يرى كثير من الناس أن الجرائد في هذا العصر هي بمثابة كتب التاريخ؛ لأنها تتصدى لذكر جميع الحوادث، وتبحث في عللها وأسبابها ونتائجها ومسبباتها فإذا أراد مؤرخ تأليف تاريخ الأمة، أو بلاد تنشر فيها الجرائد فما عليه إلا أن يراجعها ويستمد منها إذا كانت حرة لم يستعبدها الحكام المستبدون وعلى هذا الرأي يمكن لمن يريد كتابة تاريخ حديث للأزهر أن يراجع الجرائد المصرية في دار الكتب المصرية، ويأخذ عنها ما كتبته عن هذا المكان. ولعله لا يوجد عاقل عارف بحال هذا القطر يثق بحرية جرائده في نفسها، وتحريها الصواب والحقيقة في الحوادث المهمة التي لها شأن في تاريخها، وسردها بأسبابها ونتائجها الحقيقية خدمة للتاريخ، فإن هؤلاء العقلاء يعلمون أن لهذه الجرائد مذاهب شتى وأهواء مختلفة ولا يعني أصحابها بيان كل شيء له شأن في التاريخ وقلما يوجد فيها من يتحرى الحق في أكثر ما يكتب بل يكتبون ما يبلغهم على غرة إذا لم يكن مخالفًا لمذاهبهم وإلا تصرفوا فيه أو سكتوا عنه. هذه مسألة الأزهر قد خاضت فيها الجرائد واختلفت فيها أقوالها بعضها مع بعض بل اختلفت فيها أقوال الجريدة الواحدة هذه تستحسن مرة ما كانت تستقبح وتلك تذم اليوم ما كانت تمدح بالأمس، ولو قرأ قارئ جميع ما كتب عن الأزهر منذ عشر سنين أي منذ تأسيس مجلس الإدارة له ودخوله في طور النظام - وإن لم يعمل بذلك النظام كله - لرأى أقوالاً مضطربة لا تتجلى منها حقيقة. والسبب في ذلك أن العامل الحقيقي في هذا النظام هو الشيخ محمد عبده وله حزب على رأيه يضاده حزب آخر يود أن يبقى كل خلل على ما كان، وقد اختلفت الأهواء لذلك فاختلفت الأقوال وضاعت الحقيقة حتى أن أكثر المصريين القارئين الكاتبين لا يعرفون حقيقة ما كان عليه الأزهر ولا حقيقة الإصلاح والنظام الذي سعى إليه الشيخ محمد عبده، فتم له شيء منه بإسعاد الأمير العباس -وفقه الله تعالى- لمرضاته، بل هم يهيمون في أودية الظنون في هذه المسألة ككثير من أمثالها، ومنهم الذي يصدقون بعض الجرائد في قولها: إن هذا الإصلاح كان إفسادًا لعقائد أهل الأزهر. ظهر في هذه الأيام كتاب جديد اسمه (أعمال مجلس إدارة الأزهر بمصر من ابتداء تأسيسه سنة ١٣١٢ إلى غاية ١٣٢٢) أي إلى أن استقال من إدارته ذلك المصلح العظيم والعامل الذي كان يُنسب إليه كل عمل في هذا الجامع مدة وجوده فيه. إن مؤلف الكتاب لم يذكر اسمه عليه، ولكن كل قارئ له يثق بكل ما كتب فيه، وإن لم يعرف كاتبه؛ لأنه يرى أنه تاريخ رسمي أو شبه رسمي، فهو قد جرى على طريقة الجبرتي في البحث عن كل شيء في وقته، وقد تم له ما لم يتم للجبرتي من التدقيق، فهو يذكر كل مسألة مبينًا تاريخها، وما دار بين الأزهر ومعية الأمير والحكومة فيها وما وضعه أو قرره مجلس الإدارة إما بالنص وإما بالمعنى الذي لا يخرج عن مفهوم النص في البيان والتاريخ وعدد الخطاب (النمره) وغير ذلك من احتياطه وتحريه إن سكت عن بيان ما لم يقف عليه باليقين، وهو قليل كعدد الطلاب الذين امتحنوا في سنة ١٣١٤ فإنه لم يبينه بالجدول الذي وضعه لذلك. ومن إنصاف المؤلف أن نسب الأعمال المتفق عليها إلى مجلس الإدارة لا إلى شيخ الأزهر الذي هو رئيسه ولا إلى بعض الأعضاء بالتعيين، وما كان فيه خلاف ذكره، وما انفرد به بعض شيوخ الأزهر من سعي أو عمل ذكره كما هو، وقد خص الأمير بالثناء وبين أنه كان المؤيد والمعضد لكل ما جرى في الأزهر في هذه المدة ولولاه لم يكن شيء مما كان. وإننا نذكر عناوين فصول الكتاب ليكون قارئ هذا التقريظ على بينة منه وهي: (١) تشكيل مجلس إدارة الأزهر وأسبابه (٢) قانون المرتبات (٣) حال الأزهر ومرتبات الشيوخ قبل النظام الجديد (٤) إلحاق التعليم في الجامع الأحمدي بالأزهر (٥) إلحاق التعليم في المسجد الدسوقي ودمياط بالأزهر (٦) كساوي التشريف (٧) نظام التدريس والامتحان (٨) المسامحة أو عطلة الدراسة (٩) مساعدة الجناب العالي على تنفيذ القانون بالملل من الأوقاف (١٠) نظام التدريس والامتحان (١١) مكافأة امتحان الطلبة (١٢) مشايخ الأروقة والحارات والملاحظون (١٣) فائدة الامتحان والعلوم الحديثة (١٤) دار الكتب (الكتبخاتة) في الأزهر (١٥) إصلاح التعليم (١٦) نظام الجرايات (١٧) امتحان التدريس وشهادة العالمية (١٨) العلوم والكتب ونظام التدريس (١٩) مسألة زاوية العميان (٢٠) الشيخ حسونة النواوي (٢١) الشيخ عبد الرحمن القطب (٢٢) الشيخ سليم مطر البشري (٢٣) جدول مواد التعليم في الأزهر (٢٤) إحصاء أصحاب الكساوي المظهرية في عشر سنين (٢٥) السيد علي الببلاوي (٢٦) تأخر العلوم الشرعية بالأزهر (٢٧) تأخر اللغة العربية بالأزهر (٢٨) إلحاق الإسكندرية في النظام والتعليم بالأزهر (٢٩) الشيخ محمود باشا والشيخ أحمد باشا (٣٠) الشيخ محمد شاكر (٣١) مرتبات أولاد العلماء وما تنفقه الحكومة على الأزهر (٣٢) حالة الأزهر الصحية وتعيين طبيب له (٣٣) إعانة ديون الأوقاف لمعاهد العلم بالمال (٣٤) محافظة المجلس على حقوق الأزهر وشرفه (٣٥) الشغب الذي انتهى باستقالة الببلاوي والعضوين العاملين بالمجلس. وقد فسر طابع الكتاب عبارات مجملة أو مبهمة منه لعل المؤلف ما كان يحب أن تفسر. يدل اسم الكتاب وعناوين فصوله على أنه تاريخ لهذا الطور الذي دخل فيه الأزهر منذ عشر سنين وفيه ما هو أهم من ذلك وأكثر فائدة للمسلمين وهو بيان أخلاق علماء الأزهر وأفكارهم وشئونهم في هذا العصر، فإن لحال هذا الصِنف من الناس شأنًا عظيمًا في حال الإسلام والمسلمين فهم منها بمنزلة القلب من الجسد إذا صلح صلحت وإذا فسد فسدت، وهذا هو السبب في شدة عناية الشيخ محمد عبده بأمر الأزهر وسعيه في إصلاحه واحتمال الشدائد في هذه السبيل على أنه في بلاد لا تعرف قيمة سعيه حق المعرفة، وإن كان لا يفوق احترامه فيها احترام أحد. الكتاب مطبوع طبعًا نظيفًا، وثمن النسخة منه أربعة قروش، وأجرة البريد قرش واحد وهو يطلب من إدارة المجلة (المنار) ومن مكتبة هندية والمعارف والهلال وغيرها، وقد أبيح لإدارة المنار أن تبيعه من الأزهريين خاصة بثلاثة قروش صحيحة ولا شك في أنه سيصادف رواجًا عظيمًا لما فيه من الفوائد العظيمة.