للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


حال المسلمين اليوم
وجماعة الدعوة والإرشاد

حضرة السيد الإمام العالم البصير والمصلح الكبير السيد محمد رشيد رضا.
السلام عليكم ورحمة الله، وبعد فقد طرق سمعي ما وصلت إليه حال جمعية
الدعوة والإرشاد ومدرستها من الضعف بسبب نفاد المال القليل الذي جُمع لها وبُخْل
المسلمين؛ فأثَّر ذلك في قلبي تأثيرًا محزنًا لقعودنا عن العمل في الوقت الذي
نهضت فيه أمم العالم قاطبة، وحيث إن حبل رجائي مع ذلك لم ينقطع من ترك
المسلمين لهذه الغفلة وهذا الجمود اللذين أحرجا مركزهم أشد الحرج في الهيئة
الاجتماعية - رأيت أن أبعث إليكم بهذه الكلمة راجيًا نشرها في مجلتكم المنيرة قيامًا
بالنصيحة الواجبة على كل مسلم، وتذكرة للمستعدين {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ
المُؤْمِنِينَ} (الذاريات: ٥٥) :
أتى على المسلمين حين من الدهر كانوا فيه أعزاء ترفرف فوقهم أجنحة الأمن
والسعادة، وكانوا خيرًا على أنفسهم وعلى البشر بما وضعوا من النظام القويم،
والقوانين العادلة، وبما كانوا يقومون به من الأعمال النافعة لأنفسهم وللناس، ولا
عجب فقد كانوا في ذلك متبعين أوامر دينهم الحنيف؛ فلما انحرفوا عنها - كما هو
حالهم الآن - شقوا وصاروا شرًّا وبلاء على أنفسهم وعلى البشر، وأصبحوا عالة
على الأمم الأخرى في جميع مقومات الحياة، وعبرة لمن يعتبر.
على أن أعظم ما تركه المسلمون من هداية دينهم، وكان له الأثر السيئ في
عامة شئونهم هو فريضتا (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ، و (الدعوة إلى
الدين) ، فقد أدى إغفال الفرض الأول إلى انتشار المنكرات والفجور بالتدريج بين
المسلمين كافة، وفشو الجهل فيهم بأقبح أشكاله، وأنْ صار الدين غريبًا عن كل
أعمالهم، وهذه الأعمال أثرت فيهم أعظم تأثير بالمواظبة عليها، وعدم وجود من
يقاومها أو ينكرها، فأَلِفَتْها نفوسهم واستأنست بها، فكانت ملكات وتقاليد وعادات،
ولم يقف الشر عند هذا الحد بل بالغ المسلمون في الأمر فالتمس بعضهم نصوصًا
من الشرع يستبيحون بها ما أحدثوا في الدين؛ فلما أعياهم ذلك تأولوا كتاب الله
وسنة ورسوله بغير ما يؤديان إليه، وطبقوا بعض محدثاتهم عليهما موهمين أنفسهم
والناس أنها من الدين وما هي من الدين، وإن هم إلا يكذبون.
وكان من عاقبة إهمالهم الفرض الثاني انتشار الأكاذيب عن الدين الإسلامي
وتشويه أعدائه لسمعته، وقلبهم لحقيقته، حتى خفيت هذه الحقيقة عن مريديه أو
المستعدين لقبوله، وقد فطنت لفوائد الدعوة إلى الدين الأمم المسيحية العظيمة الحية؛
فتألفت عندهم الجمعيات ذات رؤوس الأموال الضخمة التي أوفدت رجال الدين
إلى مشارق الأرض ومغاربها وزودتهم بالمال الوفير، وعضدتهم بنفوذها؛ فنجحت
أعمالهم في نشر الدين المسيحي حتى بين المسلمين.
ألا إن البلاء الذي نزل بالمسلمين لعظيم , وما ينتظرهم منه إن لم يفيقوا من
غفلتهم أعظم، وقد صاروا الآن أمام أحد أمرين: إما العمل العاجل السريع، وإما
الهلاك الأكيد والسقوط المريع، ولا مخرج من هذا البلاء إلا بالإقلاع عن هذه
الخطة الذميمة الضارة، والعمل بقواعد الدين الإسلامي الذي نعتقد أن فيه فلاحنا
وسعادتنا في الدنيا والآخرة، وإن أعظم ما ينبغي البدء به منها إنما هو قيامنا بهذين
الفرضين العظيمين (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى ديننا القويم)
ولكن لذلك وسائط لابد من إعدادها وتوفيرها في الأمة، إذ إنه لا يستطيع القيام
بذلك الواجب إلا أناسي يتخصصون له من أفراد المسلمين، يكونون واسعي
الاطلاع بعلوم الدين، واقفين على حقائقه، ملمين بطرف من العلوم الاجتماعية
والعصرية على قدر حاجتهم منها؛ كي يمكنهم تقريب ما يريدون من أذهان
مخاطبيهم على اختلاف درجاتهم في العلم والاستعداد وتباينهم في الأخلاق والعادات،
ولما كان أمثال هؤلاء لا وجود لهم الآن في الأمة الإسلامية أو ما يوجد منهم ليس
بالعدد الكافي - قضت الضرورة بإعداد هؤلاء الهداة إعدادًا وإنشائهم إنشاء، وهذا
ما فكر فهي أستاذنا زاده الله توفيقًا فاقترح تأسيس جمعية (جماعة الدعوة والإرشاد)
ومدرستها الجليلة، وبذلك وصف الدواء لداء الأمة الدفين الذي كاد يودي بحياتها.
إن مهمة تعليم فئة من المسلمين ذلك التعليم الخاص، وتربيته تلك التربية
الدينية المحضة بين زوابع الفساد التي اكتسحت البلاد لَمِنْ الأعمال التي تتطلب
كفاءة عظيمة، واستعدادًا خاصًّا - ولكن الأستاذ الذي لا ينثني له عزم أخذ على
عاتقه القيام بإنفاذ المشروع، وحق للمسلمين أن يفرحوا ويتهللوا وقد جاءهم الطبيب
الماهر، ولكن ماذا حصل؟
نشر المقترح دعوته بين المسلمين في أنحاء المعمورة كافة، فلبتها طائفةٌ كلٌّ
على قدر استعداده وقبوله للمشروع، فكان المال الذي جمع كان قليلاً جدًّا لا يفي
بجزء مما يلزم لهذا العمل العظيم، وانقبضت أيدي سائر المسلمين.
وأما الأستاذ فقد بسط يده للعمل على قلة وسائله؛ فوُلد المشروع، وقرت
برؤيته عيون المخلصين؛ ولكن ذلك المولود ككل مولود حي يحتاج إلى عناية
وغذاء كي ينمو ويشتد، غير أن ضنّ المسلمين بالمال كان سببًا في سريان الضعف
إليه حتى أشرف على الاضمحلال والعياذ بالله تعالى.
ولا يفوتني في هذا المقام ملاحظة التفاوت العظيم في إقبال الشعوب الإسلامية
على المشروع، فمع أن المكان الذي اُختير ليكون مقرًّا للجمعية ومدرستها هو مصر
فإن قومي المصريين لقلة ما ساعدوا كانوا كأنهم غير مقصودين بالدعوة، حتى أنه
ليصح أن يقال مع الخجل العظيم إن الجمعية أسست والمدرسة أنشئت من أموال
غيرهم.
فأنتم يا مسلمي مصر بوجه خاص أعنيكم بالمقال، إنه غير خليق بكم أن
تقفوا ساكنين أمام أعظم مشروع إسلامي، وهو قد أنشئ بينكم واحتمى بجواركم
ولكم ثماره وشرفه قبل غيركم، إن اضمحلال هذا العمل - لا قدر الله - يسيء
سمعة المصريين كثيرًا، كما أن نجاحه يشرفهم ويرفع قدرهم، ففي هذه الأزمة
الكبرى التي يجتازها العالم أجمع، وتدوس فيها الأمم الكبيرة بأقدامها ظهور الأمم
الصغيرة أو الضعيفة، ينبغي للشعب المصري الكريم الذي آتاه الله من الاستطاعة
على خدمة دينه ما لم يؤت غيره أن يقوم بالعمل الذي ينتظره منه العالم الإسلامي
الذي يعده في مقام الإمام المرشد، وهو تعضيد هذا المشروع الذي إذا قوي وعاش
سيكون - بإذن الله تعالى - ينبوع حياة للإسلام والمسلمين وأساسًا لسعادتهم
المستقبلة.
إن المصريين يستطيعون أن يحرزوا هذا الفخر الخالد بالتبرع بشيء من
مالهم لا يضرهم إنفاقه، ولا يغنيهم إمساكه، إن المشروع ضروري حيوي ونجاحه
يدل على حياة كامنة في جسم الأمة الإسلامية طالما أنكرها عليها محتقروها
وحاسدوها، كما أن موته - لا قدر الله - يشمت فينا أعداءنا، ويجعلنا عرضة لهزأ
العالم أجمع وسخريته، تقوم الأمم الحية كل يوم بالأعمال العظام والمشروعات
الكبرى لأغراض ثانوية أو كمالية، ونجد الأموال تتدفق على القائمين بها من
جيوب أهل الغيرة من أهلها، فلا يمضي وقت قصير حتى تُوضع لها أسس وطيدة
ودعائم ثابتة، ويجني القريب والبعيد من أفراد الأمة ثمارها، وهذا مشروع واحد
أساسي لحفظ حياتنا الدينية والمدنية، وسلاح لدرء الخطر الذي يتهدد كيان الملة
الإسلامية، ونور لمحو الظلمة التي خيمت على العقول والقلوب، ورحمة لمنع ما
حل بنا من الشقاء والخطوب، فهل يموت رضيعًا وفي جيوبنا درهم؟ وهل
نستطيع بعده أن ندعي المروءة والشمم؟ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ
أَجْرٌ عَظِيمٌ} (التغابن: ١٥) .
أي قوم، إن المشروع كبير ولا يقوم به إلا أعظم الرجال استعدادًا، وأبعدهم
همة، ومثل هؤلاء قليل ظهورهم في الأمة، وإن الأستاذ صاحب الاقتراح بما هو
عليه من التقوى والصلاح، وما امتاز به من العلوم الشرعية، وما كسبه من
المعلومات الثمينة والاختبار العظيم بسياحاته العديدة في بلاد المسلمين، وما وهبه
الله من الاستعداد الفطري النادر المثال، لا ريب أنه أقدر الناس على تنفيذه على
الوجه الأكمل، ووضع أسسه الكفيلة ببقائه حتى يستطيع من يخلفه فيه أن يتبع
خطواته بغير عناء.
إن الرجل ثالث ثلاثة نوابغ لم يوجد لهم نظير من عدة قرون، وقد شهد
الأستاذ الإمام بكفاءته وجعله موضع رجائه، فعلى المسلمين كافة والمصريين
خاصة أن يستدركوا ما فاتهم من الانتفاع بمواهب سلفيه (جمال الدين) و (محمد
عبده) بأن لا يضيعوا الفرصة السانحة الآن، إنكم إن أضعتموها يخشى أن لا تعود
قبل عدة قرون.
أقول وقولي هو الحق، إنه لو علم المسلمون حق العلم بقدر رجلهم الذي
ضحى أمواله وحياته ونفسه في سبيل مصلحتهم، لفدوه بالأولاد قبل الأموال،
وبالأنفس قبل الأولاد، لا مراء في أن الأمة الإسلامية أشد الأمم تأخرًا في مضمار
الحياتين الدينية والمدنية، وهي لذلك أشدهم افتقارًا للعمل، فإن كنتم أيها المسلمون
لا تعملون الآن فمتى تعملون، وإن لم يعجبكم مشروع إمامكم الرشيد، فماذا أنتم من
وسائط الحياة والعمل النافع تعدون، وإن كنتم مقتنعين بصلاحية المشروع فمن ذا
الذي يقدر على تنفيذه كما ينبغي من بعده أفلا تذكرون؟
أيها المسلمون إن الله غني عني وعنكم وعن العالمين، ولا يتوقف نصر حق
على مساعدتنا، فالله يختار لنصرة دينه من يشاء، فإن لم نكن من الموفقين،
فيوشك أن يخرج الأمر من أيدينا ويوكل الله به قومًا آخرين، والله غيور على دينه
وحافظ له من الزوال، ولا بد أن يتم نوره ولو كره الكافرون، فظهور الدين محقق
فإن لم يكن على أيدينا فسيكون على أيدي غيرنا {هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ
وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: ٣٨) ، {إِن يَشَأْ
يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} (إبراهيم: ١٩-٢٠)
فمن ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا يضاعف له القدر؟ ومن يسارع إلى جنة
عرضها السماوات والأرض؟ هذا أوان العمل فاعملوا أيها المسلمون، وهاكم
طريق النجاح فاسلكوه لعلكم تهتدون ٠
يا قوم: أنذرتكم ونصحت لكم وأنا منكم، واقع في التقصير مثلكم، وأنا
أدعوكم وأدعو نفسي قبلكم، بالتبرع بما نقدر عليه من مالي ومالكم، لا يستقل مقل
عطاء وإن قلَّ، ولا يستكثر مكثر ما يستطيع أن يبذل، وها أنا ذا أخطو الخطوة
الأولى في هذه الكَرَّة الثانية، فأدفع على قلة ثروتي خمسة عشر جنيهًا مصريًّا
أبغيها ذخرًا عند من خلقني ولم أكن شيئًا، فأقبِلُوا على تجارة لن تبور، وهلموا إلى
التبرع بالقليل والكثير، وانظروا إلى ما نحن فيه من المحنة، وادرؤوا السيئة
بالحسنة، وأحرزوا بالقيام بتنفيذ المشروع شرفًا تحفظه لكم الأجيال المقبلة، فلا
يضيع، ويكون لكم عند الله خير شفيع يوم يقوم الناس وتحشر الجموع ٠
هذا وإنصافًا لمجلة المنار الإسلامية، وتقديرًا لخدمتها في سبيل الغرض
المقصود للجمعية، أدفع اشتراك خمس سنين سلفًا، وأتبرع باشتراك سنة لمن يبرز
في إنشاء أحسن مقالة في أحسن خدمة إصلاحية لخدمة الإسلام والمسلمين، فسدِّدْ
اللهم أعمالنا، وأنِر لنا سبيلنا، آمين ٠
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... م. ن
(المنار)
نشكر للكاتب غيرته على دينه وملته، وشعبه المصري وسائر أمته، كما
نشكر له حسن ظنه فينا، ونسأل الله ألا يجعل إطراءه فتنة لنا، ولا مدعاة إلى
ترجيح ظنه فينا على ما نعلمه من ضعفنا وعجزنا، ونرجو أن يعذرنا إذا نحن لم
نقبل منه الاشتراك عن خمس سنين سلفًا، فحسبه من الوفاء للمنار ما جرى عليه من
دفع اشتراك كل سنة سلفًا، فهو من السابقين بالخير اشتراكًا وأداء ٠
هذا - وإن الكاتب قد كتب مقالاً قبل هذا في معناه أكثر ما فيه المبالغة
والإغراق في المدح والثناء على صاحب المنار، فكان استحياؤنا من نشره، بل من
قراءته أقوى وأشد من استحيائنا من رده، مع يقيننا بإخلاص الكاتب واعتقاده أنه
كتب الحقيقة بلا غلو ولا مبالغة، وقد قلنا له إننا لا نظن أن نشره يأتي بالفائدة التي
ترمي إليها، وان كنت أحسن منا ظنًّا، ولا بد أن تكتب في هذه الدعوى شيئًا
فاجْعَلْ الكلام في موضوع العمل دون مدح العامل، فجاءنا بهذا المقال، فلم نر بدًّا
من نشره؛ لأن ذلك من حق كاتبه علينا إذ لا نعرف أحدًا من الناس أشد غيرة،
وإخلاصًا منه لربه ودينه وأمته، وأي دليل أدل على الغيرة والإخلاص من بذل
المال في سبيل الله؟ وقد علمنا علم اليقين أننا لو قبلنا أن نأخذ منه جميع ما بيده
لإنفاقه في مشروع الدعوة والإرشاد لبذله مرتاحًا، بل طالما عرض علينا بذل ماله
ووقته فيما نراه من خدمة الدين وإقامة السنة؛ ولكننا نعلم أن عياله أحوج إلى ذلك
من مشروع لا يتوقف نجاحه على هذا المال القليل، ولا يسقط بفقده، وقد كان ما
بذله كتابة بهذه المقالة أكثر مما أثبتناه فيها بتصحيحه، فسكت بعد مناقشة ومراجعة
وإننا نستحسن أن نعيد بعض ما سبق لنا من الكلام في أسباب نشر بعض الرسائل
والأسئلة المشتملة على الثناء وألقاب المدح لنا بنصها، على خجلنا مما في بعضها
من المبالغة وانتقاد كثير من الناس لنشر مثله، وأهم تلك الأسباب الأمانة وبيان
آراء الكاتبين في الإصلاح الإسلامي والقائمين به لأهل عصرهم ولمن بعدهم وموافقة
سلفنا الذين كانوا ينشرون مثل ذلك بنصه كما تراه في كتب الفتاوى، وكان كثير
من هذه الفتاوى ينسخ في عصور العلماء الذين كتبوها وينشر في الأقطار.
إن بيان ما ذكر من الأسباب لنشر ما اشتمل على المدح باب من أعظم أبواب
التاريخ، وأعمها فائدة، وليس هو من قبيل تدوين المدائح الشعرية في شيء، وإنا
نكره المدائح الشعرية المحضة، ويقابل هذا الباب في تاريخ الإصلاح باب الانتقاد
وقد التزمنا نشر ما يجيئنا من الانتقاد على أقوالنا وأعمالنا، حتى أننا ندعو الناس
إلى ذلك في منار كل عام، ولم ندع أحدًا قط إلى المدح والتحبيذ، وإن كان من
قبيل التعاون على البر والتقوى الذي يقصده صاحب هذه الرسالة.
كتب الكاتب هذه الرسالة معبرًا بها عن بعض ما في نفسه من وجدان واعتقاد،
راجيًا أن يشعر بشعوره، ويعتقد اعتقاده كثير من المسلمين؛ فينهضوا بمشروع
الدعوة والإرشاد، ويجود كل له بما يستطيع على قدر ما آتاه الله من السعة والثروة،
ولولا ذلك لما كتب حرفًا، وقد نشرنا له ما كتب احترامًا لشعوره، واعتقاده لما
فيه من التعاون على الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف الذي تصدينا له، ولكننا لا
نظن أن دعوته تجاب، ولا أن أمنيته تصدق، وإن كنا من القائلين بتأثير الكلام في
الجملة، وإنما يكون التأثير بقدر استعداد من يقرأ الكلام ويسمعه، ولا يزال استعداد
الأمة الإسلامية للقيام بالأعمال الاجتماعية ضعيفًا جدًّا، وهو في البلاد التي لها
حكام من أهلها، أضعف منه في غيرها، وإن كان هؤلاء الحكام صُوريِّين لا
استقلال لهم في سياسة ولا إدارة، فأرقى مسلمي الهند ووثَنِيِّيها هم أهل الولايات
التي يتولى حكمها الإنكليز بأنفسهم، وأبعدهم عن الترقي والإصلاح من لهم حكام
من أنفسهم، وسنبين رأينا في أغنياء بلادنا وأمتنا وأصناف الناس في الجزء الآتي
إن شاء الله تعالى.
((يتبع بمقال تالٍ))