للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: حسن البنا


(٧) حكم الصلاة في النعلين

(هل يصح تأدية الصلاة في الأحذية ومعاملتها معاملة الخفين، وإن صح
ذلك فما هي شروطه؟ وهل جميع المذاهب تجيزه؟ أفيدونا مشكورين، والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته) .
... ... ... ... ... ... ... ... إسماعيل محمد سالم
... ... ... ... ... ... ... ... ... شبين القناطر
في هذا السؤال أمران: حكم الصلاة في النعلين، وحكم اعتبارهما خفين
يجوز المسح عليهما.
فأما عن الأمر الأول فالصلاة في النعلين الطاهرين جائزة بإجماع المذاهب
لورود الأحاديث الصحيحة بذلك: (فعن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: سألت أنسًا
أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم) (متفق عليه) وقد
ورد ذلك في كثير من الأحاديث الصحيحة، وهل الصلاة في النعلين من العزائم
والمستحبات، أم هي من الرخص والتيسيرات، أم هي من المباحات فقط؟
أقوال واردة لاختلاف الأدلة.
وممن ذهب إلى الاستحباب: الهادوية، وروي عن عمر - رضي الله عنه
- بإسناد ضعيف أنه كان يكره خلع النعال، ويشتد على الناس في ذلك، وكذا عن
ابن مسعود، وقال ابن بطال: الصلاة في النعال والخفاف من الرخص - كما قال
ابن دقيق العيد -: لا من المستحبات؛ لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من
الصلاة، وهو وإن كان من ملابس الزينة إلا أن ملامسة الأرض التي تكثر فيها
النجاسات، قد تقصر عن هذه الرتبة، وقال القاضي عياض: الصلاة في النعلين
رخصة مباحة؛ فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضي الله عنهم - وذلك
ما لم تعلم نجاسة النعل، وممن كان لا يصلي في النعلين عبد الله بن عمر وأبو
موسى الأشعري.
وكل هذا إذا كانتا طاهرتين أو لم تعلم النجاسة عليهما، أما إذا كانتا نجستين
فالإجماع على خلعهما ما لم تطهرا؛ لما أخرجه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري
- رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى فخلع نعليه، فخلع
الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: يا رسول الله، رأيناك
خلعت فخلعنا، قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثًا، فإذا جاء أحدكم
المسجد فليقلب نعليه، فلينظر فيهما، فإن رأى بهما خبثًا فليمسحه بالأرض، ثم
ليصل فيهما.
وهل تطهران بالدلك بالأرض، أم لا بد من التطهير بالماء؟ في ذلك تفصيل
قال القاضي عياض من المالكية: إن علمت النجاسة، وكانت متفقًا عليها لم
يطهرها إلا الماء، وإن كانت مختلفًا فيها كأرواث الدواب وأبوالها ففي تطهيرها
بالدلك بالتراب قولان: الإجزاء، وعدمه؛ وأطلق الأوزاعي والنووي إجزاء الدلك
لحديث أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: (إذا وطئ أحدكم
الأذى بخفيه فطهورهما التراب) ويرى أبو حنيفة إجزاء الدلك إلا في البول
ورطب الروث، ولا يرى الشافعي الإجزاء إلا بالغسل بالماء، وعند الحنابلة هذه
الأقوال جميعًا.
ومن متممات هذا البحث أن يلفت النظر إلى هذه الأمور:
(١) إذا تعذر خلع النعلين لمانع قهري - كما يكون ذلك للضباط والجنود
ومَن في حكمهم - فعلى المفتي أن ييسر الأمر عليهم، ويجيز لهم الصلاة في
النعلين، ويحملهم على أيسر الأمور، وحسبهم الدلك بالأرض.
(٢) يلاحظ في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالنعال أن
المسجد لم يكن فيه فراش حينذاك، وأن النجاسات المغلظة لم تكن قد أحاطت بحياة
الناس هذه الإحاطة، وأن كثرة المشي في الرمال كفيلة بالتطهير، وأن الأمر لا
يعدو أن يكون رخصة جائزة، فالتشبث بهذا المظهر - بحجة أنه إظهار سنة مهملة -
فيه نظر، والأولى إيثار الخلع، وخصوصًا وقد تغيرت كل هذه الاعتبارات
جميعًا، والله أعلم.