تاريخها ومبتدعها ومنكروها وادعاء مجلة مشيخة الأزهر شرعيتها
(سئلنا عن هذه الزيادة، فأفتينا في مجلة المنار بأنها بدعة منكرة، وسئلت عنها مجلة مشيخة الأزهر فأفتت بأنها بدعة حسنة، ورد علينا مفتيها الشيخ يوسف الدجوي ردًّا ضمَّنَه تلك البهائت السبع المفتريات، التي فضحنا جهله وكذبه فيها بثلاثة عشر مقالاً متتابعات، وهذا مقال خاص برد شبهاته على بدعة الأذان. الأذان شعيرة من شعائر الإسلام التعبدية مروي بالتواتر والعلم من عهد الرسول صلوات الله وسلامه عليه، منقول في جميع كتب السنة وفقه أئمة أهلها , معدود الكلمات , موصوف الأداء , وكل عبادة هذا شأنها في ثبوتها وصفاتها يجب فيها الاتباع بلا زيادة ولا نقصان، ولا يقبل فيها رأي أحد بشبهة قياس أو استحسان، بخلاف العبادات المطلقة من ذكر الله تعالى أو صلاة نافلة غير معينة أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فكل امرئ مخير في الإكثار منها ما شاء بشرط أن تكون الصلاة على الصفة المأثورة، وأن لا يلتزم فاعل العبادة المطلقة قيودًا لها من الزمان أو المكان أو الجهر أو الجماعة تخرجها من دائرة إطلاق الشرع لها وتدخلها في أعداد ما سماه الإمام الشاطبي بالبدع الإضافية المخرجة لها عن إطلاقها، ولذلك قال الفقهاء في صلاة ليلة الرغائب من رجب وليلة النصف من شبعان اللتين اعتادهما بعض العباد: (إنهما بدعتان قبيحتان مذمومتان) كما في المنهاج للنووي وغيره. فالعبادات منها ما هو مقيد بعدد أو زمان أو مكان أو وصف فالواجب فيه التزام القيد المأثور عن الشارع، ومنها ما ورد مطلقًا غير مقيد فيلتزم فيه الإطلاق والأذان من النوع الأول، فلا يباح أن يزاد فيه ولا عليه ولا أن ينقص منه. وقد ابتدع فيه الشيعة في مصر وغيرها ما بينه العلامة المقريزي في أوائل الجزء الرابع من خططه المصرية المشهورة بعد بيان أصله ونصوص السنة فيه، وقَفَّى على ذلك بإبطال السلطان صلاح الدين لما ابتدعه الفاطميون فيه وإعادته لما كان عليه من مذهب أهل السنة وما حدث بعد ذلك من الابتداع فيه فقال ما نصه: (وأما مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم إلى أن استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستين وخمسمائة، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله فأبطل من الأذان قول (حي على خير العمل) وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكة وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في مصر فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصلاة أيضا على رأيهم، وما عدا ذلك فعلى ما قلنا. إلا أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شيء أحدثه محتسب القاهرة صلاح الدين عبد الله بن عبد الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة، فاستمر إلى أن كان في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ومتولي الأمر بديار مصر الأمير منطاش القائم بدولة الملك الصالح المنصور أمير حاج المعروف بحاجي بن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون، فسمع بعض الفقراء الخلاطين سلام المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة جمعة، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه فقال لهم: أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان؟ قالوا نعم فبات تلك الليلة وأصبح متواجدًا يزعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان، فمضى إلى محتسب القاهرة وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي (وكان شيخًا جهولاً، وبلهانًا مهولاً، سَيِّئَ السيرة في الحسبة والقضاء، متهافتًا على الدرهم ولو قاده إلى البلاء، لا يتحشم من أخذ البرطيل والرشوة. ولا يراعي في مؤمن إلاًّ ولا ذمة. قد ضَرِيَ على الآثام، وتجسد من أكل الحرام، يرى أن العلم إرخاء العذبة ولبس الجبة، ويحسب أن رضا الله سبحانه في ضرب العباد بالدرة وولاية الحسبة. لم تحمد الناس قط أياديه، ولا شكرت أبدًا مساعيه، بل جهالته شائعة، وقبائح أفعاله ذائعة، أشخص غير مرة إلى مجلس المظالم، وأوقف مع من أوقف للمحاكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح. حقق فيها شكاته عليه القوادح، وما زال في السيرة مذمومًا، ومن العامة والخاصة ملومًا) وقال له رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم: (الصلاة والسلام عليك يا رسول الله) كما يفعل في ليالي الجمع، فأعجب الجاهل هذا القول، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته، إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته، وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة فيما شرعه حيث يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى: ٢١) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور) فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة، وتمت هذه البدعة، واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر وبلاد الشام، وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحل تركه، وأدى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون) اهـ ما قاله المقريزي بنصه: هذا أصل هذه البدعة وسببها، وهو افتراء بعض الدجالين الخرافيين من أهل الطريق على رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا أمر بها ذلك المحتسب الظالم الفاجر بتعميمها. وحسبك ما كتبه العلامة المقريزي في إنكارها وتسفيه مبتدعها، ولعله يعني بما زاده عليها بعض أهل الإلحاد في بعض قرى مصر من السلام على بعض المعتقدين الذين ماتوا سلامهم على السيد أحمد البدوي. وقد انتقل هذا من بعض القرى إلى الأمصار حتى القاهرة نفسها، وزيد على السلام عليه نداء السيد ودعاؤه متصلاً بالأذان أيضًا. فقد سمعت مؤذن الفجر في أول دار سكنتها بمصر يصيح بعد الأذان: يا شيخ العرب! مع كلمات لم أتبينها. وما كنت أعلم أن هذا لقب البدوي. إن شر مفاسد البدعة أنها بطول الزمان تُعْطَى حكم السنة المشروعة، فيعد فاعلها متبعًا، ومنكرها مبتدعًا، ويخترع أدعياء العلم العلل والشبهات لشرعيتها. والقاعدة العامة عندهم لإثبات كل بدعة قولهم: (بدعة حسنة) وهو مصادم لنص الحديث الصحيح الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله على المنبر: (وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم، وهو مُجْمَع على معناه في البدع الدينية، وإنما قال من قال من العلماء: إن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة في البدعة اللغوية، وهي ما يخترعه الناس ويضعونه من العلوم والفنون والصناعات والأعمال، والأذان من العبادات التي يلتزم فيها الاتباع بإجماع السلف والأئمة المجتهدين. وقد عرَّف العلامة الشاطبي البدعة الدينية في كتابه الاعتصام بأنها (طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه) ثم نقل عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه قال: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة: ٣) فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا. اهـ. وقد احتج نصير البدع الشيخ يوسف الدجوي على شرعيتها في مجلة مشيخة الأزهر بما جاء في بعض الأحاديث الواردة في جواب المؤذن وهو (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ) الحديث هكذا ذكر منه ما وافقه وعزاه إلى صحيح مسلم - ونزيد عليه أنه رواه أحمد وأصحاب السنن أيضًا إلا ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو - (ثم قال) : وإن المؤذن ممن سمع الأذان وكل من سمع الأذان طُلِبَ منه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وأقول: إن هذا قد ذكره الفقهاء المتأخرون، وزاد هو عليهم أنه مخير في هذه الصلاة من وصلها بالأذان مع رفع الصوت وعدمه، وهذه الشبهة مردودة من وجوه: (أولها) أن من المعلوم بالاختبار أن المؤذنين يقلد بعضهم بعضًا في هذه الزيادة ولا يقصدون بها اتباع هذا الحديث ولا غيره مما ورد في إجابة المؤذن ويقل فيهم من يعرفها. وتتمة هذا الحديث: (.... ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة) والمؤذنون لا يسألون له الوسيلة، ولم يذكر الشيخ الدجوي هذه التتمة؛ لأنها تدحض شبهه. (ثانيها) أن المؤذن لو كان يأتي بهذه الصلاة لإجابة نفسه عملاً بالسنة لأتى بكل ما ورد في السنة من الأدعية في هذه الإجابة وأشهرها في هذه الإجابة الدعاء المفسر لطلب الوسيلة في الحديث الذي احتج به، وهو كما في حديث آخر أصح منه (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة) رواه أحمد والبخاري وأصحاب السنن من حديث جابر بن عبد الله. (ثالثها) أن وصلها بالأذن مع رفع الصوت يوهم من لا يعرف السنة فيه أنها منه، أو أنها مشروعة. وقد قال المقريزي: إن العامة وأهل الجهالة يرون أن هذه الزيادة من جملة الأذان الذي لا يحل تركه، وأكثر الناس في هذا العصر يجهلون السنة؛ فلذلك ينكرون على من أذن الأذان الشرعي مقتصرًا عليه، ولم يزد عليه هذه الصلوات والتسليمات، ويطعنون فيه وفيمن ينكر هذه الزيادة أو العلاوة بأنه عدو للرسول صلى الله عليه وسلم فانقلب الشرع، وانعكس الوضع، وصار الذي يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤذن كما كان يؤذن المؤذنون له ولخلفائه الراشدين يُعَدُّ عدوًّا له، والمبتدع في ملته، المخالف لسنته، المتبع لذلك الفقير الخلاط المفتري على النبي صلى الله عليه وسلم وللبرلسي المحتسب الفاسق هو التقي المتبع له صلى الله عليه وسلم وهذا شر غوائل هذه البدع. (رابعها) أن الذي فهمه الصحابة ومنهم مؤذنو المصطفى صلى الله عليه وسلم أن إجابة المؤذن بقولهم مثل ما يقول إلا الحَيْعَلَتَيْنِ فيقول عندهما: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له وسائر الأدعية هي من الأذكار التي يقولها كل سامع له منفردًا بخفض الصوت، فلم يرو أحد من المحدثين عن مؤذنيه صلى الله عليه وسلم ولا مؤذني خلفائه الراشدين ولا مؤذني خير القرون ولا عن غيرهم من الصحابة والتابعين أنه رفع صوته بذلك كالأذان فضلا عن وصل المؤذنين له بالأذان ولا ما دون الأذان مما ورد فيه رفع الصوت كإقامة الصلاة وهي الأذان الثاني فعلينا اتباعهم، ورفع الصوت فيه خلاف الأصل فلا يتوقف إنكاره على نهي الشارع عنه، ولو كان مشروعًا لجاز لأهل المسجد عند الأذان والإقامة أن يرفعوا أصواتهم بإجابتها بمثل صوت المؤذن، ومن ذا الذي لا يقول: إن هذا عمل منكر؟ ومن ذا الذي ينكر على المؤذن أن يأتي بالأذكار المأثورة في إجابته وهو منصرف من الأذان بصوت خاشع كما يجيبه سائر من سمعه؟ (خامسها) أننا قد بينا أن ما أطلقه الشرع من العبادات فليس لنا أن نقيده بصفة نلتزمها فيها لم ترد في الشرع كالأذكار المأثورة بعد الصلاة، وذلك مفصل في كتاب الاعتصام للعلامة الشاطبي فقد عَدَّ من البدع الإضافية اجتماع المصلين ورفع أصواتهم بالتسبيح والتحميد والتكبير ٣٣ مرة وغير ذلك والتزامهم إياه في المسجد؛ لأنه يوهم أنه مشروع بهذه الصفة، ووصل أذكار إجابة المؤذن بالأذان برفع الصوت على المنار أولى بذلك. وإنني أؤذن لصلاة الفجر في روشن الدار كل يوم تقريبًا ثم أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا منصرف من الأذان وأسأل له صلى الله عليه وسلم الوسيلة باللفظ المروي عنه في الصحاح والسنن وغير ذلك مما ورد. (سادسها) ولو كان المؤذن يقصد بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد الأذان ما ورد عنه في جواب النداء لما تركه في صلاة المغرب، بل لأتى به بعدها وزاد عليه الدعاء المأثور بعده وهو (اللهم هذا إدبار ليلك، وإقبال نهارك، وأصوات دعائك، فاغفر لي) رواه أبو داود والترمذي من حديث أم سلمة رضي الله عنها ولما زاد عليه بعضهم بعد أذان الفجر نداء شيخ العرب البدوي، فبذلك دحضت شبهات مجلة الأزهر كلها، وثبت أن ما يزيده المؤذنون ليس إلا بدعة يجب إنكارها. (سابعها) من مفاسد هذه البدعة أنه لما كان الوهابية يتبعون السنة في أذانهم ويمنعون الزيادة فيه أو عليه وهم مبتدعة في زعم الدجوي رماهم المبتدعون بأنهم لا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقًا حتى إن المرحوم التقي النقي محمد أمين بك الرافعي لما حضر مجلس الملك عبد العزيز الفيصل بن السعود بمكة المكرمة وسمعه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكره، وإن تكرر ذكره في المجلس مرارًا كثيرة متوالية استغرب ذلك وكتبه في جريدته (الأخبار) وقال: إنه ما رأى أحدًا مثله في ذلك أي لا في مصر ولا في غيرها. وأغرب من هذا أن بعض حجاج بلدنا قال لي بمكة المكرمة: إن الناس قالوا لنا: إن الوهابية منعوا من الأذانِ الشهادةَ لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة وقد سمعت جميع المؤذنين ينطقون بها. فقلت له: هذا من افتراء الناس عليهم وذكرت له سببه. وقال بعض الناس مثل هذا مرة لوكيل إدارة المنار فدله الوكيل على دار الوكالة العربية للحكومة السعودية وقال له: اذهب إليها في هذا اليوم وكان يوم الجمعة تر فوقها علمًا أخضر، فاقرأ ما فيه لتعلم كذب هذا القول بالمشاهدة - فإن فيه (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) وهذا شعار الوهابية، فبُهِتَ الرجل. رد علينا الأستاذ الدجوي من وجوه غير ما تقدم نوجز الكلام في الجواب عنها فنقول: (١) زعمه أنه خفي علينا الفرق بين الزيادة في الشيء والزيادة على الشيء وهذا من الثاني - ونقول: لا فرق بينهما في المعنى المقصود، فهي على كل حال زيادة متصلة بعبادة من شعائر الإسلام لم يأذن بها الله، وقد سماها المقريزي قبلنا زيادة في الأذان. (٢) قوله: إنه ليس أول من قال: إنها بدعة مستحسنة بل علماء المذاهب الأربعة مُصَرِّحُونَ بذلك وجوابه - إن صح النقل - أن هؤلاء العلماء (المتأخرين ليسوا من الأئمة المجتهدين بالاتفاق بيننا وبينه فقولهم كقوله لا يعتد به؛ إذ لا دليل لهم عليه، ولا يجوز تقليدهم فيه باتفاق من يقول بجواز التقليد أو وجوبه على العاجز عن الاستدلال لأنهم إنما يقولون بتقليد المجتهد وهؤلاء لا يدعون الاجتهاد، بل يعيبون علينا الاستدلال بالكتاب والسنة لأنهم يعدونه من الاجتهاد المتعذر ويتهكمون بنا ثم يفعلون مثل فعلنا، ولكنهم يستدلون بأقوال أمثالهم. (٣) قوله: إنه (ليس كل ما لم يفعل في عهده صلى الله عليه وسلم يكون بدعة سيئة، ومن فهم أن ذلك داخل في الحديث: (وكل بدعة ضلالة) فهو من أقل الناس علمًا، وأضيقهم عقلاً) ونقول: إن كل ما لم يفعل في عصره صلى الله عليه وسلم من العبادات ولا سيما شعائر الإسلام فهو البدعة السيئة بخلاف أعمال الخير غير التعبدية كتأليف الكتب العلمية النافعة وبناء القناطر والمستشفيات مثلا، وقد صرَّح بهذه التفرقة كبار العلماء، ومن لم يفهم هذا فلا فهم له ولا علم ولا عقل. (٤) قوله: إن هذه البدعة تدخل في عموم حديث: (من سن سنة حسنة) إلخ ونقول: إن هذا خطأ ظاهر، فعلماء المسلمين سلفهم وأئمة الخلف منهم مُجْمِعُونَ على أنه ليس لأحد أن يسن في العبادات المشروعة سنة جديدة كما بيَّناه آنفًا. ومقلدة الخلف يقولون هذا أيضًا ولكن منهم من يخالفه كما فعل هو ومن يحتج بقولهم، وهو ليس بحجة بإجماع علماء الأصول. (٥) قوله: (ليس هناك من يجعل الزيادة من الأذان بدليل أنها تترك في أذان المغرب، وبدليل أنهم يطيلون تارة ويقصرون، وبدليل ما ذكره هو (يعنينا) أنهم قد ينادون شيخ العرب (السيد البدوي) فهل يفهم أن ذلك كله من الأذان؟) وجوابه أن الجاهلين يفهمون أنه من الأذان كما قال المقريزي، ومن لم يفهم أنه منه يعتقد أنه مشروع في الإسلام، ولذلك ينكرون على من يتركه كما تقدم، وإنما هذا حجة عليه، مبطل لزعمه أنهم يقصدون به اتباع السنة في جواب المؤذن وتقدم تفصيله، على أن الكلام في هذا الفعل المبتدع لا في تسميته، فسواء عليهم أَجَعَلُوه أو سموه من الأذان كما يفهم جماهير العوام أم جعلوه من إجابة المؤذن لنفسه كما زعم هو (الدجوي) حتى قال: إنهم اقتتلوا في بعض القرى أو كادوا يقتتلون في اختلافهم فيه، هو على كل حال ابتداع في الدين وشرع لم يأذن به الله، فجميع هذه الأجوبة حجة على قائلها لا له، وإذا أمكن المِرَاء في بعضها فلا يمكن في جملتها. وخلاصة القول: أن هذه الزيادة في الأذان أو عليه أو العلاوة له بدعة أحدثها بعض الفساق في آخر القرن الثامن، وزيد عليها فيما بعده ما لا شبهة في بطلانه فيجب إنكارها والسعي لمنعها، وعدم إطالة الجدل لإثبات استحسانها. وهذا هو الذي يصح أن يدخل فيما أمر الكتاب العزيز به من رد التنازع إلى الله والرسول. وهو الذي يمكن أن تجتمع كلمة الأمة عليه إذا دعاها إليه علماؤها بناء على أنه هو الذي كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم، ومن يقول: إنها بدعة غير سيئة أو حسنة لا يقول: إنها خير مما كان عليه المسلمون في ذلك العهد. وهذا معلوم بالضرورة لا يخالف فيه أحد. وإن من شر مفاسد هذه البدع في الدين أن يتعصب لها أهلها مع تهاونهم في السنن وفي الفرائض أيضًا، وأعجب من ذلك إقرار أدعياء العلم للمبتدعين على بدعهم، وأعجب من هذا الأعجب تأولها لهم، والرد على منكريها عليهم {وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} (المائدة: ٤١) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ((يتبع بمقال تالٍ))