رجال السياسة والجيش يدعون إلى توسيع سلطان الكنيسة نداء حاكم السودان العام: كان السودان الجنوبي منذ خمسين سنة مرتع الأهوال التي تجل عن الوصف فكانت العصائب المسلحة من تجار الرقيق تهاجم الأهالي الآمنين، واقتيدت عشرات الألوف من الرجال والنساء والأولاد بخزائم الأسر، وعشرات مضاعفة من الألوف أعملت فيها السيوف ذبحًا في الغارات الوحشية، وتركت عظامها منتثرة على الأديم لتبقى أثرًا دالاًّ على طريق الرق، وبين المصاعب والمخاطر قام الجنرال تشارلس غوردن وكان قد قطع ما بينه وبين العالم الخارجي ودام ذلك أشهرًا بما قام به، فقاتل تجارة الرقيق، وأنقذ الضحايا من بين أيديهم، وجعل القبائل الجنوبية تشهد فجر الشجاعة والأمل. ثم إن الثورة على الحكومة المصرية، اندلع لهيبها مطبقًا السودان الأوسط والشمالي وأصبح القتل نذيرًا لكل من بقي على الإخلاص أما غوردن، فبعد أن قضى في إنجلترة مدة قصيرة للراحة، أخذ مرة أخرى لينقذ الكتائب المنعزلة ويفك عنها أغلال الحصار، وليمكن غيرها من وسيلة الانسحاب إلى مصر، فبذل مجاهيد في هذا السبيل تُذْكَر فتُشْكَر؛ إذ استطاع كثيرون أن يدركوا النجاة بالانسحاب إلى الشمال، ولكن الذين كانوا لا يزالون في الوراء كان عددهم وافرًا، ومع أنه كان بوسع غوردن - برعاية الأوامر التي بيده - أن يلتحق بالقوم النازحين ويلوذ بمصر ناجيًا، فإنه أبى أن يفارق الذين اتخذوه مأمنًا لهم، فبقي في الخرطوم حتى أحدق بها الثوار بعد ذلك بقليل، وبعد حصار مرهق، دخلوها في ٢٦ يناير ١٨٨٥ ونهبوها، وخر غوردن قتيلاً بحراب الدراويش، فمات كما عاش في سبيل غاية من معالي الغايات، واسمه لا يزال كأنه الوحي والإلهام لكل فرد من الجنس الناطق بالإنجليزية: إن هذا هو التراث الباقي. لأجل تخليد ذكرى حياته وموته، وتوحيد العمل المتعلق باسمه وإدامته يوجه الآن هذا النداء للاكتتاب بمبلغ (٦٠٠٠٠ جنيه) فإن السودان بلاد مترامية الأطراف، تكاد تكون رقعتها أكبر من ألمانية وفرنسة وإيطالية مجتمعات، والبريطانيون الآهلون في هذه البلاد، نراهم ضاربين في المطارح العديدة والأماكن السحيقة حيث يصعب أن يكونوا حيث هم، وحاجاتهم الروحية غير مقضية، وقد أسلف إلى الآن أهل التضحية الخاصة، الباذلون بسخاء، كثيرًا من جيد العمل الكافل لتخليد اسم غوردن في هذه الديار، ولكن العمل الذي هو أكبر، لا يزال ينتظر أن يعمل: فالكنائس يجب أن تشاد في بورسودان، وعطبرة، وواد مدني، ولكن المال الذي يكفي ليس ناجزًا، والكتدرائية التي في الخرطوم، وفي كنيسة غوردن التذكارية، لم تزل غير مكملة، ولم تحبس عليها الهبات بعد، والقسس عددهم نزر يسير، في قطر عظيم، وأجرهم أجر قليل، عن عمل كثير، وليس باليد رأس مال يكفي نتاجه الآن حتى لأعطيات هؤلاء القسس فإلى أولئك القوم الذين يذكرون اسم غوردن منذ عهد الطفولة، وإلى غيرهم من الذين يجدون في هذا المثال العظيم الوحي والإلهام، نوجه هذا النداء، إذ - ونحن لا نتناول عون المعين- ليس إلى القيام بعبء هذا التراث الجليل من سبيل.