للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


ترجمة الطبيب
محمد توفيق صدقي

نعي إلينا صديقنا الصفي الوفي الطبيب النطاسي محمد توفيق صدقي، ونحن
في دمشق الشام بعيدين عن إدارة المنار واشتغال عنها بأعمال المؤتمر السوري الذي
اختارنا لرياسته هنالك، فكتبنا للمنار نبذةً وجيزةً في تأبينه نشرت في الجزء الثامن
منه، ووعدنا بكتابة ترجمة مفصلة له، وبعد عودتنا إلى مصر اطلعنا على ترجمة
تاريخية له في العدد السادس من المجلة الطبية الذي صدر في شهر مايو سنة
١٩٢٠ فرأينا أن ننقلها في المنار، ثم نقفي عليها بما نعلم من ترجمته العلمية
الإصلاحية، وهذا نص ما نشر في المجلة الطبية:
المرحوم الدكتور محمد توفيق صدقي
(ننعي اليوم إلى أهل الأدب والطب سواءً رجلاً من أندر الرجال، وعالمًا
من العلماء الذين قضوا حياتهم في مزج الطب بالعلم الشرعي، وتطبيق المبادئ
الإسلامية على أصول العلم الحديث، ألا وهو المغفور له الدكتور محمد توفيق صدقي
الطبيب بمصلحة السجون بالقاهرة. ولد المرحوم في ٢٤ شوال سنة ١٢٩٨ هجرية
الموافق ١٩ سبتمبر سنة ١٨٨١ فلما بلغ أشده [١] دخل المكتب فاستظهر القرآن
الكريم، وذلك هو السر في ميله إلى الأبحاث الدينية، وتطبيقها على مبادئ العلوم
العصرية، وفي انطلاق لسانه وجري قلمه، فمن حفظ القرآن فقد وضع يده على
أعنة البيان، ثم دخل المدرسة الابتدائية، ونال إجازتها سنة ١٨٩٦، ثم دخل
المدارس الثانوية، ونال إجازتها عام ١٩٠٠، ثم دخل مدرسة الطب، ونال
إجازتها عام ١٩٠٤، وكان متقدمًا على أقرانه فاستحق أن تشكره وزارة المعارف
على اجتهاده بمكتوب خاص مؤرخ في ٢ يوليو سنة ١٩٠٤ فلما أن أتم دروسه
وتخلص من عناء الامتحانات انطلق كالجواد المصلي في أبحاثه، موليًا وجهه شطر
ما تشبعت به نفسه وامتلأ بحبه عقله وقلبه، وكان مجال الكتابة أمامه فسيحًا
فكان يكتب تارةً في المجلات العلمية كالمنار، وتارةً في الجرائد السيارة كالمؤيد
واللواء والشعب والعلم، وغيرها من أمهات الصحف اليومية، يضرب في كل
مبحث بسهم صائب حتى بلغ ما كتبه من المقالات والرسائل عددًا كبيرًا عدا
المؤلفات الممتعة، فمن مقالاته:
١- تحريم الخنزير ونجاسة الكلب.
٢- مقالات الدين في نظر العقل الصحيح.
٣- الناسخ والمنسوخ.
٤- الإسلام هو القرآن وحده.
٥- تاريخ المصاحف.
٦- كلمة في الرق في الإسلام.
٧- رسالة الخلاصة البرهانية على صحة الديانة الإسلامية.
٨- ماء النيل ومضاره.
٩- الربا ورأيي فيه.
١٠- الطلاق في الإسلام.
١١- بحث في تعدد الزوجات.
١٢- الماديون والإلهيون فلسفة صحيحة.
١٣- الإصلاح الإسلامي في جملة مقالات.
١٤- القرآن والعلم.
١٥- خوارق العادات في الإسلام.
١٦- حجاب المرأة في الإسلام.
١٧- نظرة في السماوات والأرض.
١٨- القرابين والضحايا في الأعياد.
١٩- سن الزواج بالفتيات.
وكثير غيرها من المقالات الخاصة بالديانات، ومن كتبه:
١- كتاب دين الله في كتب أنبيائه.
٢- الجزء الأول والثاني من دروس سنن الكائنات ألفه لمدرسة دار الدعوة
والإرشاد، وبالجملة فقد كان فقيدنا كاتبًا متفننًا يمزج العلم بالدين في أكثر كتاباته.
وأما ما تقلب فيه من الوظائف، فإنه عقب أن نال جائزة الطب في عام ١٩٠٤
تعين طبيبًا بمستشفى قصر العيني، ثم انتقل منه إلى وظيفة طبيب في سجن طره
في سنة ١٩٠٥، ورقي طبيب درجة أولى في سنة ١٩١١، وأنعم عليه بالنيشان
المجيدي الخامس سنة ١٩١٣، ثم نقل إلى سجن مصر ثم إلى إصلاحية الأحداث عام
١٩١٤، ثم مرض بالتيفوس، وكان مرضه شديد الوطأة عليه لم يمهله إلا أسبوعًا
حتى فارق الحياة الدنيا منتقلاً إلى جوار ربه في يوم الأربعاء من شهر إبريل سنة
١٩٢٠ الموافق اليوم الثاني من شهر شعبان المعظم سنة ١٣٣٨، فرحمه الله
وغفر ذنوبه) اهـ.

(المنار)
إننا نستغفر الله - تعالى - كل يوم مرارًا، أي: نسأله أن يغفر
ذنوبنا، ونعتقد أن كل بشر محتاج إلى مغفرة الله - تعالى - وعفوه، وإننا على
هذا الاستغفار والاعتقاد فقد استغربنا من المجلة الدعاء لهذا المترجم بالمغفرة بعد
الرحمة دون غيره ممن ذكرت خبر وفاتهم في هذا العدد من الأطباء، وهم أربعة
ختمت الكلام في تراجمهم الوجيزة بالدعاء لهم بالرحمة الواسعة، والدعاء بالمغفرة
للمترجَمين غير معهود في الجرائد والصحف، فكان هذا وما ذكر قبله من
التخصيص سببين للاستغراب، والمتبادر لنا أن القلم جرى بهذا التخصيص بغير
قصد فليس تعريضًا بأن المترجَم كان من المعروفين بارتكاب الذنوب، بل هو
معروف بالصلاح والتقوى، وممتاز بين الأطباء وغيرهم من أهل العصر بذلك.
***
سيرة الفقيد العلمية والإصلاحية
وشيء من سيرة تِربه الطبيب عبده إبراهيم
لا يعنى المنار بترجمة أحد من الموتى إلا إذا كان في ترجمته عبرةً في
الإصلاح الديني أو الاجتماعي، فهو لا يحفل بترجمة أرباب المناصب والمظاهر
الدينية ولا الدنيوية إذا خلت من هذه العبرة، وقد يهتم بسيرة من ليس له مظهر
كبير إذا كانت مشتملةً على ما يفيد القراء منها، وصديقنا الطبيب محمد توفيق
صدقي لم يكن من أصحاب المناصب الدنيوية، ولا من الخاملين المغمولين، بل
كان -رحمه الله تعالى - من طبقة الوسط التي هي خير الطبقات، وأهل الطبقة
العليا في المناصب والمظاهر الدنيوية يقل أن يوجد فيهم رجل من أولي الفضيلة
والإصلاح، وأقل هؤلاء من ارتقى إلى المناصب العالية بسيرته الإصلاحية،
كشيخنا الأستاذ الإمام.
كان الفقيد يقرأ المنار منذ كان تلميذًا في المدرسة الخديوية، وقراءة المنار هي
التي بعثت ما في فطرته من الاستعداد للبحث والنظر والاستدلال في العلم
والدين كما كان يقول، وكان صديقه ورفيقه في المدرسة عبده إبراهيم على شاكلته
في هذا الاستعداد، ولكنه لم يوفق للكتابة كصنوه الروحي وتربه صاحب الترجمة،
فلم يكن له آثار تكون له ترجمةً إصلاحيةً خاصةً، ولكنه كان مصلحًا في آدابه
وأخلاقه ومناظراته وسيرته في أهله ووطنه، ومن البر بهذين الأخوين الروحيين أن
نمزج سيرة أحدهما بسيرة الآخر.
كان أول ما كتبه محمد توفيق صدقي من المباحث الدينية العلمية مقالات
(الدين في نظر العقل الصحيح) التي نشرت في المجلد الثامن من المنار (ص
٣٣٠، و٤١٧، و٦٩٣، و١٣٢، و٧٧١) وقد علقنا عليها بعد الانتهاء من
نشرها هذه الجملة في (ص٧٨٢، و٧٨٣ م٨) .

(المنار)
السبب في كتابة هذه المقالات هو أن كاتبها كان يحب البحث عن كل ما
يعرض له من الشبهات على الدين، وهو تلميذ في مدرسة الطب، ولهذه الشبهات
مصدران: التعليم الجديد، ودعاة النصرانية الذين يعرضون لتلاميذ المدارس بأبلغ
مما يتصدون لغيرهم، وكان له رفيق في المدرسة اسمه عبده أفندي إبراهيم
عرفناهما منذ سنين إذ كانا يرجعان إلينا في بعض مباحثهما، ويعرضان علينا أهم
ما يشتبه عليهما كمسألة الروح، والبعث، وغير ذلك، وكنت أظن أنه لا يوجد في
مصر من يطلب العلوم الدينية لأجل الاقتناع والإذعان والقدرة على الإقناع والبيان،
إلا هذان التلميذان، وأحدهما مسلم والآخر قبطي، كانا يأخذان المسألة من
مسائل الاعتقاد فيدققان فيها النظر، ويتناصفان في المناظرة إلى أن يتفقا على أن
الحق فيها كذا، فما خرجا من المدرسة إلا وقد خرج المسلم من شكوكه في دينه،
ودخل القبطي في الإسلام البرهاني الصحيح. فهو المسلم على بصيرة تامة وفهم
لبراهين الدين وحكمه، ثبتنا الله وإياه.
وهذه المقالات هي صورة اعتقادهما الذي هداهما إليه ربهما بعد إطالة النظر
والاستدلال عدة سنين، وأكثر ما فيها من المسائل في الألوهية والنبوة وفهم القرآن
مقتبس من رسالة التوحيد للأستاذ الإمام، ومن التفسير المقتبس عنه في المنار، ومن
مقالات أخرى في المنار، لا تقليدًا بل اقتناعًا بالنظر والاستدلال، وللكاتب مسائل
كثيرة هداه إليها البحث والتنقيب ومراجعة كتب المسلمين والإفرنج لا سيما في رد
شبهاتهم كما رأيت، وهو يدعو من خالفه في شيء مما كتبه إلي المناظرة بشرط أن
يكون الحكم بينهما الدليل القطعي، وما هو إلا العقل والقرآن والسنة المتواترة؛ لأن
المقام مقام تأييد الاعتقاد، وهو لا يكون بأخبار الآحاد، ولا بتقليد الآباء والأجداد.
وكأني ببعض الشيوخ المقلدين، وقد أنكروا عليه بعض المسائل التي انفرد
بها، أو وافق بعض العلماء المخالفين للجمهور كمسألة ابن السبيل، ومسألة النسخ،
فالهَيِّن الليِّن منهم يعذره، والجامد المتعصب يغلظ عليه، وإن كان قد خرج بهذه
الطريقة من الشك إلى اليقين، وخرج صاحبه من النصرانية ودخل في الإسلام،
وإن تقاليدهم لتقصر عن ذلك، ولو راجعهم في شبهاتهم لما رجع إلا بالجحود
والإلحاد {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (الرعد: ٣٣) اهـ ما نشرناه يومئذ
في المنار (سنة ١٣٢٣) .
هذا ما نشر في المنار من مبدأ سيرة هذين الفرقدين منذ ١٥ حولاً، وإنني
أزيده إيضاحًا بما علمته منهما في ذلك العهد:
كان كل منهما قد عرض له الشك في دينه فلم يكونا موقنين ولا مكذبين،
والشك هو الذي حملهما على البحث والنظر على قاعدة أبي حامد الغزالي: من لم
يشك لم ينظر إلخ، ولكن ما كل من يشك ويتحير، يبحث وينظر، وما كل من
يبحث وينظر، يجدّ ويخلص ويثبت حتى يعلم ويوقن، وإنما ذلك شأن أصحاب الفِطر
السلمية، والأنفس الكريمة، وما أكثر من كان حول هذين التلميذين في مدرسة الطب
من التلاميذ الشاكين الراضين بشكهم وحيرتهم، التاركين للنظر والاستدلال حتى
انتهى بهم ذلك إلى التعطيل والإلحاد، ويحسبون أنهم في ذلك على علم، وإنما هم في
غمرة من الجهل.
بدأ ذانك التلميذان الفاضلان بحثهما فيما عرض لهما من الشبهات على أصول
الدين المطلق: - وهي الألوهية والرسالة والبعث - ثم جعلا من وقتهما مواعيد معينةً
للبحث في كل أصل من هذه الأصول فبدءا في مسألة وجود الخالق وتوحيده وصفاته،
وكانا يراجعان في ذلك بعض كتب الكلام، وبعض مباحثه في غير كتبه الخاصة
كتفسير الرازي , ويرجعان إلى كاتب هذه الترجمة و (صاحب المنار) فيما يشكل
عليهما فهمه أو تستعصي شبهته، فانتهى بهما البحث والنظر إلى الإيمان اليقيني
بوجود الله - تعالى - ووحدانيته واتصافه بصفات الكمال، وتنزهه عن كل نقص،
ثم شرعا في النظر والاستدلال على بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فرسالة
خاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكون القرآن كلام الله - تعالى - وعلى
البحث والجزاء، فثبت عندهما كل ما ذكر في زمن طويل.
ومما أتذكره من شبهاتهما وشذوذهما في أثناء البحث في مسألة الروح
والبعث أنهما كانا قبل أن أقنعتهما بوجود الروح للبشر مستقلة في وجودها، قد اقتنعا
بعقيدة البعث الجسدي فكان هذا من أغرب ما عرض لهما من الشذوذ.
وبعد أن صح إيمانهما نظرًا واستدلالاً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
بقي لهما شبهات مشكلة في بعض آيات القرآن لمخالفة بعض المباحث العلمية
والتاريخية لها فزالت بالتدريج، وأذكر أن المرحوم عبده إبراهيم جاءني مرةً وجلس
إلي في مكتبي، ثم أخرج المصحف الشريف من جيبه، وقال لي: إنني مستشكل في
آيات معدودات وضعت عليها علامات فأحببت عرضها عليك رجاء إزالة الإشكال،
ثم طفق يتلوها علي، وكلما تلا آيةً عرفت وجه استشكاله إياها، ففسرتها له بما يزيل
إشكاله ويقنعه، حتى إذا ما أتمها قال بصوت مؤثر منبعث من أعماق قلبه:
(أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله) .
وأخبرني أنه غير عازم على إثبات إسلامه في المحكمة الشرعية؛ لأنه مؤمن
مسلم لله لا لأجل شيء من المعاملات الدنيوية، ثم كان يخبرني بامتعاض والديه وذوي
القربى من إسلامه، ومناشدتهم إياه أن يظل كاتمًا له عن الناس، وبقي ذلك عدة
سنين، وكان بعد أن صار طبيبًا موظفًا يفيض على والديه وأهل بيته من راتبه،
ويواسيهم ويحسن من معاملتهم فوق ما يحسنون من معاملته، وأنه كان يقول لوالديه:
إن الله - تعالى - أمرني في القرآن بأن أصاحبكما بالمعروف، ولا أطيعكما في أمر
الدين بقوله: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} (لقمان: ١٥) ثم إنه بعد ذلك أظهر إسلامه وتزوج
فتاةً مسلمةً، ورزق منها أولادًا كان يحسن تربيتهما وتعليمهما.
وقد شرع بعد اطمئنانه بالإسلام في حفظ القرآن، ومطالبة نفسه بالعمل به،
والتخلق بأخلاقه وآدابه، ولم أر من أحد من أصدقائي ولا من تلاميذي، ولا
غيرهم مثله في ذلك، وقد جاءني مرةً متألمًا شاكيًا من نفسه فقال: إنني مؤمن إيمانًا
يقينيًّا ليس فيه زلزال ولا اضطراب، ولكنني أقرأ بصفات المؤمنين في القرآن
فلا أراني متصفًا بها كلها، فكيف يوجد الشيء وتتخلف عنه آثاره؟ إنني لفي حيرة
وغم من التفكر في هذا الأمر، وأرجو أن أجد عندك ما تزول به هذه الحيرة،
فأجبته جوابًا مفصلاً أرضاه وكشف غمته، خلاصته أن ما يتبع الإيمان من
صفات الكمال لا يحصل كله دفعةً عقب الإسلام، وإنما ينطبع الكثير منها في النفس
بالعمل الذي شرعه الإسلام من العبادات والآداب والمعاملات (قلت له) : فطالِب
نفسك بذلك تتربَّ عليه تربية إسلامية جديدة يساعدك عليها ما وهبك الله من سلامة
الفطرة وحسن النية.
هذا، وإن هذين الرجلين كانا يعملان بما يعلمان من أحكام الإسلام وفضائله،
وقد شرعا بعد الفراغ من مباحث العقائد يبحثان في الأحكام العملية بما جريا عليه
من الاستقلال في الاستدلال، ويرجعان إليّ فيما يعرض لهما من إشكال، وأذكر من
ذلك أنهما فهما من آية الوضوء في سورة المائدة أنه واجب لكل صلاة فكانا
يتوضآن لكل صلاة، على ما في ذلك من المشقة إلى أن أقنعتهما بأن ذلك غير واجب
وأن المتوضئ يصلي بوضوئه ما لم ينتقض بالحدث، وكنت أحيانًا أحيلهما في
بعض المسائل على مراجعة بعض الكتب فاقتنيا كثيرًا من الكتب الدينية، وكان
المترجَم أكثرهما اقتناءً للكتب ومطالعةً لها ومراجعةً فيها، حتى إنه اشترى مسند الإمام
أحمد، وناهيك بصعوبة المراجعة فيه على غير المحدث.
***
مقالات صاحب الترجمة وكتبه والرد عليه
مسألة أبوة آدم للبشر:
أول ما كتبه صاحب الترجمة في أصول الدين باستقلاله الذي مرن عليه
مقالات (الدين في نظر العقل الصحيح) كما قلنا آنفًا، وكنت أصحح له العبارة،
وأراجعه فيما أخطأ به من المسائل فيصحح ما اقتنع به دون غيره، وقد أنكر غير
واحد عليه في هذه المقالات ما ذهب إليه من القول بأن آدم ليس أبًا لجميع البشر،
وقد قال ذلك في رد شبهة مذهب (داروين) في أصول الأنواع، وكونه غير
منافٍ لأصل قطعي في الإسلام.
وهذه المسألة كان الأستاذ الإمام قد قررها في تفسير أول سورة النساء في
الجامع الأزهر , ولكن لم تكن نشرت في المنار عندما كتب صاحب الترجمة ما كتبه
فيها، ولا أذكر الآن أنه سمعها منه، ولكن يغلب على ظني أنني ذكرتها له بعد أن
كتب ما كتبه، ولا أذكر تفصيلاً في ذلك، وإنما أعلم أنني كنت أبحث معه في
بعض المسائل غير المنقحة، وتقدم ذكر ذلك.
لما راجعَنا قراء المنار في تخطئته في هذه المسألة قولاً وكتابةً أجبناهم في
باب الانتقاد على المنار (ص٩٢٠ م٨) من وجهين، أحدهما: أنه ليس من شأن
أصحاب الصحف أن يقرنوا رأيهم بكل ما ينشرونه لغيرهم، وثانيهما: أن الكاتب
ذكر ما ذكره في المسألة على تقدير ثبوت مذهب داروين ثبوتًا قطعيًّا، وهو غير
ثابت عنده الآن بل هو يقول إنه نظريات ظنية، وإنه إذا ثبت لا ينقض شيئًا من
نصوص القرآن، بل يمكن أن يؤخذ من القرآن ما يوافقه.
ثم كتبنا نبذةً أخرى في باب الانتقاد على المنار (ص٩٤٧ م٨) أجبنا فيها
عما كتبه بعض المنتقدين في الرد على صاحب الترجمة بقوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ
عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} (آل عمران: ٥٩) وببعض
الأحاديث، وقلنا في آخر هذا الجواب ما نصه: (ولا تنس أننا نؤمن بأن آدم خلق
من التراب، كما ورد بلا تأويل، وإنما التأويل لإلزام المعترض على الدين أو
إقناع المرتابين) .
ثم إن صاحب الترجمة كتب في المجلد الرابع عشر من المنار مقالاً عنوانه:
(كيف خلق الإنسان) بعد مقالات نشرها في بعض الصحف اليومية رد فيها على
مذهب داروين ردًَّا شديدًا قال فيه: إنه أورد عليه في بعض تلك المقالات احتمالات
تقوض أهم أركانه، وتدك أكبر أسس برهانه، حتى إن كبيرًا من أعظم
أنصاره في الشرق لم يقدر على الرد علينا - يعني: الدكتور شبلي شميل - (قال) :
وقد سألني بعض الإخوان قائلاً: إذا كنت تشك في صحة مذهب داروين فكيف
تفسر لنا علميًّا خلق الإنسان من طين؟ ثم سرد تلك الاحتمالات، وأتبعها بجواب
هذا السؤال (يراجع مقاله في ص٣٠٣ م١٤) .
(استطراد وجيز) : صرحنا غير مرة في المنار بأن مذهبنا في العقائد
وأصول الدين وكذا فروعه هو مذهب جمهور السلف الصالح، وأن ما نذكره أو
ننشره لنا أو لغيرنا من تفسير أو تأويل مخالف لمذهب السلف - فغرضنا منه إما
دفع شبهة عن الدين، وإما تقريب مسألة من مسائله لعقول بعض المرتابين؛ لأن
من يخالف مذهب السلف في بعض المسائل غير القطعية المعلومة من الدين
بالضرورة عن اجتهاد وتأول لا يعد مرتدًّا ولا متبعًا غير سبيل المؤمنين من بعد
ما تبين له الحق، وقد نشرنا في فتوى الكلام الإلهي وكون القرآن بعبارته منه
التي يراها القارئ قبل هذه الترجمة - كلامًا نفيسًا في عذر من أخطأ من العلماء
المتأولين بحسن النية وقصد خدمة الدين لشيخ الإسلام ابن تيمية (جزاه الله عن
هذه الأمة خيرًا) لم نر لأحد من العلماء الأعلام مثله في تحقيقه وحسنه، ونحن
نعتقد أن الأستاذ الإمام والطبيب محمد توفيق صدقي من طبقة أولئك العلماء الذين
كانوا ينصرون الإسلام ويدافعون عنه بمنتهى الإخلاص، ويحرصون على إثبات
دعوته، وإقناع المنكرين عليه بحقيته، ويردون الشبه عنه، تارةً بالدليل وأخرى
بالتأويل المعقول، وأنهم ممن يشملهم الحديث الصحيح الذي يثبت لمن اجتهد فأخطأ
أجر الاجتهاد، ولمن اجتهد فأصاب أجر الاجتهاد وأجر إصابة الحق؛ لأنه غير
خاص بالمجتهد المطلق الذي له مذهب خاص في جميع مسائل الخلاف، ونقول
فيهما ما أرشدنا شيخ الإسلام إلى أن نقوله في مثل الشيخ الأشعري والقاضي
الباقلاني، وغيرهم من العلماء المخلصين، وهما منهم على ما بينهما من التفاوت
في العلم {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ
لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (الحشر: ١٠) ونسأل الله - تعالى - أن
يجعلنا من المجتهدين المثابين، ويحشرنا في ذمرتهم يوم الدين.
ويذكر القراء أيضًا أن بعض الأزهريين قد نسبوا إلينا منذ سنتين مسألة إنكار
كون آدم أبًا لجميع البشر، وكفرونا بذلك في مقالات نشروها في الجرائد، ولم
يشركوا معنا في هذا الإنكار والتكفير الأستاذ الإمام، ولا الطبيب محمد توفيق
صدقي - رحمهما الله تعالى - فدل ذلك على أنهم قالوا ما قالوه اتباعًا للهوى، غفر
الله لنا ولهم.
***
مسألة الإسلام هو القرآن وحده
أكبر شذوذ وقع للمترجم - رحمه الله تعالى - وحاول إثباته والدفاع عنه هو
ما عرض له من الشبهة على كون السنة ليست من أصول الدين، والاقتناع مدةً من
الزمن بأن الإسلام هو القرآن وحده، فمن عمل به كان مسلمًا ولا يحتاج إلى معرفة
السنة؛ لأنها كانت شريعةً مؤقتةً، ولما عرض له ذلك واقتنع به هو وصديقه
الطبيب عبده إبراهيم -عفا الله عنهما- جاءاني كعادتهما وعرضاه علي،
وانبرى صاب الترجمة لبيان ما قام عنده من الأدلة عليه فأوردت عليه اعتراضات
كان يشتغل بالبحث فيها زمنًا، وإنني كنت أعلم أن هذا الرأي منتشر في كثير من
الأمصار التي يسكنها المسلمون، وأعلم أيضًا أن كثيرًا من المباحث الكبيرة التي
تختلف فيها الأنظار لا تتمحص إلا بالكتابة والمناظرة، فلهذين السببين ولتوفير
الوقت علي في تمحيص المسألة لصاحب الترجمة وصديقه بالمشافهة، اقترحت
عليه أن يكتب رأيه هذا لينشر في المنار، ويعرض على علماء مصر وسائر
الأقطار، وبينت له ما في الكتابة من خروج المسائل العلمية من حيز الإجمال إلى
حيز التفصيل، فكتب مقال (الإسلام هو القرآن وحده) ونشرناه في المجلد
التاسع من المنار (ص٥١٥ - ٥٢٤) وعلقنا عليه تعليقًا وجيزًا أشرنا فيه إلى
سبق بعض الباحثين له فيه، وإلى ما سبق من مذاكراتي فيه معه ومع تِربه وقرينه
الطبيب عبده إبراهيم، وإلى المراد بكتابته من عرضه على العلماء والباحثين، ثم
قلنا: (فنحن ندعو علماء الأزهر وغيرهم إلى بيان الحق في هذه المسألة بالدلائل،
ودفع ما عرض دونه من الشبهات، فإن المحافظة على الدين في هذه العصر لا تكون
بالنظر في شبهات الفلسفة اليونانية، أو شذوذ الفرق الإسلامية التي انقرضت
مذاهبها، وإنما تكون بإقناع المتعلمين من أهله بحقية الدين، ودفع ما يعرض لهم من
الشبهات على أصوله وفروعه الثابتة، وأهونها ما يعرض للمعتقدين المستمسكين،
ككاتب هذه المقالة، فإنني أعرفه سليم العقيدة مؤمنًا بالألوهية والرسالة على وفق ما
عليه جماعة المسلمين، مؤديًا للفريضة، وإنما كان إقناع مثله أهون على علماء
الدين؛ لأنه يعد النص الشرعي حجةً فلا يحتاج مناظره إلى إقناعه بالألوهية والرسالة
ليحتج عليه بنصوص الوحي) اهـ المراد من التعليق، وقد كتب هو أيضًا في أواخر
المقالة: (فهذه أفكاري في هذه المواضيع أعرضها على عقلاء المسلمين وعلمائهم،
وأرجو ممن يعتقد أنني في ضلال أن يرشدني إلى الحق، وإلا كان عند
الله آثمًا) .
***
رد الشيخ طه البشري على الدكتور
أول من تصدى للرد على هذه المقالة الشيخ طه البشري من علماء الأزهر،
وهو نجل المرحوم الشيخ سليم البشري الذي كان شيخ الجامع الأزهر، ورئيس
المعاهد العلمية الدينية بمصر في ذلك العهد، فكتب في ذلك مقالاً عنوانه:
(أصول الإسلام: الكتاب، السنة، الإجماع، القياس) نشر في المجلد التاسع نفسه
(من ص ٦٩٩ - ٧١١) ومقالاً عنوانه (الدين والعقل) نشر في (ص٧٧١ -
٧٨١ م ٩) .
وردَّ صاحب الترجمة على هذا الرد في رسالة عنوانها: (الإسلام هو القرآن
وحده - رد الرد) نشرت في المجلد نفسه (من ٩٠٦ - ٩٣٥) وعلقنا عليها
تعليقًا عنوانه في رؤوس الصحائف (الإسلام هو القرآن والسنة) (من ص٩٣٥ -
٩٣٠) فكان هذا التعليق مبينًا له الخطأ الأكبر الذي وقع فيه، وحاملاً له على
الرجوع عنه، فكتب قَولةً مختصرةً عنوانها: (أصول الإسلام - كلمة إنصاف
واعتراف) نشرت في (ص١٤٠) من المجلد العاشر صرح فيها بأنه ارتكب
الشطط، وأن الصواب ظهر له مما كتبه أستاذه صاحب المنار، ثم قال: (فأنا
أعترف بخطأي هذا على رؤوس الأشهاد، وأستغفر الله مما قلته أو كتبته في ذلك
وأسأله الصيانة عن الوقوع في مثل هذا الخطأ مرةً أخرى، وأصرح بأن اعتقادي
الذي ظهر لي من هذا البحث بعد طول التفكر والتدبر، هو أن الإسلام هو القرآن
وما أجمع عليه السلف والخلف من المسلمين عملاً واعتقادًا أنه دين واجب، وبعبارة
أخرى أن أصلَيْ الإسلام اللذين عليهما بُني، هما الكتاب والسنة النبوية بمعناها عند
السلف، أي: طريقته صلى الله عليه وسلم التي جرى عليها العمل في الدين)
وأستثني من ذلك السنن القولية غير المجمع عليها، وما كان له علاقة شديدة
بالأحوال الدنيوية (أي التي فوضها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس)
وعد منها بعض الحدود ومقادير زكاة المال والفطر، والأصناف التي تؤخذ منها،
ولكن بعض ما استثناه مجمع عليه، وهو إنما ينكر كونه من أصول الدين القطعية،
لا كونه منه مطلقًا.
ثم جاء رد مطول مفصل على مقالة (الإسلام هو القرآن وحده) بقلم الشيخ
صالح اليافعي من علماء العرب المقيمين في (حيدر آباد الدكن) في الهند، موضوعه
(السنن والأحاديث النبوية) نشر في المجلد الحادي عشر من المنار (ص١٤١،
و٢١٤، و٣٧١، و٤٥٤، و٥٢١) فرد المترجم على مباحث منه في ٣ مقالات
عنوانها: (كلمات في التواتر والنسخ وأخبار الآحاد والسنة) نشرت في هذا المجلد
(راجع م ١١ ص٥٩٤، و٦٨٨، و٧٧١) .
ثم رد الأستاذ اليافعي على هذا الرد في مقالات نشرت في المجلد الثاني عشر
(م ١٢: ص ١٢٥، و٢٠١، و٢٨٩، و٣٧١، و٤٤١، و٥٢١) وقال في
خاتمة هذا الرد عبارةً تدل على اهتمام العلماء في الهند بهذه المناظرة، وطلب منا
الحكم فيها فقال:
(هذا جواب ما كتبه الدكتور الفاضل بغاية الاختصار، وأنا أرجو حضرة
شيخ الإسلام أن يطبع ذلك في المنار الأغر، ولو دفعات متفرقة فإنه قد رغب فيه
كثير من قراء المنار، ومن ينظره بعين الاعتبار، وألتمس من حضرته أن يصلح
ما فيه الخطأ والزلل؛ لأني كتبته بعجلة بعد أن كنت أردت الإعراض عن
الجواب، ولكن إرضاءً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم للإخوان الكرام الذين
رغبوا في ذلك كتبت ذلك ارتجالاً، وألتمس من شيخ الإسلام أن يذكر ملخص رأيه
وكذلك ألتمس من علماء الإسلام - حفظهم الله وأيد بهم الدين - أن يتكلموا ولو
بالتصويب والتخطئة؛ فإن الزمان كما ترون أهله أول ما يبادرون إلى حب الخلاف
ولو لأضعف الشبهات) .
وإننا إجابةً للدعوة كتبنا في ذلك مقالاً في ذلك، عنوانه: (النسخ وأخبار
الآحاد) نشر في (ص ٦٩٣ - ٦٩٩) من ذلك المجلد (١٢) وبه انتهت هذه
المناظرة الطويلة التي شغلت عدة أجزاء من أربعة مجلدات من المنار في أربع
سنين، ثم أوضحنا مسألة السنة، وإفادة بعض أخبار الآحاد اليقين الشرعي اللغوي
وحررنا معنى اليقين والظن في المنار بما لم نطّلع على مثله لأحد، ولله الحمد.
ونقول: إن هذه المناظرة الطويلة كانت سببًا لاشتغال كثير من قرائها بعلم
السنة وأصول الدين، وقد سرى ذلك منهم إلى غيرهم فصار للسنة من الأنصار
في مصر وغيرها ما لم يكن لها من قبل، ولا يزال عددهم في نماء وازدياد،
ولله الحمد.
***
رد صاحب الترجمة على المبشرين
أشرنا في أول هذه الترجمة إلى أن دعاة النصرانية كانوا أحد الأسباب الباعثة
للمترجَم إلى البحث في الدين، الذي انتهى به إلى الانتقال من الشك إلى اليقين، ثم
إلى الدفاع عن الإسلام. كما انتهى هذا البحث بتِربه الدكتور عبده إبراهيم إلى
الإسلام البرهاني الإذعاني، والصلاح والإصلاح النفسي والاجتماعي. وقد كان
أهم ما كتبه المترجَم بقصد الدفاع عن الإسلام، الرد على أولئك الدعاة الذي حفزته
إليه مناظراته معهم، واطلاعه على كتبهم، وقد استعد لذلك بقراءة كثير من الكتب
الإنكليزية لطائفة العقليين من الإفرنج، وللملاحدة الذين ردوا على النصرانية.
ومقالات الفقيد في الرد على المبشرين لا يغني عنها أكبر الكتب المصنفة في الرد
عليهم ككتاب إظهار الحق، وقد جُرد بعضها من المنار وطبع في كتب مستقلة،
وأقواها وأوسعها ما نشر في المجلدين الخامس عشر والسادس عشر من المنار
كمقالة: (القرابين والضحايا في الإسلام) ومقالة: (الدين كله من القرآن)
ومقالات: (بشائر عيسى ومحمد في العهدين) وتراجع في (ص٢٨١،
و٣٥٢، و٤٢٧، و٤٩٤، و٥٨٦، و٦٥١، و٧٤٥، م ١٥) ورسالة (نظريتي
في قصة صلب المسيح وقيامته) وتراجع في ١١٣ و١٩٣ - ٢١٦ م ١٦،
و (نظرة في كتب العهدين وعقائد النصرانية) في المجلد السادس عشر
أيضًا.
وقد هاجت بعض مقالات هذه الرسالة المبشرين فتوسلوا إلى لورد كتشنر بأن
يوعز إلى الحكومة المصرية بإلغاء المنار ومنع صدوره منعًا أبديًّا، وبمحاكمة
منشئه والدكتور محمد توفيق صدقي، وقد كلمني في ذلك النائب العمومي في ذلك
العهد عبد الخالق ثروت باشا , وعهد إلي بأن أقابل رئيس الوزراء (محمد سعيد
باشا) أنا وصاحب الترجمة، فقابلناه وكلمَنا في المسألة، ونهى المترجَم أن يعود
إلى كتابة مثل تلك المقالة المستنكَرة في شدة طعنها، وكَلَّمنا في وجوب تخفيف لهجة
المنار في الرد كما يراه القارئ في آخر المجلد السادس عشر (ص ٩٥٨) .
ولما أنشأنا مدرسة دار الدعوة والإرشاد عهدنا إلى صاحب الترجمة بإلقاء
دروس سنن الكائنات وحفظ الصحة، فيها معتقدين أنه لا يوجد في مصر طبيب
ولا عالم عصري يقدر على أداء هذه الدروس بشرط برنامج المدرسة غيره، فقام
بالأمر خير قيام، ونقح هو ما كتبه بعض طلبة المدرسة من تلك الدروس، ونشرت
في المنار، ثم طبع بعضها في جزئين.
وجملة القول أن الطبيب محمد توفيق صدقي - رحمه الله تعالى - كان ركنًا
من أركان العلم والإصلاح في مصر، ولم نجد صديقًا لنا ولا تلميذًا في مصر
ولا غيرها خدم المنار وكان له مساعدةً ثمينةً في تحريره غيره، وقد كان محسنًا
شكورًا يذكر دائمًا مِنة المنار وصاحبه عليه، ونحن نعترف بأن منته علينا أكبر،
فقد كان فوق إخلاصه في صداقته ومساعدته القلمية للمنار طبيب بيتنا، وفضله
كبير على أولادنا، فرحمه الله - تعالى - وجزاه أفضل الجزاء عنا وعن نفسه
ودينه وأمته.