للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأسئلة والأجوبة
صخرة بيت المقدس
(س١) : السيد أحمد منصور الباز بطوخ القراموص:
ما رأي سيادتكم في الصخرة الموجودة ببيت المقدس هل هي مرفوعة في
الهواء كما يزعم بعضهم وهل رفْعها كان معجزة للنبي؟ نرجوكم إظهار الحقيقة
ورفع الّلبس.
(ج) : إننا قد زرنا المسجد الأقصى ورأينا الصخرة وعرفنا منشأ الشبهة في
أقاويل الناس فيها، على أنها ليست مرفوعة في الهواء. ذلك أن الداخل في الحرم
يرى في صحنه الفسيح بناءً مرتفعًا يصعد إليه بالسلالم وسطح هذا البناء الواسع
مرصوف بالبلاط وفيه قباب أعظمها وأكبرها وأكثرها زخرفا قبة الصخرة وبالقرب
منها قبة يسمونها قبة المعراج يقولون إن النبي e عرج منها، والصخرة موضوعة
في قبتها وقد جعلت سقفًا لمغارة صناعية تحتها لها باب ينزل إليه بسلم قصير. فهم
يقولون إن الصخرة كانت في الهواء حيث هي الآن، وإن الناس بنوا تحتها هذا
البناء ووصلوه بها، وشبهتهم أن الصخرة مرتفعة عن أرض الحرم التي هي الآن
سطح الحرم الأصلي الذي تحت الأرض. وفاتهم أن رفع الصخرة من أرض الحرم
الذي في الأرض أو سطحه الذي هو صحن المسجد لهذا العهد متيسر للإنسان ويوجد
له نظائر في مباني الغابرين والحاضرين.
***
حجارة الوقود بجوار الكليم
(س٢) : ومنه هل في الحجارة التي بجوار سيدنا موسى معجزة له أن تكون
وقودًا في تلك الأرض وإذا نقلت منها تكون كسائر الحجارة لا تشتعل؟
(ج) : إنه لا يوجد في الدنيا حجارة تشتعل تكون وقودًا إلا بسبب طبيعي
ولا معنى لهذه المعجزة الآن والناس متَّهَمون جميعًا بنقل الغرائب فيجب التحري
التام فيما ينقلون منها فمن تحرى عَلِمَ ومن لم يتحرَّ وهم.
***
شمهورش قاضي الجن
(س٣) السيد حسين السبلجي بمصر: يزعمون أنه كان للجن قاضٍ يقال له
شمهورش وأنه كان يتلقى العلوم بالأزهر وكان يحضر دروس الشيخ الباجوري
ويسأله عن بعض المسائل التي تشكل عليه على مرأى من الناس ومسمع، وقد
حضرت مناظرة في ذلك بين فريقين منكر ومصدق، فأبى المصدق أن يرجع إلا
بفتوى دينية وهي ما ننتظره من المنار الأنور.
(ج) : إن الجن من العوالم الغيبية واسمهم يدل على خفائهم واستتارهم وقال
الله في إبليس وهو من الجن: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} (الأعراف: ٢٧) وقد نقل عن الإمام الشافعي تشديد عظيم على من يدعي رؤيتهم
حتى قيل أنه أفتى بكفره لهذه الآية. وقد اختلف النقل عن الصحابة في رؤية النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لهم، فروي عن ابن مسعود أنه رآهم، وروي عن ابن
عباس أنه لم يرهم، وأنه لو رآهم لما قال الله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ
نَفَرٌ مِّنَ الجِنِّ} (الجن: ١) وقال بعض العلماء: إن ابن عباس قال بما يدل عليه
القرآن وابن مسعود قال بما ثبت عنده ولا منافاة بينهما.
وادَّعى بعضهم أن رؤيتهم تكون كرامة للأولياء وسيأتي البحث فيه في موضعه
من مقالات الخوارق والكرامات ولكن لم يقل أحد من المسلمين ولا من غيرهم: إن
الجن يظهرون ويسألون العلماء على مرأى من الناس ومسمع. وإن للناس من
الحكايات عن الجن في كل قطر وكل شعب ما يكاد يصل بهم إلى حد الجنون. والله
يعلم إنهم لكاذبون.
***
الدليل على وجود الجن
(س٤) بكير بن سماية بالجزائر: هل يوجد دليل على وجود الجن؟
(ج) إن وجود أي شيء من الموجدات لا يعرف بالأدلة العقلية وإنما يعرف
بالحس أو بالخبر الصادق، فإننا نعتقد بوجود كثير من الحيوانات والنباتات والمعادن
ولم نرها. أما العقل فإنه يدلنا مع الاختبار بأن في هذا الكون موجودات كثيرة لا
نعرفها وترون في أصغر الكتب الطبيعية (كالنقش في الحجر) للدكتور فانديك أن في
هذا الكون عوالم لا نعرفها لأنها لا تدرَك بحواسنا هذه ولو خلق لنا حواس غيرها
لأدركنا ما لا ندركه الآن.
الجن عالم خفي أو غيبي أخبرنا بوجوده الأنبياء المؤيدون من خالق الكون
بالوحي والإلهام فوجب التصديق بذلك. وإننا نرى الاعتقاد بوجودهم فاشيًا في جميع
الأمم والشعوب الهمجية والممدنة الوثنية والموحدة والملحدة. وإننا نعد من نوع الجن
هذه الأحياء الصغيرة التي لا ترى إلا بالنظارات المكبرة فاللفظ اللغوي (جن)
يتناولها وفي الحديث القائل بأن الطاعون من وخز الجن ما يدل على ذلك والله أعلم.
***
الإيمان بخاتم النبيين
(س٥) عبد الحميد أفندي نجيب بنيابة الزقازيق: هل يكون إيمان المسلم
صحيحًا إذا اعتقد أن رحمة الله تعالى لا تسع مَن لا يؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه
وسلم ومات على ذلك وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء: ٤٨) وقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (الأعراف: ١٥٦) .
(ج) إن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء حتى المشركين فإنهم إنما يعيشون
برحمته ويتمتعون بفضله ومن رحمته بالعالمين أن أرسل إليهم خاتم النبيين يعلمهم
الكتاب والحكمة ويزكيهم. ولا توجد طريقة لترقية الروح وتزكيتها تزكية تستوجب
بها الرحمة الخاصة في الآخرة إلا شريعته وملته ولذلك قال عز وجل - بعد بيان أن
رحمته وسعت كل شيء -: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا
يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ} (الأعراف: ١٥٦-١٥٧) الآية.
فمن بلغته دعوة هذا النبي الكريم على وجهها وأعرض عنها فلا يعتد بإيمانه.
ولكن إذا بلغته على غير وجهها أو نظر بإخلاص وبحث فلم يظهر له صدقها فهو
معذور وتقدَّم بسط هذا المعنى في (المنار) غير مرة.
***
ترجمة القرآن
(س٦) رضاء الدين أفندي قاضي وعضو الجمعية الشرعية في أوفا
(الروسية) : نشكر لكم بما لا مزيد عليه ما كتبتم في المنار جوابًا عن سؤالي في
مسألة حدوث العالم فإنا طالعناه مع الأحباب والعلماء الكرام بمزيد الشوق وعجبنا من
سعة اطلاعكم وبتبحركم في الفنون. ثم إني أعرض على حضرتكم سؤالاً آخر وهو:
هل يجوز ترجمة القرآن الشريف إلى اللغات الأعجمية كالفارسية والتركية
وغيرهما؟ ونسمع أن بعض الهند نقله إلى لغة الأوردو فهل ذلك صحيح وما حكم
الشريعة في ذلك؟ نرجو من حضرتكم الجواب في أحد أعداد المنار لتكون الفائدة
عامة لنا ولغيرنا.
(ج) إن هذا القرآن عربي {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِياًّ لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ
آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (فصلت: ٤٤) ومن مقاصد الإسلام العالية جمع البشر
على دين واحد ولغة واحدة لتكمل وحدتهم. وتتحقق أخوتهم. وقد بينا هذه الحكمة
من قبل ولا سبيل إليها إلا بتحتيم بقائه عربيًّا. وأن بقاءه عربيًّا داخل في معنى حفظ
الله له. فترجمته غير جائزة وغير متيسرة فإنه معجز في بلاغته وتأديته للمعاني
ولن يستطيع أن يترجمه إلا من يصل إلى درجة الإعجاز في اللغة التي يحاول نقله
إليها ويكون مع هذا في فهم الأساليب العربية منقطع القرين، وفي فهم الإسلام
ومعرفة حقائقه آية في العالمين، كلا إنني موقن بأن ترجمة القرآن مستحيلة ولا
يوجد في البشر من يستطيع أن ينقله إلى لغة أخرى بحيث يَفهم قارئ الترجمة كل ما
يمكن أن يفهم من القرآن العربي المبين، وإن من أكبر الجرائم والجناية على
الدين أن يحاول المسلمون هذا الأمر فيكون عند التركي قرآن تركي وعند الفارسي
قرآن فارسي وهلم جرّا. وقد عثر بعض العلماء فقال بجواز القراءة بالفارسية لمن
عجز عن العربية ولكن طبيعة الإسلام لفظت هذا القول وتركته كالشيء اللقا، ولم
يعمل به أحد من المسلمين، مع احترام قائله؛ لأنه لم يكن سيئ القصد. ولو أخذ
الناس بهذا القول لما انتشرت اللغة العربية في الأقطار الإسلامية ولصدم الإسلام
صدمة أرجعته إلى جزيرة العرب وحبسته فيها.
أقول هذا على تقدير أن المراد من السؤال ترجمة القرآن وحسبان الترجمة
قرآنًا باعتبار أن العبرة بالمعاني كما قال بعض العلماء والاكتفاء بذلك. وأما إذا
ترجم شيء من القرآن بقصد جعله وسيلة للدعوة إلى الإسلام فلا بأس بذلك، لا سيما
إذا كان من تُراد دعوتهم كالإفرنج الذين يبحثون عن أصول الأديان ولا يكتفون
بعرض آراء علمائها عليهم لأنهم يعتقدون أن علماء كل دين تصرفوا فيه باجتهادهم
أو بأهوائهم. ومن يترجم القرآن بعضه أو كله لهذا الغرض فعليه أن يبين في مقدمة
الترجمة أنه نقل إلى لغة كذا ما فهمه هو من القرآن إن كان يعتمد على فهمه أو ما
فهمه فلان المفسر ويذكر من اعتمد على تفسيره، وإذا اعتمد على غير واحد من
المفسرين فليذكر أسماءهم وإذا أشار في هامش الترجمة إلى عزو كل قول إلى قائله
فذلك أفضل وأكمل.
وحسب المسلمين من الأعجمين تقصيرًا في حق القرآن أن فسروه بلغاتهم وكان
الواجب عليهم أن يجتهدوا في تعميم اللغة العربية ويفهموه بالعبارة العربية التي أنزل
بها. ولولا الصدمات السياسية التي صدمت الإسلام لظل أهل فارس ومن يجاورهم
إلى هذا الزمن ينطقون بالعربية كما كانوا في القرون الأولى للإسلام، بل لكانت بلاد
الهند والأفغان والترك وجزء عظيم من بلاد الصين كبلاد سوريا ومصر لهذا العهد
ولكان في ذلك للإسلام سياج من الوحدة لا يخرق. وإذا لم يسع المصلحون في تلك
البلاد وأمثالها بتعميم اللغة العربية فما هم بمصلحين ولا عاملين للإسلام. وليعلموا
أن اعتصامهم بالجنسية اللغوية لا يمنعهم من ابتلاع أوربا لهم في يوم من الأيام، أما
ترجمة أحد علماء الهند القرآن بلسان الأوردو فلم نسمع به ونرجو من قراء المنار
في الهند إعلامنا بالحقيقة.