توازي خسائر الحروب , وذم رجال الدين والكتاب والعلماء الذين يشايعون الحكومة الظالمة بنفوذهم المعنوي ويكونون عونًا لها على ذلك. وقد انتشرت هذه المقالات في العالم وهزئ بكاتبها المفتونون بالسياسة , ومنهم من رد عليه ردًّا علميًّا بزعمه محتجين بأن الحرب سُنة طبيعية في الاجتماع البشري وأن فوائدها كثيرة , ولكننا نقول: إن هذه الآراء والأفكار صحيحة في ذاتها , وإذا كان البشر لم يستعدوا لها إلى الآن فالواجب على محبي السلام وخير البشر من حملة الأقلام أن يؤيدوها ليعدوا الناس لها , ولعله لولا الفلاسفة والكتاب الفرنسيون وغيرهم ممن سبقوا في بيان مضار الحروب؛ لما خطر لهذا الكاتب أن يكتب ما كتبه بل لما كان الملوك ورؤساء الأمم يتحدثون بوجوب فصل النزاع بين الدول بالتحكيم , فحبذا ما كتب الفيلسوف. وقد ترجم هذه المقالات العربية سيد أفندي كامل أحد طلبة الحقوق في مصر بعبارة وأسلوب كنحو عبارة جريدة المؤيد وأسلوبها وطبعها على ورق جيد فنشكر له هذه الهمة. * * * سهل القريض هو ديوان شعر لمحمود أفندي شكري سكرتير مديرية المنيا وكله مدائح في الاحتفال بموالد الصالحين وفي السلطان والخديوي والحكام وغيرهم , وتهانٍ ومراثٍ للوجهاء وكل هذه الضروب من المديح مما لا نحبه , ولذلك لم نقرأ منها غير أبيات متفرقة فعسى أن نرى بعد للناظم من الشعر في الموضوعات المفيدة ما هو خير من هذا.