للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


التقريظ والانتقاد

جاءنا فى هذه المدة كتب وجرائد كثيرة منعتنا كثرة المواد عن ذكرها وتقريظها،
نذكر الآن بعضها، ونرجئ باقيها لفرصة أخرى.
(سيرة صلاح الدين)
طبعت شركة طبع الكتب العربية هذه السيرة فى سفر جليل وأهدتنا نسخة منها
فأرجأنا تقريظها إلى ما بعد قراءتها، ثم أضللناها قبل القراءة، ومن حق شركة
الكتب علينا أن ننوّه بها جزاء هديتها فنقول: إن الملك العادل الحازم صلاح الدين
الأيوبي - رحمه الله تعالى - له منة عظيمة جدًّا على الإسلام، وإن الحرب
الصليبية التي كان بطلها المغوار- هي بعد حرب الصحابة - أهمّ حرب في تاريخ
الإسلام وأجدرها بالمعرفة، بل هي أهمّ حرب حدثت في العالم؛ لأنها أحدثت انقلابًا
عظيمًا في العالم الإنساني، وكانت مقدمة هذا التمدن الأوروبى ونافخة روحه،
ومن العار العظيم على الأمة العربية عامة وعلى المسلمين كافة أن لا يكون بين أيديهم
كتب يتدارسونها في هذه الحرب وفي سيرة بطلها العظيم ناصر الإسلام السلطان
صلاح الدين، ويوشك أن يكون هذا الكتاب الذى طبعته شركة طبع الكتب العربية
من أحسن هذه الكتب؛ لأن صاحبه كتب عن اختبار بنفسه فنحثُّ القرّاء على
مطالعته.
(مفتاح العلوم)
هذا الكتاب للعلامة السكاكي أشهر عند علماء العربية ذكرًا من أن يذكروا به،
ولكنه على حسنه لا يقرأ ولم يطبع إلا في هذه الأيام، ويمتاز هذا الكتاب على الكتب
المتداولة بحسن الترتيب، فإنه قدّم الصرف على النحو وأخّر عنهما البلاغة.
وعبارته أقرب إلى الأسلوب العربي وأبلغ من كتب السعد وغيره، ولولا
أن فيها بعض التكلف لكانت مساوية لكتب إمام الفن عبد القاهر الجرجاني، فنحثُّ
أفاضل العلماء على قراءته، وطلاب العلم على حضوره.
(رواية ابن زيدون مع ولاًّدة بنت المستكفي)
أهديت إلينا هذه الرواية من حضرة الفاضل الشيخ محمد الرافعي صاحب
المكتبة الأزهرية الذي طبعها على نفقته، الرواية نثرية شعرية تمثيلية مؤلفها علامة
فنون الأدب في سوريا المرحوم الشيخ إبراهيم الأحدب، ووقائعها جميلة، وتمتاز
على جميع مكتوب العصر بتحري المحسنات اللفظية والتعمّل في الإكثار من أنواع
البديع كالجناس بأنواعه والتوجيه والمقابلة والطباق وغيرها حتى لا تكاد تخلو
السجعة أو السجعتان من نوع بديعي، فيجدر بالمغرمين بهذا النوع من الكتابة
والذين ينتقدونه أن يقرءوا هذه الرواية جميعًا.
(رواية قلب الأسد)
لخصها معربها العالم المتفنن الدكتور يعقوب أفندي صروف محرر مجلة
(المقتطف) الغرّاء من رواية إنكليزية اسمها الطلسم (تلمسن) وهي تاريخية فكاهية
حوادثها من الحروب الصليبية، وقد تصرف فيها المعرب تصرفًا حسنًا بحيث أن ما
تحكيه عن عادات المسلمين والمسيحيين في ذلك العهد يرضي أبناء الملتين بما فيه
من النزاهة والأدب وعدم التحامل على ما كان عليه الأمتان يومئذ من الأضغان
والأحقاد والغلو في التعصب.
نعم إن فيها بعض هفوات نسبت للسلطان صلاح الدين وهي على غير منهاج
الإسلام كقول المؤلف في الرسالة التي قال: إن صلاح الدين أرسلها إلى ريكارد ملك
الإنكتار (الإنكليز) فى صفحة ١٦٢ (فسينصرنا الله ونبيه عليك) وما كان
لمسلم يعرف الإسلام كصلاح الدين أن يقول هذا وهو يعلم أن الله يقول في كتابه:
{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ} (آل عمران: ١٢٦) بل لم تجرِ عادة جهلاء
المسلمين بطلب النصر أو إسناده لغير الله عز وجل، ومن دون هذه قوله: إن
صلاح الدين سقى ضيوفه الخمر، ولعل هذا من هفوات الأصل التي سها عن
التصرف فيها الدكتور صروف، والرواية عذبة قرأتها فى سهرة واحدة على أنني
لست من المغرمين بقراءة القصص والروايات.
(النبراس)
صحيفة إصلاحية سياسية أدبية لمنشئها الكاتب الأديب نجيب أفندي جاويش
وكان صدر منها أعداد , ثم حُجبت لكساد هذه البضاعة واكتفاء الناس بجرائد
مخصوصة، وإنما عادت الآن بمساعدة أحد أنصار العلم والأدب وهو القانوني
البارع نقولا أفندي توما، وقد صدَر أول عدد برز من الحجاب بمقالة عنوانها (كن
كيف شئت ولا تكن صحافيًّا في الشرق) والمقالة حجة على كاتبها إلا إن كان مراده
بالصحافي المستقل الذي يحاول النجاح بعمله دون مساعدة أخرى، ويحتوي كل عدد
منها مقالات ونبذًا حقيقة بالمطالعة، فعسى أن تلاقي فى هذه الكرة ما تستحق من
الإقبال.
(اللواء)
جريدة يومية سياسية صاحبها سعادتلو مصطفى كامل بك ظهرت
فى غرة رمضان المبارك، أصغر أو ألطف من سائر الجرائد اليومية حجمًا وأقل
ثمنًا، فإن قيمة الاشتراك فيها ١٠٠ قرش أميرى في السنة، لكن يشترط أن يدفع
سلفًا، وقد أكدت هذه الجريدة هذا الشرط وصرّحت غير مرة بأنها تحجب عمن لا
يرسل الثمن بعد الأسبوع الذي ترسل فيه الجريدة مجانًا، وما من جريدة إلا
واشترطت هذا الشرط بدون تأكيده لعلمها بأنها لابد أن تضطر لفسخه، ولا نعلم ماذا
يكون من أمر هذه الجريدة، ولكن نظن أنها إما أن تتلو تلو غيرها وإما أن لا تروج ,
أما مواضيعها فهي فائضة عن ذلك الرجل الكثير اللهج بالوطنية وحب الوطن
وخدمة الوطن، وقد ضم إلى هذه الكلمات أخيرًا ذكر الإسلام والدين، فأما الوطنية
والوطن فسنبين رأينا فيهما بالنسبة للإسلام ولسائر الأمم فى مقالة مخصوصة، وأما
الإسلام والدين فلا ينتظر من هذه الجريدة كلام فيهما يفيد الأمة إلا تتبع ما يذكر فيهما
فى الجرائد الإفرنجية وتعريبه، فإذا وفت هذا المقام حقًّا بالإحصاء يكون لها امتياز
على سائر الجرائد العربية الإسلامية التي تختار ولا تحصى، فنحثها على هذا.
وقد انتقدنا عليها أمرًا ذا بال وهو الإرجاف بأن بعض الناس في مصر يسعون
في إقامة خلافة عربية , كأن الخلافة من الهنات الهينات تنال بسعي جماعة أو
جماعات، ولا يمكن احتقار مقام الخلافة الأعلى بأكثر من هذا الإرجاف، مقام
الخلافة أسمى من أن يتطاول إليه أحد، وقد سلم السواد الأعظم من المسلمين زمامه
لبني عثمان تسليمًا، والرابطة بين الترك والعرب هي كما قال المرحوم كمال بك
الكاتب الشهير: موثقة بالأخوة الإسلامية والخلافة العثمانية، فإن كان أحد يقدر على
حلها فهو الله تعالى وحده، وإن كان أحد يفتكر في ذلك فهو الشيطان، ويعلم كل
خبير بحال هذا الزمن أنه لا يرجف بالخلافة فيه إلا رجلان: رجل اتخذ الإرجاف
حرفة للتعيش وأكل السحت أو التحلي بالوسامات والألقاب الضخمة، ورجل اتخذه
الأجانب آلة لخداع بسطاء المسلمين بإيهامهم أن منصب الخلافة ضعيف متزعزع
يمكن لأى أمير أن يناله ولأية جمعية أن تزحزحه عن مكانه ليزيلوا هيبته من
القلوب ويقنعوا نفوس العامة الأغرار بإمكان تحويله في وقت من الأوقات وبأن
المسلمين ليسوا راضين من الخلافة العثمانية جميعًا، كان مصطفى كامل أفندي يوم
ألف كتاب (المسألة الشرقية) ينسب هذا الطمع الأشعبي للإنكليز واليوم نرى
مصطفى كامل بك يلقي القول فيه على عواهنه فى خطبته وجريدته، ويدع نفوس
البسطاء تذهب فيه كل مذهب، وإذا سئل عن الإفصاح وبيان المجمل يجمجم
ويغمغم، فإن كان على رأيه الأول فليصرّح به ليرجع العامة عن أوهامهم
والخاصة عن ظن السوء به، وأنه أحد الرجلين اللذين ذكرناهما آنفًا , ولا نظنه إلا
على مذهبه الأول وعلى اللواء في البيان المعوّل.