للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


ذكرى صلاح الدين ومعركة حطين [١]

] وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ [[*]
سلام عليكم أيها المتذكرون المذكِّرون بتاريخ هذا الرجل العظيم، المنقذ
لأوطانكم وأمتكم من عدوان المعتدين، المجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الحق
والعدل، بصد سيطرة الغرب عن الشرق.
لقد أحسنتم صنعًا بإحياء هذه الذكرى، واختياركم لها تاريخ معركة حطين
الكبرى، التي كانت هي الفاصلة؛ لأن معارك النصر بعدها كانت متواترة متعاقبة،
إلى أن تم طرد تلك الزحوف الباغية، عن هذه البلاد المقدسة، وعن غيرها من
البلاد العربية، حتى جزيرة العرب التي شرَّفها الله تعالى على جميع الأرض ببيته
الحرام، ومرقد رسوله خاتم النبيين عليه أفضل الصلاة والسلام، فقد كان بعض
زعماء الإفرنج يأتمرون بفتح الحرمين الشريفين، ولا غرو فإن ثالث الحرمين
أقرب الأبواب إليهما، وقد عاد الأمر كما بدأ، فهل نجد على نار الأحداث المشاهدة
هدى؟
أيها الإخوان المجتمعون لهذه الذكرى المقدسة، في هذه الأرض المقدسة إنكم قد
رفعتم عن بلادكم وأمتكم كلها عارًا كبيرًا وتقصيرًا معيبًا بالسكون والسكوت عنها
إلى الآن، وهم يرون شعوب الغرب يتنافسون في إحياء ذكرى معارك الحروب
التي هي دونها من كل وجه، وأما الرجال العظام فإنهم ينصبون لهم التماثيل، وإن
كانوا عندهم دون صلاح الدين عندنا، ويؤلفون في مناقبهم الكتب التي ترفع ذكرهم،
وتعظم قدرهم، وترشد الأمة إلى الاقتداء بهم.
نصب التماثيل ممنوع في الإسلام لأنه من شعائر الوثنية، وأما تصنيف الكتب
وإلقاء الخطب في عبر التاريخ فكل منهما مشروع؛ لأنه من الحكمة والموعظة
الحسنة، وقد دوَّن بعض علمائنا تاريخ صلاح الدين، ونوَّهوا بجهاده ومناقبه في
كتب أخرى؛ ولكن جمهور الأمة يجهلها ويحتاج إلى التذكير بها، بالأسلوب الذي
يبعث العبرة، ويحمل النفوس على حسن الأسوة.
فضائل صلاح الدين كثيرة: من قوة إيمان، وعلو أخلاق، وصلاح أعمال
وعدل أحكام؛ ولكن منته الكبرى على أمم الشرق كافة، وعلى العالم الإسلامي
والعرب خاصة، إنما هي كفايته إياهم طغيان الاستعمار الغربي، والطوفان
الأوروبي، الذي فاضت سيوله باسم التعصب الصليبي، في زمن كانت فيه جميع
الشعوب الأوربية في ظلمات حالكة من الهمجية والقسوة والخرافات والجهل المطلق،
والبعد الشاسع عن هداية الدين المسيحي الصحيح، الذي ارتكبوا جميع الشرور
والفظائع باسمه، ووالله إنهم قد كانوا وما زالوا أبعد خلق الله عن دين المسيح
وفضائل المسيح ووصايا المسيح عليه الصلاة والسلام، ولولا صلاح الدين لأغرق
طوفانهم الشرق كله منذ القرن السادس للهجرة، فأهلكوا الحرث والنسل، وطمسوا
نور الحق والعدل وأفسدوا جميع الأرض.
لم يكن صلاح الدين رحمة من الله تعالى بالشرق وحده، بل كان رحمة
بالغرب وبملوكه وقواده الوحشيين الهمجيين وشعوبه المظلومين أيضًا، فقد أراهم
بجهاده فيهم، وبنصر الله له عليهم ما طبعه عليه الإسلام من الحق والعدل،
والرحمة والفضل، وعلو الأخلاق والشيم، فإن كانوا قد خسروا بسيفه نتيجة
الحرب كلها، فقد ربحوا بمعرفة فضائله وفضائل أمته ما كان خيرًا لهم ولشعوبهم
منها.
رأوا من صلاح الدين ومن أمة صلاح الدين، ومن جيوش صلاح الدين،
وعلموا من أمر رعايا صلاح الدين من اليهود والمسيحيين، خلاف ما كانوا يعلمون
من ملوكهم وشعوبهم، ورؤساء دينهم ودنياهم، وما زال علماؤهم ومؤرخوهم
يجلونه وينوهون بفضائله، ولم تنس سورية ما كان من عاهل ألمانية الأكبر عند
زيارة ضريحه في دمشق من إجلاله له، ووضع ذلك الإكليل على قبره.
رأوا أن سلطان المسلمين خادم للأمة، لا يتعدى سلطانه عليها تنفيذ الشريعة،
فلا سلطان له على أموال الناس ولا على دمائهم ولا على نسائهم، ولا تحكم له في
أنفسهم ولا في شرفهم فضلاً عن عقائدهم وآرائهم، بل هو أرفق بهم من آبائهم
وأمهاتهم وأولي أرحامهم [٢] .
رأوا أن المسلمين أحرار في دينهم وضمائرهم، ليس عليهم سيطرة باباوية ولا
كنسية فيها، على خلاف ما كان عليه ملوك أوربة ورؤساء الدين فيها من استبداد
في الأحكام، واستعباد للناس، رأوا بأعينهم وسمعوا بآذانهم وعلموا باختبارهم أن
كل ما هاجتهم به الكنيسة لقتال المسلمين من الخطب والقصائد والأناشيد فهو كذب
وبهتان، ورأوا أن النصارى يعيشون مع المسلمين كالإخوان، لهم ما لهم، وعليهم
ما عليهم، بل لهم أكثر مما عليهم، فلما انقلبوا مغلوبين على أنفسهم في الحرب،
رجعوا عليها باللائمة، وشعروا بحاجتهم إلى تقليد المسلمين والاقتداء بهم في عدل
حكامهم وحرية شعوبهم، وتقييد تلك السلطة المطلقة والسيطرة المقدسة اللتين
استذلتاهم، فكان انكسارهم في معارك النزال هو الحافز لهممهم، والمثير لأفكارهم
والمرشد لهم إلى الإصلاح السياسي والديني، وما يتوقف عليه من استقلال العقل،
وحرية العلم، فتحولوا عن جهادنا إلى جهاد أنفسهم.
جاهدونا عدة أجيال، ثم جاهدوا ملوكهم وكنيستهم عدة أجيال، وطفقوا
يترجمون كتب حكمائنا وأطبائنا وفقهائنا وأدبائنا، يثقفون شعوبهم بها، على حين
كنا نعود القهقرى بتخريب الأعاجم لبلادنا، ودكهم لمعاقل قوتنا، وتقويضهم
لصروح حضارتنا، وإغراقهم لكتب أئمتنا، ثم بقضائهم على سلطان خلافتنا،
وإضعاف لغتنا وإماتة علومنا، وإذلال نفوسنا بسلطة عسكرية قاهرة استنزفت ثروة
عمراننا، وألحقتنا بمنابت الشيح والقيصوم من جزيرتنا.
هذا وإن هؤلاء الأوربيين لم ينسوا عداوتنا معشر العرب، فقد كانت لنا عدة
ممالك عربية، في شطر أفريقية الشمالي قضوا على استقلالها كلها بأسماء مختلفة،
حتى أنهم كانوا هم الحائلين دون تأسيس السلطنة (الإمبراطورية) العربية التي
شرع فيها محمد علي الكبير في مصر وسورية والسودان، وأكرهوه على أن يظل
خاضعًا للسياسة العثمانية عدوهم الكبرى في الشرق؛ لعلمهم أنها سائرة إلى
الانحلال والاضمحلال، وأن الدولة المصرية الجديدة حية داخلة في سن الشباب،
ثم ما زالوا يتربصون الدوائر بالدولة العثمانية إلى أن تم انحلالها في الحرب العامة
الأخيرة، فكان حظهم من انحلالها الاستيلاء على ولاياتها العربية، والاعتراف
باستقلال ولاياتها التركية وحدها، وإعلان الحماية على مصر العربية، ولما
اضطرتهم الثورة المصرية إلى إلغاء هذه الحماية والاعتراف باستقلال مصر قيدَّوا
ذلك بقيود تجعل الاستقلال اسمًا لغير مسماه اللغوي والسياسي، وعجَّلوا بالاستئثار
بالسودان كله، فطردوا منه موظفي الحكومة وضباط الجيش من المصريين، حتى
أن حاكم السودان الإنكليزي لم يسمح لحكومة مصر بتولية ملكها لقاضي السودان
الشرعي، على أنهم لولا مساعدة مصر والحجاز العربيتين لهم في الحرب، لكان
النصر فيها للألمان والترك، ولزال الاستعمار البريطاني والفرنسي من الأرض.
فعلم من ذلك كله أن دول أوربة العسكرية الاستعمارية تعد الأمة العربية أعدى
أعدائها في الشرق، وأن وجودها فيه ذنب لا يقاس به ذنب؛ ولذلك جزتها على
مساعدتها لها على قتال الترك بما تعلمون وتشاهدون، وتسمعون وتذوقون؛ وإنما
تشاهدون ظلمًا لا يصبر عليه إلا عير الحي والوتد، وتسمعون من النُّذر ما يدل
على أن المستقبل المعد لكم، شر من الحاضر الذي يعنتكم، وتذوقون من مرارة
الفقر والذل ما لا يوصف بالقول؛ فإن الذوق أقوى أنواع الإدراك فلا يحتاج إلى
الوصف.
وإنكم أنتم يا عرب فلسطين، ويا من شرَّفكم التاريخ بمعركة حطين، قد
خصصتم بما لم يصب به أحد من العالمين، من الظلم والذل والعذاب المهين، لا
فرق فيه بين المسلمين والمسيحيين، بما تحشره الدولة البريطانية في وطنكم من
شذاذ اليهود الصهيونيين، لتطردكم منه وتعيد فيه ملك إسرائيل، تكذيبًا لوعيد الله
لهم على لسان المسيح ومحمد عليهما من الله أفضل الصلاة والتسليم.
على أن هذه الدولة المشهورة عند أدباء أوربة وساستها بالرياء الفريسي قد
صبغت الاستيلاء على القدس بالصبغة المسيحية، ووصفت هذه الحرب بأنها آخر
الحروب الصليبية، وأقامت الاحتفالات لفتح أورشليم في الكنائس الإنجليزية،
فلينظر مسيحيو أورشليم والناصرة وبيت لحم وسائر البلاد التي تشرفت بولادة
المسيح ونشأته وتجواله ومعيشته، وسمع أجدادهم فيها مواعظه العالية، ووصاياه
الإصلاحية السامية، ورأوا آياته وعجائبه الدالة على صدقه، وتكذيب أعدائه الذين
طعنوا وما زالوا يطعنون في دعوته، ويقذفون أمه العذراء الطاهرة سيدة نساء
العالمين، بما برأها الله منه على لسان رسوله محمد خاتم النبيين، وسماه بالبهتان
العظيم.
لينظر هؤلاء المسيحيون ماذا كان من حظهم من هذا الفتح المسيحي الصليبي،
الذي هو أجدر أعمال الإنكليز باسم الرياء الفريسي، وليتذكروا أن صفقتهم كانت
تكون أخسر مما هي لولا كنائس أوربة المسيحية وشعوبها المسيحية ودولها
المضطرة إلى مراعاة شعورهم، وحسبهم مما هم فيه تفضيل أعداء المسيح
الصهيونيين عليهم، وجعل وطنه وطنًا لهم، ليقيموا فيه مسيحهم الذي يجدد لهم ملك
داود وسليمان المادي الذي يزعمون أن أنبياءهم بشروهم به، ويكذِّبون ابن مريم
الصادق الأمين الذي قال مؤيدًا بروح القدس إنه هو المسيح الحق الذي بشَّر به
أولئك النبيون، وإن ملكه سماوي لا أرضي، روحي لا مادي؛ فإنهم كانوا وما
زالوا عبيد المادة، فإذا جاءهم ملك مادي لا يزيدهم إلا طغيانًا وغلوًّا في عبادة المال؛
وإنما كانوا وما زالوا في أشد الحاجة إلى تلك التعاليم الإنجيلية الروحية التي
تصدهم عن هذه العبادة للمال، والطمع والأثرة على الناس، حتى بغَّضتهم إلى
أكثر شعوب البشر، فإن تجدد لهم ملك وهم على ما يعلم جميع الناس فإنهم لا
يكونون إلا كما قال الله عز وجل: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ
نَقِيراً} (النساء: ٥٣) حتى لا يستطيع أحد أن يعيش معهم ولو فقيرًا (النقير:
النكتة في ظهر نواة التمرة، وهي كناية عن الشيء الحقير) .
أيها العرب الكرام، المحتفلون بذكرى السلطان صلاح الدين العربي العدناني
كما روى ابن خلكان المؤرخ الشهير، وبذكرى معركة حطين العربية الفلسطينية،
يجب أن تبثوا في الأمة العربية كلها أن الخطر عليها من الاستعمار الأوربي في هذا
الزمان، بل في هذا العام، أكبر وأخطر مما كان قبل معركة حطين الفاصلة، وأن
ما يجب عليها لدفع هذا الخطر بالأموال والأنفس، هو أعظم وأشق مما قام به
أجدادهم في حطين، تحت لواء صلاح الدين، ففازوا بالنصر المبين.
ربما يتوهم بعضكم أنني أعني بهذه المشقة أن الأمة العربية لا تملك ما يملك
المعتدون عليها، والجادون في السعي لاستعبادها، من المدافع والدبابات والطيارات
والأساطيل، فتقاتلهم بمثل سلاحهم كما أوجب الشرع عليها، كلا إن هذا أهون
الخطرين؛ وإنما الخطر الأكبر الذي يندفع باندفاعه كل ما دونه هو قتال العرب
بالعرب، وتخريب بيوتهم بأيديهم، بما يبذله هؤلاء المستعمرون لهم من مال
يستأجرونهم به لقتل أنفسهم، وما هو إلا مما يسلبونه من بلادهم في الحال أو المآل،
وبما يستخدمون به طلاب الإمارة والوزارة وما دونهما من المناصب لخيانة أمتهم
وهدم معاقل استقلالها؛ وإنما هو ألقاب باطلة لا يخرجون بها عن كونهم خدمًا أذلة
للمستعمر السالب لسلطانهم الصحيح، ومجدهم التليد، فلعنة الله على أمثال هذه
الإمارات والوزارات والمناصب الصورية المدنسة برجس الخيانة، وعلى هذا
السحت الذي يبيعون به أوطانهم لأعدائهم.
وإن أمة يعيش فيها أمثال هؤلاء الخونة مكرمين مخدومين مزينين بألقاب
الجلالة والعظمة، والسمو والفخامة والسعادة لا يمكن أن تكون أمة عزيزة مستقلة،
بل لا بد أن يسلب منها ما بقي لها من استقلال ومال وشرف وحرية، إلا أن تتوب
إلى ربها، وتجتث شجرة الخيانة من بلادها كلها، فالأمة العربية مستمدة للحياة،
ولا تلبث بعد تطهيرها من هؤلاء الأنذال، أن يظهر فيها صلاح الدين فيقودها إلى
الوحدة ومجد الاستقلال.
لا أقول لكم عاقبوهم بمثل ما عاقبت وتعاقب به الأمم الحية أمثالهم، وما أشار
به حكيم الشرق وموقظه السيد جمال الدين الأفغاني قدَّس الله روحه في معالجة
فتنتهم، بل أقول إن ما دون ذلك من العقوبة الأدبية قد يفضي إلى تطهير الأمة من
رجسهم.
العقوبة الأدبية يملكها الكُتَّاب والخطباء والشعراء والمصنفون والجمعيات
العلمية والأحزاب السياسية، فعلى هؤلاء كلهم أن يتعاونوا على تنفيذ العقوبة بما
ينظمون من القصائد والمقاطيع والأغاني الوطنية في تشهيرهم، وتشويه خيانتهم
وتسجيل اللعنة عليهم، وبما يقولون من الخطب في مثل هذا المحفل الحافل، وفي
الأندية والسمَّار والمساجد، وبما يكتبون من المقالات التاريخية والاجتماعية في
المجلات والجرائد، وبما يصنفون من الكتب والرسائل، وبما يلقنون من علم
الأخلاق والاجتماع لطلاب المدارس.
وأما الأحزاب السياسية فعليها فوق هذا أن تسعى لإسقاط سلطتهم، وتأليب
الأمة عليهم، وإحباط كل سعي في تأليف عصبية لهم في أي عمل من أعمالهم،
حتى لا يجدوا في الأمة رجلاً قادرًا على العمل يكون آلة للأجنبي المعتدي على
بلادها، أو آلة للآلة الخائن لها؛ فإن لبعض الأمور السلبية من التأثير والبلاء في
بعض الأحوال، ما لا يكون للحديد والنار.
أتدرون أيها الإخوان لماذا رفع الإنكليز الحماية عن مصر؟ إنهم لم يرفعوها
لِما قتل الثائرون من رجالهم القليلين؛ وإنما رفعوها للثورة السلبية التي اتفق عليها
الموظفون في الحكومة بامتناعهم من حضور الدواوين، واشتغالهم فيها تحت سيطرة
الإنكليز، بل ما تسنى للإنكليز احتلال مصر إلا باستعداء حكومتها إياهم على
طلاب النصفة والإصلاح من شعبها، وبخيانة الخونة من باشاواتها لها (وقد بيَّنا
هذا في تاريخ الأستاذ الإمام الذي هو التاريخ الوحيد للنهضتين المصرية والإسلامية)
ثم لم يتمكنوا من سلب نفوذ حكومتها وجعلها آلة صماء في أيدي مستشاريهم ومن
دونهم المفتشين وغيرهم، إلا بأيدي تلك الجماعة التي كانوا يسمونها مجلس النظار
أو الوزراء، وأطلق عليها شيخنا الأستاذ الإمام اسم (جمعية الصم البكم) .
وإنكم لتجدون أيها الإخوان للثورة السلبية في هذه الأيام مثلاً أكبر وأوسع مما
كان في الثورة المصرية، وهو الثورة الهندية؛ ولكن ينقصها أن ساسة الأكثرين
من الوثنيين قد عجزوا عن إرضاء جميع الزعماء المسلمين، ولو اتفق الفريقان كما
اتفق المسلمون والقبط في مصر، لأمكنهم أن يعمموا ثورتهم السلبية بعدم التعاون
مع الإنجليز على أعمال الحكومة، وبعدم دفع الضرائب لها، وإذًا لكان استقلال
الهند قاب قوسين أو أدنى.
أيها الإخوان - أيها العرب الكرام:
إنه لا خير لكم في هذا الاحتفال ولا فائدة لكم من هذه الذكرى لسلفكم، إلا إذا
استفزتكم للجهاد في حفظ ما بقي لأمتكم العربية من الاستقلال في جزيرتها، منبت
شجرتها، وموطن قوتها، ومصدر حضارتها، ومأرزها عند شدتها، وفي استرداد
ما فقد من بلادها، ولا تهولنكم عظمة المعتدين الحربية، ولا ثروتهم المالية؛ فإنكم
إذا جمعتم كلمة أمتكم، ووفقتم لنبذ الخونة الذين يقاتلكم الأجنبي بهم؛ فإن شعوب
أوربة العاقلة المقتصدة لن تسمح لحكوماتها الطامعة بتجهيز جيوش صليبية جديدة
مجهزة بالآلات الحربية الحديثة لفتح جزيرتكم، والاستيلاء على الحرمين كما
استولوا على الثالث؛ وإنما يفعلون كل شيء من إذلالكم بكم، وانتزاع بقية
استقلالكم بأيديكم، كما قلنا آنفًا لكم، وقلنا ذلك وكتبناه من قبل لقراء مجلتنا المنار
وتفسيرنا ولغيرهم في بعض الصحف.
ومما كتبناه في مباحث هذه المسألة خاصة ما رواه مسلم في صحيحه من حديث
ثوبان رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زوى
لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن مُلك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها،
وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة
عامة - أي القحط - وأن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم -
أي ملكهم وسلطانهم ومستقر قوتهم - وإن ربي قال لي: يا محمد، إذا قضيت
قضاء فإنه لا يُرد، وإني أعطيك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط
عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا،
ويسبي بعضهم بعضًا) .
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما بشَّر به وأنذر، وما كان إلا
صادقًا، وما كان خبره عن الله إلا حقًّا، فقد أعطى الله أمته كل ما وعدها، وما
سلب أعداؤها شيئًا من بلادها، ولا سُلِّطوا على شعب من شعوبها إلا بمساعدة
المسلمين أنفسهم إياهم على أنفسهم، كما يعلمه كل واقف على تاريخ الاستعمار،
وآخره استيلاؤهم على هذه البلاد العربية من فلسطين إلى العراق، فإلى متى تسكت
الأمة للخونة الذين رضوا أن يكونوا شر سلاح للأجانب تفتح بهم بقية بلادها،
لتقضي على البقية القليلة من ملكها؟

الأخوتان الدينية والقومية:
هذا وإنني أوصي إخواني في الدين وإخواني في القومية العربية والوطنية
بالحذر التام من التفريق بينهم بدسائس الأجانب الطامعين، وأعوانهم من الوطنيين
المنافقين المأجورين، والمتعصبين المغرورين، الذين يبغون التفريق بينهم
باختلاف الدين؛ فإن مصلحتهم القومية والوطنية واحدة، وقوميتهم واحدة، ولغتهم
واحدة، وإن المسلمين لا يرون في أخوة الدين الروحية ما يعارض أخوة القومية؛
لأن الله قد أثبتهما في كتابه العزيز، فقال في الأولى: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (الحجرات: ١٠) وقال في الثانية: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ
المُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوَهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} (الشعراء:
١٠٥-١٠٧) وقال مثل ذلك في أخوة هود وصالح الرسولين العربيين وغيرهما
لأقوامهم المشركين.
وإن المطلعين على التاريخ من إخواننا في القومية العربية، يعلمون أن دولنا
العربية لم تفرق بين المختلفين في الدين في العدل والمساواة في حرية الاعتقاد
والعبادة والنفس والعرض والمال، وإن بغي الصليبيين وتعصبهم وما سفكوه من
الدماء البريئة باسم الصليب ونزغة الدين المسيحي إفكًا وزورًا لم يكن له من التأثير
بين المسلمين والنصارى في هذه البلاد العربية عشر معشار ما كانوا يظنون، بل
كان الجميع يعيشون متحدين متعاونين في أمور دنياهم، وكل منهم حر مستقل في
أمور دينه على قاعدة الشرع الإسلامي (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) فلم يستطع
الصليبيون الأولون ولا الآخرون أن يُفسدوا علينا من إخواننا في القومية ما أفسده
علينا خلفهم من إخواننا في الدين والقومية معًا بحب الإمارة والوزارة والمال.
أذكر في هذا شهادة لعالم مسلم عربي النسب والأدب، أوربي الوطن، وهو
الرحالة ابن جبير الأندلسي الذي مر ببلادنا سائحًا بعد عودته من الحجاز في عهد
الحرب الصليبية سنة (٥٨٠) فإنه قال في رحلته عند ذكر جبل لبنان الذي كان
فاصلاً بين البلاد الساحلية التي احتلها الصليبيون وبين غيرها وذكر ما كان في هذا
الجبل من عُباد المسلمين ما لفظه:
(ومن العجب أن النصارى المجاورين لجبل لبنان إذا رأوا به أحد المنقطعين
(أي للعبادة) من المسلمين جلبوا لهم القوت وأحسنوا إليهم، ويقولون هؤلاء ممن
انقطع إلى الله عز وجل فتجب مشاركتهم، وهذا الجبل من أخصب جبال الدنيا فيه
أنواع الفواكه، وفيه المياه المطردة، والظلال الوارفة، وقلما يخلو من أهل التبتل
والزهادة، وإذا كانت معاملة النصارى لضد ملتهم هذه المعاملة فما ظنك بالمسلمين
بعضهم مع بعض؟)
(ومن أعجب ما يُتَحَدَّث به أن نيران الفتنة تشتعل بين الفئتين مسلمين
ونصارى وربما يلتقي الجمعان ويقع المصاف بينهم، ورفاق المسلمين والنصارى
تختلف بينهم دون اعتراض عليهم) إلى أن قال بعد ذكر حرية التجارة للجميع بين
البلدين (مع الاتفاق والاعتدال في جميع الأحوال، وأهل الحرب مشتغلون بحربهم
والناس في عافية والدنيا لمن غلب، هذه سيرة أهل هذه البلاد في حربهم وفي الفتنة
الواقعة بين أمراء المسلمين وملوكهم كذلك) انتهى.
ولا يخفى على أحد منكم أيها الإخوان في هذا العهد أن هؤلاء الأجانب
المستعمرين لا هم لهم في بلادنا إلا استعبادنا وسلب ثروتنا، وأنه لا فرق عندهم
بين المسلمين والنصارى في ذلك؛ ولكن الإنكليز يفضلون اليهود على النصارى
كالمسلمين في فلسطين لأن لهم ربحًا ماليًّا وسياسيًّا من مساعدتهم، فهم يبغون أن
يكونوا مانعًا من بقاء هذا البلاد للعرب وحدهم، فحائلاً دون تأسيس الوحدة العربية
التي شعر العقلاء من جميع البلاد العربية بوجوب التعجيل بتأسيسها قبل قطع
المستعمرين طريقها عليهم [٣] .
وكذلك تفعل فرنسة بتفضيل النصارى عامة والماورنة خاصة على الطوائف
الإسلامية؛ وإنما غرضها من ذلك التفريق بين الطوائف حتى لا يكون لهم وحدة
قومية ولا وطنية، والدولتان ماديتان ماليتان، والدين عندهما من بضائع التجارة
المعنوية، ومنها ما لا ربح له إلا في المستعمرات، فلذلك تساعد فرنسة الجزويت
في مستعمراتها (وهي ترى أن سورية ولبنان منها) ولكنها لا تسمح لهم بالمقام
في بلاد فرنسة نفسها.
فظهور هذه النية السوءى من الدولتين الماديتين للعرب مسلميهم ومسيحييهم
أفضل فرصة تمكنهم من جمع كلمتهم، والحرص على قوميتهم ووحدة أمتهم، فلم
يبق عاقل متعلم منهم تغره الدسائس الاستعمارية التي كانت تخدع الفريقين بما
تحملهما به على التعادي، فتخوف النصارى من كثرة المسلمين، وتغري المسلمين
بالنصارى لميلهم إلى أعداء أمتهم وبلادهم، وقد أحبطت مصر العربية هذه الدسيسة،
وإن أهل سورية وفلسطين لأشد شعورًا من أهل مصر بحاجتهم إلى الاتفاق والوحدة
فجميع زعمائهم يدعون إليهما إذا كان سعد باشا قد انفرد بقوة وفده بإتمامهما في
مصر، وإن للجميع من تاريخ الدول العربية خير قدوة فيه.
أيها الإخوان في القومية العربية:
إن الغلو في العصبية الدينية لم تعرفه البلاد العربية ولا الأمة العربية إلا مما
بثته فيها الحرب الصليبية ثم المدارس الأوربية، فقد كانت المدارس هي التي دست
سم التفريق والتعادي في دسم العلم والحضارة الغربية؛ لأن الذين تعلموا في مدارس
الإفرنج أحسنوا الظن بهم، وجهلوا مقاصدهم منهم، وسبب ذلك أنه لم يكن لهم
دولة رشيدة ولا جمعيات قومية توجه أولادهم إلى التربية والتعليم الذي يعزز الدولة
وينهض بالأمة؛ وإنما كان الرجل يعلِّم ولده لأجل الاستعانة بعلمه على أسباب
المعيشة.
وكان المستعمرون ودعاتهم الذين ربوهم وعلموهم يظنون أن بلادنا إذا آل
أمرها إليه بسقوط الدولة العثمانية فإن أهلها يكونون من أغنى الناس وأعز البشر،
لا فرق بينهم وبين الإفرنج محرريهم في شيء، وكانوا يبثون لهم هذه الدعاية،
فلما زال سلطان الدولة العثمانية عن البلاد ظهر لأولئك الدعاة ولسائر الناس أن
الدولة العثمانية كانت أبر وأرحم منهم؛ لأنها كانت إلى آخر عهد السلطان عبد
الحميد ترضى من البلاد بقليل من الضرائب وشيء من رشوة الحكام، وتترك لهم
الحرية في أديانهم ومذاهبهم ولغاتهم وقومياتهم وتربيتهم وتعليمهم وكسبهم، وما كان
في آخر العهد الحميدي من الضغط السياسي فسببه خوف السلطان على شخصه
وسلطته من أحرار قومه وأعوانهم.
وظهر لهم ولغيرهم أيضًا أن هاتين الدولتين لا يتركان لأهل البلاد - التي
رزئت بنفوذهم وما سموه بالانتداب لمساعدتهم على استقلالهم - استقلالاً، ولا ثروة
ولا قومية، ولا وطنًا ولا حرية، ولقد رأينا أَلَيَنَهُما ملمسًا في الاستعمار أَشَدَّهما
وطأة علينا في هذه البلاد المقدسة، فقد ابتدع انتدابها فيها بدعًا من الظلم لم يسبقها
إليه أحد من الظالمين المستبدين، وهو هبة وطننا إلى أوزاع وأشتات من شعب ذي
أثرة وعصبية تستغيث منهما جميع شعوب الأرض، حتى إننا نرى أرقى هذه
الشعوب في كل علم وعمل وقوة وهو الشعب الألماني يخاف منه ويناوئه، فماذا
يرجو الشعب الفلسطيني الصغير الفقير الضعيف من البقاء معه؟ وأنى يأمن إخوانه
في شرق الأردن على أرضهم وديارهم ومعايشهم، وهم يعلمون أن أرض فلسطين
وحدها لا تكفي اليهود لتأسيس وطنهم القومي وإعادة ملك إسرائيل، فلا بد لهم من
شرق الأردن وما ضمه الانتداب إليها من أرض الحجاز، بل لا بد لهم من إعادة
ملك سليمان كله؟ ونحن أولى منهم بإعادة ملك العرب كله أو ما تقطنه الشعوب
العربية منه على الأقل؛ فإنه لا حياة لنا ولا بقاء فيما دون ذلك، بل لا حياة لنا في
أوطاننا التي نسكنها ونملك رقبة أرضها منذ قرون طويلة إلا باتحادها كلها،
وتعاونها على إحياء الحضارة العربية والعمران الذي تقتضيه علوم هذا العصر
وفنونه، وجعلها ركنًا من أركان السلم العام، وهي أكبر خطر عليه الآن بضعفها
وطمع الطامعين فيها.
الجامعتان العربية والإسلامية
أيها القوم:
لا يطوفنَّ في خاطر أحد منكم أن الجامعة الإسلامية التي كثر حديث الإفرنج
عنها وحسبانهم لها كل حساب تعارض ما قام عليه الدليل من وجوب الجامعة
العربية وتوقف حياتكم عليها، ولا ما يدعو إليه كثير من ساسة الشرق من وجوب
تأسيس جامعة شرقية أيضًا؛ فإن كل جامعة من هذه الثلاث لها دائرة خاصة بها،
من حيث يؤيد بعضها بعضًا في دفع عدوان الغرب عن الشرق كله.
يا قوم: إن الواضع لهذه السياسة الشرقية من جميع أركانها وجوانبها هو حكيم
الشرق الأكبر وموقظه من رقاده السيد جمال الدين الأفغاني، وكان معينه الأكبر
عليه وناشره بلسانه الفصيح القوَّال، وقلمه البليغ السيَّال شيخنا الأستاذ الإمام الشيخ
محمد عبده المصري، وقد شرحنا ذلك في المنار وفي تاريخهما الحافل المستقل
واتبعناهما فيه، وما كان الزعيم السياسي الكبير سعد باشا زغلول الذي وحَّد القومية
المصرية مع حرية كل ذي دين في دينه إلا ربيب الشيخ محمد عبده وتلميذه، وما
تلقى هذه السياسة إلا منه، كما شرحناه في هذا التاريخ وأيدناه ببعض خطوط سعد
باشا منقولة فيه برسمها الشمسي العكسي، فالوحدة القومية والوطنية، لا خلاف فيها
بين رجال الدين ورجال المدنية.
أيها الفلسطينيون:
إن لديكم شاهدين عدلين على عدم التعارض بين الجامعتين: هما جريدة
الجامعة العربية في القدس، وجريدة الجامعة الإسلامية في يافا، ألا ترون كلاًّ منهما
داعية إلى القومية العربية واتحاد جميع الناطقين بالضاد فيها، وأصحابهما من خيار
المسلمين؟
وإن لديكم شاهدًا حاضرًا يتضمن شواهد كثيرة، وهو جعل هذا الاحتفال
بذكرى السلطان صلاح الدين ومعركة حطين مشتركًا بين المسلمين والمسيحيين،
والداعي إليه من أشهر علماء المسلمين، وخطباؤه من الفريقين.
وأما الإسلام نفسه فهو أوسع صدرًا مني ومن الشيخ محمد كامل رئيس هذا
الاحتفال القومي الوطني، ومن سعد باشا زغلول، ومن أستاذ الجميع الشيخ محمد
عبده، والسيد جمال الدين، بل به اهتدينا في دعوتنا هذه.
الحق أقول لكم إن الإسلام يسمح لنا أن نتفق مع اليهود الوطنيين المستعربين
الذين يعيشون معنا على قاعدة شرعنا: (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ولكنه لا
يسمح لنا بأن نتفق مع الصهيونيين الأعاجم الذين يريدون سلب وطننا منا وجعله
وطنا عبرانيًّا لهم، فنحن خصوم لهؤلاء دون سائر اليهود.
قال الله عز وجل: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ
يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ * إِنَّمَا
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى
إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة: ٨-٩) .
وهؤلاء الصهيونيون يريدون إخراجنا من ديارنا، وغلبنا على أوطاننا؛ وإنما
هم آلة من آلات المستعمرين في قتل أمتنا كلها، فالواجب علينا دينًا وقومية ووطنية
أن نجمع كلمتنا، ونوحد أمتنا، وأن يستعين المسلمون منا على مسخري هذه الآلة
وغيرها في استعمارنا بالرأي العام الإسلامي، وأن يستعين المسيحيون منا عليهم
بالرأي العام المسيحي، فبهذا الاتحاد دون سواه يُرجى أن ندفع هذا البغي والعدوان
عن أنفسنا، فإن لم نفعل كنا نحن الظالمين لأنفسنا {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (الرعد: ١١) {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (الكهف: ٤٩)
والسلام على من اتبع الهدى اهـ.