من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في فلسطين لعمارة الحرم القدسي الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الإسراء: ١) . إلى إخواننا المسلمين في أقطار الأرض عامة نقدم هذه الدعوة الشاملة لنلفت أنظاركم إلى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين: المسجد الأقصى الذي بارك الله تعالى حوله وجعله آية من آياته الكبرى. وبعدُ؛ فإن الحرم الشريف المشتمل على مسجدي الأقصى المبارك، والصخرة الشريفة، وما يحتويان من المباني البديعة، والكنوز الفنية القيمة النادرة المثال - هو عُرْضَة لكارثة عظمى قد تأتي عليه اليوم أو غدًا لا يبقى منه إلا أثره (لا سمح الله) وذلك أن بنيانه المتين قد تصدع في بعض أقسامه المهمة كقبة الأقصى التي لم يخلق مثلها في البلاد نفاسة وبهاء وإتقانًا، فإنها آيلة للسقوط من جَرَّاءِ تأثير العوامل الطبيعية عليها كالمطر والشمس والثلج والأعاصير الشديدة التي نقبت ما يكنها من صفائح الرصاص، ونخرت ما قامت عليه من الأخشاب منذ زمن بعيد. وكذا قبة الصخرة الشريفة وأعمدتها وما يستر جوانبها من القيشاني الفاخر. وما يزينها من الفصوص المذهبة المنقطعة النظير، إلى غير ذلك مما يوشك أن ينهار من هذين المعبدين الجليلين اللذين تشد إليهما الرحال من أقصى المعمورة واستنزال روحانية الله تعالى ونبيه الكريم [١] صلى الله عليه وسلم في ظلهما {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} (النور: ٣٦-٣٧) . أما قيمته الفنية فحدِّث عنها ولا حرج، ويكفيك في بيان عظمتها تقاطر الناس لمشاهدتها من كل فج عميق فترى المشارقة والمغاربة والمسلمين وغير المسلمين يؤمونها زرافات ووحدانًا للتمتع برؤية أبدع ما وصل إليه السلف الصالح من الفنانين المسلمين في هندسة المباني وقدره حق قدره. ولقد أحس القائمون على الحرم الشريف بتصدع مبانيه قبيل الحرب الكبرى فقدر الخبيرون من المهندسين لترميمه بعد الكشف عليه نحو خمسة وثلاثين ألف جنيه، فحالت الظروف السيئة دون الشروع بذلك، وازداد التصدع إبان الحرب فقدر ما يلزم لعمارته إذ ذاك بنحو خمسة وسبعين ألف جنيه. ولما وضعت الحرب أوزارها وتألف المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى كشف على البناء ثالثة؛ فإذا به يحتاج لنحو مائة وخمسين ألف جنيه على أقل تعديل. فصرف المجلس همته للشروع في الترميم حالاً خوفاً من اتساع الخرق وتفاقم الخطر، ودعا لذلك الغرض أكبر رجال الفن لدرس الموضوع والمباشرة في العمارة فألف هيئة تحت رئاسة الأستاذ المعماري القدير كمال الدين بك الذي استدعي حالاً من دار الخلافة للقيام بهذا العمل الخطير، فلبى الطلب وشرع مع أعضاء هيئته بوضع الخطط اللازمة وطفق المجلس الإسلامي الأعلى يمده بما تصل إليه يده من فضلة أموال الأوقاف المحلية، غير أن مال الأوقاف في فلسطين قليل لا يكاد يكفي لعشر معشار ما يقتضيه مثل هذه العمارة العظيمة، فرأى المجلس الإسلامي أن يستصرخ جميع الأمم الإسلامية جماعات وأفرادًا لمد يد المعونة والاشتراك في حفظ هذا المكان المقدس الذي يعطف عليه ثلاثمائة مليون من البشر كلهم متساوون في احترامه وتقديسه والغيرة عليه من أن تصل إليه يد البلى والاندثار. فالبِدَار البِدَار معاشر إخواننا المسلمين إلى هذا العمل الصالح والمأثرة الحسنة، ولتجُد كل نفس بما تقدر عليه عاجلاً؛ إذ خير البر عاجله، واذكروا قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (التوبة: ١٨) وفقنا الله وإياكم جميعًا لعمل الخير وخير العمل، إنه سميع مجيب. الفقير إليه تعالى ... ... ... ... مفتي الديار المقدسة ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى ... ... ... ... ... ... ... محمد أمين الحسيني
(المنار) المسجد الأقصى الذي شرَّفه الله بذكره في كتابه كما شرفه بجعله البيت الثاني من بيوت عبادته التي سخر لوضعها ورفع قواعدها لأول مرة رسله الكرام، وجعلها إرثًا باقيًا لإقامة الإسلام، وقد بذل ملوك المسلمين في بنائه وتشييده ألوف الألوف من الدنانير، وأهرقوا في سبيل حفظه وحمايته دماء مئات الألوف من مجاهديهم، وقد أمسى الآن عُرْضَة للخراب فالذهاب من أيديهم، إذا لم يتداركوا أمره بالتعاون بينهم، ولا يخفى أن كل مساعد علي تجديد بنائه وحفظه يكون شريكًا في الأجر لمن سبقهم في ذلك من رسل الله تعالى والمجاهدين في سبيله من المؤمنين، وجديرًا بحسن الذكر بالحق في الآخرين، وأولى الناس بالسبق إلى ذلك أمراء المسلمين وملوكهم وكبار زعمائهم، وقد سبق ملك مصر إلى العطف على هذا العمل ووعد بمساعدته ومساعدة حكومته له، ولا غرو فمصر أولى بالسبق لما لهذا المسجد الشريف عليها من حق الجوار، ولما لها فيه من تالد الآثار، وكيف وهذا الأثر العظيم الذي تفتخر به المدنية العربية الإسلامية قد بني بمال مصر، إذ أُرصد له خراجها سبع سنين كما هو مُبَيَّن في الخلاصة التاريخية التالية، وستؤلف في مصر لجنة لجمع الإعانة تحت رعاية الملك. ومن بلغته هذه الدعوى في أي قطر من الأقطار ووفقه الله تعالى لإجابتها، فليرسل ما تجود به نفسه حوالة على إحدى المصارف المشهورة في القدس الشريف (فلسطين) أو في لندن باسم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في القدس محمد أمين الحسيني.