للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(مؤتمر الأديان في اليابان)
كتبنا في الجزء الثامن عشر من السنة الماضية (الصادر في ١٦ رمضان
سنة ١٣٢٣) مقالةً في دعوة اليابان إلى الإسلام، وكتبنا بعدها نبذًا أخرى في ذلك
(راجع: ص ٧٠٥ و٧٩٦ و٩٨٧ م٨ وص٧٥ م٩) ، وقد أشرنا في الجزء الأول
من هذه السنة إلى ما كان لتلك الكتابة من التأثير في بلاد الإسلام شرقيها وغربيها
حتى إن بعض أهل الغيرة وعد ببذل المال في هذه السبيل عندما تظهر الدعوة إلى
ذلك في المنار، وبعضهم قد أرسل إلينا حوالةً ماليةً للإعانة على ذلك ووعد بتأليف
جمعية تجمع المال من الموسرين إذا نحن شرعنا في العمل , وقد أشرنا في بعض
ما كتبنا إلى أن مثل هذا العمل لا يأتي إلا من جمعية تقوم به؛ لأن ما يأتي من
الأفراد يكون ضعيفًا غير ثابت ولا دائم , وكان خطر لنا من بضعة أشهر أن نسعى
في تأليف جمعية للدعوة إلى الإسلام تكون لها مدرسة خاصة لتعليم الدعاة ما يعدهم
لإقامة هذه الفريضة المحتمة فاستشرنا بعض أهل الرأي والغيرة في ذلك بمذاكرة
الحاضر ومكاتبة الغائب فاجتمعت الآراء على استحسان المشروع، ولكن ظهر لنا
أن بعض الكبراء منهم لا يثق بقدرة الجمعية التي يراد تأليفها على جمع المال الذي
يكفي للقيام بهذا العمل خلافًا لنا في اعتقادنا أن هذا المشروع يقع أحسن الوقع من
نفوس جميع طبقات المسلمين، ويرجى تعضيده من جميع البلاد الاسلامية إذا كان
القائمون به ممن يوثق بهم في استقامتهم وكفاءتهم , وإنما كتبنا في ذلك لأجل
تحريك الهمم وتوجيه النفوس إلى العمل.
وفق الله بعض أهل الفضل للاجتماع والمشاورة في ذلك، وألفوا لجنةً
اجتمعت عدة مرات، وبحثت في المشروع، ثم لما أقبل الصيف بحره وتفريقه
اختاروا أن يرجئوا الاجتماع والسعي إلى أن ينتهي الصيف.
وكان من اقتراح بعضهم أن تعجل الجمعية بإعداد ثلاثة أو خمسة نفر
يستعدون بالمطالعة والمدارسة للسفر إلى اليابان فاستحسن اقتراحه، ولكنهم لم
يشرعوا في شيء بالفعل وما سكتوا عن ذلك إلا وأنطق الناس كلهم به خبر المؤتمر
الديني الذي قرب وقت انعقاده في عاصمة اليابان.
سبق للدولة اليابانية عقد مؤتمر ديني منذ سنين، وقد دعت أهل الملل في هذا
العام لعقد مؤتمر آخر يحضره الراسخون من أهل كل ملة يُظهرون فيه حقائق دينهم
وحججهم على كونه حقًّا مفيدًا للبشر والعمران، ويقال: إن أُولي الأمر في الأمة
اليابانية سيدخلون في الدين الذي يظهر لهم بعد البحث الطويل أنه خير الأديان،
وأعونها على ارتقاء الاجتماع والعمران.
ذكرت (الجرائد المحلية) هذا الخبر فشغل الناس به عن كل خبر حتى
كان حديث المحاور والمسامر، في كل نادٍ وسامر، بل تجد الناس يتحدثون به في
مواضع أعمالهم، عمال الحكومة في دواوينهم، والقضاة في محاكمهم، والتجار في
دكاكينهم، والفَعَلَةُ في مواضع الحرث والبناء وغيرها من الأعمال، وكل مسلم مقيم
في مصر يقول: إنه يجب أن يكون لمصر أعضاء في هذا المؤتمر، وقلما يذكر
أحد منهم اليأس من قيام الحكومة بذلك، والرجاء في الأمة إلا ويفصح بارتياحه إلى
البذل في هذه السبيل بقدر ما تسمح له سعته، ومنهم من يشترط في ذلك أن يكون
من يختارون للإرسال أهلاً لبيان ما يمتاز به دين الإسلام على جميع الأديان , ومن
شروط ذلك معرفة حقائق الدين الإسلامي وحكمته أو فلسفته كما يقولون، ومعرفة
الأديان الشهيرة الأخرى كالبوذية والبرهمية واليهودية والنصرانية , وترى العارفين
بأحوال الزمان والمكان يكادون يجمعون على أنه لا يوجد في شيوخ الأزهر مَن هم
أهل لذلك على أنه قد يرشح نفسه لمثل هذا العمل من هو دون شيوخ الأزهر علمًا
ومعرفةً ومِن الناس مَن يهوى يظهر للناس غيرته وغيرة من يحب.
ما أجدر تلك اللجنة التي جمعها غير مرة هذا الرجاء، قبل أن تتنازعه
الأهواء بالبحث في هذا الأمر فإن رأته متيسرًا قامت به، وإن رأته متعذرًا أظهرت
رأيها للناس فيه لعلهم يقنعون.
أما الدولة العلية فقد أرسلت إلى المؤتمر من قِبَلها ثلاثة نفر بأمر السلطان،
وبلغنا أن بعض مسلمي الهند وروسيا قد ذهبوا من قبل أنفسهم، وأول مسلم انتدب
لذلك رجل إنكليزي قريب عهد بالاسلام، وإن في ذلك لعبرة لأولي الأحلام.
* * *
(مسألة العقبة)
رجونا أن تحسن الدولة العلية المخرج من مسألة العقبة إذا كانت لم تحسن
المدخل فلم يقضَ لنا ما رجونا، وذلك أنها لم ترضَ بأن تحل عقدة الخلاف
بالمذاكرة بينها وبين الخديوي وحكومته فاضطرت إنكلترا إلى أن تضرب للدولة
أجلاً عشرة أيام تُخرج فيها جنودها من نقطة الخلاف وتجيب إلى تعيين لجنة تحدد
الحدود على أوجه المطلوب، وتنذرها الويل والثبور إذا هي لم تفعل، فأجابت
إنكلترا إلى ما طلبت في اليوم العاشر فكان هذا الفشل كسابقه في مكدونية وغير
مكدونية؛ إذ تنال أوربا منا كل ما تريد في تركيا ومراكش وكل مكان، ونحن
مصرون على ذنوبنا التي نؤخذ بها كما قال ربنا: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (الشورى: ٣٠) لا ملوكنا يتوبون عن استبدادهم بالأمر، ولا
أمتنا تتوب عن غرورها ومكابرتها واسترسالها في أهوائها وجهالتها , والعجب الذي
لا ينقضي أن أكثر الذين يوصفون بالفهم منا يرون أنه يجب علينا إظهار القوة من
الضعف ووضع الستور على عيوبنا وذنوبنا التي حل بنا البلاء باقترافها لكيلا
يشمت بنا أعداؤنا، ولذلك يوهمون الأمة بأن كل خذلان نصاب به هو عين الفوز
والظفر، وسنبين الحق في هذه المسألة في مقال خاص.
* * *
(الشيخ علي الجربي)
رغب شيخ الجامع الأزهر إلى الأمير أن يجعل الشيخ عليًّا الجربي مدرسًا
واعظًا في المساجد المصرية، ويعين له راتبًا من الأوقاف الخيرية يستعين به على
عمله، فأجاب الأمير إلى ذلك وكتب من ديوانه إلى مدير الأوقاف بعد رسم الخطاب
ما يأتي:
(بناءً على التماس صاحب الفضيلة شيخ الجامع الأزهر قد سمحت المكارم
السنية بترتيب ستة جنيهات شهريًّا لحضرة الشيخ علي أبي النور الجربي محسوبة
على الأوقاف الخيرية اعتبارًا من ٢٦ مارس نظرًا لقيامه بالوعظ وبث العلم وإرشاد
المسلمين إلى حقائق الدين الإسلامي واقتضى تحريره لسعادتكم تبليغًا للأمر، أفندم) .
ميز الشيخ علي على سائر الوعاظ بجعله واعظًا في جميع المساجد، له أن
يعلم ويعظ حيث وجد، وإنما يعين الواعظ عادةً في مسجد واحد، وذلك أن الشيخ
عليًّا جوّال وأولئك قاعدون أو متقاعدون , وما ميز عليهم في التعيين إلا وهو ممتاز
بالذات فإنك ترى العالم الأزهري من أصحاب الدرجات الرسمية إن وعظ لا يحضر
مجلسه إلا الآحاد، وترى الجربي - وهو ليس بصاحب درجة رسمية - يعظ
فيحضر مجلسه العشرات والمئات. ترى غيره يعظ في كتاب يقرأه ويعرب كلماته
ويبين للعامة ما فيها من نكات البلاغة فلا يبلغ شيء من معاني الكلام قلوبهم وترى
الجربي يعظ بغير كتاب فيفهم الناس حتى يبلغ مواقع التأثير من قلوبهم، ولم يذكر
كلمةً واحدةً من اصطلاحات فنون البلاغة. رأيت أحد علماء الأزهر يقرأ درسًا
للعامة في مسجد عينته فيه جمعية مكارم الأخلاق فإذا هو يفسر لهم حديث:
(العلماء سرج الدنيا ومصابيح الآخرة) فمكثت في المسجد ساعةً لم يَعْدُ بكلامه فيها
البحث في المصابيح هل هي عين السرج فيكون اختلاف التعبير للتفنن، أم هي
أخص منها ... وفي وزن السراج والسرج والمصباح والمصابيح , فانظر ماذا
يختارون لتلقين الناس، وكيف يشرحونه لهم، والجربي لا يفعل مثل ذلك، وإنما
يتكلم على الناس بما يعتقد أنه يفيدهم في عقائدهم وأخلاقهم وآدابهم وعباداتهم
ومعاملاتهم وفقنا الله وإياه إلى السداد والإخلاص آمين.
* * *
(جمعية العروة الوثقى الخيرية الإسلامية)
إن تقرير هذه الجمعية عن السنة الدراسية الماضية ينبئ بنجاحها وثباتها،
وفيه أنها أنفقت على التعليم في هذه السنة نحو ٥٥٣٦ جنيهًا منها ٤٣٤١ جنيهًا
وكسور من الأجور التي تؤخذ من التلاميذ، فنشكر لأعضائها الغيورين سعيهم،
زادهم الله توفيقًا.
* * *
(تصحيح)
في ص ١٥٩ من الجزء الثاني (كأفحوص القطاة) وصوابه: (كأدحية
النعامة) ، وهو مبيضها في الرمل، وسبب سبق الذهن إلى الأفحوص ما ورد في
الحديث من تشبيه المسجد الصغير به , وفي ص٢١٧ من الجزء الثالث: (فلا
والذي بيته في السماء) والصواب وضع (ذو) مكان (الذي) كما هي الرؤية وذو
عند طيء بمعنى (الذي) .