للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


حكمة تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

وهي الفتوى الثالثة الخاصة بنا في هذا المجلد
نشرنا في الجزء الماضي سؤالاً عن حكمة تعدد أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم، بإمضاء الباحثة الفاضلة (بهيجة ضيا) من طنطا , كان أجابها عنه الأستاذ
الشيخ محمود غراب وأرسلت إلينا جوابه؛ لنبين رأينا فيه، فنشرناه ووعدنا بالعود
إلى إبداء رأينا فيه بعد ما سبق لنا من بيان ذلك في المنار والتفسير فنقول:
إن ما أجاب به الأستاذ المذكور حسن , ولكن يتوقف تحقيقه من كل وجه على
العلم بتاريخ نزول آية حصر تعدد الأزواج في أربع , وآية تخيير الرسول صلى الله
عليه وسلم لأزواجه.
ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح أن التخيير كان سنة تسع من الهجرة، ولم نقف
على تاريخ نزول آية سورة النساء في التعدد، إلا أن المذكور في كتب المصاحف أن
سورة الأحزاب المشتملة على آية التخيير قد نزلت قبل سورة النساء، فإن كانت
سورة الأحزاب نزلت دفعة واحدة لكان التخيير وقع قبل تقييد التعدد بالأربع , وقد ورد
أن غيلان بن سلمة الثقفي لما أسلم كان عنده عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه
وسلم أن يختار منهن أربعًا، وكان إسلامه عند فتح الطائف بلده سنة ثمان من
الهجرة، وروي أن قيس بن الحارث أسلم وله ثمان نسوة؛ فأمره النبي صلى الله عليه
وسلم أن يمسك أربعًا منهن أيضًا، ولكننا لا نعرف سنة إسلامه، وكان آخر زواج له
صلى الله عليه وسلم هو زواج ميمونة في أواخر سنة سبع , وذلك بعد نزول سورة
النساء فيما يظهر.
وقد اتفق العلماء على خصائصه صلى الله عليه وسلم , وأن منها عدم التقييد
بالأربع , وذهب بعضهم إلى نسخ تحريم النساء عليه بعد اختيار أزواجه التسع له،
ولكن هذا ضعيف بالرغم من ترجيح بعض المتأخرين له، والتحقيق المختار أنها
محكمة , وأن الله تعالى حرم عليه أن يتزوج على نسائه التسع اللاتي خيرهن فاخترن
الله ورسوله , أو أن يستبدل بهن غيرهن بالطلاق كما يباح لغيره , وهذا قول ابن
عباس ومجاهد والضحاك وقتادة والحسن البصري وابن سيرين وأبي بكر بن
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وابن زيد وابن جرير. قاله في فتح البيان ورجح
غيره.
ومن أدلة الأول ما رواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي
حاتم , عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ
أَزْوَاجٍ} (الأحزاب: ٥٢) قال: (ذلك لو طلقهن لم يحل له أن يستبدل، وقد كان
ينكح بعدما نزلت هذه الآية ما شاء) قال: (ونزلت وتحته تسع نسوة , ثم تزوج بعد
أم حبيبة - رضي الله عنها - بنت أبي سفيان , وجويرية بنت الحارث. اهـ.
وأقول: إن هذا غلط , والرواية معلقة فيما يظهر؛ لأن التخيير كان سنة تسع
من الهجرة كما تقدم آنفًا، وكان تزوجه بجويرية بنت الحارث سنة خمس وبأم حبيبة
سنة ست , وقيل سبع , وهما من التسع اللاتي خيرهن كما رواه ابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة والحسن قالا: (وكان تحته تسع نسوة: خمس من
قريش عائشة، وحفصة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة
بنت أبي أمية , وأما الأربع الباقيات فهي: صفية بنت حيي الخيبرية، وميمونة بنت
الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجورية بنت الحارث من بني
المصطلق (قالا أو قال قتادة) : وبدأ بعائشة , فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة
رؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتابعن كلهن على ذلك، فلما
خيرهن واخترن الله ورسوله والدار الآخرة شكرهن الله على ذلك أن قال: {لاَ يَحِلُّ
لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} (الأحزاب:
٥٢) فقصره الله عليهن وهن القسم اللاتي اخترن الله ورسوله. اهـ.
وخبر التخيير والبدء بعائشة في الصحاح، وذكره البخاري في عدة مواضع.
وأما الشق الثاني من سؤال الباحثة الفاضلة (بهيجة ضيا) وهو السبب , أو
الحكمة في تزوجه صلى الله عليه وسلم بغير السيدة زينب بنت جحش المعروف سبب
زواجها بالنص , وهو ما لم يقل فيه الشيخ محمود الغراب شيئًا , فقد سبق لنا بيانه في
المجلد الخامس من المنار في تفسير آية النساء، من جزء التفسير الرابع , فنعيده مع
زيادة في الفائدة , فنقول: إن أول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد خديجة هي
سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية، وأمها الشموس بنت قيس
بن زيد الأنصارية من بني عدي ابن النجار، وهي من المؤمنات السابقات إلى الإيمان
المهاجرات الهاجرات لأهاليهم خوف الفتنة في دينها، توفي زوجها، وهو ابن عمها
بعد الرجوع من هجرة الحبشة الثانية، ولو رجعت إلى أهلها لعذبوها ليفتنوها عن
الإسلام كغيرها , فاختار صلى الله عليه وسلم كفالتها , وتزوج بها في مكة عام
الهجرة، وفي هذا الاختيار تأليف لبني عبد شمس أعدائه , وأعداء بني هاشم كلهم من
قبله، وتشريف لبني النجار أخوال عترته الهاشمية وأكرم أنصاره، وقد هاجر على
أثر بنائه بها إلى المدينة. روى عنها ابن عباس وغيره. وفي السنة الثانية من
الهجرة تزوج بعائشة بنت أبي بكر الصديق الأكبر , وأول من آمن به من الرجال،
وفداه بالنفس والمال، وصاحبه في الغار، ورفيقه الوحيد في الهجرة من الدار، ولم
يتزوج بِكْرًا غيرها، وكانت من أذكى البشر عقلاً، وأزكاهم نفسًا، وهي أكثر أمهات
المؤمنين وغيرهن روايةً وفقهًا في الدين.
وفي السنة الثالثة , وقيل الثانية: تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب وزيره
الثاني بعد أبي بكر، وأعز صحبه، ومظهر دينه، وكان عمر عرضها بعد وفاة
زوجها الأول على أبي بكر (رضي الله عنهما) , فعلم بذلك النبي صلى الله عليه
وسلم , فاختارها لنفسه؛ ليساوي بين وزيريه في تشريفهما بمصاهرته، ولم يكن من
الممكن أن يكافئهما في هذه الحياة الدنيا بأكبر من هذا الشرف , ويقابل ذلك إكرامه
لعثمان وعلي (رضي الله تعالى عنهما) بتزويجهما ببناته، وهؤلاء الأربعة أعظم
أصحابه في حياته، وخلفاؤه في إقامة دينه ونشر دعوته بعد وفاته , روى عن حفصة
أخوها عبد الله بن عمر وابنه حمزة وزوجه صفية وكثيرون.
وفي السنة الثالثة , وقيل الخامسة: تزوج زينب بنت جحش الأسدية , وهي
ابنة عمته أميمة , بعد أن زوجها بمولاه (عتيقه) زيد بن حارثة الذي كان تبناه في
الجاهلية , فلما حرم الله التبني في الإسلام، وأبطل كل ما كان يتعلق به من أحكام،
ومن أهمها: تحريم زوجة الدعي على متبنيه كحرمتها على والده , وكان العمل بإلغاء
هذه الأحكام شاقًّا على الأنفس , لا يسهل على الجمهور إلا إذا بدأ به من يشرف كل
كبير وصغير بالاقتداء به , فلا يعيره أحد , أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن
يزوج زيدًا بزينب هذه؛ لعلمه تعالى بأنهما لا يثبتان على هذه الزوجية؛ لأنها بطبعها
ونسبها تترفع عليه , وتسيء عشرته , ففعل , فاشتد الشقاق بينهما , فطلقها , فأنزل
الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ
فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} (الأحزاب: ٣٧) الآية.
ولشيخنا مقال طويل في هذه المسألة , ولنا مقال وضحناه فيه , وهما منشوران
في المجلد الرابع من المنار , ومع تفسير سورة الفاتحة الذي طبع مرارًا.
وفي سنة أربع تزوج بهند أم سلمة بنت أبي أمية المخزومية، وكان أبوها من
أجواد العرب المشهورين، وتزوجت ابن عمها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي وكان
من السابقين الأولين إلى الإسلام، أسلم بعد عشرة أنفس، وهو ابن عمة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، وكان أول من هاجر إلى الحبشة،
وكانت معه، وولدت له سلمة في أثناء ذلك , ثم عاد إلى مكة، ولما أراد الهجرة بها
إلى المدينة صدها قومها، وانتزعوها منه هي وابنها سلمة، ثم انتزع بنو عبد الأسد
آل زوجها ابنها سلمة من آلها بالقوة حتى خلعوا يده، فكانت كل يوم تخرج إلى الأبطح
تبكي، حتى شفع فيها شافع من قومها، فأعطوها ولدها، فرحَّلت بعيرًا، ووضعت
ابنها في حجرها، وهاجرت عليه؛ فكانت أول امرأة هاجرت إلى الحبشة، ثم كانت
أول ظعينة هاجرت إلى المدينة , وكانت تجل زوجها أيما إجلال، حتى إن أبا بكر
وعمر خطباها بعد وفاته من جرح أصابه في غزوة أحد، فلم تقبل، وعزاها النبي
صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: (سلي الله بأن يؤجرك في مصيبتك ويخلفك خيرًا)
فقالت: ومن يكون خيرًا من أبي سلمة؟ فلم ير لها - صلوات الله تعالى عليه وعلى
آله - عزاءً ولا كافلاً لها ولأولادها ترضاه غيره، ولما خطبها لنفسه اعتذرت بأنها
مسنة، وأم أيتام، وذات غيرة، فأجاب صلى الله عليه وسلم بأنه أكبر منها سنًّا،
وبأن الغيرة يذهبها الله تعالى، وبأن الأيتام إلى الله ورسوله , فالنسب الشريف،
والسبق إلى الإسلام، والمتانة فيه، وعلو الأخلاق، وكفالة الأيتام لمثل هذا البيت كل
منها سبب صحيح لاختيار صاحب الخلق العظيم المبعوث لإتمام مكارم الأخلاق لهذه
المرأة الفضلى، على أن لها فوق ذلك فضيلة أخرى هي جودة الفكر وصحة الرأي،
وحسبك من الشواهد على هذا استشارة النبي صلى الله عليه وسلم لها في أهم ما
أحزنه، وأهمه من أمر المسلمين في مدة البعثة، وما أشارت به عليه، ذاك أن
الصحابة رضي الله عنهم كان قد ساءهم صلح الحديبية الذي عقده صلى الله عليه وسلم
مع المشركين، على ترك الحرب عشر سنين بالشروط المعلومة التي تدل في ظاهرها
على أن المسلمين مغلوبون، ولم يكونوا بمغلوبين، وإنما حبه صلى الله عليه وسلم
للسلم، ولاختلاط المسلمين بالمشركين، وكان دونه خرط القتاد , كان من أثر هذا
الاستياء أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتحلل من عمرتهم بالحلق أو التقصير،
والعود إلى المدينة، فلم يمتثل أمره أحد، فلما استشارها رضي الله عنها في ذلك
وقال: (هلك الناس) هونت عليه الأمر وأشارت عليه بأن يخرج إليهم ويحلق
رأسه، وجزمت بأنهم لا يلبثون أن يقتدوا به، وكذلك كان.
وروى عنها كثيرون من الرجال والنساء، فهي تلي عائشة في كثرة الرواية.
وفي سنة خمس تزوج برة بنت الحارث سيد بني المصطلق وسماها جويرية،
وكان أبوها هو وقومه قد ساعدوا المشركين على المؤمنين في غزوة أحد سنة أربع ,
ثم بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجمع الجموع لقتاله؛ فخرج له , فالتقى الجمعان
في المريسيع وهو ماء لخزاعة , فأحاط بهم المسلمون , وأخذوهم أسرى بعد قتل
عشرة منهم , وكانت برة بنت سيدهم في الأسرى , فكاتب عليها من وقعت في سهمه ,
فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم , فتعرفت إليه بأنها بنت سيد قومها , وذكرت
بلاياها , واستعانته على كتابتها لتحرير نفسها فقال: (أو خير من ذلك؟ أؤدي عنك
كتابتك , وأتزوجك) ، قالت: نعم. ففعل، فقال المسلمون: أصهار رسول الله صلى
الله عليه وسلم. فأعتقوا جميع الأسرى والسبايا، فأسلموا كلهم، فكانت أعظم امرأة
بركة على قومها، وكان لهذا العمل أحسن التأثير في العرب كلها. وروي أن أباها
جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن بنتي لا يسبى مثلها، فخل سبيلها. فأمره
صلى الله عليه وسلم أن يخيرها، فسر بذلك، فخيرها؛ فاختارت الله ورسوله،
وكانت من أعبد أمهات المؤمنين، وروى عنها ابن عباس وجابر وابن عمر وعبيد بن
السباق وابن أختها الطفيل وغيرهم.
وفي سنة ست، تزوج صفية بنت حيي بن أخطب الإسرائيلية ذرية نبي الله
هارون أخي موسى عليهما السلام، كانت من بني النضير، وأسرت بعد قتل زوجها
في غزوة خيبر، فأخذها دحية في سهمه، فقال أهل الرأي من الصحابة: يا رسول
الله، إنها سيدة بني قريظة والنضير، لا تصلح إلا لك. فاستحسن رأيهم , وأبى أن
تذل هذه السيدة بالرق عند من تراه دونها , فاصطفاها , وأعتقها , وتزوجها، كراهة
لرق مثلها في نسبها وقومها، ووصل سببه ببني إسرائيل لعله يخفف مما كان من
عدواتهم له , وكان بلال قد مر بها وبابنة عم لها على قتلى اليهود , فصكت ابنة عمها
وجهها , وحثت عليه التراب , وهي تصيح وتبكي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(أنزعت الرحمة من قبلك حين تمر بالمرأتين على قتلاهما؟) رواه ابن إسحاق.
وفي حديث الترمذي: أن صفية بلغها أن عائشة وحفصة قالتا: نحن أكرم على رسول
الله منها. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ألا قلت: وكيف تكونان
خيرًا مني وزوجي محمد، وأبي هارون , وعمي موسى؟) ، روى عنها ابن أخيها ,
وموليان لها , وعلي بن الحسين بن علي وغيرهم.
وفي سنة ست , أو سبع , تزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الأموي أشد
أعدائه تأليبًا عليه وحربًا له صلى الله عليه وسلم , وكانت أسلمت بمكة , وهاجرت مع
زوجها عبد الله بن جحش إلى الحبشة , فتنصر زوجها هنالك , وفارقها , فأرسل
النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي , فخطبها له , وأصدقها عنه أربعمائة دينار
مع هدايا نفيسة , ولما عادت إلى المدينة بنى بها , ولما بلغ أبا سفيان الخبر قال: هو
الفحل لا يقدح أنفه. فهو لم ينكر كفاءته صلى الله عليه وسلم , بل افتخر به , ولكنه
ما زال يقاتله حتى يئس بفتح مكة , وكان من تأليفه صلى الله عليه وسلم له، أن قال
يوم الفتح: (من دخل المسجد الحرام فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن)
روى عنها ابنتها , وأخواها، وابن أخيها , وابن أختها , ومولياها , وآخرون.
وفي أواخر سنة سبع , تزوج ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية وكان
اسمها برة , فسماها ميمونة , وكان ذلك في إبان عمرة القضاء , وهي آخر أزواجه
أمهات المؤمنين زواجًا وموتًا , كما في بعض الروايات , وقد قالت فيها عائشة: (أما
إنها كانت من أتقانا لله , وأوصلنا للرحم) .
ولم أقف على سبب، ولا حكمة لتزوجه بها، ولكن ورد أن عمه العباس رغبه
فيها، وهي أخت زوجه لبابة الكبرى أم الفضل، وهو الذي عقد له عليها بإذنها.
روى عنها أبناء أخواتها، ومواليهم، وآخرون، أجلهم: ابن عباس، هذا،
وإنني قلت في أواخر الفتوى الأولى (سنة ١٣٢٠) ما نصه: وجملة الحكمة في
الجواب أنه صلى الله عليه وسلم راعى المصلحة في اختيار كل زوج من أزواجه -
عليهن الرضوان - في التشريع والتأديب، فجذب إليه كبار القبائل بمصاهرتهم،
وعلم اتباعه احترام النساء، وإكرام كرائمهن والعدل بينهن، وقرر الأحكام بذلك،
وترك من بعده تسع أمهات للمؤمنين يعلمن نساءهم من الأحكام ما يليق بهن مما ينبغي
أن يتعلمنه من النساء دون الرجال، ولو ترك واحدة فقط لما كانت تغني في الأمة غناء
التسع، ولو كان عليه السلام أراد بتعدد الزواج ما يريده الملوك والأمراء من التمتع
بالحلال فقط، لاختار حسان الأبكار على أولئك الثيبات المكتهلات (منهن) كما قال
لمن اختار ثيبًا: (هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك) وفي رواية زيادة (وتضاحكها
وتضاحكك) وهو من حديث جابر في الصحيحين. اهـ.
وأذكر القارئ بأن تعدد الزوجات في ذلك العصر كان من الضروريات؛ لكثرة
القتلى من الرجال، وحاجة نسائهم إلى من يكفلهن؛ لأن أكثر أهلهن من المشركين.