للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: عبد الحميد الرافعي


الرحيق المختوم

وهي خاتمة المهرجان الذهبي للرافعي في شكره للمحتفلين به والذكرى الخالدة
لقومه.
خذ جبهة البدر عند التم قرطاسًا واجعل سواد عيون العين أنفاسا
ومن أشعة نور الشمس خذ قلمًا ... واقتبس لنفسك من حسان أنفاسا
وانظم نجوم السما واشمخ بشعرك عن ... جواهر الأرض إن درًّا وإن ماسا
عساك تبلغ ما يرضي العلى بثنا ... أكارم بثناهم نرفع الراسا
أقطاب مجد أقاموا للعلى فلكًا ... تسبيك أنجمه سرجًا وحراسا
وأولت الأدب العالي فضائلهم ... روحًا أعادته نضر الغصن مياسا
تواضعوا لك بالتكريم عن كثب ... شأن الكريم بمرجو الندى واسى
ومن نأى جاد عن بعد بعاطفة ... تُنسي المُعنَّى من الأيام ما قاسى
واشكر (حكومة) لبنان فقد جمعت ... أسدًا حوت شرف الأخلاق أخياسا [*]
رئيسها الندب قد أولاك عارفة ... أضحت حيال سناها الشهب أخناسا
وألبس الوطن الغالي بغيرته ... عزًّا على الفلك الدوَّار دواسا
وأنت إن لم تكن أهلاً لفضلهم ... فالغيث يسقي الربى خُضرًا وأيباسا
هم كرَّموا اللغة الفصحى لأنهم ... أبناء بجدتها ذوقًا وإحساسا
ومن لنصرك يا أم اللغات سوى ... أبنائك الغر أجوادًا وأحماسا
أنت العروس التي تهنأ بعزتها ... منا النفوس وتقضي العمر أعراسا
والله أغناك باللفظ الرشيق وبالـ ـمعنى الرقيق فكنت الراح والكاسا
وقد أمدك من نور الجلالة ما ... تود منه لغات الكون أقباسا
والشعر لولاك لم تعشق لطافته ... ولا غدا في خلال النفس جواسا
فرب نظم تفوق الراح رقته ... به سكرنا وعفنا الكأس والطاسا
ورب بيت نديّ الروح ذي عظة سلّى الحزين، ومكلوم الجشى آسى
ورب قول تخال النور يسطع من ... خلاله كان للألباب مقباسا
يُزَهى اليراع إذا ما خط حكمته ... وتستقل له الأفلاك أطراسا
سحر البيان تجلى فيه فانقلبت ... بسِرِّه وحشة الأقوام إيناسا
حمى القبيلة من خوف ومن حذر ... فليس تحتاج أسيافًا وأتراسا
هذا هو الشعر شعر الروح إن صلحت ... أبدت صلاحًا يصد الشر والباسا
وإن تسؤ صيّرتْ ماء الصفا لهبًا ... والسلم حربًا ودور العز أرماسا
هو القريض على أفق الجمال سما ... وفضله جاوز الجوزاء وأجناسا
شادت به العرب الأجواد بيت على ... سامي العلى ورسا في المجد أساسا
إذ كان مفخرة الأجيال عندهُم ... وبهجة النفس إصباحًا وإغلاسا
فكم معلقة منه لها سجدوا عرفان فضل به عطف النهى ماسا
وكم رقائق أجرى العرب سلسلها ... يُنبتن في الجلمد الريحان والآسا
كانوا ملوك الفلا يحمى الذمار منهم ... ويرتجى العون فيما سر أو ماسا
تسنموا من متون الخيل ضامرة ... عرشًا على كل عرش في الورى داسا
وما عليهم وهم أهل الشجاعة إن ... تخيروا من أسود الغاب جلاسا
سر الفراسة فيهم زادهم شرفًا ... عنه التوت أعين الحساد أنكاسا
وبالفصاحة زان الله ألسنهم ... سادوا بها الخلق أجناسًا فأجناسا
والقول كالفعل منهم كان ممتلئًا ... صراحة لم تدع في الصدر وسواسا
وعزمهم إن دعا داعي الهياج بهم ... يذلل الأسد مهما كن أشراسا
وهم رجال القرى والغوث من قدم ... ولن يزالوا مجاويدًا وأشواسا
لهفي على زمن عمت سيادتهم ... به وكانوا لأهل الأرض سواسا
ليت الليالي التي مذ ثار ثائرها ... أَردَتْ (كُليبًا) وغالت بعدُ (جساسا)
أبقت مشاهير أهل الجود من جعلت ... لها المفاخر أقطاعًا وأحباسا
وأخلفت كالموالي من بني مضر ... وآل قحطان أقيالاً وأكياسا
ممن أفادوا بني الدنيا هدى وندى ... ومن أقاموا بها للعدل قطاسا
توارثوا المجد عن أسلافهم وسروا ... مسراهم فزاكوا زهرًا وأغراسا
وصاحبوا العلم نضرًا والتقى أرجًا ... والحلم أزهر والأخلاق أقداسا
أولئك القوم لولا ذكرهم أبدًا ... يبني قصور الرجا أصبحن أدراسا
يا ابن العروبة جدد مجدها وأقم ... له العماد بعزم يطرد الياسا
اسلك إليه سبيل العلم مجتهدًا ... طول الحياة تنل جاهًا وأرغاسا
وخل نهج الكسالى إن تكن فطنًا ... فالنصل تكسبه الأصداء أدناسا
أهل البطالة أوهى الذل أنفسهم ... ولم يدع في ديار العز أحلاسا
والجهل إن ساد في الأقوام بدَّلهم ... من السعود - وقاك الله - أتعاسا
ناج الحقيقة واهجر كل مختبل ... يدق للوهم أبواقًا وأجراسا
ولا تمد لغير المستطاع يدًا ... فضارب الصلد يوهي الزند والفاسا
وإن ضربت بسهم في سبيل عُلى ... فكن معدًّا لها بالحزم أقواسا
كم ذلل الحزم صعبًا كان أمنع من ... صيد أقر عليه الليث أضراسا
أخو الحصافة يلقى الهول مبتسمًا ... كأنما شد للأفراح أفراسا
وعادم الرأي لا ينفك مبتئسًا ... حيران يضرب للأسداس أخماسا
واذكر مآثر أسلاف حضارتهم ... كانت لدى ظلمة التاريخ نبراسا
في كل علم وفن طال باعهمُ ... حتى جلوا عن طريق النجح أغلاسا
وألبسوا الوطن الغالي بسؤددهم ... عزًّا على الفلك الدوَّار دواسا
سادوا وشادوا صروح المجد واكتملوا ... عدلاً وفضلاً وكانوا خير من ساسا
وأصبحوا قدوة للخلق نافعة ... والناس خيرهم من ينفع الناس
فاعمل لإحياء ما شاد الجدود ولا ... تقم على الجهل إما كنت حساسا
عسى مع العالم الراقي يكون لنا ... حظ يعيد حواشي العيش أملاسا
واصرف جهودك طول العمر منتحيًا مجد العروبة أثرى الحظ أو خاسا
ولا تعش يائسًا في الدهر من أمل ... قد يبسم الدهر مهما كان عباسا
وليس ينساك من نجاك من زمن ... قسا وشد على الأعناق أمراسا
وما رميت ولكن الإله رمى ... وليس يخطئ سهم الله برجاسا
... ... ... ... ... ... ... عبد الحميد الرافعي