للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار التاريخية

(عيد الجلوس الفضي)
كان عيد الجلوس الفضي لمولانا أمير المؤمنين من أعظم أعياد الملوك
والعواهل بعثت الدول العظمى فيه البعوث إلى دار الخلافة العثمانية لتهنئة هذا
السلطان العظيم الذي أدهش بسياسته جميع السياسيين وكان المتوقع أن الوفد
المخصوص لا يبعث إلا من قبل إمبراطور ألمانيا ولكن ظهر أن غيره سابقه إلى
هذه الحظوة حتى روسيا وإنكلترا وقد أمرت هذه أسطول البحر المتوسط الراسِي
في مياه لمنوس (أمام الدردنيل) بأن يقوم بالزينة البهية ففعل وذهب أميره مع فرقة
من الضباط إلى الآستانة مخصوصًا لأداء واجب التهنئة.
أما الاحتفالات والزينات في الممالك العثمانية فحدث عنها ولا حرج وأحق
زينات القطر المصري بالذكر زينة قصر رأس التين الخديوي وحسبك أنها من قبل
أمير البلاد أعزه الله تعالى وقد استتبعت مأدبة برئاسة سموه حضرها كبار رجال
الحكومة ووكلاء الدول الأجنبية ثم زينة قصر الغازي مختار باشا وقد أقامها بالنيابة
عن دولته سعادة محسن بك حضر من الآستانة مخصوصًا لهذا الغرض ثم زينة
محافظة مصر ثم الزينة الوطنية الكبرى في حديقة الأزبكية ثم زينة الجامع الأزهر
وكان المناسب أن يكون الاحتفال في الأزهر الشريف بغير زينة لأنها لا تنبغي
للمساجد ثم ما كان في الفنادق (اللوكاندات) والمخازن والأسواق والشوارع
وإدارات الجرائد ومكاتب المحامين , وتبع القاهرة في هذا سائر مدن القطر
المصري وقد احتفلت جمعية شمس الإسلام وزينت مواقع إداراتها في مصر القاهرة
وغيرها , وأبهج زينة واحتفال لها ما كان في فرع الفيوم وقد نوهت به الجرائد
اليومية كالمؤيد والوطن فلا نطل به.
وقد وردت علينا قصائد التهاني السلطانية بهذا العيد الحميد منها ما نشرته
بعض الجرائد المصرية كله أو بعضه كقصيدة الشاعر الأديب أحمد أفندي الكاشف
ومنها ما لم تنشره كقصيدة الأديب حسن أفندي شاكر من نجباء شبان دمياط ومطلعها:
أهلاً بعيد جلوس عاد فضّيًّا ... ممثلاً ربع جيل مرَّ مرضيا
ربع إذا أنصفوه كان أربعة ... أو أربعين وما غالوا إذًا شيا
وقد أطال فيها القول بسكة حديد الحجاز وختمها بقوله:
الله أكبر (يا عبد الحميد) لقد ... أحمدت ذكرًا مدى الأدهار مبقيا
فليس من بعد هذي أنعم كبر ... مرويها فائق ما كان مرئيا
فدمت للدين والدنيا غيائهما ... ودام ملكك بالإسعاد مرعيا
ومنها قصيدة فريدة لحضرة صديقنا الفاضل الشيخ محيي الدين أفندي الخياط
البيروتي الشاعر المشهور، وهي بنصها:
أطلس دائر وأرض سماء ... شهبها النور فهي أرض ضياءُ
طوقتها سلاسلاً من نضار ... وهي بيضاء قبة حمراء
من سهام فوق العلا خافقات ... ساكنات بها الثرى وضاء
ذكرتنا نيازك النار لاحت ... وهي بالأفق أنجم رفلاءُ
أبيض أحمر وصفر وخضر ... قزح القوس أم هي الأضواء
نور زهر لا نور زهر حواه ... روض أفقٍ لا روضة غناء
أيها الأطلس الأثير أيوح ... بالليالي أم الليالي ذكاء
خلل بالمدار فالليل صبح ... لا ظلام به ولا ظلماء
أيها الليل أين منك الدياجي ... أقضت نحبها وتم القضاء
عظم الله أجرنا فيك يا ليـ ... ـل فللبعث بيننا الالتقاء
عصر نور ونور عصر حميد ... فر منه الظلام وهو هباء
لك (عبد الحميد) فيه لواء ... خافق من بنوده الزهراء
يا ابن (عثمان) أي تخت تبوأ ... ت وملك له الملوك فداء
قد صعدت السرير وهو خفوق ... وقبضت الحسام وهو دماء
وفللت الخطوب وهي مواض ... وفتلت الذماء وهو ذماء
فجمعت الأمور والأمر شتى ... وعمرت البلاد وهي بلاء
شِدْتَ فيها مدارسًا هن قبلا ... طلل دارس ورسم عفاء
وربوعًا أرجاؤها آهلات ... قرَّ فيها وفي بينها الرجاءُ
***
أصبحت بالفنون تحكي جنانًا ... تربها التبر درّها الحصباء
يصدح العلم في (صبا) ها (حجازًا) ... فتناغي (عشاقه) الورقاءُ
شدت فيها مصانعًا في مغان ... هي للتجر مغنم وثراء
معهد باذخ بناء عظيم ... مشهد شاهق علاه بناء
وسبيل زلاله سلسبيل ... وبروج هياكل أرجاء
قد ملأت البلاد عدلاً وعلمًا ... أين منك الملوك والعلماء
أي ثغر ما أنت فيه ابتسام ... أي أرض ما أنت فيها ماء
في ربوع الحجاز أومض برق ... منك ودت أسلاكه الجوزاء
في ربوع الحجاز سطرت خطًّا ... تتمنى حديده الزرقاء
أكبرته الأيام فهي أَيامَى ... عنه كانت وعصرك العذراء
أكبرته البلاد فهي عهاد ... عهدتها من جودك الأنواء
أكبرته البلاد فهي ثغور ... كلها ألسن وكل ثناء
أكبرته الأملاك والعالم الغي ... بي والرسل قبل والأنبياء
وقلوب الإسلام حولك حامت ... كحمام وطوقها النعماء
فتبوأ (خلافةً) أنت فيها ... نقطة الباء وهي فيك الباء
عدها القوم عثرة وحزونًا ... للمعالي وهي السهول الفضاء
حملت للأنام نورًا ونارًا ... هكذا العدل شدة ورخاء
حملت للأنام أي علوم ... فهي للعلم راية ولواءُ
أين كانوا أيام كانت ولكن ... سنة الله في الأنام سواء
إنما الدهر من قصور براء ... مثلما الدين من قصور براء
سنن الله في الخلائق طرًّا ... هي فينا المحجة البيضاء
ودَّ قوم للفرقدين افتراقًا ... فاحك يا قطب واسمعي يا سماءُ
لا أغالي بيض الأنوق قريب ... دون هذا والأقرب العنقاء
توأم الملك والخلافة فينا ... أرضعته أم العلا السمحاءُ
قد ملكنا الثرى وجزنا الثريا ... فيهما والزمان ظل وماء
وجنينا من العلوم جناها ... وجنينًا وما جنى الأعداء
لا قنوطًا فالدهر يعطي سجالاً ... إنما الناس كلهم أكفاءُ
وحنانيك إن قصرت يَراعِي ... فهو زُجٌّ لا صعدة صماء
أيطول الزج الغزالة فذًّا ... حيث لا تبلغ الضحى الصعداء
(ربع قرن) نعده ألف عام ... ألف عام جميعها آلاء
وسموه الفضي وهو نضار ... وعليه من الضحى لألاء
دمت للدين ملجأ وملاذًا ... ما استضاءت أرض وضاءت سماءُ
* * *
(تشريف الجناب العالي الخديوي)
عاد من أوروبا بالعز والإقبال مولانا العباس عزيز مصر المعظم بعدما زار
ملكة الإنكليز ولقي منها ومن عظماء دولتها أعظم احتفال يكون لأكابر الملوك
ومنحته وأكابر حاشيته الوسامات والألقاب العالية. وقد جال سموه بعد ذلك في
أوروبا جولة انتهت به إلى أودسا في الروسية وكان هناك كما كان في كل مملكة
ملتقى التجلة والإكرام من القياصرة والملوك فنهنىء القطر بسموه ونسأل الله أن
يزيده ويزيد البلاد به عزًّا وسؤددًا.

* * *
(وفاة عالم)
فاجأت المنية في يوم الثلاثاء الماضي الأستاذ الشيخ محمد البحيري أحد أكابر
علماء الأزهر وأعلامهم. كان رحمه الله طويل الباع في العلوم الأزهرية وأحد
أركان فقه الشافعية دمث الأخلاق متواضعًا جدًّا لم يلبس في عمره (الفرجية) التي
هي من خصائص علماء الدين في عرف الوقت بل كان لبوسه لبوس الطلاب
المجاورين وكان يطالع درس الفقه الذي يقرؤه في الأزهر في مدة سبع ساعات مع أن
وقت إلقائه نحو الساعتين ويطالع درس النحو في خمس ساعات مع أن وقته أقصر
من وقت الفقه. اجتمعنا به مرارًا وذاكرناه في انتقاد طريقة التعليم في الأزهر فكان
يظهر لنا منه الاقتناع بأنه لا ضرورة لتغييرها وكانت تنتهي المناظرة عند الحد
الذي يتوقف إثباته على التجربة والاختبار. رحمه الله تعالى رحمة واسعة وعزى
الأزهر الشريف على فقده.
* * *
(تعزية)
نعزي إمام الأدب , وعلامة لغة العرب الأستاذ المحدث الشيخ محمد محمود
الشنقيطي بولده الوحيد الذي فقده عن نحو سنة ونصف جعله الله فرطًا له وعوضه
خيرًا. وأجدر بهذا الأستاذ أن يتمثل بقول الشاعر:
يقولون:
إن المرء يحيى بنسله ... وليس له ذكر إذا لم يكن نسل
فقلت لهم: نسلي بدائع حكمتي ... فإن لم يكن نسل فإنا بها نسلو

* * *
(أكبر مدفع في الدنيا)
روت الجرائد الإفرنجية أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مدفع في
الدنيا وطوله ١٧ مترًا وطول قنبلته قريب من مترين وبالتحديد متر و٩٢ سنتيمًا
ووزنها ١٤٠٠ كيلو أو ١١٢٠ أقة تعلو في الجو ثمانية آلاف متر وتسمع من مسافة
٣٥ ألف متر وثمنها ١٣٢٠ فرنكًا.

* * *
(دخول بكين)
دخلت العساكر المتحدة من أوربية ويابانية وأميركانية إلى بكين عاصمة
الصين وأنقذوا السفراء وسائر الأوربيين من الضيق الذي كانوا فيه. وجاء في
البرقيات أنهم أطلقوا النار من سلاحهم على القصر الملكي. وجاء فيها أيضًا أن
الفوغفور (الإمبراطور) قد خرج مع أسرته منها قبل دخول الجنود المتحدة فيها
بأيام ولا يزال البوكسر يناوشون الأوربيين في غير ما موضع وقد اقترحت روسيا
الخروج من العاصمة والمخابرة بالصلح مع حكومة الصين.

* * *
(البوير والإنكليز)
لا تزال الحرب بينهما سجالاً في جنوب أفريقيا وقد أذهل العالم كله شجاعة
البوير وثباتهم.

* * *
(إعانة سكة حديد الحجاز)
تفيد أخبار جرائد دار السعادة أن المسلمين في روسيا والهند وجاوه
وسنغافور مستعدون جميعًا لجمع الإعانات لمشروع هذه السكة وكذلك بلاد إيران
وينتظر من مكارم الشاه المعظم أن ينفح لجنة الإعانة في الآستانة مبلغًا عظيمًا عند
زيارته لها في هذه الأيام. وقد قوي رجاؤنا في هذا بعدما علمنا أنه تكرم بمبلغ ألوف
من الفرنكات على فقراء باريس عندما كان فيها فكيف لا يتبرع بألوف من الجنيهات
على مساعدة عمل يسهل على أبناء دينه إقامة ركن من أركان دينهم.