لو أن كل مسلم تدبر آيات الكتاب العزيز واستمسك بهدايتها لما أصاب المسلمين تلك الكوارث المفجعة، والمصائب المدلهمة. لو أن المسلمين اعتصموا بآيتين (الصواب بآية) من القرآن تتلى في كل صلاة وهما {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: ٥) بالإخلاص لله دون الإشراك به والاعتماد على غيره، والاستعانة به دون سواه، والسير على حسب سنته وقوانينه العادلة - لما أصابهم الذل والهوان في مشارق الأرض ومغاربها. ذكر الأستاذ العلامة ابن القيم أن سر الخلق والأمر والكتب والشرائع والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: ٥) وعليهما مدار العبودية والتوحيد، حتى قيل: إن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن، وجمع معاني القرآن في الفاتحة، ومعاني الفاتحة في] إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [وهما الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده فنصفها له تعالى وهو ] إِيَّاكَ نَعْبُدُ [ونصفها لعبده وهو {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: ٥) . فسر الأستاذ الإمام المرحوم الشيخ محمد عبده: (أن للعبادة صورًا كثيرة في كل دين من الأديان شرعت لتذكير الإنسان بذلك الشعور بالسلطان الإلهي الأعلى الذي هو روح العبادة وسرها، ولكل عبادة من العبادات الصحيحة أثر في تقويم أخلاق القائم بها وتهذيب نفسه، والأثر إنما يكون عن ذلك الروح والشعور الذي هو منشأ التعظيم والخضوع، فإذا وجدت صورة العبادة خالية من هذا المعنى لم تكن عبادة، كما أن صورة الإنسان وتمثاله ليس إنسانًا. خذ إليك عبادة الصلاة مثلاً، وانظر كيف أمر الله بإقامتها دون مجرد الإتيان بها، وإقامة الشيء هي الإتيان به مقومًا كاملاً يصدر عن علته، وتصدر عنه آثاره، وآثار الصلاة ونتائجها هي ما أنبأنا به الله تعالى بقوله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} (العنكبوت: ٤٥) وقوله عز وجل: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا * إِلاَّ المُصَلِّينَ} (المعارج: ١٩-٢٢) وقد توعد الذين يأتون بصورة الصلاة من الحركات والألفاظ مع السهو عن معنى العبادة وسرها فيها المؤدي إلى غايتها بقوله: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ} (الماعون: ٤-٧) فسماهم المصلين؛ لأنهم أتوا بصورة الصلاة، ووصفهم بالسهو عن الصلاة الحقيقية التي هي توجُّه القلب إلى الله تعالى المذكر بخشيته، والمشعر للقلوب بعظم سلطانه، ثم وصفهم بأثر هذا السهو وهو الرياء ومنع الماعون) . وذكر الأستاذ الإمام أن الرياء ضربان: رياء النفاق، وهو العمل لأجل رؤية الناس، ورياء العادة وهو العمل بحكمها من غير ملاحظة معنى العمل وسره وفائدته، ولا ملاحظة من يعمل له ويتقرب إليه به، وهو ما عليه أكثر الناس؛ فإن صلاة أحدهم في طور الرشد والعقل هي عين ما كان يحاكي به أباه في طور الطفولية عندما يراه يصلي، يستمر على ذلك بحكم العادة من غير فهم ولا عقل، وليس لله شيء في هذه الصلاة. وقد ورد في بعض الأحاديث أن من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا، وأنها تُلفُّ كما يُلفُّ الثوب البالي ويضرب بها وجهه، وأما الماعون فهو المعونة والخير الذي تقدم في الآية الأخرى أن من شأن الإنسان أن يكون منوعًا له إلا المصلين. قال الأستاذ الإمام في معنى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: ٥) أرشدتنا هذه الكلمة الوجيزة إلى أمرين عظيمين هما معراج السعادة في الدنيا والآخرة: (أحدهما) : أن نعمل الأعمال النافعة، ونجتهد في إتقانها ما استطعنا؛ لأن طلب المعونة لا يكون إلا على عمل بذل فيه المرء طاقته فلم يوفه حقه، أو يخشى أن لا ينجح فيه، فيطلب المعونة على إتمامه وكماله، فمن وقع من يده القلم على المكتب لا يطلب المعونة من أحد على إمساكه، ومن وقع تحت عبء ثقيل يعجز عن النهوض به وحده يطلب المعونة من غيره على رفعه؛ ولكن بعد استفراغ القوة في الاستقلال به، وهذا الأمر هو مرقاة السعادة الدنيوية، وركن من أركان السعادة الأخروية. (وثانيهما) : ما أفاده الحصر من وجوب تخصيص الاستعانة بالله تعالى وحده فيما وراء ذلك، وهو روح الدين وكمال التوحيد الخالص الذي يرفع نفوس معتقديه ويخلصها من رق الأغيار، ويفك إرادتهم من أسر الرؤساء الروحانيين والشيوخ الدجالين، ويطلق عزائمهم من قيد المهيمنين الكاذبين من الأحياء والميتين، فيكون المؤمن حرًّا خالصًا وسيدًا كريمًا، ومع الله عبدًا خاضعًا {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب: ٧١) . والاستعانة بهذا المعنى ترادف التوكل على الله، وتحل محله، وهو كمال التوحيد والعبادة الخالصة، ولذلك جمع القرآن بينهما في مثل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} (هود: ١٢٣) إن لفظ الاستعانة يُشْعِر بأن طلب العبد من الرب تعالى العون على شيء له فيه كسب ليعينه على القيام به، وفي هذا تكريم للإنسان بجعل عمله أصلاً في كل ما يحتاج إليه لإتمام تربية نفسه وتزكيتها، وإرشادٌ له؛ لأن ترك العمل والكسب ليس من سنة الفطرة ولا من هدي الشريعة، فمن تركه كان كسولاً مذمومًا، لا متوكلاً محمودًا، وبتذكيره من جهة أخرى بضعفه لكيلا يغتر فيتوهم أنه مستغنٍ بكسبه عن عناية ربه، فيكون من الهالكين في عاقبة أمره [١] . بمثل هذا الأسلوب الحكيم أخرج حضرة الأستاذ العلامة السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار تفسير القرآن الحكيم (المشتهر باسم تفسير المنار) وهو كما يقول بحق: (إنه التفسير الوحيد الجامع بين صحيح المأثور وصريح المعقول، الذي يبين حكم التشريع، وسنن الله في الاجتماع البشري، وكون القرآن هداية عامة للبشر في كل مكان وزمان، وحجة الله وآيته المعجزة للإنس والجان، ويوازن بين هدايته وما كان عليه سلفهم إذ كانوا معتصمين بحبلها بما يثبت أنها هي السبيل لسعادة الدارين، مراعيًا فيها السهولة في التعبير، مجتنبًا مزج الكلام باصطلاحات العلوم والفنون بحيث يفهمه العامة، ولا يستغني عنه الخاصة، وهذه هي الطريقة التي جرى عليها في دروسه في الأزهر حكيم الإسلام الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده. كان من سوء حظ المسلمين أن أكثر ما كتب من الكتب في التفسير يشغل قارئه عن المقاصد العالية والهداية السامية، فمنها ما يشغله عن القرآن بمباحث الإعراب وقواعد النحو ونكت المعاني ومصطلحات البيان، ومنها ما يصرفه عنه بجدل المتكلمين، وتخريصات الأصوليين، واستنباطات الفقهاء المقلدين، وتأويلات المتصوفين، وتعصب الفرق والمذاهب بعضها على بعض، وبعضه يلفته عنه بكثرة الروايات، وما مُزجت به من خرافات الإسرائيليات، وقد زاد الفخر الرازي صارفًا آخر عن القرآن، هو ما يورده في تفسيره من العلوم الرياضية والطبيعية وغيرها من العلوم الحادثة في الملة على ما كانت عليه في عهده كالهيئة الفلكية اليونانية وغيرها، وقلَّده بعض المعاصرين بإيراد مثل ذلك من علوم هذا العصر وفنونه الكثيرة الواسعة التي تصد قارئها عما أنزل الله لأجله القرآن. أخرج الأستاذ العلامة السيد رشيد رضا عشرة أجزاء من تفسير القرآن تقع في عشرة مجلدات، تبلغ ما يزيد عن خمسة آلاف صحيفة من القطع المتوسط، منها الخمسة الأجزاء الأول فسرها الأستاذ الإمام المرحوم الشيخ محمد عبده تفسيرًا جمع بين دقة المعنى وجزالة اللفظ، ورشاقة الأسلوب [٢] ، وللأستاذ الإمام منهج في التعبير يدل على نفاذ البصيرة، وقوة الإدارة، ومتانة الإيمان، حتى ليُخيل لقارئه أنه من رجال الصدر الأول. والشيخ محمد عبده من أفذاذ المصلحين، وكبار المفكرين، لم يُخرجه واسع علمه عن الاقتداء بالرسول العظيم، والاهتداء بسيرة السلف الصالح، ولم يزِلَّ قدمه في مهاوي الإسرائيليات، ولم يدخل في جدال مناقشات الطوائف التي جعلت من الإسلام والمسلمين شيعًا وأحزابًا، فهو إذا أتى على تفسير الجنة والنار مثلاً قال: إنها من عالم الغيب لا يجب أن نتعدى فيها قول الرسول المعصوم عملاً بقوله تعالى [٣] : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: ٤٤) وهذا ما يدل على رجاحة العقل وكبح جماح الهوى، وأن يقف في الدائرة التي وضعها الله في كتابه العزيز؛ لأن القرآن قبل كل شيء هو كتاب هداية وإرشاد، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (ص: ٢٩) {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} (النساء: ٨٢) وقد اقتفى الأستاذ السيد رشيد رضا أثر أستاذه الشيخ محمد عبده في التفسير سواء فيما وضعه من الآراء في الخمسة الأجزاء الأول، أو الباقي من التفسير حتى الجزء العاشر. وإن من يتصفح العشرة الأجزاء من التفسير الذي أخرجه الأستاذ العلامة السيد رشيد رضا يعلم منها سعة اطلاع المؤلف وغزارة معارفه وأمانته في النقل، وشدته على خصومه في الرأي، وإن الزمن الطويل الذي سلخه في إخراج تفسيره هو ما يزيد على العشرين سنة مع مثابرته على إخراج مجلة المنار أكثر من ثلاثين عامًا - تشهد لحضرة العلامة المؤلف بقوة الإرادة التي لم توجد في رجال المعاهد الدينية الإسلامية لا متفرقين ولا مجتمعين، والإسلام يُطعن من كل جانب من أهله ومن غير أهله، ولا يوجد من يدفع عنه بصبر وثبات غير هذا المؤلف الشجاع يناضل أكثر من ثلاثين عامًا ضد البدع والضلالات من الملحدين والمبشرين وغيرهم، ممن جعلوا هدم الإسلام غايتهم، واستعباد المسلمين هدفهم. لقد قرأت العشرة الأجزاء التي أخرجها المؤلف وهي تعتبر دائرة معارف فقهية إسلامية، وإذا كان هناك بعض ملاحظات فهي تأتي من ناحية استطراد المؤلف في بعض الموضوعات التي تخرج التفسير عن غرضه، كالكلام على ترجمة القرآن مثلاً فتقع في ٤٩ صفحة من الجزء التاسع، وبشارة التوراة والإنجيل بنبينا صلى الله عليه وسلم فتقع في ٧٠ صفحة، وترجمة عزير أو عزرا والثالوث عند الكلام على الآية الكريمة {وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} (التوبة: ٣٠) ... إلخ في ٣٤ صفحة في الجزء العاشر. إن طبيعة الأستاذ العلامة هي إلى النضال والكفاح أقرب منها إلى المسالمة، فهو إذا ما اعترضه خصومه في الرأي قذفهم بوابل حججه وأسانيده، وأخذ عليهم المسالك، وسد عليهم الطرقات، وقد يُنسيه حب الغلبة والقهر - في سبيل ما يعتقد أنه الحق - الدائرة التي وضع نفسه فيها، وكان يكفي في مثل هذه الموضوعات التي ذكرناها الإيجاز، وخصوصًا فيما يختص بالتوراة والإنجيل وأسانيدها إذ ورد عن المعصوم صلوات الله عليه وسلامه أننا لا نكذِّب ما جاء بها ولا نصدقه - موقف حياد - وقد ذكر الأستاذ ذلك في عدة مواضع وكان يجب عليه أن يقف عند ذلك. توجد بعض استطرادات أخرى خلافية، مثلاً عند تفسير الآية: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} (الأنعام: ١٢٨) سورة الأنعام، وقد عقد الأستاذ المؤلف فصلاً في الخلاف في أبدية النار وعذابها يقع في ثلاثين صفحة، وإن كان هذا الكلام يُعَدُّ من صلب الموضوع إلا إني أرى أن التلخيص والإيجاز أقرب إلى الفهم وأبقى في الذاكرة من الإسهاب والإطناب. لا يمكننا أن نفي حق العلامة المؤلف في مثل هذه العجالة الصغيرة من الثناء والتقدير. إن ما يجب أن أذكره لحضرة مؤلفنا الفاضل من الميزات التي يتفوق بها على أقرانه اعتصامه بالحديث وتحري صحيحه، وهذا ما يجعل حجته أقوى ضد خصومه، وكفته راجحة. وإنه ما أضعف المسلمين ولا فرقهم إلا التمسك بآراء بعض الفقهاء وتركهم للكتاب والسنة وهما مما يجب أن يضعهما نصب عينيه ولا يلتفت لأي من السلف الصالح، وقد قال الإمام الشافعي: (الحديث إذا صح فهو مذهبي) . قال السيد حسن صديق في تفسيره (فتح البيان في مقاصد القرآن) إن طاعة المتمذهب لمن يقتدي بقوله ويستن بسنته من علماء هذه الأمة مع مخالفته لما جاءت به النصوص وقامت به حجج الله وبراهينه ونطقت به كتبه وأنبياؤه - هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أربابًا من دون الله، للقطع بأنهم لم يعبدوهم بل أطاعوهم وحرَّموا ما حرَّموا وحللوا ما حللوا، وهذا صنيع المقلدين من هذه الأمة وهو أشبه به من شبه البيضة بالبيضة، والتمرة بالتمرة، والماء بالماء، فيا عباد الله ويا أتباع محمد بن عبد الله، ما بالكم تركتم الكتاب والسنة جانبًا، وعمدتم إلى رجال مثلكم في تعبد الله لهم بهما، وطلبه للعمل منهم بما دلا عليه وأفاداه؟ فعملتم بما جاءوا به من الآراء التي لم تعمد بعماد الحق، ولم تعضد بعضد الدين ونصوص الكتاب والسنة، بل تنادي بأبلغ نداء، وتصوِّت بأعلى صوت بما يخالف ذلك ويباينه، فأعرتموهما آذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلفًا، وأفهامًا مريضة، وعقولاً مهيضة، وأذهانًا كليلة، وخواطر عليلة، وأنشدتم بلسان الحال: وما أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد فدَعُوا - أرشدكم الله وإياي - كتبًا كتبها لكم الأموات من أسلافكم، واستبدلوا بها كتاب الله خالقهم وخالقكم، ومتعبدهم ومتعبدكم، ومعبودهم ومعبودكم، واستبدلوا بأقوال من تدعونهم بأئمتكم وما جاءوا به من الرأي، أقوال إمامكم وإمامهم، وقدوتهم وقدوتكم، وهو الإمام الأول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. دعوا كل قول عند قول محمد ... فما آمن في دينه كمخاطر اللهم هادي الضال مرشد التائه موضح السبيل اهدنا إلى الحق وأرشدنا إلى الصواب وأوضح لنا منهج الهداية اهـ. ليس الإسلام بدين أماني وأوهام، بل هو دين إيمان مقرون بصالح الأعمال، وقد وضع الله سننًا محكمة من اتبعها نجا وسعد، ومن حاد عنها ضل وشقي. قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (النساء: ١٢٣-١٢٤) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل، إن قومًا ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحن نحسن الظن بالله تعالى - كذبوا - ولو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل) . وقصارى القول: إن تفسير المنار الذي أخرجه العلامة السيد رشيد رضا جدير بالثناء والإعجاب، وأن يقرأه كل محب للاطلاع على ما يرمي إليه القرآن الكريم من إصلاح الأمم التي يدعوها للتمسك بآدابه وأحكامه، وإن هذا التفسير يتمشى مع روح العصر الحاضر، فجزى الله المؤلف خير ما يجزي به العاملين، ووفقه إلى إتمام بقية الأجزاء الباقية حتى يتم للناشئة الإسلامية تفسيرًا شاملاً يغنيهم عن كثير من التفاسير، ويهديهم إلى التمسك بما جاء به كتاب الله العزيز، وسنة رسوله الكريم {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (النحل: ١٢٨) . ... ... ... ... ... يحيى أحمد الدرديري ... ... ... دكتور في الحقوق وليسانسيه في العلوم السياسية
(المنار) نشكر الدكتور العلامة يحيى تقريظه العلمي ونقده الوجيه، ونسأل الله تعالى أن يُكْثِر من أمثاله في أنصار الإسلام من أساتذة علوم هذا العصر، وعذرنا في تلك الاستطرادات الطويلة شدة حاجة المسلمين الباحثين إلى تحقيق القول فيها مع العلم بأن قراء تفسيرنا أكثر من قراء مجلتنا المنار المختصة بها، وما اشتدت الحاجة إلى بيانه ودحض الشبهات فيه فلا يتجلى الحق فيه للجمهور إلا بالبسط والإطناب، وأما الشدة على المخالف فسببها ما ابتلينا به من مناظرات دعاة النصرانية المبشرين السفهاء، وأنصار البدعة الأغبياء، وقد شرعنا في اختصار التفسير وإكماله مختصرًا ومطولاً كما اقترح علينا الكثيرون، ليأخذ كل من طلاب الإسهاب وطلاب الإيجاز حاجته، ونسأله تعالى التوفيق لإنجازهما.