من القواعد المعروفة أن الإنسان يتكبر إذا كان يشعر في نفسه بأنه وضيع بين كبراء لا يجاريهم؛ إلا إذا تكلف الظهور بمظهرهم؛ لأن صيغة التكبر تدل على التكلف. ومن لوازم التكبر الكذب في القول ليتم به التكبر بالفعل، وكأن صاحب جريدتي اللواء والعالم الإسلامي على غروره بنفسه يشعر بأن جريدته لا قيمة لها فهو يخترع الرسائل ويدعي أنها جاءته من الهند وجاوه والآستانة، وغيرها من البلاد، ثم يتبجح ويفتخر بذلك ويدعي أن جريدتيه موضع ثقة الأمم والشعوب الإسلامية في العالم الإسلامي، ولعلك لا تجد شيئًا من هذا التبجح والتنفج في جريدة يومية أخرى ولا في جريدة أسبوعية؛ إلا أن يكون بعض ما يسمونه في مصر بالجرائد الساقطة فالتيمس والتان ونيويورك هرالد وأمثالها تستحي أن تفخر ولو بكلمة حق؛ لأنها ترى الكمال في أن يفخر بها الناس، لا في أن تفخر هي بنفسها. وإذا أحببت أن ترى شاهدًا من شواهد رسائل اللواء المكذوبة فراجع العدد ١٧٥٤ والعدد ١٧٦٢ تجد في الأول منهما مقالة، وفي الآخر مقالة أخرى زعم أنها جاءته من جاوه تؤيد ما كتبه في العدد ١٧٥٤ من جهة، وتستدرك عليه من جهة أخرى وأنت ترى أن مدة ما بين العددين سبعة أيام، ففي هذا الأسبوع طار عفريت من الجن بعدد اللواء من القاهرة فقطع البحر الأحمر والمحيط الهندي إلى جاوه ثم حمل رسالة من أحد المسلمين هناك وعاد بها إلى إدارة اللواء الأغر، ولولا هذا العفريت لما وصل اللواء إلى جاوه، وكتب ذلك الكاتب ووصلت رسالته إلى مصر إلا في زهاء شهرين من الزمان. يقول الناس في أمثالهم: (إذا كنت كذوبًا فكن ذكورًا) أي لئلا تفتضح عند الناس فتحتقر، ولكن صاحب الجريدتين قد أَمِنَ من أهل وطنه المحبوب أن يحتقروه مهما قال وفعل فهو مستغن عن تكلف عناء التذكر والتوفيق بين الكذب السابق واللاحق. يسهل على اللواء الأغر أن يكذب في يومه على أمسه، فكيف يطالَب بأن لا يكذب في أسبوع على ما قبله؟ رأيت بالمصادفة ما نقله عن جريدة الأهرام في استرجاع شيخ الجامع الأزهر لكتابه الذي أرسله إلى رئيس النظار (القائم مقام الخديوي) في مسألة إعفاء حفاظ القرآن من الخدمة العسكرية. جريدة الأهرام قالت يوم الجمعة: إن شيخ الجامع اقتنع بأن إرسال ذلك الكتاب لم يكن من الصواب فاسترجعه رسميًّا وأبطل عدده (نمرته) الرسمي، وجريدة اللواء زعمت في يوم السبت التالي لتلك الجمعة أن جريدة الأهرام قالت: إن الحكومة كلفت شيخ الجامع بسحب كتابه. ولم يكن أحد من الناس نسي ما في جريدة الأهرام؛ لأنه لم يمر عليه سوى ليلة واحدة. وكأننا ببعض الذين يعرفون كنه اللواء وصاحبه، يعذلوننا على إضاعة نحو صفحتين من المنار في بيان كذبه، ولعلهم يرجعون عن عذلهم؛ إذا علموا أننا لا نقصد بهذا إلا الرد على الذين أخبرونا بأن اللواء نشر مقالة من جاوه وأخرى من كلكته في ذم المنار وطلبوا منا الرد عليهما ليعلموا أننا لا نثق بما يكتب في هذه الجريدة ولا نقرأه على أنه لم يكن في تلك المقالتين إلا السب والشتم، فلو أنهما تضمنتا نقل شيء من المنار والرد عليه لبينا للناس الحق في ذلك.