للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: خير الدين الزركلي


قصيدة شاعر الشام

الأهلُ أهلي والديارُ دياري ... وشعار وادي (النَّير بَين) شعاري
ما كان منْ ألم بجلّقَ نازل ... واري الزناد، فزندهُ بي واري
إِنَّ الدَّمَ المُهَراقَ في جنباتِها ... لَدَمِي وإِنَّ شِفارها لشفاري
دمعي لما مُنيتْ به جارٍ هنا ... ودمي هناك على ثراها جارِي
***
يا وامِضَ البرق اطمئنَّ وناجني ... إِنْ كنتَ مطَّلعًا على الأسرار
ماذا هناك فإن صَوْتًا راعني؟ ... والصوْتُ فيه جفوةُ الإذعار
النارُ محدقةٌ بجلقَ بَعْدَ ما ... تَرَكَت (حماة) على شفيرٍ هارٍ
تَنْسابُ في الأحياءِ مُسرعةَ الخُطَى ... تأتي على الأطمارِ والأعمارِ
والقومُ منغمسون في حَمآتها ... فتكًا بكل مُبرأ صَبَّارِ
الطفلُ في يدِ أُمهِ غَرَضُ الأذى ... يُرمى وليسَ بخائض لِغمار
والشيخ متكئًا على عكازه ... يُرمى، وما للشيخ من أوزارِ
صَبَرَتْ دِمَشق على النكال لياليا ... حَرُمَ الرُّقاد بها على الأشفار
لهفي على المتخلفين برُحبِهَا ... كيفَ القرارُ ولات حين قرارِ
يَترقبون الموتَ في غَدواتهم ... وإذا نجوْا فالمَوْتُ في الأَسحارِ
لا يعلمون أفي سَوَادِ دُجُنَّةِ ... هم سهَّدٌ أم في بياض نهار
الوابلُ المدْرارُ من حمم اللظى ... متواصِلٌ كالوابل المدْرارِ
والظلم منطلق اليدين محكم ... يا ليت كل الخطب خطب النار!
***
أمجالسَ السُّمَّار، ضاحكة بهم ... ضحك الهوى: ما حل بالسمار؟
أمعاهدَ الأدب الطريف ثكلتِه ... غَضَّ الصبا كتفتح الأزهار
أُمَّ القصور نواعمًا رَبَّاتها ... ما للقصور دواثر الآثار
أُمَّ الجنان الكاسيات رياضها ... حُلل السنا ما للرياض عواري
أُمَّ الحياة، وللحياة نعيمها، ... هل في ديارك بعد من ديار؟
زهو الحضارة أنتِ مطلع شمسه ... أفتغتدين وأنت دار بوار
ويح الحضارة كيف يَمتهن اسمَها ... مُتكالبون على الضِّعاف ضوار
هم أوردوكِ وأصدروكِ على صدى ... فشقيتِ في الإيراد والإصدار
هم أحرجوكِ فأخرجوكِ مَهيجة ... فصرختِ فيهم صرخة الجبار
طالت لياليك الثلاث وإنما ... في مثلهن يلوح نهج الساري
وإذا الظلام عتا تَبَلَّجَ فجره ... ظُلَمُ الحوادث مطلع الأنوار
ما انهار قصرٌ في حماك ممرد ... إلا ليرفع فيك قصر فخار
ما دمروك هم ولكن دمروا ... ما كان فيكِ لهم من (استعمار)
حملوا عليك مواثبين وما لهم ... ثأر، وثُرتِ وأنت ربة ثار
ما ينقمون عليك إلا أنهم ... شهدوكِ غير مَقودَة لصغار
فإذا المنازل وهي شامخة الذُّرى ... مُنهار أطلال على مُنهار
وإذا المدينة (تدمر) أو (نينوى) ... أنقاض عمران ورسم دمار
***
قم سائل الأجيال يا ابن نسيجها ... واستوحِ غامض سرها المتواري
فلعل عِبرة مجتلي صفحاتها ... في ما محاه الدهر من أسطار
إن الشعوب لتستفيق إذا انتشت ... والصحو غاية نشوة الأسكار
أرأيتَ كيف طغى الفرنج وأوغروا ... صدر الأسنَّة أيما إيغار
أرأيتَ كيف استهتروا بمطامع ... فيها المصارع أيَّما استهتار
الشرق بين قويهم وضعيفهم ... متداول الأنجاد والأغوار
وبنوه بين وعيدهم ووعودهم ... شتى المذاهب شرَّد الأفكار
لا تأمنن فأنت بين مكافح ... منهم وبين مخادع غرار
وانظر إلى الآلاف من بُسلائهم ... يغزوهم مئة من (الثوار)
من كل معوار صليب عوده ... يقتاد كلَّ مدجَّج مغوار
الواثبين إذا يقال: تأهبوا ... والقاحمين إذا يقال: بدار
إن أنصفت أيام (ذي قار) لنا ... سلفًا فنحن اليوم في (ذي قار)
طارت بألباب الفرنجة صيحة ... في الشام فاندفعوا إلى الأسوار
واستهدفوا الأطفال في حجراتها ... والطفلات وهُنَّ في الأخدار
عمُّوا بمضطرب القذائف كلَّ ذي ... ضعفٍ وخصُّوا كل ذات إزار
ستروا بضرب الآمنين فرارهم ... فأعجب لعارٍ ستروه بعار
***
غَضِبَتْ لسورية الشهيدة أمةٌ ... في مصر تطفئ غلة الأمصار
ورعت لها ذمم الوفاء فلم يضع ... عهدٌ تَسلسَلَ في دم الأعصار
لله والتاريخ والدم واللغى ... حق وللآمال والأوطار
تأبى الجماعة أن تهون لغاضب ... والفرد موقوف على الأقدار
وإذا العرى انفصمت تولى أهلَها ... ضيمُ المغير بخطبه الكبَّار
***
يا ابن (الكنانة) ما الجراح دواميًا ... في الشام إلا في طلى الأحرار
المشترين ديارهم بدمارهم ... وهم يرون به رباح الشاري
أنِفوا حياة الشاء كل عشية ... وضحى تعيث بها يد الجزار
هلا نظرتَ إلى الشآم فإنها ... ترنو إليك بشاخص الأبصار
ناءت بحمل نكوبها فتقلقلت ... موجًا بأطفال هناك صغار
ليس الجوار إذا عدلت بمقنعٍ ... يأبى الشقيق عليك حقَّ الجار
... ... ... ... ... ... ... ... ... خير الدين الزركلي