إني قد كنت عازمًا على أن لا أقدم إلى المحكمة بيانًا ما؛ لأنها مكان لا رجاء لنا فيه ولا طلب منه، ولا شكوى إليها، وإنما هي كمنعرج الطريق إلى المنزل لا بد من قطعه للسابل، ولذا نقف فيه وقفة على كُرْهٍ منا وإلا لدخلنا السجن تَوًّا. إن الجمعية الوطنية وجمعية الخلافة وجمعية العلماء قد أبحن تقديم بيان إلى المحاكم لا للدفاع بل لإعلام الأمة الحقيقة، بيد أني ما برحت أشير على الناس بأن يؤثروا الصمت على الكلام، وأن يقاطعوا المحاكم مقاطعة تامة، وذلك لأني أرى أن كل من يقدم بيانًا لدحض التهمة وكشف الحق - وإن كان قصده به إعلام الجمهور- لا يسلم من الظنة؛ إذ يجوز أن يكون في نفسه أدنى هوى للتخلص من العقاب أو في أعماق قلبه أقل رجاء في عدل المحاكم مع أن سبيل (تارك التعاون) مستقيم نَيِّر لا ينبغي أن توسخه الظنون والشبهات. اليأس التام من العدل: إن (اللا تعاون) نتيجة لليأس التام من الحالة الحاضرة، وهذا اليأس هو الذي ألجأ الأمة إلى أن تغيرها وتتبدل غيرها بها، فكأن مَن يقاطع الحكومة ويأبى معاونتها يعلن بأنه يئس من عدلها وحبها للحق، وأنه لا يعترف بها بل يعدها حكومة غاصبة جائرة وغير شرعية؛ لهذا يود إسقاطها وتحطيمها، أفبعد هذا يرجع القهقرى، فينتظر منها أن تنصفه كحكومة عادلة صالحة للبقاء والدوام؟ وإن غضضنا الطرف عن هذه الحقيقة الثابتة، فإن السعي للتبرئة من التهمة ليس إلا فعلاً عبثًا وإنكارًا للحقائق؛ إذ كل بصير يعلم أنه لا رجاء في المحاكم أن تنصف وتعدل في الحالة الحاضرة لا لأن رجالها لا يحبون العدل؛ بل لأنها سائرة على نظام لا يستطيع معه حاكم أن ينصف أولئك الذين لا تريد الحكومة نفسها أن تنصفهم، وإني ههنا أصرح بأن خطاب (اللاتعاون) ليس مع الأفراد والآحاد بل مع الحكومة ونظامها ومبادئها. موقف أصحاب الحق أمام المحاكم والقضاة: إن هذه الحالة مثل سائر حالات عصرنا ليست بفذة، فالتاريخ شاهد على أنه كلما طغت القوات الحاكمة ورفعت السلاح في وجه الحرية والحق، كانت المحاكم آلات مسخرة بأيديها تفتك بها كيف تشاء، وليس هذا بعجيب، فإن المحاكم تملك قوة قضائية، وتلك القوة يمكن استعمالها في العدل والظلم على سواء! فهي في يد الحكومة العادلة أعظم وسيلة لإقامة العدل والحق، وبيد الحكومات الجائرة أفظع آلة للانتقام والجَوْر ومقاومة الحق والإصلاح. والتاريخ يدلنا على أن قاعات المحاكم كانت مسارح للفظاعة والظلم بعد ميادين القتال، فكما أهريقت الدماء البريئة في ساحات الحروب حوكمت النفوس الزكية في إيوانات المحاكم فشنقت وصلبت وقتلت وأُلقيت في غياهب السجون، وليس هنالك عصبة صالحة محبة للحق من الأنبياء والحكماء والعلماء والصالحين إلا ونراها واقفة كالجناة والمجرمين في قاعات المحاكم أمام القضاء، نعم إن كَرَّ الأيام ومَرَّ العشي قد محا كثيرًا من مساوئ العهد القديم، فلا يوجد الآن شيء من المحاكم الرومية للقرن الثاني المسيحي ولا جمعيات التفتيش السرية (jnquisifon) التي كانت في القرون المتوسطة، ولكني لا أستطيع الاعتراف بأن عصرنا هذا قد نجا من تلك العوامل النفسية التي كانت تعمل في تلك المحاكم - حقًّا إن تلك الأبنية التي كانت مكامن للأسرار الرهيبة قد دُكت دكًّا، ولكن مَن ذا الذي يقدر أن يقلب تلك القلوب التي تكمن فيها الأسرار المخيفة لحب الذات والظلم؟ مقام عجيب ولكنه عظيم: إن جدول مظالم المحاكم وفظائعها طويل عريض - تلك المظالم التي لم يفرغ التاريخ إلى الآن من البكاء منها - فترى فيه اسم المسيح صلى الله عليه وسلم الإنسان الكامل الذي أُوقف مع اللصوص في محكمة أجنبية، وسقراط الحكيم الذي اضطر إلى شرب كأس من السم (لأنه كان أصدق رجل في بلاده) وكذا فلورنس غيليلو الذي لم يكذب مشاهداته العلمية؛ لأنها كانت جناية في عين القضاء والمحاكم (وصفت المسيح بالإنسان الكامل لأني اعتقد أنه إنسان، ولكن الملايين من الناس يعتقدون أنه فوق هذا) إذن ما أعجب قفص الجناة وما أعظم شأنه !! إنه موقف للصنفين معًا: الأبرار والأشرار، حتى إنه كان لائقًا بهذا الوجود العظيم. حمدًا وشكرًا: وإني إذ أتدبر التاريخ العظيم لهذا الموقف وأراني قد شرُفت بالوقوف فيه يسبح روحي بحمد الله ويلهج لساني بشكره من غير قصد مني، وهو وحده يعلم ما أجده من الجذل والابتهاج؛ إذ أحسبني في هذا القفص محسودًا للملوك والسلاطين العظام، فأين لهم في قصورهم المريحة تلك المسرة والراحة التي يرقص لها قلبي في صدري؟ ويا ليت الإنسان الغافل والعاكف على هواه يشعر بنفحة منها! وإني أقول حقًّا: إنه لو أدركها الناس لتمنوا المثول في هذا المكان، ولنذروا النذور لأجله! *** لِمَ أخاطب المحكمة؟ إني كنت عازمًا على السكوت في المحكمة، ولمَّا أُحضرت فيها ورأيت الحكومة تقدم في إثبات جريمتي الخطبتين اللتين ألقيتا في بعض مجامع (كلكتا) وهما لا يحتويان على جميع الأمور التي ما زلت أكررها في جميع خطبي ورسائلي ومقالاتي التي تعدو الحصر، والتي إن قدمت كانت أنفع لمقصدها - علمت أنها عاجزة حتى عن تهيئة ذلك المستند الذي يعتبر في هذه الأيام كافيًا لإنزال العقاب مع شدة رغبتها وحرصها على سجني. فغيرت قصدي وقلت: إن العلة التي كانت مانعة من الكلام أصبحت موجبة له فأردت أن أثبت بلساني الأمر الذي لا تستطيع الحكومة إثباته مع علمها به وشدة رغبتها في إثباته، وإني أعلم أن قوانين المحاكم لا توجبه عليَّ ولا تضطرني إلى الاعتراف به من تلقاء نفسي، ولكن قانون الحقيقة فوق هذه القوانين الوضعية، وهو الذي يسوقني إلى ما سأقوله؛ إذ ليس من الحق أن نذر شيئًا مستورًا؛ لأن الخصم لا يستطيع إثباته. الاعتراف بالجناية: إن الاستبداد الذي ابتليت به الهند نوع من ذلك الاستبداد الذي يصيب الأمم في طور ضعفها ووهنها وهو من طبعه يبغض الحركة الوطنية والحرية والمطالبة بالحقوق بغضًا شديدًا؛ لأنه يعلم أنها إذا نجحت سقطت قوته الظالمة وانمحى وجوده الفاحش، وما من وجود يحب سقوط نفسه وزواله مهما يكن زواله ضروريًّا في عين الحق والإنصاف. فالتدافع بين الحرية والاستبداد (تنازع للبقاء) و (تزاحم في الحياة) كل من الفريقين يجدّ ويكد للفوز والبقاء: الأمة تريد أن تنال حقها المغصوب، والاستبداد يأبى عليها ولا يريد التزحزح عن مقامه، ولا تثريب عليه لأنه - وإن كان وجوده خلافًا للحق - يدافع عن نفسه وحياته، وليس لنا أن ننكر مقتضيات الطبيعة فكما يسعى الخير لبقائه يسعى الشر أيضًا، ومهما يكن ملومًا في نفسه لا يلام على رغبته في الحياة. وقد بدأ التزاحم في الهند بين هاتين القوتين: الحرية والاستبداد - فليس ببدع أن تكون الحرية والمطالبة بالحقوق جناية في عين الاستبداد، وأن يكون محاربو وجوده الباطل جناة وأثمة وأهلاً للعقاب الشديد. فما دام الأمر كذلك فإني أعلن على مسمع من المحكمة والحكومة بأنني أنا قد ارتكبت هذه الجناية ارتكابًا واقترفتها اقترافًا، وإن كانت الحكومة لا تعلم - وهي تعلم - فلتعلم الآن أني من أولئك الجناة الذين بذروا بذور هذه الجناية في قلوب أمتهم ووقفوا حياتهم على سقيها وتنميتها وتثميرها بل إني - ولا فخر - أول مسلم في الهند دعى أمته من اثنتي عشرة سنة إلى هذه الجناية دعوة عامة وحول وجهتها في خلال ثلاث سنوات عن العبودية التي كانت الحكومة زينتها لها إلى الحرية التي قد أشرقت شمسها الآن، ولن تنكسف أبدًا. فإن كنت آثمًا في زعمها فلتعاقبني بما تشاء، فها أنا ذا معترف بالجناية بصدر رحب ولسان طلق غير جذع منها ولا نادم عليها؛ لأن هذا ما كنت أتوقعه وأعرفه من قبل. وإني لا أنتظر من الحكومة إلا الغلظة والقسوة لأني - وإن ألفيتها تدعي العصمة من الخطأ والزلل ولا تعترف بذنوبها - أعلم أنها ما ادّعت أبدًا أنها مثل المسيح في لينه وحنانه، فإذًا كيف أنتظر منها أن تقبل أعدائها وتحبهم كأصدقائها. وأعلم أنها لا تعاملهم إلا بتلك المعاملة التي نراها منها الآن والتي ما زال الاستبداد يختارها لمحق الحرية والحق وخنق أصحابه وحماته، فالشدة الغلظة من الحكومة شيء طبيعي لا ينبغي لنا أن نشكو أو نعجب منه بل على كل من الحزبين أن يعملا على مكانتهما حتى يفصل الله بينهما وهو خير الفاصلين. (ثم قال بعد هذا: إنه لم يقبض عليه لأجل الخطبتين اللتي قُدمتا في المحكمة بل ليخلو للحكومة جو كلكتا كيلا يقاطع احتفال ولي عهد إنكلترة عند قدومه إليها وتضعف الحركة الوطنية والإسلامية. ثم ذكر أشد ما في الخطبتين وهو ما يلي) : أشد ما في الخطبتين: إن الحكومة التي تأسست على الظلم لظالمة، وهي إما أن تتوب من ذنوبها وفظائعها وتخضع للحق، وإما أن تزول من الوجود. أيها الناس: إن كنتم تتألمون لإخوانكم الذين قُبِضَ عليهم فعلى كل منكم أن يبت في نفسه الآن: هل هو راضٍ بأن تظل هذه الحكومة قائمة في بلادنا كما كانت عند القبض على إخواننا؟ إذا كنتم تريدون تحرير بلادكم من رق العبودية فطريقته واحدة، وهي أن لا تَدَعوا فرصة لأعدائكم الماكرين لاستعمال أسلحتهم القتالة التي عندهم بغير حساب.... إن بعض الناس يظن أن الخطيب إذا فاه بمثل هذه الأقوال يحتاط لنفسه وإلا فإنه بالحقيقة لا يقصد بها شيئًا، ولكني أيها الإخوان أعتقد أنه ليس فيكم أحد يحسب أولئك الذين يتعبون من أجلكم خوافين من السجن أو الاعتقال أو مخلصين لهذه الحكومة الظالمة في نفسها وقوتها بقولهم: إن أعمالنا يجب أن تكون بالأمن والنظام - لا لا، إن هذا لا يتصور أبدًا، بل الحق الذي لا مراء فيه أنهم يقولون ذلك لأنهم يرون نجاحكم متوقفًا على الأمن والنظام؛ إذ أنتم لا تملكون تلك الآلات الجهنمية التي تتسلح بها هذه الحكومة، وإنما الأسلحة التي لديكم هي الإيمان والضمير وقوة التضحية، فاستعملوها في وجهه تنجحون، وإلا فلا نجاح لكم بالأسلحة المادية. أيها الناس: إن كنتم تريدون أن تعرقلوا الحكومة برهة من الزمن فطرقه كثيرة، ولو كنت - لا سمح الله - من المحبين للحكومة لبُحْتُ بها ودعوتكم إليها ولكن الذي أريده منكم هو (الحرب الحرب) الحرب التي لا تنتهي في يوم واحد بل تمتد إلى يوم الفصل، وما أدراكم ما يوم الفصل؟ اليوم الذي إما أن تُمحى فيه هذه الحكومة الجائرة، وإما أن تُفني ثلاثمائة مليون من النفوس البشرية. *** الاعتراف فوق الاعتراف: إن كانت هذه التصريحات (جناية) فإني معترف بأن قلبي قد اشتغل بها ولساني قد نطق بها، وإني الذي صرحت بها أمام عشرات الألوف من الناس ليس في هاتين الخطبتين فقط، بل في خطب أكثر من أن تُعَدَّ وتُحْصَى بل ما برحتُ أقول أكبر وأشد منها؛ ذلك بأني أعتقد أن الصدع بها واجب عليَّ، ولن يمنعني من أداء الواجب كونه مُعَاقَبًا عليه بقانون ١٢٤ من القوانين الهندية [١] بل إني لأجدني الآن مدفوعًا إلى التصريح بها أمام المحكمة، ولا أزال قائلاً بها ما دام لساني بين أسناني وروحي في جثماني. وإن لم أفعل ذلك أكن ظالمًا لنفسي وعاصيًا عند الله وعند الناس أجمعين. الحكومة الحاضرة (ظالمة) : نعم إني قلت: (إن الحكومة الحاضرة ظالمة) وإن لم أقل هذا فماذا أقول يا ترى؟ وأيم الله إني لأعجب كيف يُطْلَبُ مني أن أسمي شيئًا بغير اسمه، وأن أدعو الأسود بالأبيض؟ إن ما قلته هو أهون ما يجب أن يقال في هذا الباب؛ إذ لا أعلم حقيقة ملفوظة أخف منه. لا ريب أني ما زلت أقول: إنه ليس إلا أن تتوب الحكومة من آثامها، وتغير خطتها، وترجع عن ظلمها، فإن لم تستطعه فبُعْدًا لها وسُحْقًا، وليت شعري ماذا يقال غير هذا؟ الشر إما أن يصلح وإما أن يزول وهل بينهما طريق آخر؟ إن هذه الحقيقة قديمة العهد طويلة العمر لا يضاهيها في الكبر إلا الجبال والبحار وإني ما دمت أعتقد أن هذه الحكومة من أولها إلى آخرها شر على شر، فكيف أستطيع أن أدعو لها وأقول: دومي ولا تصلحي. لماذا أعتقد هذا؟ لماذا أعتقده أنا وملايين من أبناء وطني وإخوان ديني؟ الجواب أصبح الآن واضحًا جليًّا حتى يصح أن يعبر عنه بقول الشاعر الإنجليزي (ملتون) : إنه بعد الشمس أوضح شيء وأجلى محسوس. على أني أصرح ههنا بأني أعتقد ذلك لأني هندي ولأني مسلم ولأني إنسان. الحكم الشخصي ظلم بالذات: إني أعتقد أن الحرية حق طبيعي لكل إنسان ولكل أمة {فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (الروم: ٣٠) وليس لشخص أو حكومة أن تستعبد عباد الله وتتخذهم خولاً. وسَمِّ الاستعباد والرق بأي اسم شئت، غير أنه على كل حال استعبادٌ ورقٌّ، ومشيئة الله وناموسه يمقته وينفيه، وإني لأجله لا أعترف بالحكومة الهندية، بل أَعُدُّهَا حكومة غير شرعية؛ لأنها مستبِدَّة طاغية استعبدت البلاد وقهرت العباد داست الشرائع وخانت المواثيق! ليسخطها الشعب ويمجها الحق، فهي معدومة في نظر الأمة، وإن كانت موجودة بقوة السلاح، وأرى واجباتي الدينية والوطنية والإنسانية تطالبني بأن أحرر بني جلدتي من رقها وعبوديتها الشائنة. ولا يقاطع كلامي (بالإصلاحات الإدارية) و (الترقي التدريجي) كلمات خَطَّتها الحكومة وزخرفتها لتخادع به البُلْهَ والحَمْقَى. أما أنا فلا أُخْدَعُ بها؛ إذ الحرية في اعتقادي حق طبيعي للإنسان، وليس لأحد أن يحدد ويقسم في تأدية الحقوق، وإن مَثَلَ الذي يقول: إن أمة تنال حريتها تدريجيًّا، كَمَثَل الذي يقول للدائن: يُرد إليك الدَّين قسطًا قسطًا، نعم إن لم يستطع أخذه دفعة واحدة يضطر إلى قبوله بالأقساط، ولكن لا يسقط به حق الأخذ مرة واحدة. (الإصلاحات) وما هي (الإصلاحات؟) إن هي إلا كما قال الفليسوف الروسي تولستوي: (إن أبيح للمسجونين انتخاب سجانهم بالأصوات، فإنهم لا يصيرون أحرارًا) الحكومة الحاضرة حسنة أو قبيحة؟ سؤال ثانوي، أما السؤال الأساسي فهو: هل وجودها حق وشرعي؟ فإني أعتقد أن مثل هذه الحكومة الأجنبية المتسلطة باعتبار أصل خلقتها غير شرعية؛ لأن نفس وجودها ظلم وشر، فهي لو لم ترتكب جميع تلك الفظائع التي ارتكبتها بهذه الكثرة لكانت في اعتقادي ظالمة وجائرة، ويكفي لقبحها وشناعتها أنها موجودة! نعم نعترف بحسناتها إن كانت لها حسنات، ولكن يظل وجودها على كل حال ظلمًا غير شرعي. ومثاله أن لو تسلط أحد على بيتنا وأدارها إدارة حسنة وعمل أعمالاً صالحة، فإنه بهذه الحسنات لا يصير تسلطه حقًّا شرعيًّا. إن الشر يصح أن يُنْعَتَ ويُقْسَمَ بالكم والكيف، فنقول: (كم هو؟ وكيف هو؟) ولكن لا يصح نعته وتقسيمه بالحسن والقبيح فلا تقول (أَحَسَنٌ هو أم قبيح؟) نعم يقال: (سرقة قبيحة) و (سرقة أقبح) ولكن لا يقال: (سرقة حسنة) و (سرقة قبيحة) وهكذا الاستبداد؛ فإني لا أستطيع أن أتصوره حسنًا وشرعيًّا في حال من الأحوال؛ لأنه بذاته ووجوده قبيحٌ وشرٌّ وغير شرعي. نعم ربما يوجد نوع من الاستبداد أخف وطأة وأقل ظلمًا وأكثر لينًا من غيره، ولكن الاستبداد الذي دهم الهند لم يقف عند حد قبحه الخلقي، بل ما زال يكتسب السيئات فوق السيئات والمنكرات تلو المنكرات (ظلمات بعضها فوق بعض) فإذن كيف لا يُعْلَن ظلمُهُ ولا يُشْهَرُ قبحُهُ ولا يُشَدَّدُ النكيرُ عليه؟ للكلام بقية ((يتبع بمقال تالٍ))