للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


لا بد من قتل صاحب المنار

بلغنا أن الكاتب المغرور، محمد حسين هيكل بك رئيس تحرير جريدة
السياسة الغرور، لسان حال الحزب الحر الدستوري وحزب الملاحدة قد قرر
لمرؤوسيه محرري جريدة السياسة لا بد من قتل صاحب المنار فوافقوه، وهم يعنون
بهذا القتل ما يكون بأسنة أقلامهم الطعانة , فالمتبادر أنهم يعنون القتل المعنوي , أو
ما يسمونه الأدبي , وإن كانوا لا يدخرون وسعًا إذا قدروا على إيذائه بغير ذلك كما
فعلت السياسة حين اتهمته من قبل أنه يعمل مع جمعية سرية دينية سياسية بإغراء
الأمير عباس حلمي (الخديوي السابق) , ولولا أن كذبت الحكومة هذه التهمة تكذيبًا
رسميًّا عقب إذاعة جريدة السياسة لها لانتزع صاحب المنار من بين أهله , ووضع
في غيابة السجن رهن التحقيق , فكان ذلك أطرب لرئيس تحرير السياسة من
الصبوح والغبوق، وبلوغ العيوق.
كان ذنب صاحب المنار لدى جريدة السياسة يومئذ إنكاره على علامتها
المحقق الشيخ علي عبد الرازق كتابه الذي أنكر فيه التشريع الإسلامي من أساسه.
وقد تضاعفت ذنوب صاحب المنار من هذا النوع , فهو بالمرصاد لجميع
أنواع الدعاية الإلحادية التي تبثها جريدة السياسة باسم التجديد والثقافة العصرية التي
تزعم أن مصر بدعايتها وبعناية مدرسة الجامعة المصرية ستنسخ بها ثقافة الإسلام
التي مصدرها الأزهر وغيره، وتحل محلها، ويتبعها في ذلك سائر العرب بزعمها.
يظن محرر السياسة أن الذي يطلق لسانه وقلمه من كل قيد من قيود الحق
والصدق والأدب يستطيع إذا كان ذا خلابة أن يجعل الحق باطلاً والنور ظلامًا
والشرف خسة والفضيلة رذيلة، ويظنون أنهم فعلوا بخلابتهم بسعد ووفده ما لم يفعله
جيش الاحتلال , وفعلوا لحزبهم ما لا يسمح لنا ببيانه المجال.
هذا وإن سعدًا قد بلغ من ارتفاع المكانة في مصر ما لم يبلغه أحد يعرفه
التاريخ , فماذا يكون رشيد رضا الغريب السوري الضعيف؟ يقولون: إنا قتلناه
نصف قتلة بما كتبناه في مسألة مؤتمر الخلافة , وكما قتلنا الأزهر نفسه , فهو الآن
مثخن جراحًا , وسنقضي عليه ببضع مقالات أخرى.
غرور كبير، ما قتلوا ولن يقتلوا إلا حزبهم وأنفسهم، وسنقضي بحول الله
وقوته على أباطيلهم {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ
الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء: ١٨) .
((يتبع بمقال تالٍ))