للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(الدولة العلية والحرب)
تستعد الدولة العلية للحرب؛ لأن الفتنة في بلادها لا تزال تزداد وقد كنا في
خوف عظيم من روسيا حتى أعطتنا الجوائب الأوربية بعض الاطمئنان من جهة
روسيا نفسها ومن جهة الدول العظمى. أما روسيا فقد قررت ترك منشوريا بسبب
العسر المالي والمعسر لا يضرم نارًا للحرب مختارًا لا سيما إذا كان خصمه من
أقرانه في ميادين الكفاح. وأما أوربا فإننا نرى إنكلترا تتقرب من فرنسا، وفرنسا
تقبل تقربها بقبول حسن ولا نرى سببًا لزيارة ملك الإنكليز للجمهورية الفرنسية إلا
إقناعها بعدم إعانة روسيا على حرب تركيا؛ بل عدم إجازتها على الحرب لما في ذلك
من الخطر العظيم على أوربا كلها. أما الحركات العسكرية التي تجريها روسيا
فليست أكبر مما يعتاد في أيام السلم من الاستعداد والتمرين ولله في غيبه شؤون.
فإذا كان استمرار بغاة مكدونية على بغيهم وتماديهم في ثورتهم اتكالاً على
البلغار والصرب فلا خطر على الدولة من ذلك، وهي قادرة على تدويخهم وإن لم
تستفد من ذلك شيئًا لما علمناه من تعصب أوربا عليها، واتفاق الدول الكبرى على
منع المسلمين من الانتفاع من النصارى أو التسلط عليهم ولو بحق، والناس يوجسون
خيفة من تألب الألبانيين وخروجهم لعدم الرضى بمطالب أوربا. وروسيا والنمسا
تلحان على الدولة بوجوب كبحهم وإخضاعهم دون المكدونيين؛ لأنهم مسلمون،
ولعل حكمة مولانا السلطان تكفي الدولة مغبتهم بالتي هي أحسن.
***
(ثورة مراكش)
لا يزال أمر الخارج على سلطان مراكش في استفحال وقد طمع في الملك
وتجرأ على خطاب بعض الدول بالاعتراف بكونه السلطان الرسمي لمراكش ويقال
إنه سيزحف على فاس وهذه عواقب الجهل والإهمال، وسننشر في جزء تالٍ
شروط الصلح بين صاحب مراكش ولويس السادس عشر ملك فرنسا؛ ليعلم مَن لم
يقرأ التاريخ أن عهد مراكش بالعزة والقوة غير بعيد.
***
(فرنسا والجزائر)
كنا كتبنا مقالة عنوانها (فرنسا والإسلام) ، نصحنا فيها لهذه الدولة العظيمة
بأن تعامل مسلمي مستعمراتها بالحسنى لتملك قلوبهم وتأمن غائلتهم.
ونحن نعلم أن فرنسا لم تكن مرتاحة إلى تلك المعاملة القاسية التي كانت تعامل
بها مسلمي الجزائر ولكنها كانت ترى أنها هي الطريقة المتعينة، وأنه يجوز أن
يظهر لها خير منها. وفي هذه الأيام قد زار الجزائر رئيس الجمهورية وبشر
الأهلين بأن هذه الزيارة مبدأ معاملة جديدة مرضية وبالغ في استمالة القلوب وطلب
الائتلاف، ولولا العزم على حسن الفعل لما صدر عنه مثل هذا القول وما جزاء
الإحسان إلا الإحسان!
***
(المدرسة القضائية في السودان)
علمنا أن حكومة السودان قد قررت إنشاء مدرسة لتخريج القضاة الشرعيين
واشترطت في تلامذتها أن يكونوا قبل الدخول فيها معروفين بالاستمساك بالدين
تخلقًا وعملاً، وأن يكونوا عارفين ما تجب معرفته من العقائد الإسلامية والعبادات
وصاحِبِِي إلمام بأحكام المعاملات. ومدة الدراسة أربع سنين والعلوم التي تعلم فيها
هي الخط والإملاء والحساب والهندسة وتقويم البلدان والتجويد والتوحيد والمنطق
والحديث والتفسير والفقه وأصوله، والنحو والصرف والبلاغة والإنشاء وتاريخ
الإسلام والآداب الدينية، وحكمة التشريع والتمرينات القضائية والتوثيقات ونظام
المحاكم، ومما يدرس فيها كتاب إحياء العلوم وكتاب حجة الله البالغة.
وإننا نتمنى لو يبادر أولياء الأمر في مصر إلى مثل العمل الذي كنا اقترحناه
على مشيخة الأزهر من نحو أربع سنين، فإن داء المحاكم الشرعية في مصر لا
يمكن برؤه إلا بتربية القضاة تربية تؤهلهم للقيام بأعبائه كما صرح به اللورد
كرومر في تقريره وكما يعلمه كل عاقل بصير. وهذه الدولة العلية لها مدرسة
مخصوصة لتخريج القضاة (مكتب النواب) وهي غير مدرسة الحقوق فالواجب
على أولي الأمر في مصر العمل بما كنا اقترحناه من انتخاب طائفة من نابغي
الأزهر يعلمون فيه التعليم القضائي ليكون قضاة فإن كان هناك مانع من تعصب
المشيخة فالمتعين إنشاء مدرسة مخصوصة لذلك.
وإننا لنتنسم من حكومة السودان أنها ستحمي الإسلام في تلك الأقطار وتقيم
أحكامه فإن هي فعلت فلا شك أنها تمتلك جميع ما بقي مستقبلاً من الممالك السودانية؛
لأن المسلمين في تلك الأقطار شديدو التمسك بدينهم والتعصب له كأهل الجزائر فإذا
قيدوا به سلسوا للانقياد. وإلا أصروا على العدوان والعناد. وإن لدينا نبأ من تقرير
قاضي قضاة السودان عن المحاكم الشرعية يبشر بسير حسن وعاقبة حميدة، ونية
للحكومة سليمة وسننشره في الجزء الآتي إن شاء الله تعالى.
***
(تنبيه)
ضاق هذا الجزء عن باب التقريظ ومنه تتمة الكلام في انتقاد رسالة الشيخ
محمد بخيت ولدينا انتقاد على عبارة في التفسير وموعدنا في ذلك الجزء الآتي إن
شاء الله تعالى.