يود بعض النساء المسلمات التشبه بالغربيات في زيهن وأنماط معيشتهن؛ ظنًّا منهن أن الحرية إنما ألقت مراسيها عند الغربيات، وأنهن أي المسلمات محرومات منها شرعًا. ولو تدبرن أمور دينهن، وبحثن في القوانين التي يتبعها الغرب، لرأين أن نصيبهن من الحرية الحقيقية أوفر من نصيب الغربيات. ولا يخلبهن زي الغربية وكثرة تجوالها في الشوارع والبلاد، فإنما حريتها هذه كمن يعطيك درهماً ويأخذ منك دينارًا؛ لأن ركن الحرية الأقوى أن يكون الإنسان حرًّا في التصرف بماله، حرًّا في معاشرة غيره. والإسلام يعطي هذه الحقوق للمرأة فضلاً عن أن يبيح لها السفور والسفر، وإن كان مع الاشتراط. كانت المرأة قبل ظهور الإسلام مزدرأة إلى الدرجة القصوى، ففي بلاد العرب كانت تحسب كبعض أمتعة البيت، حتى أنها كانت تورث كما يورث العقار والأنعام، وللوارث حق إبقائها لنفسه أو بيعها لمن يشاء، وكانوا يئدون بناتهم خشية العار أو الفقر، وكان تعدد الزوجات فاشيًا فيهم بغير حد محدود، وكذلك كانت الحال في بلاد الفرس وعند اليهود. هذا في الشرق، وأما في الغرب فلم تكن المرأة بأسعد حظًّا، إذا كانت كمية مهملة عاطلة من التربية والتعلم معدودة كالبهيمة، حتى إن مجامعهم المقدسة كانت تبحث في: هل للمرأة نفس كالرجل؟ وقام بينهم خلاف شديد من أجل ذلك، وحتى لعب بعض مقامري الإنجليز بامرأته بعد أن خسر ماله. انتهى بتصرف من كتاب الإسلام دين الفطرة لمؤلفه الأستاذ: عبد العزيز جاويش. ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في: (١) كل التكاليف الشرعية إلا النادر، وذكر القرآن المرأة بجانب الرجل في كثير من آياته. (٢) في الحقوق المدنية؛ فللمرأة أن تبيع وتشتري، وتهب وتقف، وتعقد ما شاءت من العقود بغير إذن أو سيطرة، مع أن قوانين الغرب لا تبيح للمرأة شيئًا من ذلك، وتشترط أن يكون لرجل المرأة حق التصرف في أموالها بغير قيد ولا سؤال. وقد ضايق هذا الأمر النساء هنالك، فهببن في بعض الممالك يطالبن بحقهن فأعطينه ولكن اللاتي لم يطالبن لم يعطين شيئًا. (٣) يتضح من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام يبيح للمرأة حرية الرأي، فقد بايعه المؤمنات مع المؤمنين مرارًا، وإهمالنا هذا الأمر ليس بدليل على أن الإسلام يحرمه كما تحرمه قوانين الغرب. ولا يزال يرن في آذاننا صدى ضوضاء المطالبات بحق الانتخاب ووقوف النواب في وجوههن وإرجاعهن بخفي حنين، وقد لقين من السجن والضرب عذابًا أليمًا. (٤) يبيح الإسلام للمرأة الراشدة أن تزوج نفسها بنفسها، وأن توكل من شاءت في العقد. (٥) يعطي المرأة حق الطلاق إذا اشترطته في العقد. أما إذا لم تشترطه هي أو وليها فكأنها تنازلت عنه لبعلها. (٦) ومن أعظم نعم الإسلام على الزوجين المتباغضين الطلاق. ولا حاجة لبيان الشقاء المقيم إذا تعاشر الزوجان على غير ألفة، أو افترقا على غير إباحة الزواج ثانية، أو أصيب أحدهما بما يكره الآخر معاشرته عليه؛ كالجنون أو البرص أو غيره، ويرشد الدين الحنيف أن لا يستعمل الطلاق إلا في الضرورة الشديدة، وقد حرمه بعض الأئمة إذا كان بلا سبب، قال ابن عابدين: (وأما الطلاق فالأصل فيه الحظر أي الحرمة، والإباحة للحاجة إلى الخلاص فإذا كان بلا سبب أصلاً لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا وسفاهة رأي، ومجرد كفران النعمة وإخلاص الإيذاء بها وبأهلها وأولادها؛ ولذا قالوا: إن سببه الحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق، وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى، فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعًِا يبقى على أصله من الحظر؛ ولذا قال الله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} (النساء: ٣٤) أي لا تطلبوا الفراق) . اهـ. وقال الله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة: ٢٢٩) وقال أيضًا: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء: ١٩) وقال جل من قائل: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (النساء: ٣٥)) ولم يقل: إن يريدا طلاقًا؛ لأن الأصل في الزواج دوام العشرة، ولكن إذا لم يفلح الزوجان أو أحدهما في إدامة العشرة فلا مناص من الطلاق. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله الطلاق. (٧) يوجب الإسلام تعلم العلم على كل مسلم ومسلمة، وقد كانت نساء النبي رضي الله عنهن يفتين الرجال والنساء، ويلقين عليهن دروس الحكمة ومكارم الأخلاق، ولم يهمل تعليم النساء قط إلا بعد سقوط دولة العرب، وترك الناس تعليم الدين الحنيف، ألم يشتهر النساء أيام العباسيين والأمويين بالعلم والفضل؛ حتى برعن في الفقه والأدب والغناء بما لم يبق بعده زيادة المستزيد. ولم يكن تعلم العلم مقصورًا على النبيلات منهن وبنات الخلافة، بل شمل الجواري والعامة. (٨) لو اتبع المسلمون دينهم كما يجب؛ لعلموا أن من فروض الكفاية أن يكون من نسائهم لنسائهم من يكفي من المعلمات والطبيبات، حتى لا يحتجن لغير النساء في أمس الأمور بهن كالتعليم والاستشفاء. (٩) يبيح الإسلام للمرأة السفور عند أمن الفتنة. والظاهر أن هذا السفور هو الغاية التي يسعى إليها أكثر النساء الشرقيات الآن، ويتخذن تقليد الغربيات في اللبس والمأكل وشكل المعيشة وسيلة إليه، ويزعمن أن ليس لهن من الحرية ما لأخواتهن الغربيات، مع أن الإسلام لم يجعل علينا في الدين من حرج، وقد كانت النساء يخرجن سافرات إلى أن عم الجهل، فمنع بعض الخاصة نساءهم من الخروج، فصارت عادة قلدهم فيها غيرهم، وقد تغالى فيه بعضهم حتى كانت المرأة لا فرق بينها وبين السجين، قال أبو الطيب المتنبي في رثاء أخت سيف الدولة بعد قوله: صلاة الله خالقنا حنوط ... على الوجه المكفن بالجمال على المدفون قبل الترب صونًا ... وقبل اللحد في كرم الخلال وقال في أخت سيف الدولة الأخرى رثاء أيضًا: وهل رأيت عيون الإنس تدركها ... حتى حسدت عليها أعين الشهب وعادة الحجاب ليست قاصرة على النساء فقط، فإن في صحراء أفريقية الكبرى قبيلة اسمها قبيلة الملثمين، كل رجالها يضعون اللثام على وجوههم، ولا تفعله نساؤهم. (١٠) لم يبق بعد ذلك عند الغربيات أمر يفضلن به نساءنا إلا تحريم تعدد الزوجات عند المسيحيات منهن (لأنه مباح عند اليهود) . ومن المسلمين من يحرم التزوج بأكثر من واحدة، ولا يبيح الطلاق إلا إذا حكم به قاض يفصل في الدعوى، فسلام على الإسلام، وسلام على حريته الحقة، وسلام على متبعيه حق الاتباع. ... ... ... ... ... ... ... ... ... (باحثة البادية)