بقلم فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الظاهر أبو السمح إمام الحرم المكي
كانت مجلة المنار مجلة إصلاح إسلامي لا يجاريها في مضمارها مُجَارٍ، ولا يسبقها في حلبتها سابق، كانت تُعْنَى بتفسير القرآن الكريم وشرحه من السنة المحمدية على طريقة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده - رحمه بالله؛ فبعد أن تُقَرِّر المعنى تفضِي بما في الآيات من العبر، مقارنةً بين ما كان عليه المسلمون الأولون وتمسكهم بالقرآن وعملهم به، وما عليه مسلمو هذا الزمان، مهيبةً بهم، منذرةً لهم، مبينةً ما يحدثه المبتدعون في الدين من البدع، مجليةً شُبه الضلال والملحدين من الأمة بالأدلة الواضحة والحجج الساطعة، وكان صاحبها أستاذنا العلاّمة السيد رشيد - رحمه الله - لا يخشى في الحق لومة لائم ولا سطوة حاكم، ولا يجامل صديقًا، ولا يصانع عدوًّا، ولا يرعى غنيًّا لغناه، ولا فقيرًا لفقره، وكانت خاتمته الحسنى ما علمه الخاص والعام مما انتهى إليه تفسيره {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (يوسف: ١٠١) يا لها من خاتمة حسنى! وموقف جميل! لم يكن إلا بتوفيق من الله لعبد رضي الله عنه وتولاه، وأدخله في عباده الصالحين وأوليائه، ولما توفي السيد - رحمه الله - قلت وقال الناس معي: شعلة أطفئت وشمس توارت ... وكأن الحياة لمع سراب ووقف المنار , وتوارى عن الظهور وخلا الكرسي , ولم نجد من يملؤه بعده , ولا من يسد مسده ذبًّا عن الإسلام , ودرءًا لشبهات , وبيانًا لحقيقة الإسلام , حتى مضت ثلاث سنين أو أكثر ونحن ندعو الله أن يهب الإسلام مرشدًا رشيدًا يضيء النهج وليل الجهالات قاتم , وكأن الله سمع دعاءنا , فقيض لمجلة المنار من يبعثها بعثًا جديدًا، مصقعًا إذا خطب، مدرهًا إذا كتب، ذكي الفؤاد , قادرًا على حمل الأعباء، عالمًا ألمعيًّا وشجاعًا عبقريًّا , ذلك هو الأستاذ المرشد الجليل الشيخ حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين - حفظه الله، فنهنئه بهذا التوفيق، ونهنئ مجلة المنار وقراءها بتولي حضرته رياسة تحريرها , ونسأل الله له التوفيق والسداد والعون على القيام بها. وقد انتدبني حضرته للكتابة فيها بحسن ظنه، وما كنت لأخالفه، لولا أشغال كثيرة وأعمال متواصلة تستنفذ الوقت كله؛ ولكن لا بد من تلبية الطلب كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً بحول الله وقوته - وإن كنت مزجى البضاعة عاجز اليراعة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وسيكون موضوع كتابتي - إن شاء الله - الكتاب والسنة، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب. ... ... ... ... ... ... ... ... ... كتبه ... ... ... ... ... ... ... ... ... أبو السمح