كتبنا في الجزء الخامس الذي صدر في سلخ جمادى الأولى من هذا العام مقالة عنوانها (الفتنة في نجد - أسبابها ونتائجها) بيَّنا فيها ما ينبغي أن يعتبر به المسلمون منها، وما للناس ولا سيما أصحاب الصحف من الآراء المختلفة فيها، وأن الذين كبروها في نظر غير العارفين بكنه قوة ملك الحجاز ونجدهم (دعاة الهاشميين) كمحرري جريدة القبلة للملك حسين من قِبَل عبد الرؤوف الصبان وطاهر الدباغ، فالأول تولى كبر الإرجاف في مصر، والثاني تولى كبره في سنغافورة وجاوة، وكان لسان حالهم في مصر جريدة الأهرام، وفي جاوة جريدة حضرموت، وكانت الأهرام تنشر مقالات بإمضاء (عربي مطلع) قلما كتب أحد في الاختلاق ومكابرة الحقائق مثلها، وقد انتهت الفتنة وقُبض على فيصل الدويش وجريدة حضرموت تنشر مقالات الدباغ الخبيثة. وفي أثناء هذا النصر المبين نشر مراسل الأهرام (عربي مطلع) أن كل ما ينشر من أخبار انهزام فيصل الدويش، ومن قرب استيلاء ابن السعود عليهم، كذب وإرجاف، وأن الفتنة قد عمت نجد كلها ووصلت إلى الحجاز! ! فيا لله العجب من جرأة هذا الجاهل، ولكن من نشر عجوز الصحف العربية له هذا البهتان المفضوح الذي لا يخفى على محرريها. وكان من أهم مقاصد هؤلاء الناشرين صرف قلوب المسلمين عن أداء فريضة الحج بإيهامهم أن أعراب الحجاز قد شرعوا في التألب على الحكومة السعودية، وإيقاد نار الثورة عليها بالتبع لقبائل نجد، وأنه لا يجيء موسم الحج في آخر سنة ١٣٤٨ إلا وقد تقلص ظل الحكومة السعودية عن الحجاز ونجد معًا، وربما بقي للحرب والقتال بقية تحول دون أداء الفريضة! ! ثم نشرنا في الجزء السادس الذي نشر في سلخ جمادى الآخرة استفتاء من عدن ذكر مرسلوه أن بعض دعاة الفتنة من أعداء ابن السعود شرعوا في نشر فتاوى زعموا فيها أن الحج لا يجب في هذا العام على المسلمين، أو ما دام علمه - علم التوحيد - منشورًا في الحجاز، وقد فنَّدنا زعمهم وبيَّنا أن من يستحل صد الناس عن أداء فريضة الحج يكون مرتدًّا عن الإسلام. وقد كثر سؤال الناس إيانا في أثناء الفتنة بالمشافهة والمكاتبة عن حقيقة الأمر فيها، وما نرى من عاقبتها؟ ومما كنا نقوله إن الله تعالى يقول: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف: ١٢٨) وستعلمون لمن تكون هذه العاقبة؟ ومما كتبناه من الأجوبة في المنار أننا لا نظن كما يظن الكثيرون أن الإنكليز ينقضون عهدهم مع ملك الحجاز ونجد، وكذلك كان ألَّف الملك عبد العزيز جيشًا من حضر نجد يبلغ زهاء أربعين ألفًا، فطاردوا العصاة حتى فروا إلى حدود الكويت والعراق، ثم اضطر فيصل الدويش وابن مشهور من زعماء الدولة، وابن حثلين أكبر زعمائهم إلى تسليم أنفسهم للإنكليز حماة الكويت والعراق، وطلبوا أن يكونوا تحت حمايتهم ومن رعيتهم، وهكذا يكون أهل الدين الخارجين على إمامهم بدعوى منعه إياهم من جهاد الكافرين والمشركين! ! وكان من هنالك من رجال الإنكليز يريدون حمايتهم وجاء في البرقيات العامة أنهم قرروا إرسالهم إلى الهند وجعلهم ضيوفًا سياسيين في جزيرة سيلان؛ ولكن ملك الحجاز ونجد ألح في طلبهم ولم يمكن إقناعه بما دون ذلك، فجاءت الأوامر من حكومة لندرة بإسلامهم له، فحملوا إلى معسكره لدى الحدود في طيارة عسكرية فتسلمهم معتقلين، أذلاء صاغرين مخذولين، وكان ذلك اليوم يومًا مشهودًا أعز الله فيه عبده وهو العزيز المقتدر الذي وعد بنصر من ينصره، وكانت العاقبة للمتقين، كما كنا نقول بهداية الكتاب المبين، وكان تأثير ذلك في معسكره، ثم في سائر نجد وغيرها من بلاد العرب عظيمًا جدًّا.