للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: سائح ناصح


دعاة النصرانية
في البحرين وبلاد العرب

سيدي العلامة المشتهر منشئ المنار الأزهر، أيد الله بك الشرع الأغر،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فلم أنس لا أنسى تلاوة أعداد مجلتك المحترمة وما حَوتْْْْه من منشورات
نصارى البروتستان في الغارة على العالم الإسلامي ودسائسهم في إضلال ضعفاء
المسلمين وتهديدهم حياة الأديان - حتى الإسلام - بقواهم ومعداتهم المدهشة وما
كان يشيعه زويمر عن مسلمي البحرين من تأثير عملياته فيهم.
أقرأ تلك المنشورات وأناملي ترتعش وفرائصي ترتعد، ونيران الأحزان
تلتهب في أحشائي وتتقد.. . حتى إني سئمت العيش آنئذ وعفت الأهلين والوطن
وخرجت بوجهي كهائم في فلاة حتى بلغت مجمع البحرين لكي أطلع على حقيقة
الأمر وأتحقق صحة ما أشاعه دعاة البروتستان عن تلك القادة الإسلامية المحضة
فأتدارك الخطب بعدئذ عن بصيرة.
فحللت بلاد البحرين في أول يوم من هذه السنة والتقيت بأميرها وقاضيها
وبالعلماء والأعيان من أهليها. وفتشت عن زويمر فأخبروني بسفره إلى البلاد
المصرية، واتفق نزولي في دار قريبة من مستشفى البروتستان ومن مدرستهم
وبيوتهم، فأرسلت إلى بعض خدمهم من مسلمي الجزيرة، وأخذت منه بعض
المعلومات الضرورية، وظفرت بتصاوير إدارتهم الكائنة في البحرين وفي مسقط
والكويت والبصرة.
إن الخطر مما لا يُستصغر، ولكن مما يهوِّن الخطب أن أكثر ما يشيعونه من
نجاح مسعاهم في هذه البلاد مبالغات أو مفتريات يقصدون من نشرها إغراء
جمعياتهم الكبرى وتشويقها حتى تبذل لهم الأموال الجسيمة.
وها أنا ذا ذاكر لسيادتك بعض ما كشفته عن أمر هؤلاء، وسوف أذكر في
حضرتك البقية بالمشافهة، إن شاء الله تعالى.
أما الدعاة المنتشرة في البحرين فلا يبلغ عددهم العشرين رجالاً ونساء
وأكثرهم لا يحسنون العربية ولا يعرفون شيئا من العلوم الدينية، وهذا بعض ما
يدل على أن هؤلاء يغشون جمعياتهم الكبرى التي تنفق عليهم الأموال الطائلة
لظهور عجزهم وقصورهم في أداء وظيفتهم، فتذهب بهم أموال الجمعية هواء في
شبك.
وقد لقيني معلمهم بعض الأيام وسألني عن قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: ٣٠) إلخ الآية. فقال: إن
المستفاد من الآية هو علم الملائكة بالغيب بل بما لم يعلمه الله تعالى. قلت: يا
سبحان الله كيف تستفيد ذلك من الآية مع تصريح الملائكة في هذا السياق بقولهم:
{لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} (البقرة: ٣٢) وتصريح الباري عز شأنه بقوله:
{إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة: ٣٠) ثم إن الملائكة لم تعترض على الله في
خلق آدم وإنما استفهموا منه تعالى عن جواز صيرورة الظالم المفسد - في رأيهم -
خليفة، فقالوا بعد قوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: ٣٠) :
{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} (البقرة: ٣٠) إلخ ولم يقولوا: أتخلق
فيها من يفسد.
ومتى كان هذا القول من الملائكة استفهامًا وسؤالاً عن جواز استخلاف الله
تعالى ظالمًا، ولم يكن ذلك منهم اعتراضًا عليه - دل ذلك على عدم علم الملائكة
الغيب، وعلى سعة علم الله تعالى دون العكس كما توهمت.
وتكلمت معهم يومًا في مكتبتهم في مسألة إشباع المسيح عليه السلام خمسة
آلاف نفس بخمسة أرغفة المذكورة في إنجيل متى وغيره، وبرهنت لهم بالأدلة
الواضحة منافاة هذه القضية لحكم العقل والعلم، فاعترفوا بمناقضتها لحكم العقل،
لكنهم اعتذروا بأن الدين لا يضره مناقضة العقل. فبينت لهم في مقالة ضافية الذيل
وجوب معاضدة العقل للدين ومصادقتهما، ويستحيل بدون ذلك إيمان إنسان إيمانًا
صادقًا وذكرت لهم موافقة الدين الإسلامي للأحكام العقلية وتصريح بعض علماء
الإسلام بقضية (كل ما حكم به العقل حكم به الشرع، وكذلك العكس) .
ولدعاة البروتستان في البحرين مدرسة صغيرة مركبة من حجرتين يجلس
الأطفال في التحتانية منهما ويجمع الكبار للصلاة في الفوقانية، ولا يبلغ تلاميذها
عدد الأصابع، وما فيها من المسلمين غير صبيين عربي وفارسي يتعلمان فيها
الإنكليزية، ورأيتهما يستهزآن بصلاة هؤلاء ويقول أحدهما للآخر: كيف يقبل الله
تعالى صلاة يغنون فيها بأدوات اللهو، ويقضون باسم الصلاة شهوات أنفسهم؟
وأما تاريخ زويمر، فالمشهور بين أهالي البحرين أنه في أول مجيئه قبل بضع
عشرة سنة صادف خشونة من الناس فهاجر إلى بلاد الحسا ليستقر فيها فوجد في
أهليها ذكاء وتنبهًا وأن البلاد العثمانية لا يسود فيها حكم لقونسل إنكليزي حتى
يستظهر مثله بكل ما ستسمع، فرجع إلى البحرين بخفي حنين، واستعذب ما يراه
من المهانة، وكان يلقب نفسه ضيف الله، والأهالي يدْعونه ضيف إبليس! كذا ذكر
الناس، وكان قد فتح في مبدأ أمره حانوتًا في السوق لبيع الكتب المختلفة ثم
تخصص بالتدريج لبيع الكتب المسيحية وبعد أعوام عزم على شراء أرض هناك،
فامتنع الحاكم أن يبيعه مع أنه اشترط على نفسه أن لا يضع فيها ناقوسًا ولا غيره
من آثار النصرانية، ولا يدعو فيها إلى دينه، لكن زويمر توسل بقونسلية الإنكليز في
بوشهر والبحرين فألحت القونسلية على الحاكم وأخذت منه قدرًا واسعًا من الأرض
لزويمر بثمن أربعة آلاف روبية تقريبًا وأسسوا فيه مدرسة ومستشفى صغيرًا لنشر
دعوة الإنجيل بتمام حريته، أفلا يدل هذا وأمثاله على تورية في لهجة أوربا وادعاء
اجتناب ساستها الأمور الروحية وتجنب ديانتها الأمور السياسية؟
ولم يظهر خلال هذه الأعوام نجاح لزويمر إلا في أمور أربع، الأول: زيادة
راتبه ومعاشه إلى ١٥٠ ربية في الشهر غير ما يتبرع عليه بعض أحبائه
الأمريكانيين.
الثاني: تكثير عدد الدعاة في بلاد البحرين من رجال ونساء أمريكيات
يتطلبون بمسعاهم الارتزاق.
الثالث: استخدامهم لفقراء المسلمين في إدارتهم ثم يأخذون صورهم
ويرسلونها إلى بلاد أخرى يشيعون عنهم أنهم تنصروا، والصحيح أنهم (تبصروا)
في دسائس مخالفيهم، ولقد شاهدت في مستخدميهم الغيرة الإسلامية والشكوى مما هم
فيه حيث إن الفقر ألجأهم إلى خدمة عباد المسيح.
الرابع: توزيعهم نسخ الأناجيل بين المسلمين، ولشد ما أخطأوا في هذا الأمر
وسيندمون حين لا ينفعهم الندم؛ لأن أبناء القرآن إذ اطلعوا على آيات الإنجيل سقط
موقعها من أعينهم. وقد اتسع نطاق فحصي في ذلك فلم أجد مسلمًا يسمع الإنجيل
إلا ويتكلم عليه.
ولقد قال لي بعض البحرانيين: إنني كنت أعتقد قبل أن أرى الإنجيل أنه
كتاب إلهي ولكن يد التحريف مست بعض آياته، وبعد ما وصلتني منه نسخة سقط
من عيني حتى كدت أن أنكر نسبة شيء منه إلى الباري.
ولقيت الشاب الغيور يوسف كانون، أحد أجلاء البحرين، وممن يتحبب إليهم
زويمر وقد أتحفه بنسخة من العهدين، فقال: وقد أعانتني قراءتهما على محاجة
زويمر معي في كثرة أزواج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فقلت: إنها لا تنافي
رسالته من الله تعالى، وهذا سفر صموئيل من التوراة ينطق بأن سليمان النبي عليه
السلام تزوج بمائة من النساء وأن داود عليه السلام تزوج بغير زوجته على وجه
غير وجيه، إلى آخر ما قال.
وكان شبان العرب يذكرون لي ما سنح في خواطرهم من الاعتراضات على
الأناجيل، وجاء بعضهم يومًا بنُسَخ من الإنجيل الموزع عليهم قد كتبوا على
هوامشها اعتراضات جمة. ولقد نهيتهم عن إحراقها إذ بلغني أن أكثر جهالهم
يأخذون نسخ العهود الموزعة عليهم ويحرقونها. أو يلقونها في البحر. ويبيعون
أغلفتها ويستعملون الأوراق لصنعة الكرتون أو سائر حوائجهم.
وبالجملة: إن نشر هؤلاء تلك الكتب بالمجان وشبهه تلقي خسارات باهظة
على كاهل جمعياتهم من دون فائدة، بل المرجح أن ذلك يعود عليهم بمضرة كبيرة
يصعب عليهم ملافاة أخطارها في المستقبل. وهي توجه أفكار المسلمين إلى إشاعة
ما في الأناجيل وإنكاره تمامًا، فهم - ما لم يقرؤوا الأناجيل - مذعنون حسبما
يظهر من قرآنهم المقدس (أن العهود كتب إلهية مسَّت يد التحريف بعضًا من آياتها)
ومتى اطلعوا على خوافيها نفروا من جميع ما فيها، وعرفوا مواضع الطعن منها.
أقول هذا ولا أظن المسيحي يعترف لي أو يصدقني لما ملأ قلبه من الشغف
بالإنجيل، ويزعم أن الناس كلهم يرون إنجيله مثلما يراه، كلا، ومن أنذر فقد
أعذر.
أخذ الإفرنج منذ سنين يوزعون الأسلحة النارية في بلاد العرب بالمجان
بعضًا وبأزهد الأثمان أخرى، يقصدون من ذلك إلقاء الفتن والقلاقل الداخلية فيقع
بأس المسلمين بينهم، ويمزق الإسلام أيدي أبنائه، ولقد تأكد ظنهم من فتنة اليمن
وما أشبه فخسروا في توزيع الأسلحة ثروة عظيمة.
ولما ظهرت صيحة طرابلس ونهض العرب كأسود ضارية يستعملون تلك
الأسلحة والسهام في نحور أعداء الإسلام - خابت ظنون الإفرنج وانتقضت سياستهم
فطفقوا الآن في مواني جزيرة العرب يشترون منهم بأثمان غالية تلك الأسلحة التي
فرقوها بينهم بأبخس الأثمان، فتضاعفت خسارتهم مرة أخرى {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} (النازعات: ١٢) .
وها أنا ذا أنذرهم - ولا يغني الإنذار - وأحذرهم من نشر كتبهم في
المسلمين؛ لأنهم في هذه الفكرة كالباحث عن حتفه بظلفه، يبصرونهم بمواضع
الطعن ويمكنونهم منها، ولسوف تراهم يشترون بأغلى القيم جميع الأناجيل التي
فرقوها فيهم بالمجان أو بقيمة زهيدة ويسعون في جمعها بكل وسيلة وحيلة، وتكون
خساراتها في حال جمعها أكثر من خساراتهم حال تفريقها، وتكون عاقبة أمرهم في
نشر أسلحتهم الدينية كأمرهم وخطأهم في نشر أسلحتهم النارية، ومن أنذر فقد أعذر.
... من (بطون الفلوات) ... ... ... ... سائح ناصح

(المنار)
إن هؤلاء القوم لا يبالون بزيادة نفور بعض من يرى كتبهم من دينهم ويكتفون
ممن يأخذون هذه الكتب بالأنس بهم واعتياد البحث عنهم والتشوف إلى سائر ما
ينشرونه ولو بقصد الاختبار والسخرية، وحينئذ يفتح لهم باب التشكيك في الإسلام
بنشر الكتب التي تطعن فيه، ولا يذكر فيها شيء من كتبهم، ومتى شك المسلم في
القرآن أو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كفر وبطلت ثقته بالإسلام، وهذا عند
الدول أول درجات الفتح السلمي بواسطة دعاة النصرانية. فالأولى للمسلمين أن لا
يأخذوا شيئًا من كتبهم ألبتة إلا من كان متصديًا للدفاع عن الإسلام والتفرقة بين
الحق والباطل، ومن أخذ منها شيئًا فلا كفارة لأخذه مثل إحراقه بالنار قبل أن يهوي
به إلى النار، وقد أخطأ السائح الفاضل بنهي الناس عن إحراق تلك الكتب التي
تثير الفتنة وتمزق شمل الأمة وتكون وسيلة للشك في الدين ولإزالة ملك
المسلمين.
وكما ينبغي إحراق تلك الكتب الضارة ينبغي أيضًا نشر الكتب التي تبين
حقيقة هذه النصرانية التي يدعوننا إليها؛ ليعلم المسلمون أنها أبعد الأديان عن دين
المسيح الصحيح، وعن دين بولس الذي ألفه باسم المسيح وأودعه هذه الكتب التي
يسمونها العهد الجديد. وليعلم أهل الصلاح والتقوى والغيرة الدينية من أهل
البحرين والكويت وسائر بلاد الخليج الفارسي وعمان والعراق أن نشر الكتب التي
تشكك الناس في القرآن والإسلام، ستزداد عامًا بعد عام، فعليهم أن يؤلفوا جمعية
للدفاع عن دينهم، يكون أول عملها مجاهدة هؤلاء الدعاة المبشرين بمثل ما
يجاهدون المسلمين به، بأن يكون أول عملها توزيع الكتب التي تبين حقيقة
النصرانية الحاضرة مجانًا في كل مكان وصلت إليه فتنة هؤلاء الدعاة، وأهمها هذه
الرسائل الجديدة التي ننشرها نحن وكتاب (العقائد الوثنية في الديانة النصرانية)
فهذه أنفع من كتاب الجواب الصحيح وكتاب إظهار الحق وأمثالها من المطولات التي
لا يفهمها حق الفهم إلا العلماء.
وليتذكر الشيخ مقبل الذكير والشيخ قاسم بن ثاني أن الأجر في نشر هذه الكتب
والرسائل صار في مثل تلك البلاد أفضل من طبع كتب الفقه والفتاوى والرد على
المبتدعة المتقدمين الذين انقرضت مذاهبهم وماتت بدعهم؛ لأن هذا يتعلق بحفظ
أصل العقيدة وكنه الإسلام. ثم يجب على الجمعية أن تغني المسلمين عن مدارس
دعاة النصرانية وتمنعهم من الدخول فيها بكل الوسائل الممكنة، وإلا ندموا حيث لا
ينفعهم الندم، ومن أنذر فقد أعذر، والسلام.