للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المطبوعات الجديدة

(حوليات مصر السياسية)
تقول العرب: الدهر بالناس دواري أي يدور بهم من حال إلى حال،
وينتقلون فيه من طَوْر إلى طَوْر، وقد كان لمصر من هذا الانتقال في قرن واحد ما
لم يكن مثله لقطر آخر، فقد انتقلت في عهد محمد علي الكبير من حكم استبدادي
مُخْتَل مُعْتَل إلى حكم استبدادي عمراني منظم، مداره على قطب الثروة والقوة، ثم
انتقلت في عهد حفيده إسماعيل باشا إلى طَوْر التفرنج والتمتع بالثروة والزينة
بالإسراف الذي أعقب الفقر والإفلاس فالاحتلال الإنكليزي، ثم انتقلت بالاحتلال
إلى حكم أجنبي اقتصادي يراد به سلب استقلال البلاد، وإفساد جميع مقومات
الشعب، ثم انتقلت أخيرًا إلى استقلال مقيد بقيود تحول دون حرية الأمة وحكومتها.
وقد كان لكل طور من هذه الأطوار تأثير خاص في أخلاق الشعب وعقائده
وعاداته يجب على العلماء من المؤرخين وغيرهم تدوين أحداثه وبيان تأثيرها فيه،
فإن ما تنشره الجرائد من ذلك غير كافٍ لتعريف الشعب بماضيه وحاضره، وما
لهما من التأثير في مستقبله، وإن كانت تقرع منه كل باب، وتخوض كل عباب،
فإن أصحابها مختلفو الآراء والأهواء بالتبع لاختلاف الأديان والأحزاب والمَنَازِع
والمنافع، وقد عني مؤرخو مصر السابقون بما لم يعن بمثله غيرهم من الذين كتبوا
تواريخ سائر الأقطار الغربية والشرقية في القرون الماضية، ولكن مؤرخي هذا
العصر قد قصروا في أداء ما يقدرون عليه من ذلك، وهم أقدر من مؤرخي العصور
الخالية على التأليف فيه حتى كان تقصيرهم مثار العجب.
بيد أنه ظهر في السنين الأخيرة تواريخ مختصرة لبعض شئون مصر (منها)
تاريخ السودان وهو جزء صغير لداود بك بركات رئيس تحرير الأهرام، ومنها
تاريخ خاص بإسماعيل باشا فيه محاباة ظاهرة لأنه كتب لنيل جائزة من جلالة الملك
(ومنها) تاريخ فتح مصر الحديث أو نابليون بونابرت في مصر لأحمد حافظ بك
عوض صاحب جريدة كوكب الشرق، وسنفرد له تقريظًا خاصًّا ما أخرناه إلا لأجل
العناية به ريثما نتمكن من تصفحه أو مطالعته، ثم ظهر في هاتين السنتين
الأخيرتين خمسة أسفار كبار من تاريخ مصر السياسي باسم (حوليات مصر
السياسية) من تصنيف صديقنا العالم الفاضل المؤرخ النزيه أحمد شفيق باشا
المتخرج في مدرسة العلوم السياسية بباريس الذي كان آخر ما تولاه من أعمال
الحكومة رياسة الديوان الخديوي فإدارة الأوقاف العامة قبل أن تسمى وزارة، فوفى
بهذا الكتاب مبلغًا كبيرًا من دين مصر على علمائها القادرين على تدوين تاريخها من
وجوهه السياسية والاجتماعية والعلمية والأدبية وغيرها، والحوليات جمع حولي
نسبة إلى الحول بمعنى العام والمراد بها حوادث السنين.
وقد طبع الجزء الأول منه (وهو تمهيد للمقصد منها) بمطبعة مؤلفه بمصر
سنة ١٣٤٥هـ (١٩٢٦) فبلغت صفحاته ٨٧٢ من حجم المنار، ولكن الصفحة
منها ١٩ سطرًا، ويليه ملحق في قرار الجمعية التشريعية ببطلان الحماية
البريطانية واستقلال مصر والسودان، وهو يحتوي تاريخ مصر السياسي من أول
عهد محمد علي باشا إلى انقلاب عام ١٩١٤ الذي حدثت فيه حرب المدنية العامة،
وأعلنت إنكلترة فيه حمايتها على مصر.
ثم طبع الجزء الثاني منه (وهو من التمهيد أيضًا) في سنة ١٣٤٦، ١٩٢٧ م
فبلغت صفحاته ٧٩٩ ويليه ملحق في تقرير لجنة ملنر البريطانية المنتدبة لمصر
وصفحاته ١٢٨ ويحتوي هذا الجزء على حوادث مصر منذ تولى العمل لها الوفد
المصري إلى عهد نجاح ثروت باشا مع اللورد ألنبي في إلغاء الحماية على مصر،
وإعلان استقلالها المقيد فيما يسمى تصريح ٢٧ فبراير سنة ١٩٢٢.
ثم طبع الجزء الثالث المتمم للتمهيد في سنة ١٣٤٦، ١٩٢٨ وصفحاته ٧٣٥
وهو يدخل في بابين: (الأول) في إعلان تصريح ٢٨ فبراير وما يتعلق به من
الأحداث والأخبار والآراء في إنكلترة ومصر والشُّرُوع في تنفيذه، وفيه فصل
خاص موضوعه (ثروت باشا والرأي العام) والباب الثاني في حوادث (تحضير
الدستور) لمصر، وموضوعه (اللورد ألنبي السودان - والجرائم السياسية
واحتجاج الحكومة الإنكليزية عليها - مشكلة تعويض الموظفين الأجانب المُقَالِينَ من
الخدمة - القبض على أعضاء الوفد ومحاكمتهم - مصر ومؤتمر لوزان) .
ويلي هذه الأجزاء الثلاثة التمهيدية للحوليات المقصد من الحوليات مرتبة على
السنين، وقد طبع منها حولية سنة ١٩٢٤ في جزء بلغت صفحاته الأصلية ٦٠٤
صفحات، وهي تدخل في ثلاثة أبواب في كل منها بضعة فصول ثم حولية سنة
١٩٢٥ في جزء بلغت صفحاته الأصلية ١١٠٤ وفيه ١٢ بابًا في كل منها عدة
فصول، وهو آخر ما تم طبعه في هذا العام، وستليه حولية سنة ١٩٢٦ وما بعدها،
ونسأل الله أن يطيل عمر صديقنا المؤلف له أعوامًا وأحوالاً كثيرة يدون لها أهم
تاريخها.
وجملة القول في هذا التاريخ الحافل الري أنه دائرة معارف لتاريخ مصر
الحديث يغني مقتنيه عن مجموعات الجرائد المصرية اليومية في هذه السنين؛ لأنه
جامع لزبدة ما نشر فيها مُبَوَّبَة مُرَتَّبَة، ونقترح عليه أن يضع لكل جزء منه فهارس
للمسائل والأحداث وللأعلام مرتبة على حروف المعجم لأجل تسهيل المراجعة فيه.
وثمن الجزء الأول من هذا الكتاب خمسون قرشًا مصريًّا وثمن كل جزء من
الأربعة الأخرى ثلاثون قرشًا، ثمن الأسفار الخمسة غير مجلدة ١٧٠ قرشًا، وهو
غني بنفسه عن الترغيب فيه ويطلب من مؤلفه ومن مكتبة المنار بمصر.
***
(دفع شبهة التشبيه والرد على المجسمة)
عُني بطبع هذا الكتاب ونشره الشاب الفاضل الناشئ في رياض العلم والكتب
الدينية المفيدة حسام أفندي القدسي وبيَّن سبب ذلك في مقدمته للطبع قال فيها:
(أما بعد فهذا كتاب لابن الجوزي حجبه عنا هذه البرهة - بل عن كثير من
أهل الأخصاء في معرفة المؤلفات العربية - فئة من أشياع الذين رد عليهم المصنف
عملت على محو اسمه ورسمه، قد حملني على طبعه انتشار كتب المشبهة
مخطوطها ومطبوعها في الناس، واشتغال بعض المؤلفين بالدعوة إلى التشبيه حتى
اليوم، والحرص على نشر تصانيف ابن الجوزي النافعة، وكتب الردود المانعة
اهـ بنصه
ونقول: إننا على وقوفنا على الحركة الدينية ونشر الكتب فيها لم نفهم مراد
ناشر الكتاب من قوله هذا، فمَنْ هؤلاء الذين حجبوا عنه هذا الكتاب هذه البرهة؟
وما مراده بها؟ ومتى كان هذا الكتاب مشهورًا قبلها ولم نر له اسمًا في كشف
الظنون ولا في سرد مؤلفات ابن الجوزي المشهورة في ترجمة الحافظ الذهبي في
تذكرة الحفاظ وغيره من مترجميه؟
ثم لا ندري من يعني الناشر بقوله (واشتغال بعض المؤلفين بالدعوة إلى
التشبيه) إلخ، ولكننا علمنا مما نشره من الكتب ولم نر فيها من كتب ابن الجوزي
(النافعة ولا المانعة) شيئًا من التفاسير ولا الحديث ولا الفقه، بل هو يتلقف من
أستاذ له تعليقات على هذه الكتب غرضه منها الرد على أهل الحديث ومذهبهم في
الاتباع واقتفاء أثر السلف فيه وتفضيل مذاهب المتكلمين أو مبتدعة المتأولين وأهل
الرأي عليها.
ومن الغريب أن موضوع هذا الكتاب الرد على علماء مذهب مؤلفه (الحنابلة)
ممن يسميهم المجسمة كمتعصبي المتكلمين من الجهمية المعتزلة والشيعة والأشعرية
وغيرهم، ونحن لا ننكر أنه كان في الحنابلة وغيرهم غلاة في الأخذ بظواهر
النصوص والتعبير عنها باصطلاحات لم تَرِدْ في الكتاب ولا في السنة كما هو شأن
الغلاة من أهل كل مَهَبٍّ، ولكن جمهور علماء الحنابلة أشد علماء الإسلام محافظة على
النصوص واتباع هدي السلف الصالح.
وقد جاء بعد ابن الجوزي منهم من قام خير قيام بترجيح مذهبهم على مذاهب
المتكلمين والقياسيين بالحجج النقلية والعقلية جميعًا كالشيخ تقي الدين ابن تيمية
وتلميذه ابن القيم، ولذلك يُعْنَى أستاذ الناشر ومعلق حواشي مطبوعاته الشيخ محمد
زاهد الكوثري الحنفي بالنيل منهما والطعن عليهما، وقد بلغت صفحات هذا الكتاب
٨٤ صفحة من قطع متوسط يقرب من حجم المنار مع فهارسه وثمن النسخة من
الورق الجدي منه أربعة قروش ومن الورق العادي ثلاثة قروش مصرية.
***
(شروط الأئمة الخمسة)
تأليف الحافظ الحازمي طبع مطبعة الترقي بدمشق سنة ١٣٤٦
موضوع هذه الرسالة شروط الشيخين البخاري ومسلم في صحيحهما
وأصحاب السنن الثلاثة: أبي داود والترمذي والنسائي في سننهم، نشرها القدسي
الفاضل مع تعليقاته في حواشيها للأستاذ الشيخ محمد زاهد الكوثري أكثرها مفيد
على ما فيها من الغمز الأدبي في جماعة المحدثين وتعظيم شأن جماعة الحنفية في
الحديث بما لم يعرف عن أحد من متعصبيهم من قبل فيما نعلم.
وقد بلغت صفحات هذه الرسالة زهاء ستين صفحة من قطع دفع شبهة التشبيه،
وثمن النسخة منها ثلاثة قروش.
***
(جريدة الشورى)
في السنة الماضية هنَّأَْنَا جريدة الشورى بدخولها في السنة الرابعة مُوَفَّقَة في
خدمتها القومية الوطنية، ولما أتمت هذه السنة ودخلت في السنة الخامسة أقام لها
جماعة من حملة الأقلام ومحرري الصحف السياسية والمجلات العلمية حفلة أدبية
في الفندق الأهلي (ناشونال) دعوا إليه جمهورًا من العلماء والكتاب ومحرري
الجرائد فاجتمعوا على مائدة الشاي والحلوى يتبارون في الخطب المؤثرة وينشدون
القصائد البليغة في إطراء جريدة الشورى في خدمتها الصادقة، وما كان لها من
التأثير العظيم في أنفس دول الاستعمار القاهرة لأمتهم أمة صاحب الشورى العربية
ولوطنه الفلسطيني السوري حتى إن كلا من دولتي إنكلترة وفرنسة قد منعت دخول
الشورى إلى كل بلد لهم عليه سلطان، وهذا مما يهنأ به زميلنا الفاضل المخلص
محمد علي أفندي الطاهر بما يُحْمَد به ويعلي من قدره ويعد أبلغ تقريظ لصحيفته.
كما نهنئه باحتفال إخوانه من الكتاب ببلوغ جريدته السنة الخامسة وهو ما لم
يسبق مثله لغيره فيما نعلم، وكما نهنئه باشتراك الأقطار العربية في هذا الاحتفال
النادر بجريدته، وجاءت البرقيات والرسائل من أشهر الكتاب وكبار رجالات
العرب له وللجنة مهنئين حامدين مثنين، وفي مقدمتهم نصيرها أمير الكُتَّاب
والأدباء والسياسيين مُدْرِه العرب الأمير شكيب أرسلان.
ولكن علمنا أن أكثر قراء جريدته حتى في وطنه لم يقوموا له بحقها المالي
عليهم، وهو أداء الاشتراك السنوي، وكان أقل ما يجب عليهم أن يؤدوا هذا الحق
تامًّا في أول كل سنة، وأن يزيد أغنياؤهم عليه استمرار الأداء بعد منع الجريدة من
دخول البلاد، وأن يشتركوا بنسخ كثيرة منها يجعلونها هدايا لمن يثقل عليهم
الاشتراك في الصحف من فقراء طلاب العلم وغيرهم، بل أقول: إنه كان يجب
عليهم وجوبًا قوميًّا وطنيًّا سياسيًّا أن يتبرعوا له بنفقة المجلة أو بشراء مطبعة لها،
فإن أكثرهم يعلمون أنه كان يرتزق من التجارة، وقد تركها لهذه الخدمة الوطنية
التي لا تسمن ولا تغني من جوع لمن وقف مثل موقفه السياسي وترفَّع عن الطعن أو
التملق للأغنياء المجرمين الذين لا يبذلون المال إلا لفداء أعراضهم أو قضاء
أغراضهم، فعسى أن يتذكر هذا أهل النجدة والمروءة منهم {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن
يُنِيبُ} (غافر: ١٣) .