للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار التاريخية

(همة الرجال تهد الجبال)
وردت إلينا هذه الرسالة بهذا العنوان من سنغافور فنشرناها مفتخرين بتعلق
قلوب المسلمين بمولانا أمير المؤمنين أيده الله تعالى:
ما سمعنا في ماضينا بمثل ما رأينا من الاتحاد، والاتفاق والتعاون على البر
والتقوى في الاحتفالات التي أقامها أهالي مدينة سنقافوره تذكارًا للجلوس الحميدي
السلطاني في العيد الفضي، أي: مضي ٢٥ سنة لمولانا أمير المؤمنين وخليفة
رسول رب العالمين وحامي حمى الدين خادم الحرمين الشريفين الغازي مولانا
السلطان عبد الحميد خان الثاني ابن المرحوم الغازي السلطان عبد المجيد خان منذ
تولى عرش الخلافة العثمانية أدام الله دولته، وأعلى كلمته وأطال في عمره سنين
عديدةً وأعوامًا مديدةً آمين، ففي نهار ١٢ ربيع ثاني عام ١٣١٨ الموافق ١٠ أقوس
١٩٠٠ انعقدت جلسة في الجمعية الإسلامية تحت رئاسة رئيسها السيد عبد الرحمن
السقاف , ومنشى محمد صديق , والإمام محمد يوسف , وأعضائها السيد محمود ,
والشيخ علي بن حيدره , وأحمد بن محمد صالح أنقليا , وسعيد بن أبي بكر ,
والحاج هارون , والشيخ عقيل باحميد , واتفق رأيهم على أن يعلنوا لسائر الجمعيات
الإسلامية في سنقافوره ولجميع الأئمة ولجميع المسلمين عامة بأن الواجب على
جميع المسلمين أن يشتركوا في الاحتفال الذي سيقع نهار الجمعة ٥ جُمَادَى الأولى
الموافق ٣١ أقوس وفي ٢١ ربيع ثاني الموافق ١٩ أقوس أولمت الجمعية الإسلامية
وليمة لقراءة المولد الشريف واستدعت مقدار ٥٠٠ نفس ومن بعد الفراغ من قراءة
المولد النبوي تليت الخطب في حث الحاضرين على أن يتحدوا ويتعاونوا على ما
يجب نفعه للسلطان المعظم وللأمة من إظهار شعائر الإسلام وأن يتمسكوا بأهداب
العرش الحميدي الحامي لدينهم، وأن يقيموا الزينة والاحتفالات في يوم الجمعة ٥
جمادَى الأولى للجلوس المأنوس وجميع من حضر استحسن ذلك، وخرجوا من دار
الجمعية شاكرين داعين للسلطان المعظم ولسائر المسلمين ولمن أقام الوليمة وفي ٢٥
ربيع أول طبع أهل الجمعية الإسلامية ٣٠٠٠ صحيفة أعلنوا ذلك فيها بثلاث لغات:
العربية وملايو وشوليا، وفرقوها على جميع المسلمين لأجل الاشتراك في الزينة
والاحتفال، وحالما اطلع المسلمون على الإعلانات شرعوا في الاستعداد بغاية
الفرح والسرور، وكان احتفال الجمعية على هذا الترتيب:
أولاً: المولد الشريف.
ثانيًا: الدعاء لمولانا أمير المؤمنين الغازي عبد الحميد خان الثاني بتأييد
خلافته الإسلامية.
ثالثًا: إرسال التهنئة في البرق لدار الخلافة.
رابعًا: إطعام الطعام لمن حضر من الأعيان.
خامسًا: إطعام الفقراء والمساكين.
سادسًا: إدارة الحلوى والمرطبات على الحاضرين.
سابعًا: الدعاء ممن حضر للحضرة الشاهانية ولجميع أمراء المسلمين ولعامة
المسلمين الأحياء منهم والميتين. وفي يوم الجمعة المذكورة تزينت الجمعية
الإسلامية بالرايات العثمانية، وفي ليلة السبت حضر الاحتفال جميع أهل الجمعية
الإسلامية والمدعُوُّون، وأذن لمن أراد أن يتفرج من جميع الأجناس مسلمين وفرنج
وصينين وإسرائيليين، أما الزينة فكانت بالكهربائي والشموع حتى كان الليل
كالنهار، وكانت موسيقى القلعة الإنقليزية في بيت الجمعية الإسلامية تصدح
وتطرب الحاضرين. وكذلك جميع المساجد والجمعيات الإسلامية وبيوت المسلمين
في جميع شوارع البلد كانت مزينة بالرايات العثمانية، وراية الهلال تخفق على
جميع البيوت، وجميع تجار المسلمين أغلقوا محلاتهم التجارية من يوم الجمعة إلى
مساء السبت، وكان جميع الأجانب مندهشين من عظم الزينة والاحتفال وجميع
عساكر الدول وضباطهم الذاهبين إلى الصين يتفرجون في أنحاء البلد، والزينة
قائمة والمسلمون في فرح واستبشار وبعد صلاة الجمعة أقيمت الخطب في جميع
المساجد في محل مرتفع معد للأئمة وجميع المسلمين يؤمنون على الدعاء بطول بقاء
سيدنا أمير المؤمنين السلطان الغازي عبد الحميد خان الثاني، وجميع المحررين من
أهل الجرائد الإنقليزية وقوفًا يكتبون ما شاهدوا، وبعد فراغ الخطب شرع الخطباء
في بيان محاسن الحضرة الشاهانية كالاهتمام بأمور المسلمين شرقًا وغربًا وترقيته
للمملكة العثمانية، وللأمة الإسلامية خصوصًا المشروع الإسلامي الذي يبدأ بمده نهار
الجلوس، وهو السكة الحديدية الحجازية، وبلغت أجرة الرسالة البرقية التي
أرسلتها الجمعية للحضرة الشاهانية مائة وأربعين ريالاً، وعلمنا أن سائر الجمعيات
وبعض تجار البلد من المسلمين أرسلوا تلغرافات التهاني أيضًا، والمرجو من جميع
إخواننا المسلمين المجاورين لبندر سنقافوره مثل أهالي جاوه بتاوى , وسربايه ,
والصولو وصماران وشربون والتقل وباكلنقن وفريانقان وبنجرماسين وفادانق
وفلنبان وفنتيانه واسثي ودلى ومكاسر والتميور أن يقتدوا بإخوانهم المسلمين أهالي
مدينة سنقافوره القليل عددهم الكثيرة بركتهم، والواجب على جميع أكابر المسلمين
مثل رقين ٢ وفاتي ٢ وكمندانات ومشايخ العرب ومشايخ الجاوه، أي: بيق بيق
المتولين الوظائف الهولندية والعلماء وكل من فيه بقية من الإيمان والنخوة أن يقيم
مثل هذا الاحتفال لأنه شعار المسلمين، ولا مانع إذا قام به أكابر المسلمين مثل
السيد العلامة عثمان بن عبد الله بن يحيى خاصةً، وبقية العلماء عامةً، والله
الموفق للصواب.
... ... ... ... ... ... ... محب الدولة والملة ناصر الدين

***
(أزهر السودان)
اقتضت إرادة الحضرة الخديوية العباسية بناء جامع كبير في مدينة الخرطوم
حاضرة بلاد السودان المصري ليكون كالأزهر في مصر , وأمر ديوان الأوقاف بأن
يصرف عشرة آلاف جنيه لبنائه فقرر الديوان ذلك، وقد احتفلت حكومة السودان
بتأسيس هذا الجامع ودعت لحضور الاحتفال وجهاء السودان من البلاد المتفرقة
وحضرة ضباط الجيشين المصري والإنجليزي هناك، ووضعوا في الحجر الأول
قطع النقود المصرية من الجنية إلى ربع المليم والجريدة الرسمية (الوقائع المصرية)
وضعها قاضي قضاة السودان بيده، وأشهد الناس على ذلك نائب الحاكم العام على
السودان (لأن الحاكم الذي هو السردار ونجت باشا الإنكليزي كان في أوروبا
بالأجازة) مصرحًا غير مرة بأن الذي وضع الأمانة هو قاضي القضاة باسم سمو
الخديو المعظم وخطب هذا النائب خطبة افتتاح الاحتفال وتلاه قاضي القضاة الأستاذ
الشيخ شاكر المصري وإننا ننشر خطبته أثرًا تاريخيًّا مبينًا حقيقة الأمر وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أسس دين الإسلام على أقوى دعائم العمران. والصلاة والسلام
على سيدنا محمد الآمر بعمارة المساجد كما نزل به القرآن. وعلى آله وأصحابه
هداة الدين ومن تبعهم بإحسان (أما بعد) فإن الله تعالى قد من على الأقطار
السودانية. بمحو فتنة المهدية. على يد هذه الحكومة الرءوفة بالعباد. العاملة على
ما فيه الخير والسعادة للبلاد. وكانت همة رجالها الكرام وأمرائها العظام متوجهة
لإحياء ما اندرس من معالم الدين. وإشادة ما انطمس من مآثر المسلمين. ورفع
منار العلوم والمعارف الإسلامية وإقامة الشعائر الدينية، لذلك صدرت إرادة الملك
العادل حامي حمى الأقطار المصرية برجال الإصلاح وماحي ظلم الفتن برايات
النصر والفلاح صاحب السمو والفخامة مولانا الخديوي المعظم (عباس حلمي باشا
الثاني) بإنشاء هذا المسجد في مدينة الخرطوم ليكون محطًّا لرجال العلم والعلماء
وملجأ لطلاب العلوم والمعارف من جميع الأنحاء والأرجاء، وليكون المدرسة
الكبرى للشريعة الإسلامية في الأقطار السودانية كما أن الجامع الأزهر المعمور هو
المدرسة الكبرى للعلوم الدينية في الأقطار المصرية، وقد خصص لبنائه عشرة
آلاف من الجنيهات تبرع بها ديوان الأوقاف المصرية وقد اختير لذلك أن يكون هذا
المسجد في وسط ميدان عباس الذي تبلغ مساحته سبعة وعشرين فدانًا وخصصت
الأماكن القريبة منه لتكون مكاتب لتعليم القرآن للأطفال من أولاد المسلمين أما
مساحة هذا المسجد الجامع والساحة الخاصة به فهي أربعة عشر ألف متر مربع أي
ثلاثة فدادين ونصف فدان وهو مربع الشكل له أبواب ثلاثة في وسط أضلاعه
الأربعة ما عدا الضلع الذي فيه القبلة، وبابه العمومي هو المسامت لقبلته، وساحته
الخاصة به محاطة بسور له أربعة أبواب في وسط أضلاعه الأربعة وقد جعل في
زوايا هذا السور الأربع أربع مدارس لكل مذهب من المذاهب الأربعة مدرسة تكون
مأوى لطلابه يشتغل فيه طلبة العلم بتلقي مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان والإمام
مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين، وبتلقي علوم
الحديث النبوي وتفسير القرآن والتوحيد وأصول الفقه والعلوم العربية والعلوم
العقلية بجميع أنواعها تحت رعاية شيخ الجامع الذي يكون رئيسًا على مشايخ
المذاهب الأربعة الذين تستدعيهم حكومة السودان لنشر العلوم وبثها في الأقطار
السودانية وتخصص لهم ولتلامذتهم من النفقات ما يقوم بكفايتهم على أحسن حال
وأقوم طريق على النهج المتبع في إدارة الجامع الأزهر المصري، وكما أن الجامع
الأزهر هو ثالث مسجد أسس في مصر وكان الشروع في وضع أساسه في الثاني
والعشرين من شهر جُمادَى الأولى سنة ٣٥٩ من الهجرة النبوية في أول الدولة
الفاطمية فهذا المسجد هو ثالث مسجد أسس في مدينة الخرطوم في عهد صاحب
المآثر والمفاخر والراية المنصورة مشيد مباني المعالي على دعائم العدل والإنصاف
سعادة الفريق ونجت باشا سردار الجيش المصري وحاكم عموم الأقطار السودانية
أحسن الله أيامه ونضرها وجملها بوجوده وأزهرها، وقد ناب عنه في وضع الحجر
الأول من التأسيس بيده الكريمة صاحب المقام الرفيع والرتبة العلية سعادة اللواء
جكسون باشا نائب حاكم عموم الأقطار السودانية فأمر وفقه الله أن يحتفل بهذه
المأثرة الكريمة احتفالاً بهيًّا يحضره أكابر رجال الحكومة السنية وعظماؤها
ونبهاؤها وأن يكون عيدًا لعموم الأهالي؛ فلبى دعوته أرباب الوجاهة والكرامة
وعظماء الرجال من كل طبقة وطائفة، ولذلك وضع سعادته الآن الحجر الأول من
هذا المسجد المعظم ويعلن في هذا اليوم يوم اثنين وعشرين من شهر جمادى الأولى
سنة ١٣١٨ ألف وثلاثمائة وثمانية عشر هجرية الشروع في تأسيسه رسميًّا لتتم
المشابهة بينه وبين الجامع الأزهر في التأسيس وليكون بفضل الله تعالى منبعًا للعلوم
والمعارف على مرِّ الدهور والأعوام يتخرج منه العلماء الأعلام حملة الشريعة وهداة
الدين كما كان الأزهر المعمور منذ تأسيسه إلى الآن، ونحفظ هذا التاريخ ليكون
عيدًا سنويًّا نذكر به فضل الحكومة السودانية على عنايتها بإحياء شعائر الملة
الإسلامية وحسن نيتها نحو الدين الإسلامي ونسأل الله تعالى أن يوفق رجال
الحكومة القائمين بأعبائها إلى ما فيه الخير للبلاد والصلاح للعباد آمين اهـ.
***
(الكلم الروحانية في الحكم اليونانية)
يذاكر القراء أننا كتبنا من عهد قريب نبذتين في المنار من حكم الفلاسفة
ونوادرهم، وعلمنا أنهما وقعتا موقع الاستحسان حتى استزادنا بعض الفضلاء من
ذلك. ونحن الآن ندلهم على الينبوع الذي استقينا منه تلك الحكم وهو كتاب الكلم
الروحانية تأليف الأستاذ أبي الفرج بن هندو المتوفى سنة ٤٢٠هـ وقد طبع هذا
الكتاب طبعًا متقنًا في مطبعة الترقي الشهيرة بتصحيح ملتزم طبعه الفاضل الشيخ
مصطفى القباني وثمن النسخة منه أربعة غروش أميرية، ويطلب من دار الترقي
وغيرها فنحث الأدباء والفضلاء على مطالعته واقتباس حكمه.
***
(جمعية شمس الإسلام)
كان مجلس إدارة هذه الجمعية الإسلامية الشريفة قرر توقيف الاجتماع
الأسبوعي العمومي كما أعلن في المنار والمؤيد وقد استمر هذا التوقيف مدة أيام
الصيف الشديدة الحر، ولما رحل الصيف وهجرنا هجيره طفق أعضاء الجمعية
الصادقون ومحبو خير الملة يطالبون بإعادة الاجتماع الأسبوعي العام لما فيه من
الفوائد لا سيما عندما رأى هؤلاء الفضلاء غرس الجمعية قد نما وأزهر وأينع منه
الثمر وظهر لهم من صرف أموالهم على فتح المدارس لتربية أولاد المسلمين تربية
ملية وتعليمهم ما يكون مُسْعِدًا لهم في دينهم ودنياهم (إن شاء الله تعالى) أنها بريئة
من كل مقصد سياسي إذ أصحاب تلك المقاصد يدخرون المال ليبلغوا به إلى
مقصدهم. فقد فتحت الجمعية مدرسة في ملوي للذكور ومدرسة في حلوان للبنات
ومكتبًا في بني سويف ومدرسة في الفيوم للبنين وهي شارعة في فتح مدرسة أخرى
فيها للبنات وقد كتب إلينا بعض إخواننا هناك مبشرًا بنجاح الاكتتاب وبأن العمل
سيظهر قريبًا إن شاء الله تعالى. وكذلك علم هؤلاء الأخيار أن الجمعية مخلصة
لمولانا الخليفة والسلطان الأعظم كما يجب على كل مسلم لخليفته وأميره لأن
منهاجها الشرع الأغر الذي يأمر بطاعة أولي الأمر.
هذا ما كان موجبًا للإلحاح بإعادة الاجتماع الأسبوعي عندما ذهب الحر وزال
المانع وهو أمر متحتم بنفسه من غير طلب ولا إلحاح، ولذلك تعلن الجمعية بأنها
جعلت موعد الاجتماع ليلة الجمعة من كل أسبوع بدلاً من ليلة الإثنين فليتفضل أهلها
الصادقون وليبعد السعاة والمنافقون ومحلها في أول شارع درب الجماميز معروف
للجميع.