للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الحكومات اللادينية للشعوب الإسلامية الأعجمية
وعواقبها في الترك والفرس والأفغان

قوي حزب الملاحدة في الشعب التركي فسنحت له الفرص بما كان من أطوار
الانقلاب بعد حرب الأمم الكبرى فأسس حكومة لا دينية أعلنت الانسلاخ من دين
الإسلام وجهرت بمقاومته ومحاولة محوه من بلاد الشعب التركي، وسمعنا منذ
بضع سنين ونحن في أوربة أن الزعيم الأكبر لها يمهد السبيل لتنصير هذا الشعب
على المذهب البروتستانتي إذا كانت الحكومة الإنكليزية تبذل له ثمن ذلك معاملة
الحكومة التركية معاملة الدول الأوربية الكبرى، وحينئذ ينقض عهد الحكومة
الروسية الشيوعية وينفض عنه غمراتها، وكان لها ولأفراد من شعبها التأثير الأكبر
في هذا الاتحاد.
ولما شعر هذا الزعيم ورجاله أنهم خسروا بترك الإسلام زعامة الحكومة
التركية للشعوب الإسلامية كلها، وأن دولتهم صارت دون ولاية واحدة من الولايات
التي كانت تحت سيادة الدولة العثمانية (التي يحتقرونها اليوم) عددًا وعلمًا وثروة
وهي ولاية مصر، أنشئوا يبثون في جميع الشعوب الإسلامية دعوة الإلحاد؛
ليكونوا سادة لها في عهد الكفر كما كانوا سادة في عهد الإسلام، فراجت دعايتهم في
ملاحدة الأفغان وإيران، وخابت وفشلت وخسرت في جميع البلاد العربية، حتى
مصر التي كثر فيها الملاحدة وانتشرت دعاية الإلحاد، ولا يستبعد العالم بغرور
الترك أن يكون الكماليون طامعين في السيادة العسكرية على الأفغان وفارس بعد
انسلاخهما من الدين الإسلامي بدعايتهم والاستعانة عليهم بملوكهم وبعض كبرائهم.
وقد كان غرور الملك أمان الله خان بدعاية الكماليين غريبًا فلم يؤثر فيه
إنذارنا له سوء عاقبة تقليدهم منذ سنة فثار عليه شعبه ثورة لا يعرف قيمة خطرها
إلا من عرف شدة شكيمة هذا الشعب العزيز النفس الشديد البأس وقوة العصبية
الإسلامية فيه، فالآن قد علم أمان الله خان وزوجه ثريا ووالدها وزيره الأكبر
محمود الطرزي خان أننا كنا أعلم منهم بأنفسهم وبحال شعبهم إذ أنذرناهم أن هذه
الخطة ستكون خطرًا على حكومتهم، وعلى بيت المالك أيضًا كما تقدم بيانه في
الجزء الماضي.
وقد نجمت قرون الثورة في الإقليم العربي من مملكة إيران ثم في بعض
الأقاليم العجمية، ولكنها دون الثورة الأفغانية في قوة سَوْرَتها واستعدادها لما بين
الشعبين من الفوارق على أنها لا تزال في سن الطفولية، وأما الترك فلا يزالون
يأتمرون سرًّا باغتيال رئيسهم وتواترت البرقيات في هذا الشهر بنبأ جديد منها
والآجال مقدَّرة عند الله تعالى، ومن أعجب العجائب وأغرب الغرائب أن يرضى
ملك الأفغان وشاه إيران بتقليد مصطفى كمال باشا في إكراه شعوبهما على لبس
البرنيطة واستبدال الزي الإفرنجي بالزي الوطني القومي المعدود عند الجميع من
مشخصات الشعوب الإسلامية وفي تفرنج النساء وتبرجهن على ما فيه من المفاسد
الدينية والاجتماعية والاقتصادية.
وأعجب من هذا وأغرب أن بعض كُتَّاب الصحف التي تسمى إسلامية تعبر
عن هذه المفاسد بكلمة (الإصلاحات) تبعًا لبعض كتاب الإفرنج وتلاميذهم من
النصارى والزنادقة، وأعجب من هذا وذاك وأغرب أن بعض المسلمين الأغرار قد
أظهروا تمنيهم لنجاح الشاهين بمثل ما يزعمون من نجاح مصطفى كمال باشا،
والحق أن هذا حكم مُبْتَسَرٌ، وما هي إلا كما قلنا تجربة هي أقرب إلى الخطر منها
إلى الظفر.