للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


القسم الثاني
من خطبتنا في التربية

(مكارم الأخلاق)
وأما تربية النساء فهي أعسر الأمور، ومن أجدرها بالعناية؛ لأن هناء العيش
في الحال وسعادة الوطن في الاستقبال؛ إنما يكونان بتدبير المنزل ونظامه،
وبتربية الأولاد، ومقاليد ذلك بيد النساء؛ لأن المرأة هي ربة البيت المنوط بها
إصلاحه ونظامه، وهي التي تخط في ألواح نفوس الأولاد المبادئ الأولى التي
تكون جراثيم للخيرات أو للشرور، قلنا: إن تربية الكبير عسيرة جدًّا وإنها لا
تتسنى إلا لأرباب النفوس الزاكية، والهمم العالية، والعزائم الصادقة، وهذا الكلام
مخصوص بتربية الإنسان لنفسه، أما تربية غيره فلابد فيها مع ذلك من الحكمة
والبصيرة من جانب المربي، وإذا أضيف إليها الحب والاحترام له ممن يحاول هو
تربيته كان الرجاء في حصول المقصود أتم، وحيث كانت هذه الأمنية غير متحققة
عندنا بالنسبة للكافة كنا صادقين في قولنا: إن تربية النساء أعسر الأمور.
لا نطيل الشرح في المسائل النظرية والقواعد الكلية؛ لأن الإجمال قلما يفيد
غير الحكماء الذين يتذكرون به ما انطوى في نفوسهم من التفصيل، لا يصح أن
نيأس، فلكل مجتهد نصيب، وعلينا أن نأخذ النساء بالرفق، ونعاملهن بالحكمة
واللطف، لا بالقسوة والعنف، وأن نستعين عليهن بدقة شعورهن، ونستميلهن إلى
الخير برقة عواطفهن، ونثنيهن عن الشر بزمام حيائهن، شبههن النبي عليه السلام
بالقوارير، والضغط على الزجاج غايته التكسير، أضرب من المثل ما يقاس عليه،
ويصح أن يرمي المربي إليه، إذا جئت من دكانك أو ديوانك، ووجدت بعض
ماعون البيت في غير موضعه المعد له، فلا تنبز ربة البيت بالألقاب، ولا تقابلها
بالشتم والسباب، ولكن قل لها: لا شك أن الست [١] كانت مشغولة بأمر مهم صرف
نظرها أو أنساها أن هذا الماعون أو الثوب موضوع في غير موضعه، ولذلك ما
أرجعتْه إلى مكانه أو لم تأمر الخوادم بذلك، يختلف التعبير باختلاف الطبقات؛
لأن أهل الثراء والبسطة إنما تدير نساؤهم نظام المنزل بالرأي وإرشاد الخوادم إلى
الأعمال، ونساء سائر الطبقات يباشرن الأعمال بأنفسهن، وهن المسئولات على
كل حال وفي كل طبقة من الطبقات.
وإذا كنتَ صاحب همة وأردتَ إتمام الحكمة، فبادر بنفسك إلى وضع ذلك
الشيء في موضعه قائلاً: يمكنني الآن أن أقوم بهذا العمل نيابة عن الست، وإن كنت
تعبان محرورًا (أقول هذا بالنسبة لغير الطبقات العالية الذين يكتفي أحدهم بالنيابة عن
الست بالأمر دون العمل، ولكل مقام مقال) وعند ذلك لا بد أن تسابقه فتسبقه إلى ما
نهض إليه، إلا أن تكون لا خلاق لها، ولكل من المعاملة اللطيفة ما يليق بها،
وبتكرار مثل هذه المعاملة ترجع عن قريب، فيزول الخلل، ويمنع الخطل [٢] . ... ... ...
وإذا علم أن بعض الفاسدات الأخلاق والآداب تزور منزله، وتعاشر قرينته،
فينبغي أن لا يبادر إلى نهيها عن قبولها وأمرها بطردها، فإن مثل هذا الأمر
إغراء، لا سيما مع التحكم والاستعلاء، وإنما يسعى أولاً بقطع رجل تلك المرأة
بأساليب لا تشعر بها امرأته، هذا وإن الوقائع الجزئية لا تحصى، واللبيب تكفيه
الإشارة، ومن أحس من نفسه العجز عن هذه السياسة فعليه أن يستشير من يثق
به من أهله وإخوانه مع ملاحظة أن التهذيب والتربية بالإلزام والإشراف على المرأة
بالأمر والنهي من شواهق القوة والسيادة، كل ذلك مما يفضي إلى النفور
والبغضاء، واستثقال المرأة كل ما يأمر به الرجل، وتعمدها مخالفته ومنصابته،
إذا فقد الحب الصادق الذي هو روح الحياة الزوجية، وملاك السعادة المنزلية،
فلا بد من المداراة وتكلف المجاملة، وإلا ساءت الحال، وتفاقم خطب الاختلال.
(لها بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))