للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: عن مجلة الطان الفرنسية


المعارك الدينية في ألمانيا
بين طوائف البروتستانت
ترجمة كوكب الشرق عن الطان الفرنسية في ١٢ إبريل سنة ١٩٣٤
لا تزال المعارك الدينية تزداد خطورة بين الطوائف التابعة للكنيسة الإنجيلية
في ألمانية.
وقد اجتمع السينودس الإنجيلي الحر، وهو مؤلف من رجال الدين، ومن
التابعين قبلاً لثلاثين سنودس من ثلاثة وثلاثين سنودسيًّا، أعني من المصلحين
واللوثريين وأعضاء الكنيسة المتحدة، وهم من اللوثريين والمصلحين الذين انضموا
معًا في عهد حكم فردريك الأول، ووافق السنودس المشار إليه على إصدار منشور
جاء فيه ما يلي:
إن الأسباب التي أحدثت الاضطراب الشديد في الكنيسة الإنجيلية الألمانية
ترجع إلى الحملات التي أثيرت ضد معتقدات هذه الكنيسة، ويقع القائمون بالأمر
فيها في أغلاط تنافي ما جاء في الإنجيل المقدس.
ولم تعد لمجالس القساوسة ورجال الدين والسنودس الوطني سلطة روحية منذ
انتخابها في صيف ١٩٣٣، والروح التي تسيطر على هذه الهيئات الدينية وإرادتها
هي روح التدمير والهدم، حتى إن الأوامر التي صدرت في ٤ يناير و ٢٦ يناير
و٣ فبراير سنة ١٩٣٤ هي أوامر لا تتفق والعدالة ودستور رجال الدين.
ونحن نهيب إذًا بإخواننا وزملائنا من القساوسة ألا ينفذوا هذه الأوامر، ولا
يعملوا بها؛ لأنها ضد تعاليم الإنجيل المقدس، ونهيب بأبنائنا التابعين لنا
وبقساوستهم الذين عُزلوا من مناصبهم ظلمًا وعدوانًا ألا يأبهوا لهذه الأوامر، وأن
يحتفظوا بقساوستهم؛ لأن عصيان حكومة دينية تحكم بما يخالف كلام الله سبحانه
وتعالى يعد طاعة له جل جلاله.
وإذا علمنا أن الطاعة من القواعد الأساسية التي تتمسك بها الكنيسة البروسية
أدركنا أن هذه العبارات التي جاءت في المنشور هي عبارات تدل على الثورة
والعصيان والتمرد، ويُحْتَمَل أن الذين كتبوها يعتقدون بأنهم لا يشتغلون بالأمور
السياسية، ولا دخل لهم فيها، ولكن من المحال أن الحكومة الحالية في ألمانيا لا
تتهمهم بالوقوع في الخطأ، وتقف مكتوفة اليدين فلا تعمل بشدة ضد هذا القرار.
وقد وافق السنودس الحر على هذا المنشور، وكان مؤلفًا من ٣٢٠ قسيسًا من
المصلحين ينتمون إلى ١٢٧ أبروشية، ووافق اتحاد كنائس المصلحين في ألمانيا
بإجماع الآراء على هذا المنشور في ٥ يناير سنة ١٩٣٤، وصرح الاتحاد في
الوقت ذاته بأن الذين ينضمون إلى جماعة المسيحيين الألمانيين يعدون خارجين
على اتحاد كنائس المصلحين وغير تابعين له.
وفي ٢١ فبراير أنشأت الحكومة مكتبًا لرجال الدين للنظر في الشئون
الخارجية، وعينت الأسقف تيودور هيكل لإدارته، ومن أعمال هذا المكتب توثيق
العلاقات مع البروتستانت في البلاد الأجنبية، ومع الكنائس التي تصادقهم، وكذلك
توثيق العلاقات بين كنيسة بلاد الريخ، ودعاة الحركة المسكونية.
ومما لا ريب فيه أن جميع هاته القرارات كانت سببًا للنزاع الذي قَسَم الكنيسة
الإنجيلية في ألمانيا على نفسها، وجعلها شطرين.
ولم تمض ستة أيام على إصدار ذلك المنشور الذي أشرنا إليه حتى فاه الأسقف
هيكل بتصريح قال فيه: (إن منشور السنودس الحر عمل رجعي لا يتفق مع مبادئ
حكومة الرخ الثالثة، بل ينافي النظام ويتحدى سلطة الكنيسة الألمانية، وإن
المسيحيين الألمانيين لم ينفصلوا عن اتحاد الكنائس في ألمانيا، إلا لموقفه ضد
المذهب الوطني الاشتراكي لا لاختلاف في العقائد، ولا يغرب عن الأذهان أن
القساوسة ورجال الدين قد أكدوا ولاءهم وإخلاصهم للحكومة الحالية، وأنهم لا دخل
لهم في الشئون السياسية، فكان منشورهم هذا الذي أصدروه موضع دهشة في
الدوائر الدينية) .
وفي أول مارس الماضي عين أسقف حكومة الرخ رجال دين لم يشتركوا في
المعارك الدينية الأخيرة، وفي ٢ مارس تجددت الوسائل التي تقرر اتخاذها ضد
عمل البروتستانت، وإغرائهم الشبيبة الألمانية، فازدادت الحالة خطورة.
فانضمت إدارة كنيسة بروسيا وهي التي تعد أكبر إدارة كنسية في ألمانيا؛ إذ
يتبعها ١٨ مليونًا من الأنفس إلى كنيسة الرخ، وفي ٢٥ يناير استدعى المستشار
هتلر، يعاونه الهر جويرنج، والهر فريك وزير الداخلية مندوبي الكنائس، وبعد
اجتماع المستشار بهم صدر تصريح بعد يومين جاء فيه أن جميع زعماء الكنيسة قد
تضمنوا وانضموا إلى الأسقف ملر ووعدوه بتأييد سلطته.
وفي ٢ فبراير صرحت لجنة اتحاد المصلحين بأن التصريح الذي نشره
رؤساء الكنيسة بتضامنهم وانضمامهم إلى الأسقف ملر، ووعدهم بتأييد سلطته
يناقض ذلك التصريح الذي أذاعوه من قبل، وأرسلت اللجنة إلى زعماء الكنيسة
رسالة في ٣١ يناير قالت فيها:
(لقد اشتد تأثرنا، وحارت عقولنا في ذلك التصريح الذي أقدمتم على إذاعته
ولا يسعنا غير القول إنه يناقض أقوال الإنجيل المقدس، ولا يتفق مع تعاليم
الكنيسة) .
وبعد شهور قدم أسقف هامبورج استقالته من منصبه، واقتفى أثره جميع
رجال الدين في كنيسة هامبورج، وفازت حكومة الرخ ببغيتها وأصدر الأسقف ملر
أوامر بتعيين قساوسة آخرين، وعزل الذين لم يريدوا الخضوع له دون محاكمة أو
سؤال، وألغى استقلال كنيسة بروسيا وجعلها تابعة لكنيسة الرخ، وعدل دستور
الكنائس المتحدة , وأبطل حق السنودس العام في التشريع، وسن القوانين لمجامع
السنودس الفرعية في الأقاليم، وقد أصبحت حكومة الرخ قابضة على ناصية الحالة
الآن، أما المستقل ففي يد الله وحده) اهـ
(المنار) نشرنا هذه المقالة وما قبلها لأجل الرجوع إليها من أطوار هذا
الانقلاب الديني في هذا الشعب الجرماني، الذي هو أرقى شعوب أوربة، بل العالم
البشري كله في جميع العلوم الكونية وفنون الحضارة، فحكومته تحاول التفلت
والتفصي من هذه الديانة الملفقة المخالفة حقائق العلوم، وبدائه العقول على إحكام
عقلها، وشدة قيودها، ونظم كنائسها، وسعة ثروتها، وعصبية أساقفتها وقسوسها،
ونفوذهم المعنوي في الشعب، ولكن نفوذ حكومته النازية الجديدة أقوى وأعظم،
وقد سبقه مصطفى كمال فأطلق حكومته التركية دون الشعب من قيود الإسلام في
مرحلتين أو ثلاث، ولم يلق معارضة شديدة، والترك أعرق في التدين من الألمان؛
ولكنه ليس لهم نظام ديني إلا عند الخرافيين من رجال طرق المولوية وأمثالهم،
وسبقهما الشيوعيون فهدموا جميع الأديان من روسية كلها حكومتها وشعوبها.