للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


العالم الغربي والعرب والإسلام
(٢)

وماذا يقول الإنسان وماذا عساه أن يباحث أو يناظر لا يخجلون أن يقولوا:
إن الأوربيين بقوا أصدقاء للمسلمين ثلاثة قرون، وأنهم ما ثاروا للحرب الصليبية
إلا بسبب الأتراك، بما تعدوا به على أمم البلقان وعلى شواطئ الإدرياتيك.
مرارًا تمنينا أن الذي لا يعلم شيئًا لا يتشدق به، ومرارًا أملنا أن الذي يرى
نفسه مخطئًا يتجنب الخوض فيما لا يعرفه، إن القارئ ليرثي لهذا القول ولهذا
القائل، وأحيانًا يغلب عليه الضحك، فإنه عندما زحف الأوربيون إلى سورية
وفلسطين لم يكن فيهما أتراك، وما كان الترك إلا في قونية وإن كان الترك حاربوا
الصليبيين في قونية وأنهكوهم نوعًا، فتكون تلك منهم خدمة للعرب الذين كانوا
يومئذ هدفًا للصليبيين، وكان هؤلاء زاحفين إليهم، فإن الصليبيين كانوا قاصدين
القدس والشام والحجاز ومصر لا قونية التي لم يكن لهم شغل بها، والقدس
والشام ومصر والحجاز لم تكن تركية بل عربية، ثم لما قصدوا مصر لم تكن مصر
للأتراك، ثم لما قصدوا تونس في زمان مارلويس لم تكن تونس للأتراك، ثم لما
قصدوها وأخذوها في زمن شارلكان لم تكن للأتراك، ولما استولوا على وهران
وأكثر سواحل مراكش لم يكن شيء من ذلك للأتراك، ولما قصد البرتغاليون
زنجبار في القرن الخامس عشر، وأزالوا منها ملك العرب ثم عمان واستولوا عليها
لم يكن ثمة أتراك، ولما تحالفوا مع الحبشة وقصدوا محاربة مصر وتحويل النيل
الأزرق عن مصر لم تكن مصر للأتراك، وجميع الحروب التي قد وقعت بين
الإفرنج وعرب الأندلس وممالك المغرب لم يكن شيء منها بسبب الأتراك، ولا كان
هناك أتراك، ومما يقهقه له الإنسان من الضحك؛ كون الإفرنج غضبوا على
المسلمين وحاربوهم؛ لكون المسلمين كانوا يُصلون لانتصار الأتراك.. . وانظر
إلى هذه الجملة وتأمل ما فيها من الادعاء مع خلو معناها التام من الصحة وهي هذه.
(إن التاريخ يوضح بما لا يحتمل التأويل ولا يقبل الشك ولا يجوز معه
الجدل ولا نسوغ فيه مناقشة أن العالم الغربي (أي أوربا) بقي ملازمًا صداقة
المسلمين نحو ثلاثة قرون بعد انتصار صلاح الدين الأيوبي الشهير عليه، إلى أن
قام الأتراك وتعديهم عليه تباعًا في سهول البلقان وعلى الشاطئ الأدرياتيكي؛ مما
حرك فيه عامل الانتقام لزعمه؛ وقد يكون زعمه حقيقة أن العالم الإسلامي راضٍ
عن أعمال الأتراك هذه طالما مئات ملايين تصلي لله سرًّا وعلانية؛ كي ينصر
الترك المسلمين على أعداء دينهم) انتهى بنصه الشائق.
ولا يعلم الإنسان ماذا يصلح وماذا يصحح من الأغلاط في هذه الجملة التي
يظهر أنها قرئت في كتاب إنكليزي، فعربت بهذه الصورة، واتخذت حجة،
وظنت آية منزلة، وصارت لا تقبل الشك، ولا تحتمل التأويل.. نقول:
أولاً - عندما قصد الإفرنج الشرق إنما كان مقصدهم بلاد العرب ولم يكن
حينئذ بها أتراك.
ثانيًا - اعتدى الإفرنج على مصر وجزيرة العرب وطرابلس وتونس
والجزائر والقطر المراكشي وعرب الأندلس حينما لم يكن فيها أتراك، ولا لها
علاقة بالأتراك كما قلنا.
ثالثاً - عندما زحف الإفرنج في الصليبية الأولى (سنة ١٠٩٩) إلى بيت
المقدس لم يكن الأتراك وصلوا إلى سهول البلقان تباعًا ولا إلى الشاطئ الأدرياتيكي
حتى يقال: إن العالم الغربي انتقم من غارات الأتراك في سهول البلقان والشاطئ
الأدرياتيكي بالاعتداء على العرب في القدس والشام ومصر، فإن الإفرنج زحفوا
إلى سورية وفلسطين في القرن الحادي عشر، وأن الأتراك زحفوا على سهول
البلقان والساحل الأدرياتيكي في أواخر القرن الرابع عشر، فبمقتضى هذه العبارة
يكون الإفرنج انتقموا من العرب في بلاد العرب عن أعمال عملها الترك معهم تباعًا
في سهول البلقان والساحل الأدرياتيكي، قبل وقوعها بأربعة قرون ونصف، وهل
تظن أن المكابر يعدل عن عناده ولو ظهر له هذا الجهل الفاضح ممن نقل عنه
وصدق كلامه؟ كلا قد جربنا ذلك من قبل فلم يزل الذي يعرف بما لا يعرف مصرًّا
على خطئه.
رابعًا - كيف بقي العالم الغربي ملازمًا صداقة المسلمين نحو ثلاثة قرون بعد
انتصار صلاح الدين عليه، وصلاح الدين انتصر على الإفرنج سنة ١١٩٢، وبعد
ذلك جرت الصليبية الثالثة التي كانت أشد الصليبيات، وبقيت الحرب فيها على
عكا سنتين ثم عقبتها الصليبية الرابعة سنة ١٢٠٤، ثم الصليبية الخامسة سنة
١٢٢١، ثم الصليبية السادسة سنة ١٢٢٩، ثم الصليبية السابعة سنة ١٢٥٢ التي
غزوا فيها دمياط، ثم الصليبية الثامنة سنة ١٢٧٠ في زمن لويس التاسع وفيها
غزوا مصر، وأُسر فيها مارلويس وبعد أن فدى نفسه عاد فغزا تونس، ومات في
حصارها.
فهذه كلها حروب اعتداء في اعتداء على المسلمين، لا سيما على العرب
الذين ذاقوا فيها من الأهوال والنكبات ما لا يوصف، وكلها من بعد صلاح الدين
وضمن ثلاثة قرون (الصداقة) التي زعمها صاحب تلك الجملة المعربة، فإن
كانت هذه هي الصداقة فيكف تكون العداوة يا تُرى؟ ثم بعد تلك القرون الثلاثة
حروب أخرى تقدم ذكرها لم يكن فيها أدنى رائحة للأتراك، وإنما اضطر عرب
المغرب بتوالي تعدي الإفرنج عليهم إلى استنجاد الأتراك، الذين استخلصوا تونس
والجزائر ووهران في زمن سليمان القانوني، كما أن سواحل مراكش استخلصها
من البرتغال مولاي إسماعيل سلطان قابوس العظيم جد الأسرة السلجماسية، على
أنه من الحقائق التاريخية أن الذي زاد رابطة العرب بالأتراك هو ما رأوه فيما بعد
من جهاد الأتراك في دفع الإفرنج عن البلاد العربية، فالإفرنج هم الذين أحوجوا
العرب إلى الأتراك.
خامسًا - مضحك جدًّا قوله: إن العالم الغربي تحرك فيه عامل الانتقام لزعمه
أن العالم الإسلامي راضٍ عن أعمال الأتراك يصلي لله سرًّا وعلانية؛ لنصر
الترك المسلمين، فالعالم الغربي يذبح تلك الأمم ويوقع تلك المصائب كلها في أقوام
كل ذنبهم أنهم صلوا لنصرة أبناء دينهم بالقتال فعلاً - كما يتطوع ألوف من الإنكليز
وغيرهم اليوم في حرب الريف بجانب الأسبان - حقًّا قائل هذا القول الإفرنجي لا
يخجل، ومصدقه يستحق الرثاء، لا يكفي الإفرنج أن قصدوا القدس من أقصى
بلادهم، وخربوا ديار الشام، ونسفوا الحضارة العربية، ودخلوا بيت المقدس؛
فالتجأ المسلمون إلى المسجد الأقصى فدخلوا إليه وذبحوهم عن آخرهم نساء ورجالاً
وأطفالاً، وكانوا سبعين ألفًا حتى غاصت الخيل في الدم إلى صدورها، وامتلأت
القدس بأشلاء القتلى فاستحيا الإفرنج ثلاثمائة من المسلمين؛ لأجل نقل الجثث
وتنظيف الشوارع من الدماء، وبعد أن فرغوا من عملهم هذا عاد الإفرنج فقتلوهم
أيضًا، وارتكبوا فظائع لا يسع المقام ذكرها، بل بعد ذلك كله يأتي واحد فيقول:
(إنما فعلوا ذلك) لأن العالم الغربي زعم وقد يكون زعمه حقيقة أن العالم
الإسلامي راضٍ عن الأتراك الذين اعتدوا على العالم الغربي في سهول البلقان
والشاطئ الأدرياتيكي، أي أنه يعطي العالم الغربي الحق في هذه المذابح بأجمعها
التي مذبحة المسجد الأقصى واحدة منها، ويرى الذنب ليس من العالم الغربي بل
من المسلمين الذين (صلوا لله سرًّا وعلانية؛ كي ينصر الترك المسلمين أبناء دينهم
(أفلا تراهم يستحقون هذه المذابح وقد صلوا هذه الصلاة؟ هذا ولو كانوا صلوا
لنصر الأتراك قبل وصول الأتراك إلى الأدرياتيكي بأربعمائة سنة.. . هنا حيلتي
مع الذي لا يعرف ما يقول أصبحت قليلة.
من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليلة
وماذا عساني أن أعد من تلك الحقائق الناصعة والآراء الصائبة [١] ؟ أقول له:
إن بلاد شمالي أفريقية بقيت عربية؛ لكون العرب ثبتوا فيها، لا من أجل كونها
إسلامية؟ لم نعلم أي مؤرخ شرقي أو غربي أو فيلسوف اجتماعي قال هذا القول،
ولا كيف يتصور العقل أن مراكش والجزائر وتونس وطرابلس تبقى عربية بدون
إسلام، وأية رابطة تبقى للبربر الذين هم القسم الأعظم فيها مع العرب إن لم يكن
الإسلام؟ وأية قوة كانت للعرب على البربر ليس في الوقت الحاضر فقط بل في
وقت الفتح نفسه إن لم تكن قوة الإسلام، فإن فتح العرب لهذه الأقطار باتفاق جميع
المؤرخين شرقًا وغربًا إنما تم واتسق بدخول البربر في الإسلام وليس بسبب آخر.
أم ذلك القول: بأنه يجب أن نترك هذا الحلم الجميل الذي هو نشر العربية
بواسطة القرآن والهزء بهذا (الحلم الجميل) ؟ فهذا أيضًا من الفلسفة التي عجزت
العقول عن إدراكها.. . نعم إن المستعمرين ولا سيما الإنكليز تعجبهم هذه النقمة،
ويتمنون انتشارها ورواج هذا التضليل بين العرب طمعًا في حص أجنحة الأمة
العربية التي تخشى إنكلترة انتظام شملها واستئناف دولتها أكثر كثيرًا مما تخشى
الأتراك، وهذا هو السبب الوحيد في كوننا نُعنى بإدحاض هذه الأقاويل وإزالة
تلبيسها، وإظهار ما فيها من العته؛ لئلا يلصق منها شيء بأذهان الجالية العربية
بأميركا وفيها كثير من السذج وغير المتعلمين، ومن ربما يظنون أن تلك الأقاويل
على شيء من الصحة، فمعلوم عند الجميع أن كل الأمم العظيمة والصغيرة تجد
وتدأب في نشر لغاتها، وتؤسس لذلك المعاهد العلمية، وتنفق عليها القناطير
المقنطرة، وكلما ازداد انتشار لغة ازدادت سعادة المتكلمين بها وحق إعجابهم، فإن
انتشار لغة أمة من الأمم يعتبر إضافة لعدد كبير من غير أبنائها إليها، فضلاً عما
يُستجلب إليها من الميول؛ لأن من عرف شيئًا أحبه ومن جهل شيئًا عاداه، والأمة
العربية تجسدها سائر الأمم على كون لغتها هي لغة سبعين مليونًا من العرب
والمستعربين - المستعربين بسبب الإسلام ونفوذه الماضي لا يسبب آخر أصلاً -
واللغة الدينية لثلاثمائة وخمسين مليون مسلم في الأرض قد امتزجت بلغاتهم
الأصلية، وتشكلت منها أكثر ألفاظهم العلمية، وهذا كله بدون شيء من العناء
الذي يعانيه الإفرنج، لأجل نشر لغاتهم، أفمثل هذا الغرض الذي ترمي إليه كل
الأمم الراقية، وتبذل من أجل بعضه الجهود والأموال الطائلة يهزأ به؟ ويقال عنه:
(حلم جميل) لا فائدة لنا به.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم
ثم عاد الكاتب إلى ذكر تلك الدعوى الغربية الغريبة في تعليل حرب
الصليبيين للعرب بأسلوب آخر وقفّى عليه بقوله:
ربما قيل لي: كررت هذا المعنى كثيراً ولم تزل ترجع إليه، فأقول: بلى؛
لأنه أعجبني وأطربني جدًّا، وحقًّا أراد أن يعامل ويغلط من يباهت في الحقائق التي
لا يختلف فيها اثنان، فليأت بمثل هذه المزاعم وليُضحك قُراءه ويُطربهم وإلا فلا، ولا سيما عندما يقول: إن هذه الرواية هي مما لا يحتمل الشك ولا التأويل، ولا
يقبل الجدل ولا يسوغ المناقشة) أنه هو كون الإفرنج لم يقصدوا سورية، ولا خربوا مدنها، ولا طمسوا حضارتها العربية، ولا ذبحوا مئات الألوف من أهلها
كالشياه، ولا أجروا الدماء في المسجد الأقصى حتى غاصت الخيل فيها إلى
صدورها، ولما وصل الخبر إلى بغداد قام العويل وعلا البكاء وهجمت العامة
على دار الخلافة، وكان يومًا عظيمًا، كلا لم يعملوا شيئًا من هذه الأفعال سنة
١٠٩٩ إلا نكاية بالأتراك عن حروب مستقبلة سيعملونها نحو سنة ١٤٠٠
إلى ١٤٥٠.
وهذه أشبه بما كانت دول الحلفاء تقول للعرب قبل الحرب العامة وفي أثنائها:
وهو أن هذه الدول (دول الحق والعدل) ليس لها غرض سوى تحرير العرب
من عبودية الأتراك، وإنزال العقاب في هؤلاء الأتراك البرابرة، وتأسيس استقلال
للعرب يستأنفون به مجدهم السابق، وما زالوا يكررون هذا التدجيل على العرب
وصدقهم فيه كثير من معاتيه الله في ملكه كما يقال - ولا يزال بعضهم مصدقًا -
حتى وضعت الحرب أوزارها، فكانت الدائرة الحقيقية هي على العرب، وظهر
الغش والخداع وغدروا بالحسين بن علي حليفهم وهزؤوا به وهم الآن بهذه المدة بعد
سقوطه يحاولون إخراجه من العقبة التي هي من أراضي الحجاز الصرفة، وهو
أصبح لا يكره أحدًا في العالم كرهه للإنكليز، حال كون الأتراك الآن ناعمين
بملكهم مستقلين أكثر من ذي قبل (والعالم الغربي) يتزلف إليهم ظاهرًا.
لا تثقل علينا هذه الأقاويل من أجل تضمنها محاربة الدين الإسلامي أو
الجامعة الإسلامية، فإننا نحترم جميع الآراء والمذاهب، ونقرأ كلام كثيرين ممن
يجاهر بالإلحاد أو التعطيل، أو يحارب الدين المسيحي خاصة أو الدين الإسلامي
خاصة، ونأخذ كثيرًا من أقوالهم بعين الاعتبار [٢] إذا كان أصحابها من ذوي العلم
والاطلاع والفلسفة والتاريخ، لا بل نعجب بهم وبسعة علمهم إذا كانوا نظير الدكتور
شبلي الشميل والأستاذ الزهاوي وأمثالهما، والجامعة الإسلامية لا نفهمها إلا بمعنى
الرابطة التي يقدر أن يستفيد منها الأمم المستضعفة منهم على قدر إمكانهم؛ لأن من
سنة الخلق أن الضعفاء يتفقون والأقوياء يختلفون، وإذا كانت إنكلترة اليوم وهي
أقوى الأقوياء تدعو فرنسة وإيطالية وأسبانية لتشكيل جبهة واحدة في وجه الإسلام
فما ظنك بالمسلمين الضعفاء، الذين هم أحوج إلى الانضمام، وكون ابن عبد
المؤمن لم ينجد صلاح الدين أثناء الحرب الصليبية على الإفرنج - على رواية أنه
لم ينجده - ناشئ عن كون الإسلام قويًّا يومئذ لا يخشى عليه بالجملة، على أن ما
جاء مخالفًا للواجب لا يجوز أن يكون قياسًا، فقد وُجد في ملوك فاس من أسقطه
أهل مملكته فذهب إلى الأسبان، وجاء بهم، وقاتل قومه، أفنجعل ذلك مثالاً ونقول:
إن خيانة الملك لقومه ليست بشيء، فقد فعل الملك فلان ما هو كيت وكيت؟ وكم
في تاريخ الإسلام من حوادث سيئة، وأخبار منكرة عن ملوك وأمراء ووزراء مما
لا يخلو منه أمة أفنتخذ ذلك حجة ونقول: ما دام فلان سرق فيجوز لي أن أسرق
وما دام فلان قتل فلا حرج علي في أن أقتل؟
وليس بالضروري الاستمساك بالجامعة الإسلامية دون سواها، فالجامعة
الشرقية هي أوسع منها وأكثر وسائل، ولقد استعدت لها الأمم الشرقية منذ أمد،
وتأسست في طوكيو جمعية؛ لغرض تحرير الأمم الأسيوية من رق أوربا , وصل
فيها مؤخرًا اجتماع يقال: إنه لم يسبق له مثيل في الازدحام والاكتظاظ، وخطب
فيه خطباء من الصين واليابان في موضوع اتحاد الأمم الأسيوية، ووجوب
تضامنها وتعاضدها لرفع سلطة العالم الغربي عنها، وستنمو هذه الجمعية ويكون لها
شأن عظيم.
وكان يود الإنسان أن لا يكون من حاجة إلى جامعة إسلامية ولا إلى جامعة
شرقية، وأن ترتفع الفوارق الدينية والوطنية، وتصير الجامعة هي الجامعة
الإنسانية لا غير، ولكن مع الأسف نقول: إن (العالم الغربي) لا يزال بعيدًا من
هذه الإحساسات، محتقرًا غيره مجوِّزًا لنفسه استعباد سائر الشعوب في السياسة
وفي الاقتصاديات وفي كل شيء، بحيث لا يقدر الشرقيون أن يسترسلوا إليه أو
يثقوا به، فإذا قام واحد مع ذلك يناضل عن (العالم الغربي) بعلم وحكمة وإنصاف
وروايات صحيحة شأن العلماء - سَرَّ الإنسان أن يناظرهم ولو كانوا سائرين في
عكس خطة الشرقيين، وأما النضال عن (العالم الغربي) بمثل هذا الخلط الذي قدمت لك أنموذجات منه فهو شيء مزعج لا يطاق، ويخشى الإنسان منه على أذهان البسطاء. اهـ.