للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قسم الأحاديث الموضوعة
(٢)

الكتب والرسائل الموضوعة
إن الأحاديث الموضوعة تعد بمئات الألوف وألوف الألوف فلا يمكن حصرها
فتنشر ويتحاماها الناس , وقد ذكروا ضوابط يعرف بها الموضوع , وكتب بعض
الفضلاء مقالة في الموضوعات نشرت في مجلة السنة الثانية من المنار وسنزيد
الموضوع بحثًا. ومن غرائب هذا الباب أن المحدثين بينوا أن بعض المصنفات
موضوعة في جملتها وتفصيلها فمنها الأربعون الودعانية التي يقال لها في بلاد
اليمن السبلقية قال الصغاني عند النص على وضعها: وأول هذه الودعانية: (كأن
الموت فيها على غيرنا كتب) , وآخرها: (ما من بيت إلا وملك يقف على بابه
كل يوم خمس مرات) إلخ وفي رواية (ملك الموت) والحديث مشهور سمعته على
المنابر من خطباء الجهل , وقال في الذيل: إن الأربعين الودعانية لا يصح منها
حديث مرفوع على هذا النسق في هذه الأسانيد وإنما تصح منها ألفاظ يسيرة وإن
كان كل كلامها حسنًا وموعظة , فليس كل ما هو حسن حديثًا. ثم قال: وهي
مسروقة سرقها ابن ودعان من واضعها زيد بن رفاعة ويقال: إنه الذي وضع
رسائل إخوان الصفا وكان من أجهل خلق الله في الحديث وأقلهم حياء وأجرأهم على
الكذب. وذكر الذهبي نحو هذا في مؤلفاته غير مرة.
ومنها كتاب (فضل العلم) لشرف الدين البلخي وأوله: (من تعلم مسألة من
الفقه) إلخ. وقد وضع جهال المتفقهة أحاديث في تعظيم الفقه ليعظم بهذا شأنهم مع
أن علم ظواهر الأحكام الذي يسمونه فقهًا لم يكن يسمى بهذا الاسم في الصدر الأول ,
وإنما الفقه هو العلم بأسرار الدين ونفوذ الفهم إلى حكمة الله في الحلال والحرام
والحظر والإباحة كما بينا ذلك في مقالات سابقة.
ومنها وصايا علي كرم الله وجهه التي أولها: (يا علي لفلان ثلاث علامات)
وفي آخرها النهي عن المجامعة في أوقات مخصوصة قال الصغاني: وكلها
موضوعة. وقال في الخلاصة: وصايا علي كلها موضوعة إلا الحديث الأول وهو:
(أنت مني بمنزلة هارون من موسى) فيظهر أنها نسختان قال في اللآلئ
المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: وكذا وصايا علي موضوعة اتهم بها
حماد بن عمرو كذا وصاياه التي وضعها عبد الله بن زياد.
ومنها أحاديث الشيخ المعروف بابن أبي الدنيا الموضوعة بإسناد واحد , وقد
زعموا أن هذا الشيخ أدرك سيدنا عليًّا كرم الله وجهه وعمر طويلاً. ومنها أحاديث
ابن نسطور الرومي وأحاديث بشر ونعيم وسالم وخراش ودينار عن أنس
(رضي الله عنه) كلها موضوعة لا أصل لها.
ومنها أحاديث أبي هداية القيسي , ومنها الكتاب المعروف بمسند أنس
البصري وهو نحو ثلاثمائة حديث يرويه سمعان المهدي عن أنس وأوله: (أمتي
في سائر الأمم كالقمر في النجوم) قال في الذيل: لا يكاد يعرف ألصقت به نسخة
موضوعة قبح الله واضعها. وقال في اللسان: هي من رواية محمد بن مقاتل
الرازي عن جعفر بن هرون عن سمعان , ومنها الأحاديث التي تروى باسم أحمد
قال الصغاني: لا يصح منها شيء. ومنها خطبة الوداع عن أبي الدرداء , وأولها:
(ألا لا يركب أحدكم البحر عند ارتجاجه) . قال في اللآلىء: وكذا الخطبة
الأخيرة عن أبي هريرة , وابن عباس فهي بطولها موضوعة. وقال في الوجيز:
قال ابن عدي: كتبت جملة عن محمد بن محمد بن الأشعب عن موسى بن إسمعيل
بن موسى بن جعفر عن آبائه عن علي رفعها , وهي نسخة فيها ألف حديث عامتها
مناكير قال الدارقطني: إنه من آيات الله وضع ذلك الكتاب يعني (العلويات) قال
ابن حجر: وسماه السنن وكله بسند واحد. ومنها نسخة من رواية عبد الله بن أحمد
عن أبيه عن علي الرضي عن آبائه كلها موضوعة باطلة. ومنها نسخة وضعها
إسحق الملطي قال ابن عدي: هو وضعها كلها. ومنها النسخة المروية عن ابن
جريج عن عطاء بن سعيد وفيها الوصية لعلي بالجماع وكيف يجامع وكلها كذب.
ومنها كتاب العروس لأبي الفضل جعفر بن محمد بن علي قال الديلمي: كلها واهية
لا يعتمد عليها وأحاديث منكرة. ومنها نسخة أحمد بن إسحق بن إبراهيم بن نبيط
بن شريط عن أبيه عن جده كلها موضوعة. هذه الكتب والنسخ المشهورة بالوضع
عند المحدثين وسنذكر الكتب الموضوعة في التفسير بخصوصه وفي بعض الأدعية
ونسكت عن موضوعات الشيعة بخصوصهم لئلا نتهم بالتحامل.
فهل يصح مع هذا كله أن يثق أحد بكل حديث يراه في كتاب أو يسمعه من
عالم أو خطيب؟ كلا إن التحري في هذا المقام مؤكد الوجوب لئلا يدخل الإنسان
بالتساهل في وعيد الحديث المتواتر: (من كذب عليَّ متعمدًا فيلتبوأ مقعده من
النار) وفي رواية بدون (متعمدًا) .
((يتبع بمقال تالٍ))