ظفرنا بالجزء الأول من كتاب اسمه (مناشير سيدنا الإمام المهدي المنتظر محمد بن عبد الله عليه السلام) وهو ٢٩٠ صفحة، ويشتمل على الكتب التي كان يكتبها القائم السوداني لأتباعه وخلفائه، ومعظم ما فيها تزهيد في الدنيا ودعوة إلى جهاد الترك (أي المصريين) وقد رأينا أن ننشر منها في (المنار) أغرب رسائله وكتبه؛ لما فيها من العلم بحقيقة ما كان يدّعيه ذلك الرجل، فإن الظنون متضاربة في شأنه، ويعلم كل عاقل يعرف التاريخ أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر قد جرَّ على المسلمين شقاء طويلاً وأخذهم أخذًا وبيلاً، وسفك منهم دماء غزيرة، وقد نوَّهنا بهذا في (المنار) من قبل، وسنفصل القول فيه تفصيلاً في فرصة أخرى. ودونكم الآن يا معاشر القرَّاء المنشور الأول من الكتاب وهو بنصه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الوالي الكريم، والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم، وبعد، فمن العبد المفتقر إلى الله محمد المهدي بن عبد الله إلى أحبابه في الله، المؤمنين بالله وبكتابه، لا يخفى على عزيز علمكم فناء الدنيا، وإن من تجرد لله قصدًا، وصدق في دينه وامتثل لأمرالله لا يلاحظ جاهًا ولا مالاً، لأن من كان بالله ولله لا ينظر إلى ذلك , فإذا نظر إلى ذلك حجب عن الله، وطرد من حضرته، وأوقعه الله في نار الهموم والأتعاب، ولعذاب الآخرة أشد، ومن خرج عن الجاه والمال لله عوَّضه الله خيرًا منه، وكان مقربًا عند الله، ولذلك قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} (المائدة: ٦٥-٦٦) المعلوم أن من كان لله كان الله له، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنك لن تجد فقد شيء تركته لله أي لم تجد له ألمًا ولا همًّا، وقد فتح الله بالأنبياء باب الاقتداء، فسليمان عليه السلام لمَّا شغلته الخيول عن الله أقبل يقطع سوقها ورقابها، وتجرد منها لله، فعوَّضه الله الريح غدوّها شهر ورواحها شهر، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لمَّا خرج من أهله وهاجر دياره، عوَّضه الله ما لا يخفى والصحابة كذلك، وهلم جرًا إلى غير ذلك من الأنبياء والصالحين، فيا أيها الأحباب إن هذا الزمان معلوم الحال , والطباع يسرق بعضها بعضًا، ولامخلص عنها إلا بالهجرة، وفي ذلك ما لا يخفي من الأدلة كتابًا وسنة، وقد أمرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بمكاتبة المسلمين ودعوتهم إلى الهجرة معنا إلى محل يكون فيه قوام الدين، وإصلاح أمر الدارين، ومثلكم لازم أن يحث على هذا الأمر، ويكون من أول المقومين والتابعين، ومعاذ الله أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر لا شك فيه، فمن صدق به واتبعه كان من المقربين، ومن كذب وصدَّ عنه فعليه إثمه وإثم من اتبعه، فإن مات قبل ظهوره فيعاقبه الله على ترك الأمر وصد من يهاجر في سبيل الله ورسوله لتقويم السنة النبوية، ومعلوم أن من لم يتبع هذا الأمر يخذل في الدارين، وذلك بإشارة أعلمني بها سيد الوجود صلى الله عليه وسلم وعلى الحضرات التي أيدني بالمهدية فيها صلى الله عليه وسلم، شهد جمع من الفقراء الأتقياء الذين لا يُعبأ بهم، ومقامهم عند الله ورسوله لا يخفى، وهم أغبط الأولياء عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأحبهم إلى الله، ولو أقسم أحدهم على الله لأبره كما ورد، وكذلك جمع من المشايخ، ومعلوم أن الأمور تجري على علم الله، وأن الله ينسخ ما يشاء، وعلم العباد لا يزن في علم الله نقطة بالنسبة إلى بحار الدنيا، وله المثل الأعلى كما قال الخضر لموسى عليه السلام، ولا سيما وعلم المهدي كعلم الساعة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت ولم يعين، وقال صلى الله عليه وسلم: كذب الوقاتون، وفيما ذكره محي الدين بن العربي في تفسيره في هذا المعنى كفاية، وقال الشيخ أحمد بن إدريس كذبت في المهدي أربع عشرة نسخة من نسخ أهل الله، وقال: سيخرج من جهة لا يعرفونها، وعلى حالة ينكرونها، وإنى لا أعلم بهذا الأمر حتى هجم عليّ من الله ورسوله من غير استحقاق لي بذلك، فأمره مطاع، وهو يفعل ما يشاء ويختار، وحكم نبيه صلى الله عليه وسلم كحكمه، ولما تكاثرت منه الأوامر والبشائر لي في هذا المعنى امتثلت قيامًا بأمر الله، وقد كنت قبل ذلك ساعيًا في إحياء الدين وتقويم السنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وليكن معلوم عندكم أني من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبي حسني من أبيه وأمه، وأمي كذلك من جهة أمها، وأبوها عباسي، ولي نسبة إلى الحسين والله أعلم، وقد حصلت لي بشائر من سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بتأييد الملائكة الكرام العشرة وغيرهم، وبتأييد آلاف من الأولياء، وبضمانة أصحابي بعد تغسيلهم من الدرن، وأنهم مائتان وأربعون ألفًا، ومثلكم تكفيه الإشارة والتلويح فضلاً عن التصريح، ومعلوم أن المهدي واجبة طاعته على كل مسلم، وأشار لي بمكاتبة المسلمين ودعوتهم إلى الهجرة معنا، فهي مطلوبة جدًّا، ومن الأوامر التي لا يجوز مخالفتها، ولا يلتفت في ذلك إلى أحد، فإن اتبع الأهل فيها وإلا فالصحابة تركوا أهلهم للهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسلام.