يحيى بن حميد الدين وعبد العزيز آل سعود وخطر الاستعمار الأوربي
لا يزال العرب أوسع أمم الأرض أوطانًا، ومن أكثرها حصى وتعدادًا، فهم زهاء مائه مليون نسمة منبثون في الشطر الشمالي من أفريقية، والشطر الغربي من آسية، ولكن لم يبق لهم من الاستقلال المطلق شيء لا سيادة للأوربيين فيه، ولا سيطرة لهم عليه، إلا مهدهم الأول من جزيرتهم وهو اليمن وتهامة والحجاز ونجد، وقد حل زمن تصدي المستعمرين للقضاء عليه بيديه فالاستيلاء عليه، وهذا مثار الخوف دون غيره، فلولا الخوف من الأجانب على هذه البقية لما كنا نثط من أثقال الهم لتعادي أمرائنا وأئمتنا فيها، ولا نعد تقاتلهم خطرًا عليها، فإنه إما أن تبقى به البلاد على حالها، وإما أن يفوز الأقوى بالانفراد بالسيادة عليها، وما أحوج هذه الأمة النبيلة إلى توحيد حكومتها وسياستها؛ لتجديد قوتها وحضارتها، وليس الجيل العربي هو الجيل الذي انفرد بالتفرق والتمزق بالتعادي على الحكم والرياسة فيصدق من يزعم أنه لا يتحد أو لا تجتمع حكمته مطلقًا أو إلا بدعوة دينية، بل ذلك من طبائع البشر من جميع الأجيال، فإن تعذر اليوم اتحاد العرب عامة أو عرب الجزيرة خاصة بحكومة مركزية فلا يتعذر اتحادهم بنظام كنظام الوحدة الألمانية، فمصلحتهم تقتضيه، ودينهم يقضي به. عرب الجزيرة كلهم مسلمون، والسواد الأعظم منهم عريق في العربية العدنانية، والقليل منهم يرجعون إلى عروق معروفة أو غير معروفة من غير العرب الخُلَّص، ولكنهم مستعربون، وإنما يختلفون في المذاهب الدينية، فالسواد الأعظم منهم سنيون ينتسبون إلى مذاهب الفقهاء الأربعة في الفروع إلى السلف الصالح أو الأشاعرة في الأصول، وفي اليمن كثير من الزيدية وأصولهم الكلامية أصول المعتزلة، وفي الأحساء بعض الشيعة الإمامية، ويوجد في بعض بلاد اليمن والحجاز جماعات من طوائف أخرى من الشيعة، وفي بلاد عمان كثير من الأباضية ولهم إمام في داخل البلاد ليس عليه من سيطرة الأجنبي ما على سلطان مسقط منهم، وإنما كلامنا في مستقر القوة ومستودع السلطان والسطوة، ومنبت الأرومة وهو اليمن وتهامة والحجاز ونجد. القوة الحربية التي هي سياج الاستقلال منبثة في الجزيرة، موزعة في القبائل، ولكن ليس لها قيادة عامة إلا في اليمن ونجد، والقوة الغالبة في اليمن للزيدية الذين يعتصم أكثرهم في الجبال، ويدين لهم بالطاعة السواد الأعظم، وهم من الشافعية طوعًا أو كرهًا، ويدين كثير منهم للزعيم الإدريسي فهو الذي نازع إمام الزيدية السيادة في إقليم عسير جباله وخيوفه، وما انحدر عنها من سهوب تهامة وثغورها وجزائرها، والقوة الغالبة في نجد لأعرق أهل السنَّة وأثبتهم في السنة، وكان لأئمتها من آل سعود شركاء فيها ومنازعون فيما حولها، ثم دانت كلها في هذا العصر لعبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل فزالت إمارة آل الرشيد وكانوا أقوى المشاركين لآل سعود في عقر تلك الديار، وزال سلطان الترك من السواحل قبل زوالها، ودانت له هذه البلاد وملحقاتها، ثم زالت إمارة آل عايض من عسير ثم إمارة الشرفاء آل قتادة من الحرمين بعد أن صارت ملكًا مستقلاًّ، ودانت لابن السعود بلاد الحجاز كلها، وقسم من بلاد عسير ثم انتهى الأمر بدخول إمارة السيد الإدريسي في حمايته، ودانت لسلطانه، فقربت بذلك المسافة الشاسعة المانعة من الوحدة العربية الحلفية، ولم يبق إلا وضع نظام يراعى فيه اختلاف مذهبي السنة والزيدية، وتُتقى به الدسائس الأجنبية، ولكن لم يكد يتم التمهيد لهذا حتى كانت حكومة إيطالية الفاشستية الموسولونية المهطعة إلى الاستعمار المتوخية إحياء مجد الرومان قد عقدت مع الإمام يحيى معاهدة صورتها تجارية، وروحها سياسية يقصد بها استعمار الجزيرة العربية. انحصر استقلال جزيرة العرب في مملكتي الإمام يحيى بن حميد الدين صاحب اليمن العليا والسفلى والإمام عبد العزيز بن السعود سلطان نجد وملك الحجاز وعسير، وبتنا نرجو قرب تأويل ما نسعى إليه منذ بضع عشرة سنة من التأليف بينهما ومن عقد حلف عربي يحفظ به استقلال الجزيرة، ويعود للأمة مجدها، ولكن كثر خوض برقيات السياسة العامة وصحف الشرق والغرب في هذه الأيام بإمكان تصادمهما، بل بقرب زحف قوات اليمن على عسير فالحجاز- كثر هذا بعد عقد الإمام يحيى الاتفاق مع الدولة الإيطالية وما تلاه (على ما قيل) من تولي الضباط الإيطاليين لبعض الأعمال العسكرية في جيشه، وتدفق أسلحتهم وذخائرهم، وكذا دراهمهم ودنانيرهم على بلاده ورجاله وقبائله - وإنشائهم لمحطات التلغراف اللاسلكي في الحديدة وصنعاء لا له وحده، بل للدولة الإيطالية نفسها تخاطب بها مستعمرتها (الإرتيرة) المصاقبة لليمن وعاصمتها (رومية) أيضًا. فإن صحت هذه الأنباء، وأوقد الإمام يحيى في شيخوخته نار الحرب العظمى في جزيرة العرب (حماه الله وأعاذه من ذلك) فسيكون هو وقومه أول من يحترق بنارها؛ بإدخاله لأجرأ دول أوربة الاستعمارية فيها، ولا يشك أحد من البشر يومئذ في أن هذه الدولة هي التي استخدمته في فتح بلاده لها، وتعريضه بقية الجزيرة للاستعمار الأوربي حتى البلاد الحجازية المقدسة وحرم الله تعالى وحرم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإنما يكون الخطر على الحجاز قريبًا إذا اتفقت الدولة الإيطالية مع صديقتها الدولة البريطانية على القضاء الأخير على الإسلام، لا على العرب وحدهم، ولا خطر على الحجاز ونجد إلا من الدولة البريطانية. قد كان أكبر مناقب الإمام يحيى في نظر الأمة العربية والعالم الإسلامي كله تلك السياسة السلبية مع الأجانب التي تجلت المرة بعد المرة بفشل الدولة البريطانية وعجزها عن عقد أي اتفاق معه يفتح أدنى منفذ لتدخل نفوذها السياسي أو الاقتصادي في بلاده، وقد كان أكبر ذنوب السيد محمد علي الإدريسي الكبير في نظره ما كان من موادة هذا للدولة الإيطالية واستفادته من سلاحها في أثناء قتال الترك له. ولما بدأ صاحب هذه المجلة بدعوة أمراء الجزيرة العربية وأئمتها للتآلف والتحالف على حفظ بلادهم من التدخل الأجنبي وتقويتها وترقيتها سنة ١٣٣٠ (الموافق ١٩١١م) كان الإمام يحيى حميد الدين أول من أجابه منهم باستعداده للاتفاق والتعاون مع إخوانه أمراء الجزيرة، إلا أنه استثنى جاره بالجنب السيد الإدريسي، واحتج على عدم إمكان الاتفاق معه، وإطفاء ما كان بينهما من نار الحرب بأنه (حالف أعداء الله الطاليان) - بهذا الضبط - وكان يرى أن هذا العمل لا يبيحه الشرع ولا يتفق مع مصلحة العرب. هذا وإن السيد الإدريسي رحمه الله تعالى لم يعقد معهم محالفة سياسية ولا أعطاهم في بلاده شيئًا من الحقوق الاقتصادية لولا مطامع إيطالية في اليمن المعروفة لجميع المشتغلين بالسياسة ولولا ما يتحدث به كبار رجال السياسة في أوربة من قرب نيل مطامعها، ولولا اهتمام صحف الشرق والغرب فيها، ولولا مذاكرة الدولة البريطانية للدولة الإيطالية ومفاوضتها إياها للاتفاق على مصالحهما الاقتصادية وكذا السياسة والحربية في اليمن والبحر الأحمر، ولولا ما بذلت إيطالية وما تبذل في هذه السبيل، لولا هذه وغيره مما لا نقوله الآن لأمكن أن يقال: إن ما عقده الإمام الجليل مع إيطالية لا خوف منه، وإن هذه المعاهدة الإيطالية اليمنية كظاهر موادها التي نشرت بعيدة عن المطامع السياسة، وإغراء الشقاق، وإيقاد نار الحرب في الجزيرة العربية لأجل تمهيد بل تعبيد الطريق للمقاصد الاستعمارية، على ما في المادة الثالثة من تقييده الحكومة اليمنية نفسها بجلب الرحال الفنيين من الحكومة الإيطالية. فإن وقع القتال فعلاً وكانت زحوف اليمن المتوكلية هي البادئة به علمنا علم اليقين أن أمر الإمام وجيشه قد صار آله بيد المستعمرين الطامعين للقضاء على الأمة العربية، وعلى جزيرتها المقدسة ومهد دينها - حاشاه الله - وبرأه من ذلك. إن الذي عرفناه من أخلاق الإمام الجليل أنه على ما أوتي من شجاعة النفس وشدة البأس، رؤوف سلمي يكره الحرب، وينظر إليها بعين الشرع، لا بعين الطمع الجشع، فيعدها من الضرورات، لا من الضروريات والضرورات تقدر في الشرع بقدرها وهو مع ذلك رجل اقتصاد يقدر نفقاتها عندما يوازن بين خيرها وشرها، وما يرجى لبلاده من خيرها ويخشى عليها من ضررها، ولولا هذا لما صبر على البيت الادريسي إلى هذا اليوم، ولا سيما بعد وفاة السيد محمد علي مؤسس هذه الإمارة لهم. ولولا أن هذا كان يعلم أن قوة الإمام يحيى تفوق قوته لما التجأ إلى ابن السعود ونزل له عن منطقة أبها من عسير العليا ثم لما رضي خلفه السيد حسن في هذا العام بأن تكون إمارتهم كلها تحت سيادته، وفي ظل حمايته، فكيف يعقل أن يتصدى هذا الإمام السلمي الإسلامي الاقتصادي لقتال ابن السعود بعد أن آتاه الله تعالى هذا الملك العظيم الممتد من حدود اليمن إلى حدود الشام ومن البحر الأحمر إلى خليج فارس، وله فيه السلطان الذي لا ينازع، والأمر الذي لا يرد. لقد استولى هذا السلطان على منطقة أبها المجاورة لليمن ولم ينازعه الإمام يحيى فيها بالسيف والسنان ولا بالقلم أو اللسان، ولقد قتل الجند النجدي هنالك - مع الأسف - جمًّا غفيرًا من اليمانيين - خطأ - ولم يتخذ الإمام الحكيم الرشيد ذلك ذريعة لقتال النجديين، ولا حجة على وجوب إخراجهم من تلك المنطقة من عسير، ولقد استغاثة الشريف علي بن حسين أيام كان محصورًا في جدة على السلطان عبد العزيز بن السعود وعرض عليه جعل الحجاز تحت سيادته، وتابعًا لمملكته وأن يكون هو فيه عاملاً من عماله؛ فأبى الإمام الحكيم أن يغيثه بالرجال أو المال، وإنما نصح له بما اقتضته الحال من المقال، وقد كان ابن السعود يومئذ في بؤس وضنك يجلب إليه المال والقوت من الإحساء ونجد، فهل يعقل بعد هذا أن يهاجمه الآن؟ وماذا في هذا العدوان وما يستلزمه من إنفاق بدر الأموال، وقتل الألوف الكثيرة من الرجال؟ وإن فرض أنه انتصر في ميادين القتال. ما من شيء يمكن أن يتأله بهذا النصر غير المضمون إلا وقد كان أيسر منالاً من قبل، وقد رجح الإمام بعقله وحكمته الزهد فيه، وعدم سفك دماء المسلمين لأجله بل كان عرض عليه التصدي لإنقاذ الحجاز من إلحاد الملك حسين وإفساده فيه بالاستقلال أو الاشتراك مع سلطان نجد؛ فأبى بل وضع له مشروع لدعوة الخلافة الإسلامية العامة فلم تستشرف نفسه له، قناعة بما أعطاه الله من ملك اليمن إلا أنه يطمع في شيء واحد وهو الاستيلاء على اليمن وتهامته كلها، ولكن بما يمكن من الاقتصاد في الدماء والمال، ويقال: إنه يدعي أن عسير منها وقد علمنا سيرته المعتدلة فيها. لهذا كله قلنا: إنه صدق ما يقال من عزمه على القتال ووقع ذلك بالفعل فلن يجد له أحد تعليلاً إلا استيلاء الأجانب على لبه، وتسخيرهم له بشر مما سخروا أمثاله من قبله، وإنا لنجله ونربأ بدينه وعقله أن يكون كذلك. نعم إننا نعلم أن هنالك سعاية ودعاية من طريق آخر لإغراء العداوة بين الإمامين وإضرام نار القتال بين الفريقين وهي طريق عصبية التشيع والرفض، وقد بثت هذه الدعاية أولاً في جزائر الهند الشرقية الهولندية والبريطانية ثم في العراق وإيران ثم في مصر والهند، أما بين الشيعة فلجعل الحجاز تحت سيادة إمام شيعي من آل البيت - وما ثم إلا الإمام يحيى - وأما بين أهل السنة فلإخراج الوهابية من الحجاز، وهؤلاء الدعاة هم الذين أكثروا اللهج في هذا العام بقوة الإمام يحيى وكثرة جيوشه، وبذم الوهابيين والطعن فيهم، وكانت خطتهم تحويل الإمام يحيى عما يعهدون فيه من حب السلم والاقتصاد بحمل مسلمي مصر والهند وجاوه مع أهل العراق وإيران على مطالبته بقتال ابن السعود وإخراجه من الحجاز وإعانته على ذلك بالمال، وقد سمعت بأذني رجلاً من أشهر هؤلاء الدعاة الذين يراسلهم الإمام ويراسلونه، يصرح في مجلس فيه بعض الوجهاء هنا بأن الإمام قد استكمل أهبته الحربية لذلك، وإنما ينتظر مطالبة العالم الإسلامي له بإخراج ابن السعود وقومه من الحجاز، وأن ذلك لينتظر في أقرب وقت! ! وأما الذي أعلمه فهو أن المراسلات الودية بين الإمامين متصلة، وقد لقيت وفد اليمن للمؤتمر الإسلامي في مكة وغيرها من أماكن الحجاز، وتعاونا على توثيق عُرى الصداقة بين الإمامين، وصرح لي الملك عبد العزيز بأنه بَلَّغ السيد حسين عبد القادر رئيس هذا الوفد بأنه مستعد للاتفاق مع الإمام يحيى على كل ما يصون بلادهما ويرفع شأنها حتى إذا أحب عقد معاهدة عسكرية هجومية دفاعية فإنه لا يأبى ذلك، ولكن السيد لم يكن مفوضًا إليه مثل هذا وقد كاشفني بأن أهم ما يهم الإمام مسألة الإدريسي، لا طمعًا في إمارته بل لئلا يعقد مع الأجانب ما يفضي إلى تدخلهم في شؤون البلاد - والحق معه في هذا كما صرحت بهذا للملك عبد العزيز. وهذه المعاهدة الأخيرة سلبت من السيد الإدريسي هذا الحق وحق التعدي على حدود اليمن، ولكن بعد أن أمضى لشركة بريطانية امتيازًا عظيمًا في استخراج زيت البترول من جزائر فرساي التي تعد بالعشرات، وهي جناية يجب السعي لإبطالها إذا أمكن هذا، وأرى أنه يحسن السعي الآن لعقد محالفة بين الإمامين ينص فيها على حفظ الحال الحاضرة وبقاء منطقة الادريسي شقة حياد لا يعتدي عليها أحد منهما بشروط مرضية لهما. ومن يأبى ذلك منهما أو يبدأ الآخر بالعدوان، فهو الجاني على العرب والإسلام. *** نص المعاهدة الإيطالية مادة (١) تعترف حكومة جلالة ملك إيطاليا باستقلال حكومة اليمن وملكها جلالة الإمام يحيى الاستقلال المطلق الكامل، ومع هذا فلا تتداخل حكومة إيطاليا المشار إليها في مملكة جلالة ملك اليمن الإمام، بأي أمر من الأمور التي تناقض ما في الفقرة الأولى من هذه المادة. مادة (٢) تتعهد الدولتان بتسهيل التبادل في التجارة بين بلاديهما. مادة (٣) حكومة جلالة ملك اليمن تصرح بأنها ترغب أن تجلب طلباتها من إيطاليا، وذلك في الأشياء والآلات الفنية التي تساعد بجلب الفائدة في نمو اقتصاد اليمن ونفعه وكذلك في الأشخاص الفنيين والحكومة الإيطالية تصرح بأنها تبذل جهدها حتى يصير إرسال الأشخاص والآلات الفنية بأنسب وجه في الأنواع والأثمان والرواتب. مادة (٤) ما ذكر في المادة الثانية والثالثة لا يمنع حرية الطرفين في التجارة والمطلوبات. مادة (٥) ليس لأحد من تجار المملكتين أن يجلب ويتجر فيما تمنعه إحدى الدولتين في بلادها، ولكل من الدولتين أن تصادر ما جلب إلى بلادها مما تمنع جلبه والتجارة فيه بعد الإشعار. مادة (٦) هذه المعاهدة لا تكون معمولاً بها إلا من حين تصل إلى جلالة ملك اليمن الإمام يحيى مصدقة من جلالة ملك إيطاليا. مادة (٧) تكون هذه المعاهدة جارية ومعمولاً بها لمدة عشر سنوات من بعد تصديقها كما في المادة السادسة وقبل انقضاء مدة هذه المعاهدة بستة أشهر إذا أراد الطرفان تبديلها بغيرها أو تمديدها كانت المذاكرة في ذلك. مادة (٨) ولما حرر في هذه المواد فجلالة ملك اليمن الإمام يحيى وسعادة كفاليري غاسباريني بالوكالة عن ملك إيطاليا قد أمضيا هذه المعاهدة المحررة في نسختين متطابقتين باللغة العربية والإيطالية، ولعدم وجود من يعرف الترجمة عن اللغة الإيطالية معرفة تامة لدن جلالة ملك اليمن، ولأن المفاوضة التي تمت بين الطرفين بعقد المعاهدة الودية التجارية كان التفاهم فيها باللغة العربية، ولأن سعادة كفاليري غاسباريني قد تأكد أن النص العربي هو مطابق للنص الإيطالي تمامًا؛ لذلك اتفقا بأنه إذا نشأت شكوك أو اختلاف في تفسير النصين العربي والإيطالي، فالطرفان يعتمدان النص العربي وتفسيره بأصول اللغة العربية، واعتبار هذا شرطًا. اتفاقية مكة المكرمة (بين ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها وبين السيد الحسن بن علي الإدريسي) رغبة في توحيد الكلمة؛ وحفظًا لكيان البلاد العربية، وتقوية للروابط بين أمراء جزيرة العرب، قد اتفق صاحب الجلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود، وصاحب السيادة إمام عسير السيد الحسن بن علي الإدريسي على عقد الاتفاقية الآتية. (المادة الأولى) يعترف سيادة الإمام السيد الحسن بن علي الإدريسي بأن الحدود القديمة الموضحة في اتفاقية ١٠صفر سنة ١٣٣٩المنعقدة بين سلطان نجد وبين الإمام السيد محمد بن علي الإدريسي والتي كانت خاضعة للأدارسة في ذلك التاريخ تحت سيادة جلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها بموجب هذه الاتفاقية. (المادة الثانية) لا يجوز لإمام عسير أن يدخل في مفاوضات سياسية مع أي حكومة، وكذلك لا يجوز أن يمنح أي امتياز اقتصادي إلا بعد الموافقة على ذلك من صاحب الجلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها. (المادة الثالثة) لا يجوز لإمام عسير إشهار الحرب أو إبرام الصلح إلا بموافقة صاحب الجلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها. (المادة الرابعة) لا يجوز لإمام عسير التنازل عن جزء من أراضي عسير المبينة في المادة الأولى. (المادة الخامسة) يعترف ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها بحاكمية إمام عسير الحالي على الأراضي المبينة في المادة الأولى مدة حياته ومن بعده لمن يتفق عليه الأدارسة وأهل العقد والحل التابعين لإمامته. (المادة السادسة) يعترف ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها بأن إدارة بلاد عسير الداخلية والنظر في شؤون عشائرها من نصب وعزل وغير ذلك من الشؤون الداخلية من حقوق إمام عسير على أن تكون الأحكام وفق الشرع والعدل كما هي في الحكومتين. (المادة السابعة) يتعهد ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها بدفع كل تعد داخلي أو خارجي يقع على أراضي عسير المبينة في المادة الأولى، وذلك بالاتفاق بين الطرفين حسب مقتضيات الأحوال ودواعي المصلحة. (المادة ٨) يتعهد الطرفان بالمحافظة على هذه المعاهدة والقيام بواجبها. (المادة ٩) تكون هذه المعاهدة معمولاً بها بعد التصديق عليها من الطرفين الساميين. (المادة ١٠) دونت هذه الاتفاقية باللغة العربية من صورتين تحفظ كل صورة لدى فريق من الحكومتين المتعاقدتين. (المادة ١١) تعرف هذه المعاهدة بمعاهدة مكة المكرمة وقعت هذه المعاهدة في تاريخ ١٤ربيع الآخر سنة ١٣٤٥الموافق ٢١ أكتوبر سنة ١٩٢٦. (الختم الملكي) ... ... ... ... ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها ... ... ... ... ... عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود (الختم الرسمي) ... ... ... ... إمام عسير: الحسن بن علي الإدريسي تم ذلك بحضور راقم هذه الأحرف خادم الإسلام أحمد الشريف السنوسي. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (الختم)